عناصر من الحوثيين (أسوشيتد برس)
18-07-2024 الساعة 11 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | عبد الله الشادلي
في 7 يوليو الجاري، هدد زعيم مليشيا الحوثيين المدعومة من إيران عبد الملك الحوثي بشن حرب ضد السعودية وإنهاء حالة خفض التصعيد في اليمن، ردًا على إجراءات اقتصادية للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا شملت قرارات للبنك المركزي بنقل مقرات البنوك التجارية من صنعاء إلى عدن وعقوبات على 6 بنوك مخالفة تنشط من صنعاء.
واتهم الحوثي السعودية بأنَها تقف خلف تلك الإجراءات الاقتصادية، وتوعدها باستهداف وفق قاعدة "العين بالعين"؛ فقال إن "البنك المركزي في صنعاء مقابل البنك المركزي في الرياض، والمطارات مقابل المطارات، والميناء مقابل الموانئ". وجاء ذلك بعد يوم من إعلان تأجيل مفاوضات مسقط بشأن الأسرى بين الحكومة اليمنية والحوثيين.
قبل هذا التهديد وبعده، تواترت أنباء ومعلومات عن ضغوط سعودية قوية على مجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية للتراجع عن إجراءات البنك المركزي ووزارتي الاتصالات والنقل، مقابل موقف رافض للتراجع متمسك بالقرارات داخل المجلس الرئاسي، يتصدره المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة اللواء عيدروس الزبيدي.
ويوم الجمعة 12 يوليو، اجتمع المجلس الرئاسي بشكل طارئ لمناقشة رسالة من المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، دعت لتأجيل الإجراءات الاقتصادية حتى نهاية أغسطس المقبل. وحذرت من أن قرارات البنك المركزي قد تؤدي إلى تصعيد قد يمتد إلى المجال العسكري، ودعت إلى حوار حول الملف الاقتصادي بين الأطراف اليمنية برعاية الأمم المتحدة.
ونقلت وكالة سبأ عن المجلس الرئاسي أنَه "بخصوص الدعوة الأممية، نجدد التمسك بجدول أعمال واضح للمشاركة في أي حوار حول الملف الاقتصادي، بما في ذلك استئناف تصدير النفط، وتوحيد العملة الوطنية، وإلغاء كافة الإجراءات التعسفية بحق القطاع المصرفي، ومجتمع المال والأعمال".
لم يشر بيان وكالة الأنباء اليمنية سبأ بوضوح إلى قبول أو رفض طلب غروندبرغ من قبل المجلس الرئاسي، لكن مصدر حكومي رفيع لمركز سوث24 قال آنذاك إن المجلس الرئاسي أقر بالإجماع تعليق قرارات البنك المركزي في عدن. ولم يعلق المجلس الرئاسي رسميًا على هذه الأخبار، لكن مسؤولين حكوميين ووسائل إعلام محلية أكدوا هذه المعلومات.
فما هي تداعيات الرضوخ لتهديدات الحوثيين؟
تحقيق الابتزاز
يحذر الأكاديمي الجنوبي سعيد الجريري من أنَ الرضوخ لتهديدات الحوثيين والتراجع عن الإجراءات الاقتصادية يعني تحقيق الابتزاز الذي تسعى له الجماعة عبر قوة السلاح.
وقال لمركز سوث24: "تهديد الحوثيين بالحرب، رغم عدم قدرتهم على خوضها حاليًا، قد يكون بمثابة أداة ابتزاز للضغط على السعودية لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية. باعتقادي فإن الدافع الأساسي وراء تهديدات الحوثيين هو اقتصادي، حيث تُضيّق الإجراءات الأخيرة، الخناق عليهم".
يتفق السياسي الجنوبي منصور صالح على أنَّ الرضوخ لتهديدات الحوثيين سيكون له تداعيات كبيرة من بينها تحقيق الابتزاز الذي تعودوا عليه. وقال لمركز سوث24: "الآثار والتداعيات على المستوى الداخلي ستكون كارثية. أي رضوخ سيشجع الجماعة الحوثية على المزيد من التمادي، كما أن الآثار تمتد الى ممارسة المزيد من الابتزاز للمجتمع الدولي عبر العبث بخطوط الملاحة الدولية".
ويعتقد صالح أن تهديدات الحوثيين ومحاولات الابتزاز تأتي مدفوعة بما وصفه "فشل منظومة الشرعية اليمنية في مجابهة الحوثيين منذ بدء انقلابهم".
مضيفًا: "بل إن هناك أجنحة ضمن هذه الشرعية دعمته ومازالت تدعمه .لا يجب أن نعفي الحكومة والرئاسي من اتخاذ مواقف وقرارات تضعف الحوثيين، وما زال في أيديهما الكثير لتنفيذه خاصة في الجانب الاقتصادي بهدوء ودون تضخيم يستدعي تدخل العالم كله لممارسة الضغوط".
أزمة مع الشعب
بالنسبة للأستاذ في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة عدن، د. سامي محمد، تكمن أبرز التداعيات في أي رضوخ محتمل لتهديد الحوثيين والتراجع عن إجراءات البنك المركزي في ضرب ثقة الشعب بالمجلس الرئاسي والحكومة اليمنية، وحدوث أزمة داخلية.
وقال لمركز سوث24: "قوة وشرعية أي نظام سياسي تكمن في قدرته على تنفيذ سياساته وفرض القوانين. أي إجراءات تتخذها الدولة ولا تستطيع تنفيذها أو تعدل عنها، ستضعف من هيبتها أمام الشعب".
وأضاف: "بالتالي ستقف الدولة وحيدة في المعركة حيث يعتبرها الشعب والمواطنون في مناطق سيطرة الحكومة، أو حتى مناطق سيطرة الحوثيين، بأنَها غير قادرة على المواجهة. الإجراءات الأخيرة التي اتخذها البنك المركزي أوجعت الحوثيين كثيرًا وبدأت المخاوف لديهم من اتخاذ البنك والحكومة لإجراءات اقتصادية أخرى تكبلهم اقتصاديًا".
وحذر الخبير من أنَه "في حالة استجابة الحكومة الشرعية للضغوطات، فإن الحوثيين سيتمادون بفرض أجندات وشروط قاسية على الحكومة وعلى البنك المركزي، وهو ما سيؤدي إلى انهيار اقتصادي أكبر وانهيار للعملة في مناطق الحكومة".
وخلال الأيام الماضية، خرج الآلاف منه اليمنيين في تعز والحديدة ومأرب في تظاهرات مؤيدة لقرارات البنك المركزي، رفعوا خلالها صورة محافظ البنك أحمد المعبقي، ولافتات تحذر من التراجع عن هذه القرارات.
تعزيز موقف الحوثيين
يرى الخبير الاقتصادي د. محمد الكسادي أن القرارات الاقتصادية الأخيرة للحكومة اليمنية، بما فيها قرارات البنك المركزي، تعد أحد خطوط الدفاع الأخيرة عن الشرعية اليمنية والتحالف بقيادة السعودية حد وصفه.
مضيفًا لمركز سوث24: "الرضوخ لتهديدات مليشيات الحوثيين سيضعف موقف المملكة والحكومة اليمنية أمام المجتمع الدولي، ويعزز ثقة الحوثيين. يجب ألا يتم التراجع عن هذه القرارات إلا في حالة واحدة فقط، امتثال الحوثيين للقرارات السيادية وإنهاء الانقلاب".
ويعتقد سعيد الجريري أن الرضوخ لتهديدات الحوثيين لن يقوي موقفهم فحسب، بل سيقوي الموقف الإيراني على الساحة الإقليمية الأوسع. مضيفًا: "السعودية تسعى جاهدة للخروج من الصراع اليمني بأيّ ثمن، حتّى لو تطلّب ذلك تقديم تنازلات، من أجل تحقيق طموحات رؤيتها، حتى لو كان ذلك على حساب مشاريع الآخرين بمن فيهم الشركاء اليمنيين".
ويُخلص الجريري إلى أن تهديدات الحوثيين تُمثّل أداة ضغط لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية، في إطار لعبة إقليمية أوسع بين إيران والسعودية. وتوقع أن تشتد ضغوط الرياض على المجلس الرئاسي أكثر للتراجع عن القرارات لصالح الحوثيين.
لكن سامي قاسم يرى أن الظروف الدولية تدعم وتقوي الموقف السعودي أمام إيران والحوثيين معا، نظرًا لاقتراب المرشح الجمهوري دونالد ترمبـ، حليف السعودية، من رئاسة الولايات المتحدة خلال الانتخابات على الأرجح. مضيفًا: "لهذا لا شيء يبرر للسعودية الرضوخ لتهديدات الحوثيين، أو إضعاف موقف الحليف اليمني المتمثل بالمجلس الرئاسي".
وأردف: "حتى الحكومة اليمنية موقفها العسكري قوي، وهي منذ عامين كانت ترتب صفوفها وجبهاتها استعداداً لجولة حرب متوقعة قد يذهب الحوثيون لفتحها".
خطوات الحوثيين القادمة
لا يُشكك المحلل السياسي المقيم في صنعاء رشيد الحداد بجدية الحوثيين في تهديداتهم الأخيرة، ويرى أنها ذاهبة نحو التحقق إذا لم تنصاع لها السعودية. وقال لمركز سوث24: "القرارات الأخيرة للبنك المركزي تمثل رغبة الجانب الأمريكي، وصنعاء سوف تواجه هذا التصعيد بتصعيد مماثل".
وعبر الحداد عن أسفه لما قال إنها تداعيات متوقعة إذا اندلعت الحرب لأسباب اقتصادية. مضيفًا: "كان يفترض على أطراف الصراع أن يتعاملوا مع القطاع الخاص بحذر ثم يتيحوا الفرصة له ليقوم بدوره الريادي. هذه الحرب سوف تطال الشعب وتهدد واردات الغذاء والوقود والدواء لكل اليمنيين".
وأردف: "القائد عبد الملك الحوثي قال إنه سيواجه البنوك بالبنوك والمطارات بالمطارات، وهذه معادلة كبيرة وخطيرة".
وخلال هذا الأسبوع، عقد السفير الأمريكي لدى اليمن، ستيفن فاجن، لقاءات وجاهية وافتراضية مع عدد من المسؤولين من المجلس الرئاسي اليمني لمناقشة قضايا متعددة، من بينهم عيدروس الزبيدي يوم أمس الأربعاء.
وقال الزبيدي على منصة إكس إنه ناقش مع فاجن تزايد هجمات الحوثيين المدعومين من إيران على الشحن الدولي والتحديات الاقتصادية والمبادرات لتعزيز حضور الدولة.
كما التقى فاجن في الرياض برئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي يوم الثلاثاء، الذي أطلعه على الإصلاحات الاقتصادية والإدارية وجهود إطلاق عملية سياسية شاملة بحسب ما نقلته وكالة سبأ الرسمية.
وتحدث فاجن أيضًا مع طارق صالح، عضو المجلس وقائد قوات الحرس الجمهوري، حول دعم الولايات المتحدة للحكومة اليمنية وتعزيز التعاون مع خفر السواحل اليمني بحسب ما نقلته السفارة الأمريكية على إكس.
بالإضافة إلى ذلك، التقى فاجن بالرياض مع عضو المجلس عثمان مجلي، الذي أكد دعم المجلس الرئاسي لقرارات البنك المركزي لتنظيم القطاع المصرفي.
واليوم الخميس، عقد المجلس الرئاسي اجتماعًا جديدًا. وبحسب وكالة سبأ، ناقش الرئاسي استعدادات القوات لردع أي عدوان للحوثيين، بالإضافة لمسار الإصلاحات الاقتصادية والإدارية للحكومة. وأكد الرئاسي استمرار الوفاء بالتزامات الدولية، بما في ذلك دفع المرتبات وتوفير الخدمات الأساسية.