Credit: facebook/EgyArmySpox
05-10-2023 الساعة 9 صباحاً بتوقيت عدن
سوث24 | نانسي طلال زيدان
انعقدت فعاليات التدريب المصري الأمريكي المُشترك "النجم الساطع 2023" في قاعدة محمد نجيب العسكرية في مصر، وعدد من القواعد البحرية والجوية. شارك في التدريب أكثر من (8 آلاف) مقاتل عن (34) دولة. ويأتي التدريب في ظل تزاحم عدداً من المحاور السياسية والاقتصادية الإقليمية والدولية التي لها تداعياتها المُتلاحقة على منطقة الشرق الأوسط، وفي مُقدمتها الزخم السياسي حول مشروع الممر التُجاري الهندي الخليجي الأوروبي؛ الذي صنعت منه قمة العشرين أملاً ضخماً لإدارة نتنياهو الإسرائيلية لتحقيق التطبيع مع السعودية تارة، ولتحقيق نقلة نوعية لإسرائيل اقتصادياً وجيوسياسياً تارة أُخرى. ذلك بالإضافة للزخم الإعلامي حول المشروع الهندي كمهدد لقناة السويس المصرية. [1]
بالتزامن مع تلك الأحداث، تباحثت إدارة بايدن الأمريكية حول حجب جزءاً من المُساعدات والمنح العسكرية التي تحصل عليها مصر بموجب معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية [2] لعام 1979، بحجة امتناع مصر عن إرسال أسلحة لأوكرانيا طبقاً للرغبة الأمريكية، مما تسبب في غضب الجيش المصري من ذلك القرار، وهو غضب أجبر واشنطن ربما على إعادة حساباتها.
تحاول الورقة التمُعن في المشهد الإقليمي وروافده الدولية، انطلاقاً من النجم الساطع بمصر وما ضمه من تمثيل ضخم لدول من آسيا وإفريقيا وأوروبا، مُبلوراً حالة حيوية من الدبلوماسية العسكرية التي يمكن أن تُرمّم ما قد تفسده الحسابات الاقتصادية أو السياسية.
دبلوماسية عسكرية
يُعد "النجم الساطع" في نسخته الثامنة عشرة، أحد أطول التدريبات في منطقة مسؤولية القيادة المركزية الأمريكية، وأغناها مُشاركةً، حيث تمت المُناورات الأولى منه بشكل ثُنائي بين القاهرة وواشنطن فقط في أكتوبر [3] لعام 1980. ومنذ عام 1995 فصاعدًا، تم توسيع التمرين لمشاركة الدول الأخرى. وأقيمت النسخة السابقة عام 2021 بمشاركة (21) دولة [4]. وفي وقت سابق، أعرب العميد الأمريكي "ماثيو ريد"، نائب القائد العام لقيادة التدريب والتعليم، عن شكره للقوات المسلحة المصرية على استضافة التدريب المصري الأمريكي المشترك. وقال إن التدريب يعزز القدرات المشتركة على حل المشكلات ومواجهة التحديات وتوحيد المفاهيم العسكرية بين القوات المسلحة لعدد من دول العالم. [5]
إلا أن "النجم الساطع 2023" تميّز عما سبقه بعدة نقاط، أولها كثافة عدد القوات الأمريكية المُشاركة والتي وصلت إلى (1500) عنصر من أفراد الخدمة العسكرية الأمريكية [6]، مقارنة بـ (800) جندي في السابق [7]. وصرح الجنرال "مايكل إريك كوريلا"، قائد القيادة المركزية الأمريكية: "بأن مناورات هذا العام تُظهر قوة التعاون العسكري الأمريكي المصري وتعمّق قابلية التشغيل البيني لجميع الدول الشريكة." [8] علماً بأن الدولة المضيفة مصر شاركت بأكبر فرقة تضم أكثر من (2300) جندي. [9]
مثّل توقيت انعقاد مُناورات النجم الساطع بقطبيه الرئيسين مصر والولايات المُتحدة، محوراً فارقاً بالنسبة للعلاقة بين البلدين، حيث صادف توقيت تخطيط العديد من المشرّعين الديمقراطيين الذين هدفوا لدفع إدارة بايدن إلى حجب كامل مبلغ الدفعة المُستحقة (320 مليون دولار) من المساعدات الأمريكية التي جعلها الكونجرس مشروطة بتحسينات في مجال حقوق الإنسان بمصر، وإعادة برمجة تلك الأموال، بأن يذهب (30 مليون) دولار إلى القوات المسلحة اللبنانية و(55 مليون) دولار إلى تايوان. علماً أن مصر تحتل المرتبة الثانية بعد إسرائيل باعتبارها ثاني أكبر متلق للمساعدات العسكرية الأمريكية، بمبلغ يصل إلى (1.3 مليار) دولار سنويا. [10]
أزعج القرار الجيش المصري، ما دفع الخارجية الأمريكية للتدخل لدى الكونجرس الأمريكي، واستخدام "بلينكن" تنازلاً يسمح للإدارة بالإفراج عن المساعدات، باعتبارها مصلحة للأمن القومي الأمريكي، على أن يتم حجب (85 مليون) دولار، والإفراج عن المبلغ المتبقي البالغ (235 مليون) دولار من المساعدة العسكرية السنوية، علماً أنه لم يتم استخدام الإعفاء خلال العامين الماضيين، وتم حجب (130 مليون) دولار من المساعدات عن مصر [11]. ذهب التناول الإعلامي الأمريكي لتبرير حجب المساعدات بأحوال حقوق الإنسان، رغم أنّ النظام المصري أطلق سراح ما يزيد عن (30 سجين) سياسي منذ شهر [12]، وبامتناع مصر عن إرسال أسلحة لأوكرانيا كما توصي واشنطن. [13]
لم يشهد بلينكن استيفاء مصر لهذه الشروط، لكنه رفض حجب المساعدات، مستشهدا بمصالح الأمن القومي الأمريكي [14]. يرجع ذلك الموقف إلى مشاركة العدد الكبير من القوات الأمريكية بمناورات النجم الساطع بمصر، بالإضافة إلى كون مصر توفّر ميزة العبور المُفضل من قناة السويس لكافة القوات والسفن أو البوارج التجارية أو العسكرية التابعة للولايات المُتحدة. فضلا عن دور مصر الفاصل في الملف الفلسطيني وتدخلها الحاسم لتهدئة الفصائل الفلسطينية حال اشتعال المواجهات بينهم وبين إسرائيل.
جدير بالذكر أن رئيس اللجنة العسكرية لحلف الناتو الأدميرال "روب باور"، قام بزيارة مصر من 23 إلى 25 سبتمبر 2023، بدعوة من القائد العام للقوات المسلحة المصرية، لمُناقشة الفرص المستقبلية لتعميق التعاون العسكري بين حلف شمال الأطلسي ومصر، وأيضاً في مجالي الأمن البحري والأمن السيبراني. وبينما أجرى رئيس اللجنة العسكرية زيارته في القاهرة، قامت وحدات من عملية حارس البحر التابعة لحلف الناتو بزيارة إلى ميناء الإسكندرية، مكونة من سفينة OSG الرائدة HS Navarinon (اليونان) وITS Margottini (إيطاليا) وROS Regina Maria (رومانيا) بإجراء تدريبات مع البحرية المصرية، بهدف تحسين إمكانية التشغيل البيني وتبادل أفضل الممارسات مع أفراد البحرية المصرية [15]، وهو ما يشير إلى تكامل للمشهد على أرض مصر بنشاط بارز للدبلوماسية العسكرية بين مصر وبين كافة أقطاب العالم.
على نحو آخر، ضمت مُناورات النجم الساطع على الأراضي المصرية قوات لعدة شُركاء عرب وأفارقة كأصدقاء مُقربين، إذ من اللافت مُشاركة قوات من بوركينا فاسو التي اختارتها مصر مؤخراً كمشغل لناقلة الأفراد المدرعة FAHD المصرية الصنع [16]. وأيضًا نيجيريا وأوغندا. ورغم عدم الاستقرار الأخير في منطقة الساحل، كان من المهم جلب الدول الأفريقية إلى مصر لإجراء هذه التدريبات، وأيضاً إشراك السودان بصفة مُراقب..
وعلى الرغم من أنّ إسرائيل ومصر لديهما معاهدة سلام وترتبط إسرائيل بشكل متزايد بدول اتفاقيات إبراهيم، لم تذكر التقارير مشاركة اسرائيل في المناورات، إذ لا يزال من القضايا الحساسة إدراج تل أبيب في التدريبات العسكرية الإقليمية إلى جانب الدول التي ليس لها علاقات معها. [17]
بريكس والمساعي والأمريكية
ومن زاوية أكثر قرباً، تزامنت مُناورات "النجم الساطع 2023" مع انعقاد قمة العشرين بنيودلهي التي حضرها الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" بناءاً على دعوة رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" [18]، كذلك مع مشاركة فرقة سلاح الجو الهندي التي ضمت أفرادًا من "قوات جارود الخاصة"، وما يقرب من (150) جندي من الجيش الهندي في هذه المناورات [19]، علماً أنه ليس التدريب الأول الذي يجمع بين الجيش الهندي والجيش المصري، فقد سبق وتم إجراء أول مناورة للقوات الخاصة "CYCLONE -I" في راجاستان في 20 يناير2023، مع التركيز على تبادل المهارات والخبرات المهنية بغرض توفر نظرة ثاقبة لثقافة وروح كلا الجيشين، وبالتالي تعزيز التعاون العسكري وقابلية التشغيل البيني لزيادة تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين الهند ومصر. [20]
يمكن القول، إنّ مصر والهند حققتا حالة من الصداقة والتقارب النوعي مؤخراً، مُكللة بقبول عضوية مصر في مجموعة البريكس، إلا أنّ ذلك التقارب، وهو أحد محاور توسّع مجموعة بريكس التي باتت مُتطلعة لتمديد عضويتها بدول جديدة بما يشمل آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية، قد لا يبدو مرضياً بالنسبة للولايات المتحدة. حيث أتت قمة العشرين بثقلها ككيان اقتصادي، ومنحت فرصة لبايدن بأن يتخذ منها منصة بجانب زعماء الهند والسعودية والإمارات؛ ليركز الحديث على "مشروع الممر التُجاري الهندي الخليجي الأوروبي (IMEC). [21]" الذي يشمل مسار السكك الحديدية والشحن فيه؛ الألياف الضوئية المتقدمة وخطوط أنابيب الهيدروجين النظيفة والمناطق الاقتصادية الممتدة من الهند، عبر الإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل، إلى ميناء بيريوس في اليونان. [22]
يلخّص المعنى الأكيد لهذا المشهد، قيادة الولايات المُتحدة لواقع يضعف الأمل في مستقبل طريق الحرير الصيني، ويُروّج لبديل يُهدد واقع ومُستقبل قناة السويس المصرية، بمُشاركة السعودية والإمارات اللتان تعدان الحلفاء الأقرب لمصر، وأصحاب التقارب الأهم للصين في منطقة الشرق الأوسط مؤخراً، والمقبولة عضويتهما حديثاً في منظومة بريكس، ليترتب المشهد بإخراج أمريكي ناجح ظاهرياً في تفتيت دعائم بريكس الجديدة، بخلق تضاد المصالح بين الدول الصديقة.
ولكن مالا يُمكن إغفاله، هو أهمية إدراك لعبة "جو بايدن" السياسية، وما يطمح له من نسج أوراق تُحسب لصالحه في مُنافسة الانتخابات الأمريكية القادمة. خاصة وأن ما تم طرحه حول الممر الاقتصادي هو مُجرد اقتراح أو تصوّر خالي من مؤشرات الواقعية، فلم يتم الكشف عن موازنة مرصودة للمشروع أو الشركات التي ستتولى التخطيط والتنفيذ. على عكس مشروع الحزام والطريق، الذي تم إطلاقه في عام 2013 وضخت بكين حوالي تريليون دولار في مشاريعه حتى الآن، كما أنها وقعت على مر السنين وثائق تعاون لمبادرة الحزام والطريق مع أكثر من 150 دولية وأكثر من 30 منظمة دولية. [23]
كما إن مركز قناة السويس المصرية كممر تُجاري عالمي، يصعّب المنافسة لأي مشاريع شبيهة، إذ تبلغ عدد الحاويات التي تمر منه حوالي (35 مليون) حاوية ضخمة سنوياً بما يوازي (1.5 مليار طن)، أي أضعاف مُضاعفة من قدرة استيعاب أي شبكة قطارات قد يتم إنشائها حول العالم. وأيضاً بمُقارنة تكلفة الشحن ومُراعاة التأثير البيئي؛ تكون الأفضلية لقناة السويس [24]. كما أنه لا يعني انضمام السعودية والإمارات لمشروع الممر الهندي الأوروبي تهديداً لمصالح مصر أو الصين، بل بات ضرورة لدول الخليج لمواجهة تغير المناخ من خلال التنوع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط، فمُختلف مشاريع البنية التحتية عالمياً تتكامل مع بعضها ويظل كُلاُ منها مُنفرد بدرجة من الأهمية.
يمكن القول أنّ انعقاد قمة العشرين بالهند كصرح اقتصادي له تأثير عالمي، بالتزامن مع مُناورات النجم الساطع بمصر بُمشاركة أعضاء من مجموعة العشرين، بالإضافة لدول من البريكس، ودول عربية وإفريقية وأسيوية، يبلور مشهد من الدبلوماسية العسكرية التي تفرض حساباتها كما حدث بين واشنطن والقاهرة، وتُمثّل أحد المحاور الهامة التي يُمكن الركون إليها في العلاقات الدولية حينما تتضاد المصالح السياسية والتطلعات الاقتصادية.
قبل 3 أشهر