ميناء عدن (إعلام محلي، تحسين بواسطة مركز سوث24)
07-02-2024 الساعة 12 مساءً بتوقيت عدن
" إنّ تجربة الجنرال روبرت تقودنا إلى خطوات عملية تستطيع مساعدة المدينتين الساحليتين عدن وحضرموت وتمكينهما من الاضطلاع بدور خاص في تأمين المياه الإقليمية المحيطة بهما."
سوث24 | محضار علوي
إن تفسير مصطلح "إستراتيجية الدبلوماسية الحضرية" يميل إلى شكلين من العلاقات الخاصة بين المدن هما "توأمة المدن" و"دبلوماسية المدن". ويمثل كل منهما سلوكا دبلوماسيا يتعلق بالأنشطة التفاعلية الخارجية للمدن على المستوى الدولي. تاريخيًا، تعد "توأمة المدن" سلوكا دبلوماسيا أوروبيًا. مع ذلك، اتخذت "توأمة المدن" شكلا دوليا رسميًا عندما تأسست "المنظمة الدولية للمدن الشقيقة" في عام 1956 [1].
بهذه الطريقة، اتسعت شعبية هذا السلوك وظهر في العالم أشكال متنوعة من هذا التعاون العابر للحدود بين المدن. يمكن القول إنّ العدد الأكثر وضوحًا لشبكات المدن بلغ اليوم 180 منظمة دولية أمثال "برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية" و"مجلس رؤساء البلديات العالمي المعني بتغير المناخ" و "المدن المتحدة والحكومات المحلية".
الجلسة الافتتاحية للدورة الثانية لـ "برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية" في العاصمة الكينية نيروبي، 5 يونيو 2023 (UN-Habitat)
يناقش هذا التحليل المشهد الأوسع للعلاقات الدولية بين المدن بعيدا عن دور الحكومة المركزية من خلال تسليط الضوء على أبرز أشكال وتأثيرات هذا التواصل. علاوة على ذلك، يتناول التحليل كيف ينطبق ذلك على مدينتي عدن وحضرموت من خلال رسم أوجه التشابه والمقارنة الدولية للوصول في نهاية المطاف إلى القدرة الفعالة لهاتين المدينتين على "الذهاب إلى الخارج" بهدف خلق شكل من علاقات التوأمة مع قرنائهم.
اقتباسًا من مجموعة متنوعة من الباحثين المتخصصين في الإمكانيات الدبلوماسية للمدن، قال روجير فان دير بلويجم وجان ميلسن من "معهد نذرلاند للعلاقات الدولية" في وصفهما للدوافع التي تحث المدن على استخدام الدبلوماسية: "الأمر يتعلق بالرغبة في مخاطبة قضايا تتجاهلها الدول في العادة، مثل احتياجات البنية التحتية أو اتباع نهج شامل لحفظ السلام في المنطقة" [2].
ويشير ذلك إلى الأبعاد الستة لـ "دبلوماسية المدن" والتي تشمل الأمن والتنمية والاقتصاد والثقافة والتعاون والتمثيل وحقوق الإنسان. سيتم مناقشة هذه الأبعاد في سلسلة من الحلقات التي تختبر إمكانية تطبيق كل منها في عدن وحضرموت من أجل تطوير بيئة قابلة للحياة باعتبارهما مدينتين ساحليتين تطلان على البحر الأحمر وخليج عدن.
البُعد الأمني
تستعرض هذه الحلقة الدور الذي تستطيع عدن وحضرموت الاضطلاع به كمنطقتين حضريتين ومدينتين ساحليتين تتمتعان بموقع جغرافي يتطلب منهما المشاركة في تأمين المساحة المائية المتاخمة للبحر الأحمر [بحر العرب وخليج عدن] حيث تعتبر بمثابة البوابة التي يتم من خلالها استقبال التجارة البحرية عبر المحيط الهندي.
مؤخرًا، قام "مركز المعلومات التقنية الدفاعية"- التابع لوزارة الدفاع الأمريكية والمتخصص في بحوث المعلومات الهندسية - بنشر تقرير يصف "المدينة" بأنها "قوة عالمية ترتفع اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا إن لم يكن عسكريًا. [3] إنها توازي القوة العظمى التي تمتلك القدرة على تهديد الولايات المتحدة وجوديًا لو لم تكن داخل أحد آليات الردع وكبح جماح الأنظمة المارقة التي تسيطر على هذه المدن".
حتى نبدأ مناقشة البعد الأمني لهذه المدن الساحلية، من المهم أولا مراجعة الحقائق بشأن الديناميكيات الأمنية الراهنة هناك. بغض النظر عن الأرقام المتضاربة، يمكن القول إن طول الشريط الساحلي اليمني يناهز 2252 كم بدءًا من محافظات الجنوب في الشرق [المهرة-حضرموت-شبوة-عدن]، ثم يمتد إلى القطاعات الأولى للجزء الشمالي من اليمن [المخا-الحديدة].
يطل الثلثان الشرقي والجنوبي على مياه خليج عدن بمساحة تقدر ب 1482 كم² بالمقابل، يطل الثلث الغربي والشمالي على البحر الأحمر بمساحة تقدر ب 770كم². [4]
خريطة اليمن توضح المراكز السكانية الكبرى وكذلك أجزاء من دول مجاورة وخليج عدن والبحر الأحمر. كتاب "حقائق العالم"، واشنطن دي سي، وكالة الاستخبارات المركزية، 2021.
تنتشر العديد من الوحدات البرية الأمنية والعسكرية على أكثر من 80% من الشريط لمحافظات الجنوب الشرقية، وتمتد إلى الجزء الجنوبي من الساحل الغربي للبلد. تنتمي هذه الوحدات إلى المشروع السياسي الجنوبي الذي يعبر عنه "المجلس الانتقالي الجنوبي" الذي يمتلك ثلاثة ممثلين في "مجلس القيادة الرئاسي" المعترف به دوليا باعتباره السلطة الشرعية لليمن.
يرزح الجزء الأوسط من الساحل الغربي لليمن تحت سيطرة "قوات الحرس الجمهوري" التي تشكلت من بقايا النظام السابق، وبدأت قبضتها تحديدا من منطقة المخا. بيد أن قائدها [طارق محمد صالح] يتقلّد منصب النائب الرابع لرئيس مجلس القيادة الرئاسي.
بالرغم من أن هذه القوات تشغل فراغًا دوليا يتعلق بتأمين المدن الساحلية في اليمن، لكنها تفتقد في الحقيقة الأدوات التي توفر لها الحد الأدنى من القدرة على المشاركة في عمليات ردع داخل المياه المحيطة.
أما الجانب الشمالي من الساحل الغربي لليمن-الذي يطل مباشرة على المياه الدولية في البحر الأحمر- فإنه يقبع تحت سيطرة الحوثيين الموالين لإيران حيث يقبضون بشكل كامل على ميناء الحديدة.
من المهم هنا التشديد على تصنيف الحوثيين باعتبارهم جماعة دينية صاحبة أجندة عسكرية وسياسية. وغالبا ما يتم وضع الجماعات داخل هذا التصنيف عندما تمارس السلوكيات والمعتقدات الدينية التي تشير إلى أن مهمتهم في المجتمع هي القتال ثم الانتقال إلى حياة أخرى بمجرد إنجازها. ولذلك، لا يمكن تصنيف الحوثيين كحركة قومية متطرفة يمكنها أن تستشعر النصر عبر الحصول على مطالب قومية أو اعتراف دولي.
على مدار الأعوام التسعة الماضية، استطاع الحوثيون بناء ترسانة عسكرية بطرق ملتوية حتى حققوا توازنا عسكريا يمنحهم القدرة على المناورة على مستوى إقليمي. [5] في تطور مفاجئ بالمقارنة مع الجماعات الأيديولوجية الأخرى في المنطقة، نوهت مصادر في أواخر سبتمبر الماضي إلى امتلاك الحوثيين طائرة مقاتلة طراز Su-22M4 وهي قاذفة قنابل تعود إلى العهد السوفيتي تستطيع حمل قنابل وصواريخ ومقذوفات. [6]
بشكل يشبه سلوكيات القوى المسيطرة، يزعم الحوثيون أمام العامة أن اليمنيين أكثر اتحادا وانسجاما في وجودهم. بيد أن العكس صحيح حقًا، إذ عاد خيار الانقسام في المجتمع. علاوة على ذلك، فإن ممارسات الحوثيين بدأت فعليًا تشير إلى وجود "دولة مستقلة" [في الشمال] عن جنوب اليمن.
فهم الديناميكيات المعقدة التي تقود المدينة
إنّ دراسة أهمية المدن الساحلية الحضرية يقودنا إلى ملاحظة لقائد قوات مشاة البحرية الأمريكية، الجنرال روبرت بي. نيلر حيث قال: "محاكاة مثل هذه البيئة أمر معقد جدا. وحتى لو استطعنا ذلك، فإنّ العمل في مدينة لا يتعلق فحسب بالبيئة المبنية، بل بفهم البيئة المبنية وفهم الديناميكيات الدقيقة المعقدة التي تقودها". [7]
الجنرال روبرت بي. نيلر، منتدى الأمن المستقبلي في مبنى رونالد ريجان بواشنطن، 29 أبريل 2019، كلاريسا فيلوندو/كارلين فيلوندو عبر فليكر
السلام عبر التفكير
إنّ تجربة الجنرال روبرت تقودنا إلى خطوات عملية تستطيع مساعدة المدينتين الساحليتين عدن وحضرموت وتمكينهما من الاضطلاع بدور خاص في تأمين المياه الإقليمية المحيطة بهما. للوصول إلى هذا الواقع، ينبغي تزويد القوات الأمنية المسيطرة على البر الرئيسي لمحافظات الجنوب والقطاعات الأولى من شمال اليمن بمركزين لأنظمة المراقبة في المياه الإقليمية المحيطة.
الأول هو نظام مراقبة ساحلية بحرية طراز "STYRIS" تقوم "إيرباص" بتصنيعه ويعمل على دمج أجهزة استشعار مختلفة أمثال الرادار والكاميرات ونظام تحديد الهوية الآلي و"آر دي إف" من أجل مراقبة المناطق الساحلية والمياه المجاورة. يستطيع هذا النظام دعم مهمات تتضمن المراقبة الساحلية وخدمات حركة السفن وحماية البنية التحتية الحساسة وحماية البيئة. [8]
الثاني هو قوة مهام بحرية يمكن تشكيلها بموجب طلب من مجلس القيادة الرئاسي استنادا على قرار من مجلس الأمن الدولي بتفويض من القرار رقم 2452 المتعلق بـ "بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحُديدة". [9] يُسمح في هذا الوقت بنشر وحدة بحرية تابعة للأمم المتحدة تعمل على زيادة إمكانيات القوات البحرية الموالية لمجلس القيادة الرئاسي لتنفيذ دوريات مراقبة فعالة على سواحل جنوب اليمن وعلى امتداد الساحل الغربي حتى تضحى القوات البحرية والأمنية قادرة تماما بنفسها على إنجاز المهام الأمنية البحرية على نحو يشبه سيناريو قوة المهام البحرية التابعة المتعلقة بـ "قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان". [10] لا نريد أن نستيقظ على سيطرة الحوثيين على الشريط الساحلي لهذه المدن، والذي سيمثل تهديدا خطيرا إضافيا على بحر العرب والمحيط الهندي.
سيارات تابعة لـ "بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحُديدة" تصطف في الميناء عام 2019، مصدر الصورة الأمم المتحدة
بالرغم من أن "دبلوماسية المدن" تركز تحديدًا على العلاقة الخاصة بين المدن، نحتاج إلى التفكير بشكل أوسع نطاقا بما يتناسب مع تحديات العصر. ومع ذلك، من الواضح هنا أن بناء علاقة خاصة – على سبيل المثال - بين عدن وباريس يمثّل ضرورة ملحة من أجل توفير الأمن البحري على نحو يخدم المدينتين. [في سياق الجهود لتحقيق هذا المأرب، بعث المؤلف بخطاب في أول يناير إلى محافظ عدن أحمد لملس شرح خلاله أهمية الحصول على نظام المراقبة الساحلية البحرية.]
علاوة على ذلك، فإنّ أنشطة "برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية" يمثل أيضا تفاعلًا مهما، لا سيما في بناء قدرات المدن الحضرية، حيث دعت الكثير من الدراسات إلى ضرورة الاضطلاع بدور صارم في أمن سواحل اليمن الحضرية.
قبل 3 أشهر