التحليلات

لماذا أبلغت الولايات المتحدة الحوثيين بموعد الضربات العسكرية؟

The Sun

17-01-2024 الساعة 11 صباحاً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

"يبقى أن نرى هل سيكون الحوثيون براجماتيين بدرجة كافية للإبقاء على توتراتهم مع الولايات المتحدة تحت تلك العتبة أم أن لديهم التزاما أيديولوجيا شديدا تجاه حماس تجعلهم لا يأبهون بالمخاطرة بخسارة سيطرتهم على شمال اليمن من خلال تصعيد تضامنهم مع حرب حليفهم ضد إسرائيل". 


سوث24 | د. أندرو كوريبكو


نقلت شبكة "سكاي نيوز" عن مصادر لم تسمها قولها إن الولايات المتحدة أبلغت الحوثيين مسبقًا بالضربات العسكرية قبل حدوثها الأسبوع الماضي. جاءت الهجمات استغلالا لقرار مرره مجلس الأمن الدولي وامتنعت روسيا عن استخدام الفيتو ضده لأسباب تم شرحها هنا. ومنح ذلك الجماعة اليمنية المتمردة الوقت للاستعداد من خلال نقل صواريخها. ووفقا للمصادر، فقد حدث هذا لمنع الحوثيين من القيام برد فعل من شأنه أن يصعد أزمة البحر الأحمر بشكل متزايد من خلال محاولة تدمير سفينة أمريكية.


لقد توقعنا هنا الشهر الماضي تكرار سيناريو يناير 2020 حينما ذكرت تقارير آنذاك أن إيران أبلغت الولايات المتحدة مسبقا بموعد هجماتها على قواعد أمريكية في العراق في أعقاب اغتيال قاسم سليماني. لقد كان الغرض وراء ذلك أيضا هو منع مزيد من التصعيد. هذا ما حدث بالضبط بعد قبول واشنطن ذلك، على الأقل بالنسبة لمن يتبنى هذا  التفسير للأحداث. وبالرغم من أن الوقت ما يزال مبكرا جدا الجزم بأن نفس السيناريو يتكرر حاليا مع الحوثيين، فإن ما يسترعي الانتباه هو عدم ردهم حتى الآن على الضربات العسكرية.


من منظور مصالح الحوثيين، ثمة منطق من عدم محاولتهم تدمير سفينة أمريكية كرد فعل، إذ أن ذلك سوف يقود بالتأكيد إلى حملة قصف غير مسبوقة تتسبب في إضعاف إمكانياتهم العسكرية وقد تؤدي إلى تدميرهم. بعض محللي "الإعلام البديل" لا يملون أبدا من تذكير جمهورهم أن المملكة السعودية لم تستطع أن تفعل ذلك (تدمير الحوثيين) بالرغم من محاولات دامت 10 سنوات. بيد أن القدرات والإرادة السعودية ليستا على قدم المساواة مع واشنطن كما أثبتته وقائع سابقة.


العراق 2003 وليبيا 2011 وقصف الموصل والرقة جميعها أمثلة تؤكد أن الولايات المتحدة لا تكترث لسقوط عدد لا يحصى من الضحايا المدنيين نتيجة حملات القصف الأمريكي المعروفة باسم "الصدمة والرعب". يأتي هذا بعكس السعوديين الذين يشعرون بحساسية أكبر تجاه هذه الخسائر البشرية بالرغم من هجماتهم ضد أهداف مدنية في اليمن. تدمير سفينة أمريكية من شأنه أن يؤجج الرأي العام لدعم حملة عقاب طائشة على غرار ما فعله هجوم حماس المباغت الذي أجج حملة إسرائيلية لا يمكن إيقافها.


العديد من معلقي "الإعلام البديل" ألمحوا أيضا أن الولايات المتحدة ترغب سرًا أن يقوم الحوثيون بإغراق واحدة من سفنها من أجل امتلاك مبرر لقصف اليمن بهدف تشتيت الأنظار ربما بعيدا عن أوكرانيا أو غزة. بيد أن هذه النظرية تتجاهل ثلاث نقاط رئيسية، أولاها أن إغراق سفينة أمريكية سوف يلحق ضررا بالغًا بهيبة الولايات المتحدة بالإضافة إلى الخسائر المالية والعسكرية الفادحة التي تعقب ذلك. ليس من المرجح أن تنظر واشنطن إلى ذلك باعتبارها مقايضة مقبولة.


النقطة الثانية مفادها أن الولايات المتحدة لا تحتاج إلى اختلاق مثل هذا المبرر الباهظ لقصف اليمن حيث إنها عادة تفعل ما يريده صناع القرار لديها دون أن يتدخل العامة أو المجتمع الدولي لإيقافها. الضربات الأمريكية ضد الحوثيين تعد مثالا على ذلك بعد أن قلصت روسيا وحتى إيران ردود فعلهما إلى البيانات الكلامية فحسب. لا أحد يرغب في المخاطرة بإشعال حرب عالمية ثالثة من خلال مهاجمة الولايات المتحدة من أجل التضامن مع هذه الجماعة الفقيرة المتمردة التي لا تعترف الأمم المتحدة بحكومتها المعلنة ذاتيًا.


النقطة الثالثة والأخيرة والأكثر أهمية والتي تدحض مصداقية النظرية سالفة الذكر التي تتفشى في أوساط مجتمع الإعلام البديل الآن هي أن الولايات المتحدة لا تريد شن حرب شاملة ضد الحوثيين. ولذلك، قامت واشنطن على الأرجح بإبلاغ الحوثيين مقدمًا عن ضربات الأسبوع الماضي. لا أحد ينبغي أن يتسلل إليه الشك في احتمالية حدوث موجة من "النار والغضب" إذا أغرق الحوثيون سفينة أمريكية. بيد أن صناع القرار في الولايات المتحدة سوف يفضلون عدم إنفاق الموارد المحدودة على هذا الأمر إلا إذا شعروا أنهم مضطرون لفعل ذلك لحفظ ماء الوجه.


وبعد كل هذا، ينبغي أن نتذكر أن إدارة بايدن هي من قامت بإلغاء تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية، لأنها بالتحديد لم تعتقد أن الحرب السعودية ضدهم كانت تستحق أن تستمر أكثر من ذلك وفضلت اللجوء إلى حل دبلوماسي لهذا الصراع المدني الدولي الهجين. ما تزال هذه الحسابات قائمة حتى الآن بالرغم من هجمات الحوثيين ضد سفن مدنية. بيد أن إسراف الجماعة المتمردة في هذه الهجمات أجبر الولايات المتحدة على ضربها لسبب يتعلق بحفظ ماء الوجه في المقام الأول.


مع ذلك، لا يريد صناع القرار في الولايات المتحدة في نفس الوقت تصعيد أزمة البحر الأحمر. ولذلك أبلغوا الحوثيين مسبقا بموعد الضربات. على غرار إيران التي رغبت في تقليل فرص استجابة واشنطن لضرباتها التي استهدفت القواعد الأمريكية في العراق في أعقاب اغتيال سليماني وعدم المخاطرة باندلاع حرب أكبر، أرادت الولايات المتحدة فعل ذات الشيء في مواجهة الحوثيين فيما يتعلق بضربات الأسبوع الماضي.


كان يتعين على إيران والولايات المتحدة على التوالي الرد على اغتيال الجنرال وهجمات الحوثيين ضد سفن مدنية لحفظ ماء الوجه. بيد أن كلاهما لم يرغب في التورط في حرب شاملة. وهذا يفسر لماذا أقدمت طهران وواشنطن على الإبلاغ المسبق بشأن الضربات وفقا للتقارير. ولو كان هذا ما حدث بالفعل الأسبوع الماضي، فإن الحوثيين ربما يتماشون مع هذا الأمر من أجل الحفاظ على قبضتهم على شمال اليمن، التي قد يخسرونها إذا دمروا سفينة أمريكية وأثاروا حربا أكبر.


في تلك الحالة، إما أن يتراجع الحوثيون عن هجماتهم بعد خسارة بعد قدراتهم في أعقاب ضربات الأسبوع الماضي ضد منشآت رادار ومواقع أخرى كان ضالعة في التخطيط لها، أو ربما يرفعون راية التحدي ويواصلون هجماتهم لإثارة المزيد من الهجمات المحسوبة. السيناريو الأول يمنح الحوثيين مبررا يحفظ ماء الوجه لنزع التصعيد. أما السيناريو الثاني فسوف يمثل استمرار في التمثيلية. بيد أن أي تصعيد خطير مثل تدمير سفينة أمريكية سوف يؤدي بالتأكيد إلى حرب أكبر.


يبقى أن نرى هل سيكون الحوثيون براجماتيين بدرجة كافية للإبقاء على توتراتهم مع الولايات المتحدة تحت تلك العتبة أم أن لديهم التزاما أيديولوجيا شديدا تجاه حماس لدرجة تجعلهم لا يأبهون بالمخاطرة بخسارة سيطرتهم على شمال اليمن من خلال تصعيد تضامنهم مع حرب حليفهم ضد إسرائيل. ربما يقوم كفيلهم الإيراني بإسداء النصح إلى الحوثيين بعدم القيام بتدمير سفينة أمريكية، إذ أن طهران ربما لا تعتبر من الناحية الجيوسياسية أن هذا الأمر يستحق تكلفة المخاطرة بخسارة مكاسبهم التي حققوها على مدار العقد الماضي.


من منظور الجمهورية الإسلامية، من الأفضل أن تحتفظ بسيطرة وكيلها على هذا الجزء من اليمن بدلا من القيام باستفزاز الولايات المتحدة بشكل طائش لتدمير الحوثيين ومنح التحالف الذي تقوده السعودية نصرا متأخرا في تلك الحرب. بالطبع، قد لا يستمع الحوثيون إلى الدولة الراعية لهم لكنهم هكذا ربما يوقعون على شهادة وفاتهم. ويعزى هذا إلى أن طهران لن تستطيع إنقاذهم إذا قررت الولايات المتحدة شن حرب تدمير شاملة ضد الجماعة كما فعلت مع صدام حسين والقذافي وداعش في الموصل والرقة.




محلل سياسي أمريكي مقيم في موسكو متخصص في العلاقة بين استراتيجية الولايات المتحدة في الأفرو-أوراسيا، ومبادرة الحزام والطريق الصينية، والحرب الهجينة.

- الآراء الواردة بهذه الورقة تعكس وجهة نظر مؤلفها، ولا تمثّل بالضرورة السياسة التحريرية لمركز سوث24.

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا