goodreturns
30-04-2024 الساعة 9 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | د. إيمان زهران
تُراقب الأنظمة العربية حالة التغير في قواعد الاشتباك بين كل من طهران وتل أبيب جراء الأحداث المتتالية، وارتدادات الهجمات الممتدة من جانب جيش إسرائيل على قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المُحتلة، وتقييم خطوات الانتقال بالتكتيك الإيراني من المستوى الكامن إلى المستوى المباشر في الصراع القائم مع إسرائيل. ذلك بالإضافة إلى الأدوار المتباينة للوكلاء والأذرع بمختلف الدول المأزومة سياسياً (حزب الله في لبنان – الميليشيات المسلحة في سوريا - جماعة الحوثيين في اليمن - حركة حماس في غزة)، وذلك في إطار استراتيجية "استنزاف مقدرات العدو" ، ليعاد تشكيل "قواعد الردع الجديدة" وفقاً لمعادلات متباينة وأجندات خاصة لكافة الأطراف الإقليمية الفاعلة والتي قد تتفق أو تختلف مع التصورات/ والصياغات العربية السياسية والأمنية للمنطقة على النحو المُبين بالنقاط التالية:
رسائل إيرانية
كرست إيران "معادلة صراعية جديدة" بدءًا من 14 إبريل عبر هجومها المباشر على إسرائيل رداً على القصف الأخير لقنصليتها في دمشق، وما تلى ذلك من ردود صراعية كاستهداف تل أبيب مدينة أصفهان في 19 إبريل. الخطوة التي أعادت بدورها تقييم فرضيات اندلاع "حرب إقليمية"، على الرغم من التنسيقات الفرعية مع فواعل المنطقة لتفادي "نزاع أوسع" مقابل القبول بتموضع إيران في ظل إعادة تشكيل صياغات المنطقة لليوم التالي لغزة، بما يستدعى الوقوف على أبرز الرسائل التي انطوت على طبيعة التصعيد الإيراني وذلك بالنظر إلى خريطة مراكز إطلاق الضربات الإيرانية وأهدافها ومواقع اعتراضها:
المصدر: بسمة سعد، اتجاهات متباينة: تأثير الضربات الإيرانية على الداخل الإسرائيلي، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 20/4/2024
- الخروج من المنطقة الرمادية: وذلك عبر الانتقال الصراعي من النمط الكامن عبر الوكلاء والأذرع بالمنطقة في ظل ما عُرف بـ "حروب الظل" منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية عام 1979، إلى النمط المباشر وفقاً لما اتضح بخريطة مراكز إطلاق الضربات الإيرانية، ليُصبح الرهان المُقبل حول مدى جدية التصعيد القائم للانتقال بالمنطقة نحو احتمالات تجاوز قاعدة "ما دون الحرب الشاملة" من عدمه.
- التغير في قواعد الاشتباك: إذ تجاوزت طهران نمط "الحرب غير النظامية" التي ظلت تتبعها كإحدى معادلات الردع في مواجهة إسرائيل عبر تحريك أذرعها بمناطق التطويق الاستراتيجي بالدول المأزومة سياسياً، خاصة "سوريا ولبنان والعراق"، فضلاً عن دحض الفرضية الإسرائيلية "الخطوط الحمراء"، وذلك عبر الاستهداف المباشر لأراضي تل أبيب وليس فقط مصالحها بالمنطقة.
- التموضع الإقليمي: تشكلت تلك النقطة استناداً إلى التحركات الإيرانية على المستويين السلمي والتصعيدي، وذلك من خلال، أولا: توقيع اتفاق استئناف العلاقات السعودية الإيرانية بوساطة صينية في مارس 2023. ثانياً: استثمار عملية "الوعد الصادق" في تعميق علاقتها مع النظام العربي، فعلى سبيل المثال: تم الإعلان عن اتصالات بين وزراء خارجية كل من إيران ومصر والسعودية ربما تكون قد انطوت على استعراض الترتيبات الأمنية ومحاولة تلك الدول التوسط لتخفيف حدة التوتر القائمة بالمنطقة، فضلاً عن حرص طهران على طمأنة مراكز الثقل العربي بأنها لا تنوي جر المنطقة إلى حرب إقليمية واسعة المدى. ثالثاً: إعادة تعريف طهران بالنظام العالمي الجديد كـ "وكيل إقليمي" خاصة لدى حلفائها "موسكو – بكين"، وهو ما انعكس في صياغات التضامن إبان جلسة مجلس الأمن إذ رفضت روسيا إدانة إيران فيما اقتصر الموقف الصيني على دعمه للهدوء وعدم التصعيد.
- اختبار الردع الإيراني: تُبنى تلك الفرضية على اختبار الثقة في مدى التقدم الذي أحرزته طهران في قدراتها النووية على نحو ما قد يدفعها لتجاوز المناطق الرمادية بالصراع القائم في المنطقة خاصة مع عدوها الأول "إسرائيل". نقطة أخرى، ما يتعلق بتسويق "السلاح الإيراني" ترسيم صورة ذهنية حول مدى نجاعته في الحرب مثل: الترويج للصناعات الدفاعية الإيرانية من الطائرات المُسيّرة وصواريخ كروز والصواريخ الباليستية.
- إعادة الزخم لمبدأ "وحدة الساحات": ساهمت الضربات الإيرانية بصورة واضحة في دعم مبدأ "وحدة الساحات" الذي رسخته "عملية طوفان الأقصى"، وانكشاف نظرية "الردع الوقائي" الإسرائيلي لفرضية الحرب متعددة الجبهات، بما قد يفرض على تل أبيب - لتأمين البقاء - تعيين قواعد سياسية وأمنية جديدة يتم صياغتها ضمن ترتيبات اليوم التالي لغزة.
- المقايضة دولياً: في ظل إعادة تشكيل نظام دولي جديد يتسم بالتعددية، مقابل محاولات واشنطن التمسك بأطر الهيمنة والأحادية القطبية، تسعى طهران لمقايضة تأثيراتها الأمنية بالمنطقة - خاصة في مضيقي هرمز وباب المندب بالإضافة إلى تحركات وكيلها "الحوثي" في البحر الأحمر – بمزيد من المكاسب الدولية على كافة المستويات، فعلى سبيل المثال: ترغب طهران في مقايضة واشنطن بعدد من المكتسبات والتي تتفاوت ما بين إحراز تقدم في الاتفاق النووي، أو ما يتعلق بملف العقوبات الغربية، أو التفاوض حول أدوار إقليمية مؤثرة مقابل تحييد أمن إسرائيل.
تقييمات عربية
انتهت أغلب التصريحات العربية حول التحذير من خطر اتساع التصعيد والصراع القائم على مستوى الإقليم ككل، والمطالبة بأقصى درجات ضبط النفس، وذلك في ظل التقييمات العربية لارتدادات الهجوم الإيراني على إسرائيل على المستويين السياسي والاقتصادي، وذلك من خلال:
أولا - المستوى السياسي: إذ على الرغم من التغير الذي أحدثته عملية "الوعد الصادق" في معادلات الردع الاستراتيجي وفرض قواعد اشتباك جديدة، إلا أن هناك عدداً من الملاحظات التي انطوت عليها المرئيات العربية عند النظر لمكيانزم التصعيد الإيراني على المنطقة كونه يُشكل خطأ استراتيجياً، وذلك بالنظر إلى ما يلي:
- تراجع أولوية "القضية الفلسطينية": إذ ترتّب على عملية "الوعد الصادق" إعادة التصورات الذهنية الغربية + الأمريكية حول التهديدات الإيرانية وما يُعرف بـ "محور الشر"، مقابل تراجع توظيفات الخطاب الغربي حول الإخفاق الاستراتيجي والأخلاقي لإدارة النظام الدولي لملف هجمات جيش الاحتلال على قطاع غزة، وكذلك تراجع الخطاب السياسي الداعم لإسرائيل من جانب حلفاءها وخطوات البعض نحو فرض قيود على تزويدها بالأسلحة. ذلك بالإضافة إلى العقوبات الأمريكية المفروضة على عدد من المستوطنين في تل أبيب، ومن ثم، الانتقال الدولي إلى إعادة النظر في احتمالات التصعيد الإقليمي، وما يلحق بذلك من تراجع فرص التهدئة أو انتزاع اتفاق ضمني لوقف إطلاق النار وإنهاء ملف الأسرى من الجانبين.
- استعادة الدعم الدولي لإسرائيل: إذ منحت الهجمات الإيرانية عدداً من المكاسب النوعية للجانب الإسرائيلي، حيث، على المستوى الدولي: ساهمت في إعادة النظر الغربي والأمريكي حول "المعضلة الأمنية" لإسرائيل، وإعادة الحديث مرة أخرى حول الفرضية الأمنية التي تم الترويج عنها فيما بعد أحداث 7 أكتوبر والتي تتمثل في: "الضربات الاستباقية لأعداء إسرائيل"، وتبرير الجيش الإسرائيلي لحالة الإبادة الجماعية التي تتم في قطاع غزة وضرباته المتكررة في الجنوب اللبناني. كذلك محاولة إسرائيل لفرض تصوراتها السياسية والأمنية حال تم الاتفاق على هدنة إنسانية خلال الفترة المُقبلة. وعلى المستوى الداخلي: تمثلت الهجمات الإيرانية بمثابة "نافذة الفرص" لنظام نتنياهو لإعادة رأب الصدع الداخلي على المستوى الشعبي والنخبوي الرافض لبقائه في منصبه واحتفاظه بسلطات الطوارئ، كذلك بمثابة نافذة لإطالة أمد الحرب القائمة في قطاع غزة ومحاولة لإنجاز أي من الأهداف المُعلن عنها سابقاً منذ عملية "السيوف الحديدية"، سواء ما يتعلق بالقضاء على المقاومة الفلسطينية "حماس"، أو ما يتعلق بهدم الأنفاق.
ثانيا - المستوى الاقتصادي: إذ لم يتم تحليل التصعيد الإيراني الإسرائيلي وفقاً لمنظور التوترات الأمنية الجيوسياسية فقط، ولكنها أحدثت اضطراباً بالمؤشرات الاقتصادية المختلفة بالمنطقة العربية، وذلك على النحو التالي:
- زيادة تكلفة الدين العام: تنطلق تلك الفرضية من إدارة السياسات النقدية للدول الكبرى في ظل ارتفاع وتيرة الاضطرابات الأمنية بالشرق الأوسط وتأثيراتها المباشرة على مصالحها الحيوية بالمنطقة، فعلى سبيل المثال: ثمّة توجهات عالمية نحو رفع سعر الفائدة نتيجة للرفع الفيدرالي لتلك المعدلات واستقرارها عند نسبة تتراوح بين 5.25% إلى 5.5% في مارس 2024 بالمُقارنة بـ 0.25% في أبريل 2021، وهو ما ينعكس بالسلب على تكلفة الدين الخارجي لأغلب دول الشرق الأوسط، مما يخلق العديد من الأزمات داخل دول منطقة الشرق الأوسط، فتكلفة الدين الخارجي تمتص جزءًا كبيرًا من معدلات النمو، خاصة وأن دول المنطقة ما زالت تُعاني من أزمات متلاحقة في تحقيق معدلات نمو مرتفعة .
- اضطراب مؤشرات البورصة: إذ دوماً ما تتأثر "صناعة البورصة" بالتصريحات أو التحركات القائمة أو المُحتملة بالمستقبل، فعلى سبيل المثال: انعكست الهجمات الإيرانية منذ 14 إبريل، على البورصات الخليجية فقد تراجع المؤشر الرئيسي لسوق الأسهم السعودية بنسبة 0.30%، كما انخفض مؤشر بورصة قطر بنسبة 1.42%، وتراجع مؤشر بورصة السوق الأول في الكويت بنسبة 0.86%، وكما انخفض مؤشر بورصة مسقط بنسبة 0.22%.
- ارتفاع معدلات التضخم: وذلك بالنظر إلى العلاقة الارتباطية بين ارتفاع حدة الاضطرابات السياسية والأمنية في المنطقة، والانعكاس السلبي على دورات الإنتاج والتشغيل داخل الدول الوطنية سواء المستقرة أو تلك المأزومة سياسياً وأمنياً، فضلاً عن ارتفاع أسعار النفط، وكذلك اضطراب حركة التجارة الدولية وارتفاع تكاليف الشحن ومن ثم التأثير على أسعار السلع التي يتم استيرادها بدول الشرق الأوسط، فضلاً عن إلحاق الضرر بثقة الأعمال وتراجع فرص الاستثمار الأجنبي المباشر. إذ جميعها مؤشرات تنعكس بصورة كبيرة على ارتفاع معدلات التضخم في المنطقة.
خلاصة القول.. على الرغم من سياسات الردع والردع المضاد التي اتبعتها كل من إيران وإسرائيل خلال الفترة الماضية، إلا أنّ كافة التوترات الأمنية حالت دون الانتقال بالمنطقة إلى سيناريو "الحرب الشاملة" حتى الآن، ليبقى الرهان العربي على حالة "اللا- يقين" في ظل قواعد الاشتباك الجديدة التي رسّختها جولات التصعيد الأخيرة. وهذه تعيد بدورها ترسيم المشهد التفاعلي ومراكز الثقل بالمنطقة – خاصة عند صياغة ترتيبات اليوم التالي لغزة - في ظل تشابك الأطراف وزخم التفاعلات القائمة على العديد من الجبهات العربية المأزومة سياسياً وأمنياً وفي مقدمتها الأراضي الفلسطينية.
قبل 3 أشهر