التحليلات

اغتيال نصرالله: ضربة موجعة للحوثيين أم بداية فصل جديد؟

يمنيون يمرون أمام لوحة إعلانية تحمل صورة زعيم حزب الله اللبناني المقتول حسن نصر الله ، في صنعاء - في 7 أكتوبر 2024 - أ ف ب

22-10-2024 الساعة 8 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

"لم تشهد صنعاء من قبل مثل هذا التدفق الهائل للصور لأي شخصية، حتى القادة البارزون في الجماعة مثل صالح الصماد، رئيس المجلس السياسي الأعلى الذي اغتيل في الحديدة عام 2017.."

سوث24 | إبراهيم علي*


تتسم العلاقة بين الحوثيين في اليمن وحزب الله اللبناني بعمق وتشابك، حيث يجمعهما العديد من القواسم المشتركة والأهداف السياسية والإيديولوجية، كما تؤثر هذه العلاقة بشكل كبير على المشهد السياسي والإقليمي في منطقة الشرق الأوسط.


ويمكن القول إن العلاقة بين الحوثيين وحزب الله هي علاقة متينة ومعقدة، لها آثار كبيرة على المنطقة، فحزب الله يعتبر الحوثيين امتدادًا له، والحوثيون يرون في حزب الله قدوة ومصدرًا للدعم والإلهام. وعليه، لا شك أن مقتل الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، بغارة إسرائيلية في ضاحية بيروت الجنوبية، سيكون له تداعيات كبيرة على الحوثيين في اليمن، غير أنَّ طبيعة هذه التداعيات ستعتمد على مجموعة من العوامل المتداخلة. والمؤكد الآن هو أنَّ هذا الحدث سيترك أثراً عميقاً على المشهد السياسي والعسكري في اليمن والمنطقة.


تُشكل صور حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، التي غصت بها شوارع العاصمة اليمنية صنعاء عقب إعلان وفاته، دليلاً قاطعاً على عمق التأثير الذي يحظى به لدى جماعة الحوثيين. ففي خطوة غير مسبوقة، قامت الجماعة بطباعة وتوزيع آلاف الصور، معلقة إياها في مختلف أرجاء المدينة. حملت هذه الصور عبارات نعي حار، واستعرضت فضائل القائد الراحل، وأكدت على استمرارها على النهج الذي رسمه، وهددت بالانتقام.


لم تشهد صنعاء من قبل مثل هذا التدفق الهائل للصور لأي شخصية. حتى القادة البارزون في الجماعة مثل صالح الصماد، رئيس المجلس السياسي الأعلى الذي اغتيل في الحديدة عام 2017، لم يحظوا بنفس القدر من التكريم البصري. كذلك، القائد الإيراني قاسم سليماني، الذي تربطه علاقة وثيقة بالحوثيين، لم يشهد مثل هذا التفاعل.


وعلى الرغم من أن الجماعة تحرص عادة على مراعاة الحساسيات المجتمعية تجاه رفع صور الشخصيات الدينية والسياسية من خارج الحدود، لاعتبارات طائفية، إلا أن الأمر كان مختلفاً تماماً في حالة حسن نصر الله. فالسياق الذي أُطلقت فيه هذه الصور، وهو سياق حرب وصراع وجودي، جعل الجماعة تعتقد أن المجتمع سيستقبل هذه الخطوة بتفهم كبير، نظراً لهوية العدو وطبيعة المعركة وسياقها وأيضا التهديد الذي يواجهه اليمن. كما أنها وجدت نفسها مضطرة إلى رفع مستوى التفاعل إلى هذه الدرجة بغض النظر عن النتائج المترتبة عليه.


دور محوري


تكشف معلومات جديدة من مصادر خاصة، عن الدور المحوري لحزب الله اللبناني في دعم وتوجيه جماعة الحوثيين في اليمن، حيث يتولى الحزب، بتكليف إيراني مباشر، الإشراف على كافة جوانب عمل الجماعة، بدءًا من التدريب العسكري والأمني، وصولًا إلى التخطيط الاستراتيجي وإدارة الدعاية الإعلامية.


يشير هذا الدور المركزي إلى تحول جماعة الحوثيين من مجرد أداة ثانوية في الصراع الإقليمي إلى عنصر أساسي في المشروع الإيراني، حيث يتم توجيهها وتسليحها بشكل مباشر عبر حزب الله. وتؤكد هذه المعلومات أن الخبراء الذين عملوا على تدريب الحوثيين هم في الغالب من لبنان، وليس إيران كما كان يُعتقد سابقًا.


يتجسد هذا الدور بشكل واضح في المجال الإعلامي، حيث يشرف حزب الله على إدارة شبكة قنوات "المسيرة" الفضائية وغيرها من وسائل إعلام الجماعة، مما يمنحه سيطرة كاملة على الرسالة الإعلامية للحوثيين. كما أن الحزب يتدخل بشكل مباشر في صنع القرار السياسي للجماعة، بما في ذلك القرارات المتعلقة بالمفاوضات، وهو ما يفسر تصريح الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله بشأن عدم قدرته على القيام بدور الوسيط، بحجة أنه طرف.


ويثير مقتل القيادي في حزب الله محمد حسين سرور، المكنى بـ "أبو صالح" والذي كان يشرف على تدريب الحوثيين على استخدام الطائرات المسيرة والصواريخ، تساؤلات حول قدرة الحزب على مواصلة دعم الجماعة في ظل الخسائر الفادحة التي تعرض لها. فمن جهة، يعاني الحزب من ضربة موجعة بوفاة نخبة من قادته الكبار، ومن جهة أخرى، يواجه تحديات أمنية وعسكرية كبيرة في لبنان. ومع ذلك، فإن الحزب لا يزال يتمتع بإمكانيات كبيرة، ويستمر في لعب دور محوري في الصراع الإقليمي، رغم الضربات التي تعرض لها أخيرا. 


وعلى الأرجح، تتعامل إيران مع جماعة الحوثيين بشكل غير مباشر من خلال حزب الله، لأنها دولة، وتخشى تهمة التدخل في شؤون بلدان أخرى، إلى جانب أنها صنعت من الحزب نموذجا وكلفته بالإشراف على أذرعها الشيعية في المنطقة.


ويمكن القول إن الحوثيين يظلون أداة ثانوية بالنسبة إلى إيران، لبعدهم الجغرافي، لكنَّ الحاجة إليهم ظهرت بشكل واضح وجلي بعد عمليات البحر الأحمر، والتي رجّحت كفة إيران في الحرب البحرية الممتدة منذ عقود مع إسرائيل، إضافة إلى ذلك، يشكل الحوثيون تهديدًا مباشرًا للمملكة العربية السعودية، أكبر اقتصاد عربي، مما يجعلهم أداة ضغط مهمة في الصراع الإقليمي بين طهران والرياض.


هل تتأثر الجماعة بمقتل حسن نصر الله؟


رغم التساؤلات المشروعة حول قدرة حزب الله على مواصلة دوره الداعم لجماعة الحوثيين في ظل الظروف الراهنة التي يمر بها، إلا أنَّ الاستنتاجات المبنية على المعطيات الحالية حول تأثير ذلك على الجماعة تبدو مبكرة وغير كافية. فالعوامل المؤثرة في ديناميكيات الصراع المعقدة في اليمن تتعدى مجرد العلاقة مع حزب الله.


ولا شك أنَّ تعقيدات الوضع في اليمن، وتعدد الجهات الفاعلة فيها، تجعل من الصعب ربط مصير جماعة الحوثيين بشكل مباشر بقدرة حزب الله على الاستمرار في دوره، مع التأكيد على وجود تأثر طردي. ففي حين لا يمكن تجاهل أهمية هذا الدور، إلا أن هناك عوامل أخرى عديدة تؤثر في مسار الأحداث.


ومع أن مقتل حزب الله قد يؤثر على جماعة الحوثيين على أكثر من صعيد، نظرا لدوره في الإشراف على نشاط الجماعة، إلا أنه وفي ظل التحديات التي تواجه حزب الله حاليا، قد تسعى إيران إلى تعزيز دور الحوثيين كممثل رئيسي بديل لها في المنطقة، مما يخلق نوعًا من التوازن في نفوذها.


هذا المعطى، ربما يجعل احتمال استفادة جماعة الحوثيين من تراجع حزب الله واردًا أكثر من احتمال تضررها، وإن لم تحظ الجماعة بذات الدعم الذي كان يحظى به حزب الله، نظر لقربه الجغرافي من إسرائيل التي تمثّل أكبر تهديد للمشروع الإيراني في المنطقة.


غير أنَّ هذا الأمر  يبقى مرتبطا بطبيعة النتائج التي ستسفر عنها المعركة بين حزب الله وإسرائيل في جنوب لبنان، وأيضا بحسابات إيران في مضاعفة وعدم مضاعفة الدعم للحوثيين. بمعنى أن الحوثيين إن خسروا دور حزب الله في حال أضعفته الحرب، قد يكسبون حرص إيران على تقديم الدعم لهم كبديل يحقق توازن النفوذ في المنطقة، وأنَّ طهران التي خسرت جزءا كبيرا من نفوذها في لبنان، قد تعوض ذلك بتوسيع دائرة النفوذ في اليمن.


من ناحية أخرى، تشير العلاقة بين إيران وأذرعها في المنطقة إلى وجود ترابط وثيق في الأهداف والاستراتيجيات. ومن هنا، فإن أي ضربة توجه إلى إيران أو إلى إحدى هذه الأذرع ستؤثر على بقية الأذرع، وبالتالي فإن تراجع قوة حزب الله قد يؤثر بشكل مباشر على قدرة الحوثيين على التحرك بحرية، بغض النظر عن مستوى الضرر الذي قد يلحق بهم.


وهذا الأمر يعني أن الضربات الإسرائيلية المتكررة على حزب الله، والتي أدت إلى خسائر فادحة في صفوف قياداته، قد خلقت فراغًا قياديًا وخللًا في آلية اتخاذ القرار ضمن الشبكة العسكرية الإيرانية. وبالتالي، فإن جماعة الحوثيين، كجزء من هذه الشبكة، ستتأثر حتماً بهذه التطورات.


ومن غير المستبعد أن يؤدي مقتل قادة حزب الله إلى تأثير مباشر على جماعة الحوثيين، باعتبارهما جزءًا من شبكة عسكرية إيرانية مترابطة. هذا الحدث يضعف قدرة الحزب على تقديم الدعم اللوجستي والعسكري للحوثيين، وهو ما قد يحد من قدراتهم العسكرية ويؤثر على مسار الصراع في اليمن، سواء على المدى القريب والمتوسط والبعيد.


أيضًا، من المتوقع أن يؤثر مقتل قادة حزب الله على الحوثيين على عدة مستويات: عسكريًا، إذ يقلل من الدعم الذي يتلقونه، وسياسيًا، حيث يضعف نفوذ إيران في المنطقة، وإعلاميًا، كونه يقلل من الدعاية التي يحصلون عليها.


*إبراهيم علي
باحث متخصص بشؤون الجماعات المسلحة اليمنية، أخفى هويته لأسباب شخصية

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا