التحليلات

ترامب واليمن: رهانات معقدة وحالة من اللايقين

صورة توضيحية (بواسطة نيويورك تايمز ومركز ساوث 24، وين ماكنامي/ جيتي)

24-11-2024 الساعة 4 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

"الوضع الحالي يضع الأطراف اليمنية بين مطرقة الاعتماد على السعودية، مما يقيّد مناهضي الحوثيين، وسندان التواصل مع ترامب الذي قد يفرض تكاليف باهظة.."

سوث24 | فرناندو كارفخال


خلال الفترة التمهيدية للانتخابات الرئاسية بالولايات المتحدة، تواصل أمريكيون من أصل يمني من كافة الأطياف السياسية مع ترامب. وبجانب ضغطهم من أجل وضع نهاية للصراع في غزة، أثاروا معه مخاوفهم بشأن الحرب في اليمن وحالة الإحباط التي تعتريهم تجاه إدارة بايدن. وعلاوة على ذلك، قاموا بالضغط على ترامب من أجل تبني خط متشدد ضد الحوثيين ووضع خطة سلام.


قبيل انتخابات الرئاسة الأمريكية التي أجريت في الخامس من نوفمبر الجاري، كانت اليمن تتأرجح بين احتمال استمرار الوضع الراهن حال فوز كامالا هاريس أو حالة فوضوية من اللا توقع إذا فعلها دونالد ترامب. ومنذ إعلان نتائج الانتخابات بانتصار المرشح الجمهوري، تعهد الحوثيون بمواصلة هجماتهم في البحر الأحمر والبحر العربي. وبالمقابل، تتبارى الأطراف اليمنية لجذب الاهتمام، كما يستعد التحالف العربي لاحتواء نهج أمريكي متشدد تجاه إيران. لقد أحبط ترامب الناخبين بالفعل من خلال حكومته المناصرة بشدة لإسرائيل مما يساهم في تغذية الدعاية الحوثية. بيد أن قائمة مرشحيه لوزارتي الخارجية والدفاع وسفيرة الأمم المتحدة تمنح المراقبين فهما أفضل يتعلق بنهج الرئيس المنتخب تجاه الصراع في اليمن. إن اللاتوقع، الذي يرتبط بنهج ترامب العملي في صناعة القرار ودوافع تحقيق الربح، ما يزال يشكل الهاجس الأكبر للمحللين والقادة الإقليميين.


يملك الملف اليمني مكانًا مميزا في السياسة الخارجية الأمريكية منذ حقبة إدارة أوباما. من المثير للاهتمام أن هذا الأمر جاء نتيجة لوضع الاتفاق النووي مع إيران كأولوية. لقد أعطت الولايات المتحدة المملكة السعودية شارة القيادة في اليمن خلال الحرب الأهلية المستمرة. ولكن بخلاف أوباما، لم يركز ترامب على المؤسسات في إدارة العلاقات مع المملكة السعودية. خلال ولايته الأولى (2017 - 2021)، استخدم ترامب بعض الأفراد، مثل صهره جاريد كوشنر، للتواصل مع ممالك الخليج الثرية. نشاهد الآن بالفعل استخدام هذا النهج إبان استعداد ترامب لبدء ولايته الثانية. في نهاية الأسبوع الماضي، جلس ياسر الرميان رئيس صندوق الاستثمارات العامة السعودي بجوار ترامب خلال مشاهدة نزال تابع لاتحاد "يو إف سي". علاوة على ذلك، أجرى الرئيس الإماراتي محمد بن زايد زيارة لترامب في سبتمبر في منتجعه مارالاجو الفاخر. 


ينبغى على المراقبين تذكر أن  تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية في يناير 2021 لم يكن  نتيجة لاقتراح من مؤسسات أمريكية، ولكن استجابة لضغوط من شركاء إقليميين. بيد أن هؤلاء الشركاء ربما لا يرون حاليا أن هذا النهج بناء، وإلا لكانت هذه الدول استخدمت كافة نفوذها على الرئيس بايدن لإعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية. ينبغي أن يضع المراقبون في أذهانهم أن رئيس الوزراء اليمني الحالي أحمد بن مبارك كان سفيرا لبلاده في واشنطن أثناء ولاية ترامب الأولى، وكانت تجمعه علاقة وطيدة مع كوشنر ومستشارين آخرين.


في عهد ترامب، سوف يظل اليمن عالقا بين المتوقع واللامتوقع. من الصعب بالطبع تحديد سياسة إدارة ترامب في الوقت الحالي نظرا للعملية الانتقالية، وفقا للدكتور ثيودور كاراسيك، الزميل غير المقيم بمؤسسة "جيمس تاون". ويتفق معه محمد القدحي، كبير المستشارين السياسيين بـ "مركز الحوار الإنساني" قائلا: "ترامب صعب التنبؤ.. ولكننا قد نرى من إدارته ممارسات متشددة (أو أكثر تشددا)". ومع ذلك، فإن ولاية ترامب الأولى تقدم أدلة وافرة حول ملامح سياسته الخارجية وأهدافه. أولوية ترامب الرئيسية تتمثل في الربح الشخصي. ولذلك، يمكننا توقع المزيد من الصفقات مع دول مجلس التعاون الخليجية وخلق المليارات من خلال فرص تجارية. وقد يشكل هذا قوة معتدلة حيث لا تتحمل بلدان مجلس التعاون الخليجي التصعيد أو توسع الصراع المسلح بين إيران وإسرائيل. على سبيل المثال، لا تستطيع المملكة السعودية المضي قدما في اتفاق التطبيع مع إسرائيل في ظل الوضع الحالي في غزة ولبنان. ربما تستطيع دول الخليج ترويض نهج "الضغط الأقصى" الذي يتبناه ترامب، والبحث عن تخفيف التوترات مع طهران، مع توقعات بقدرة الرئيس المنتخب  على احتواء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وتفعيل وقف إطلاق نار فوري عبر الأراضي المحتلة.


اليمنيون، بين المطرقة والسندان


تعد منطقة الشرق الأوسط اليوم أكثر صعوبة مما كانت عليه في ولاية ترامب الأولى. اليمن بالتحديد بات ملعبًا مختلفًا تمامًا مقارنة بالوقت الذي تجرأ فيه ترامب على شن عمليات عسكرية عام 2017. لقد أصبحت قدرات الحوثيين أكثر تطورًا بفارق شاسع مما كانت عليه حيث أظهروا قدرة على استمرارية التهديد خارج الأراضي اليمنية. يأتي ذلك في وقت تئن فيه الحكومة الشرعية، الممثلة في مجلس القيادة الرئاسي، من الانقسام العميق والأزمات الاقتصادية الشديدة في أرجاء المناطق المحررة بجنوب اليمن.


منذ إلغاء الرئيس بايدن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية في يناير 2021، تواجه السعودية أعباء ثقيلة في اليمن. مارست الرياض ضغوطا على ترامب لتصنيف الحوثيين كإرهابيين من أجل اكتساب نفوذ في المفاوضات مع جماعة صنعاء. بيد أن بايدن سرعان ما سحب البساط من تحت أقدام المملكة في وقت حذر فيه مسؤولون أمميون ومنظمات غير حكومية من زيادة عمق الأزمة الإنسانية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. وقام بايدن لاحقا بتعيين تيم لندركينج مبعوثا أمريكًيا خاصا لليمن، مضيفًا للصراع طبقة دبلوماسية غير متوقعة.


وخلال الفترة التمهيدية للانتخابات الرئاسية بالولايات المتحدة، تواصل أمريكيون من أصل يمني من كافة الأطياف السياسية مع ترامب. وبجانب ضغطهم من أجل وضع نهاية للصراع في غزة، أثاروا معه مخاوفهم بشأن الحرب في اليمن وحالة الإحباط التي تعتريهم تجاه إدارة بايدن. وعلاوة على ذلك، قاموا بالضغط على الرئيس المنتخب من أجل تبني نهج متشدد ضد الحوثيين ووضع خطة سلام. وقال شخص مطلع على المناقشات إن اليمنيين ناشدوا ترامب غلق مكتب المبعوث الأمريكي الخاص الذي أنشأه الرئيس بايدن. تعكس هذه المطالب مستوى الإحباط بين اليمنيين على مدار الأعوام الأربعة الأخيرة.


على مدار ولايته الرئاسية، واجه بايدن ضغوطا متصاعدة من نشطاء وأمريكيين من أصل يمني جراء الإخفاق في الوصول إلى حل عسكري أو دبلوماسي للحرب في اليمن. لقد حفر الرئيس الأمريكي لنفسه حفرة عميقة عندما تعهد باتخاذ خط متشدد ضد المملكة السعودية في ملف حقوق الإنسان. وأدى هذا إلى توتر العلاقة مع الرياض فيما يتعلق بالملف اليمني. وبعد فوات الأوان، أحدث تيم لندركينج تأثيرا ضئيلا على المسار الدبلوماسي بقيادة المبعوث الأممي إلى اليمن هانز جروندبرج، لا سيما أثناء عملية دفع الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى تأسيس مجلس القيادة الرئاسي في أبريل 2022. 


لقد حاولت الأطراف المناهضة للحوثيين من شتى الأطياف الضغط على الولايات المتحدة والقوى الأوروبية للتعامل مع الحوثيين على نحو يتجاوز مستوى الجهود الدبلوماسية. بيد أن محاولات خصوم الحوثيين للحصول على مساعدات عسكرية من قوى غربية تم تقييدها جراد الاعتماد على التحالف العربي. أدى ذلك إلى تحجيم درجة التعاون بين الفصائل اليمنية والحكومات خارج نطاق مجلس التعاون الخليجي. منذ التوقيع على اتفاق الرياض عام 2019، ظل تدفق الأسلحة والوصول إلى المساعدات العسكرية الأجنبية يدور في محيط المملكة السعودية لأسباب أبرزها  احتواء ميزان القوى على الأرض بين الفصائل المعارضة للحوثيين. مما لا شك فيه أن السعودية تعتبر الوصول إلى اتفاق دائم مع الحوثيين أولوية. بيد أن الأطراف اليمنية ترى أن ذلك الأمر باهظ التكلفة وأنه يضع مصالحهم في مرتبة ثانوية في سبيل التيقن من موازنة تردع الحوثيين عن شن ضربات بالطائرات المسيرة والصواريخ صوب الأراضي السعودية.


الوضع الحالي يضع الأطراف اليمنية بين المطرقة والسندان حيث إن الاعتماد على المملكة السعودية يقيد حقا مناهضي الحوثيين ويصب في مصلحة الجماعة المدعومة من إيران. من ناحية أخرى، فإن التواصل مع الرئيس المنتخب الذي لا يمكن توقعه دونالد ترامب ومسؤوليه قد يرتبط بتكلفة باهظة.


تهديد أكثر من كونه حلاً


بعد أيام من الانتخابات، اكتشف الأمريكيون العرب أن ترامب يمثل تهديدا لا يمكن التنبؤ به أكثر من كونه قوة سلام إيجابية. يشعر الأمريكيون اليمنيون الآن بالقلق من أن يقوم ترامب أيضا بالتراجع عن الاهتمام باليمن ومواصلة نهج عدم التدخل منذ الغارة التي استهدفت يكلا في البيضاء عام 2017 وأدت إلى مقتل 30 مدنيا بينهم أمريكية في الثامنة من العمر ابنة داعية تنظيم القاعدة الراحل أنور العولقي. من جانبه، قال الدكتور توماس جونيو، الأستاذ بجامعة أوتاوا: "قد تقوم إدارة ترامب أيضا بتعميق التعاون الأمني والعسكري مع المملكة السعودية والإمارات العربية المتحدة في سياق توسيع عملية حارس الازدهار. ليس من المرجح أن يلتزم ترامب بمزيد من التدابير العسكرية لمجابهة الحوثيين".


بينما تتشكل إدارة ترامب، ثمة مساحة كبيرة من القلق تتعلق برؤيتهم لدور الأمم المتحدة. لقد قام ترامب بترشيح الجمهورية إليز ستيفانيك سفيرة للولايات المتحدة في الأمم المتحدة، وستيفن سي. ويتكوف مبعوثا خاصا إلى الشرق الأوسط، مما يمثل تهديدات محتملة للهياكل الحالية في المنطقة. في حالة اليمن، غلق مكتب المبعوث الأمريكي من شأنه أن يتسبب في مركزية الجهود الدبلوماسية مع الشركاء الإقليميين  وتهميش دور المبعوث الأممي الخاص ووضع السعودية مباشرة في مقعد القيادة لتولي كامل مسؤولية عملية السلام. "تحتاج الرياض الأمم المتحدة لقيادة عملية السلام حيث تمنح المملكة الشرعية والهيكل للإشراف على العملية"، وفقا لخبير شؤون اليمن ناصر المودع.


من جانبه، يرى د. كاراسيك أن الوقت الحالي يشهد "وجود العديد من اللاعبين في الساحة اليمنية حيث يزيد الوضع سوءًا". بالنسبة لهؤلاء الذين يتوقعون أن يتخذ ترامب موقفُا أكثر تشددا في اليمن، حذر كاراسيك قائلا: "من المرجح أن تتصاعد الضغوط بشكل أكبر لأن تهديد أمن البحر الأحمر ينبغي أن يتوقف كجزء من العملية الانتقالية بين الإدارتين الأمريكيتين". بعد عام على بدء الحوثيين الأعمال العدائية في البحر الأحمر، أظهر الحوثيون قدرات عملياتية تؤكد إمكانية استمرار التهديدات في أرجاء باب المندب. 


يرى د. جونيو أن جيران اليمن "يخشون إثارة انتقام الحوثيين بالصواريخ والطائرات المسيرة"، لكنه يعتقد أن "ممالك الخليج ربما تحجم عن الضلوع بشكل علني ومرئي في مبادرات الولايات المتحدة للتصدي للحوثيين". ويترك ذلك فصائل مجلس القيادة الرئاسي غير قادرة على مضاهاة قدرات الحوثيين العسكرية، مما يبقي ملايين اليمنيين رهائن للتهديدات الحوثية في الجبهات العسكرية في ظل تدهور اقتصادي متزايد. 


خاتمة


اعتمد نهج بايدن تجاه اليمن على ثلاث أدوات رئيسية: المبعوث الأمريكي الخاص، ونظام العقوبات، وعملية حارس الازدهار. في يناير الماضي، صنفت الولايات المتحدة الحوثيين ككيان "إرهابي دولي محددا خصيصا" لدعم سلسلة من العقوبات ضد أفراد أو شركات ضالعة في عمليات تهريب وشراء أسلحة وشحن. ولم يردع هذا الحوثيين رغم مرور شهور على ذلك الأمر.


يزعم الحوثيون أن هجماتهم على سفن مدنية في باب المندب تستهدف دعم الفلسطينيين في غزة. إذا استهدف ترامب إيران في إطار سياسته "الضغط الأقصى"، قد يؤدي هذا إلى جولة حوثية جديدة من التصعيد. ويرى القدحي أن ترامب "ربما يتخذ إجراءات صارمة مثل تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية“. ولكن في المرحلة الحالية، فإن هذا التصنيف سيكون مجرد تهديد أجوف ربما تعترض عليه المملكة السعودية. قد يواجه ترامب معارضة أقل من الأمم المتحدة بعد أن باءت بالفشل جهود حشد متبرعين دوليين للعام الثالث على التوالي. وشهد مؤتمر المانحين لليمن هذا العام نقصا في الالتزامات بقيمة مليارين من الدولارات. 


وعلاوة على ذلك، سوف تتردد الوكالات الأممية والمنظمات غير الحكومية في عرقلة جهود الولايات المتحدة للضغط على الحوثيين منذ إلقاء القبض على موظفي خدمات إنسانية في صنعاء يونيو الماضي، ما يزال العشرات منهم رهن الاعتقال في ظل غياب أي احتمالات للتوصل إلى اتفاق لإطلاق سراحهم. وقد يجد ترامب مساحة للعمل هنا لكن التحالف قد يحاول تحجيمه لمنع عرقلة جهود التواصل مع الحوثيين من أجل عملية سلام. 


خبير في الشؤون اليمنية. عمل في فريق خبراء اليمن التابع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا