عربي

تقييم موقف حزب الله اللبناني من الحرب في غزة

حسن نصر الله - قناة المنار

23-11-2023 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24 | أورنيلا سكر


لطالما عدّت مواقف الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، موضوعاً هاماً في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، غير أنّ الخطابين الأخيرين بشأن ما يجري في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر، لم يرقيا إلى مستوى التوقعات المعهودة والصورة التي كان نصر الله يُظهر بها نفسه وحزبه لعقود أمام الإقليم والمجتمع الدولي.


وبين مؤيد ومعارض، حدث انقسام بشأن هذا الخطاب هو امتداد للانقسام في داخل لبنان وخارجها بشأن هذا الكيان السياسي والعسكري الموالي بوضوح لإيران. ويهدف هذا التحليل إلى تسليط الضوء على مضمون خطاب حزب الله وتقييم تأثيراته وأبعاده على الساحة الإقليمية والدولية بشكل عام، وعلى لبنان وفلسطين بشكل خاص.


الخطاب: مضامينه ومحدداته


جاء الخطاب كرسالة مباشرة إلى الولايات المتحدة وذلك بتحميلها مسؤولية الحرب، وبأنها هي وحدها القادرة على إنهاء الحرب. ووجه نصر الله رسالة واضحة بأنّهم أعدوا العدة للمواجهة، مذكراً بما حدث في حرب 1982، وبأن الذين واجهوا الأمريكان آنذاك لا يزالون أحياء. كما شدد على أن الانتصار يجب أن يكون انتصاراً فلسطينيا محسوبا لحماس.


تم تأويل خطاب نصر الله الأخير على اتجاهين رئيسيين، اتجاه المعارضين المشككين بمواقف الجماعة، والمؤيدين لها. ورأى التأويل المعارض أن هذا الخطاب يحمل في مضمونه الآتي: 


المعارضون: 

- حزب الله لن يشارك بشكل مباشر رسميًا في الحرب ضد إسرائيل، وهو طرح عززه ما نشرته وكالة رويترز عن لقاء جمع المرشد الإيراني الأعلى خامنئي مع رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، زعمت الوكالة أن خامنئي طالب فيه بالتوقف عن دعوة إيران وحزب الله للقتال نيابة عن حماس ضد إسرائيل. وقد نفت حماس ذلك لاحقًا لقاء هنية بخامنئي [1].


- لم يكن حزب الله على علم بالعملية التي تمت، الأمر الذي سهل حجة عدم انخراطهم في الصراع بشكل مباشر.  


- تنصّل حزب الله من تحمّل كلفة الحرب، لما يترتب عليها من تداعيات على مصالح محور إيران في المنطقة، وعلى الداخل اللبناني الذي يعاني من تراكمات لا تسمح له بأي مغامرة انتحارية، وبخاصة أن الوضع الداخلي للحزب مأزوم وفي حالة حرجة. 


في واقع الحال، هناك ما يدعم التأويل المعارض من شواهد ومؤشرات، حيث يبدو أن إيران لم تقدم على أي خطوة قد تطيح بميليشياتها غير النظامية في الإقليم، خاصة وأنها حققت موقعاً متقدماً بسيطرتها على بعض الممرات البحرية الحيوية بفضل ميليشيات الحرس الثوري التي تهدد الأمن القومي العربي والخليجي.


وبناءً على ذلك، لا تريد طهران التفريط في المكاسب التي تحققت لها منذ حرب الخليج وحرب الكويت والحرب على داعش وآخراً في الحرب التي تدور بغزة. وتحرص طهران على ذلك من التبرؤ والتنصل ممّا يعرف بوحدة الساحات [2]، أي وحدة الميدان مع حلفائها "حماس" و"حزب الله". وقد عبرت الجمهورية الإسلامية عن ذلك في تصريح متناغم مع الولايات المتحدة، بأنها لن تسارع في أي حرب إقليمية في المنطقة. وهو فعلياً ما يفقد طهران مصداقيتها وما إذا كان قرارها هي ووكلاؤها في المنطقة يرقى إلى مستوى خطابهم الناري. وهو ما أشارت إليه صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في أنّ هناك أصواتاً داخلية في جمهور إيران ووكلائها بدأت تتساءل عن سبب عدم تطابق أفعال بلادهم مع خطابها بشأن "تحرير القدس". [3]


المؤيدون والموالون:

في المقابل، هناك موقف آخر داعم لمحور المقاومة (إيران وحزب الله)، يجد في خطاب نصر الله تحولاً استراتيجياً وعسكرياً كبيرا وذلك عبر تكتيكات عسكرية ذكية تستهدف أبراج المراقبة الإسرائيلية وأجهزة التجسس عن بعد، في إشارة إلى أن هناك استعدادات لدى المقاومة في دخول الحرب إلى الجليل بحسب تصريحات نصرالله سابقا. [4]

 

يجادل هؤلاء أنّ الخطاب كان دبلوماسياً وعال المستوى للأمن الوطني والقومي من جهة لبنان وفلسطين. كما أنهم يعتبرون أن الحزب منتصر على إسرائيل نظراً لأزماتها الداخلية، فتل أبيب غير قادرة على مواجهة الحزب وفتح جبهات أخرى. وفي السياق كان قد نُشر تقرير في مجلة ذي إيكونوميست، يشرح مدى عدم إمكانية إسرائيل من شن حرب طويلة، خاصة وأنّ الحرب في غزة مكلفة جداً، وبأن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت تتململ، لما يشكله نتنياهو من ضغوط عسكرية ومالية كبيرة عليها بالمقاربة مع الحرب الأوكرانية. [5]


عملياً، ستشكل أي خطوة "انتحارية" من قبل حزب الله، خطورة على لبنان، وقد تعطي حجة لإسرائيل بقصفها وتحويلها إلى غزة ثانية كما هدد قادة إسرائيل مرارا. لا سيّما وإنّ الوضع السياسي والاقتصادي في لبنان لا يسمح بمغامرات مع إسرائيل، التي أظهرت للعالم بوضوح بأنها لا تهتم بالمواثيق والقوانين الدولية بقدر تحقيق أهدافها، وفي مقدمتها القضاء على حماس التي تصفها بـ "الإرهابية"، وإبادة الفلسطينيين، أو تهجيرهم إلى سيناء في مصر. لذا، يرى مراقبون ومحللون لدى حزب الله، أن المقاومة في الجبهة الجنوبية تقوم بـ "عمل بطولي"، وتتحرك تكتيكياً عبر إشغال "العدو" واستنزافه على الجبهة الجنوبية اللبنانية، وفق حرب إعلامية نفسية تزرع القلق لدى تل أبيب. [6]


محددات الخطاب


تكمن المحددات في مدى حجم التأييد والتأثير السياسي والإعلامي والشعبي لهذا الخطاب، حيث حظي خيار التنديد بالعدوان على غزة بنسبة تأييد من المستطلعين، لأكثر من 77%، مقابل أكثر من 62% أيدوا الخيار المتمثل بإشغال إسرائيل بعمليات على الحدود. بينما أيد 32% من المستطلعين فتح الجبهة الجنوبية والانخراط في المعركة فوراً. أما الخيار المتمثل بالحياد، فأيده 26% وعارضه 74%، وفقا لاستطلاع نشره المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق عقب عشرة أيام من هجوم السابع من أكتوبر [7]. وتتدرج المواقف الداخلية في لبنان على الشكل التالي: 

 

1. المؤيد: يعتبر خطاب نصرالله خطاباً وطنياً وقومياً في مواجهة العدو الإسرائيلي. 

2.  المعارض: لم يرتق إلى مستوى الطموح ويدل على تراجع وهزيمة، على اعتبار أنّه لم يرد على العدوان الإسرائيلي كما كان يتوعد ويهدد. 

3.  المحايدون: لا تأثير له على إسرائيل والقضية الفلسطينية بعد ما تعرض له سكان غزة من إبادة جماعية. 


أبعاد الموقف 


هناك انقسام كبير وحاد داخل لبنان بشأن حزب الله وسلاحه وما يشكله من خطر على الدولة اللبنانية، خاصة وإنّ تجربة "طوفان الأقصى" قد عرّت محور إيران في المنطقة كما يرى البعض.  ويقدم المؤيدون والموالون لحزب الله وإيران ومحور المقاومة مبررات تقف خلف عدم وحدة الساحات المفترضة، ومنها: 


1- أنّ لبنان عقد اتفاقاً بشأن ترسيم الحدود البحرية، ولا حاجة لدخول الحرب ما دام حزب الله يقوم بما يُطلب منه. 

2- إسرائيل رسمت حدودها البحرية الموافق عليها من قبل حزب الله ومشاركة عناصر حزب الله، ما يعني أنّ العداء بين الأخير واسرائيل قد انتهى.

3- إن مشاركة حزب الله بشكل مباشر في حرب غزة، يترتب عليها إحراج الحزب في الداخل اللبناني الذي يعاني كثير من الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية مما قد يطيح بمستقبل حزب الله السياسي، لا سيّما وإنّ هناك معارضة شديدة وانقسامات داخلية ضده، فهو لا يريد تكرار تجربة حرب يوليو/ تموز 2006. 

4- إذا شارك حزب الله في الحرب مباشرة، سوف تُقصف وتُدمر مقراته ومواقعه العسكرية في لبنان وسوريا.  

5- لا مبرر من أن يقتل الحزب أبناؤه الشيعة من أجل النواصب، أي السنة، في غزة [توصيف يعتمده متطرفون شيعة لأتباع المذهب السني]. 

6- الجميع كان ينتظر تورط حزب الله في حرب غزة، لكي يتم التخلص منه عبر تنفيذ القرارات الدولية وتطبيق قرار 1701 عبر نشر القوات الدولية على الحدود اللبنانية.


المشاركة في الحرب؟


هناك عدة حقائق ومؤشرات تشي بأن حزب الله لن يتدخل بشكل مباشر في الحرب الإسرائيلية على غزة، ومنها:


- من المعروف أنّ حزب الله يمثل إحدى الفصائل المليشاوية التابعة لإيران في المنطقة، فهو يتلقى أوامره مباشرة من طهران. وقد صرّحت إيران بانّها لن تتدخل في حرب غزة علناً، مع الإشارة لما أوردته وكالة رويترز في هذا الاتجاه.


- تحذير إيران لحزب الله بعدم فتح جبهة لبنان، خاصة وإنّ واشنطن وطهران عقدتا صفقة بالإفراج عن الأموال ورفع العقوبات الاقتصادية وتبادل الأسرى والرهائن. [8] 


- هناك من يذهب إلى أن حزب الله هو من يحمي الجبهة الشمالية لإسرائيل، وذلك من خلال المعارك المنضبطة في الجنوب. وقد صرّح سابقاً في بداية عام 2012، ابن خال الرئيس السوري رامي معلوف، أنّ أمن إسرائيل من أمن سوريا، ما يعني أنّ تدخل حزب الله ومشاركته في الحرب السورية لدوافع طائفية، يعزز من الحديث عن تقاطع مصلحة محور إيران مع إسرائيل، وذلك عبر خلق كيانات طائفية واللعب على وتر الأقليات في المنطقة.


- ما يجري على الجبهة الجنوبية لا يتعدى سوى مسألة لحفظ ماء الوجه، لأن حزب الله غير قادر على مواجهة إسرائيل المدعومة من الغرب والولايات المتحدة. وقد نفى حزب الله من المرة الأولى، علمه بعملية "طوفان الأقصى" أو مشاركته فيها، لكنه أثنى عليها في بيان له، ودعا "إلى إعلان التأييد ‏والدعم للشعب الفلسطيني وحركات المقاومة التي تؤكد وحدتها الميدانية بالدم والقول ‏والفعل". [9]


يشعر الشارع العربي بخيبة أمل كبيرة، على اعتبار أنّ خطاب نصرالله لم يرق إلى مستوى الزلزال الذي أحدثته حماس بغلاف غزة، ولا يرقى حتى إلى مستوى خطاباته النارية المعهودة تجاه إسرائيل. من الواضح أن أهمية حرب غزة تكمن في أنها كشفت حجم "النفاق" الذي يُمارس على العقل العربي، بفعل هشاشة وضعف موقف نصر الله بعكس ما كان حزب الله يزعمه سابقاً. 




أورنيلا سكر
صحفية لبنانية وباحثة في الدراسات الاستشراقية


المراجع:
[1] حماس تنفي صحة تقرير رويترز حول لقاء هنية بخامنئي، صحيفة الشرق الأوسط، 16 نوفمبر 2023
[2] Eric kortellessa, “Former Israeli Prime Minister: Israel’s Endgame in Gaza Should be a Palestinian State”, The Time, NOVEMBER 6, 2023 
[3] فارناز فاسيحي،  ايران وحلفاؤها في ورطة أمام جماهيرهم ، صحيفة نيويورك تايمز، العدد 23435 بتاريخ 3112023
[4] كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد نصرالله في عيد الشهيد، قناة المنار بتاريخ 11|11|2023
[5] Fede Yankelevich, From Gaza to Ukraine, wars and crises are piling up, the Economist magazine, Nov 13th, 2023.
[7] تقرير حول استطلاع رأي اللبنانيين بشأن عملية طوفان الأقصى وما بعدها، مركو الاستشاري للتوثيق والدراسات بتاريخ 17 تشرين الأول 2023.
[8] ستة مليارات دولار مقابل 5 أميركيين.. تفاصيل صفقة إيران وأميركا، نقلا عن معهد واشنطن للسياسات الشرق أوسطية، بعنوان صفقة الرهائن  الإيرانية: توضيح العوامل التي أدت الى تحويل 6 مليارات دولار، بتاريخ 18 أيلول 2023.
[9] محمد العلي، بين "قواعد الاشتباك" وحافة الحرب: قراءات في تكتيكات حزب الله، آخر تحديث 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023

الكلمات المفتاحية:



شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا