تصميم: مركز سوث24 للأخبار والدراسات
30-08-2023 الساعة 8 صباحاً بتوقيت عدن
سوث24 | د. إيمان زهران
اكتسبت القمة الخامسة عشر لمجموعة البريكس، في جوهانسبرغ، زخماً عالمياً واسعاً. حيث تُعد القمة الأكثر أهمية منذ سنوات وذلك بالنظر إلى حجم التداولات حول توسيع عضوية المجموعة، والدفع نحو اعتماد عملة احتياطية موحدة. فضلاً عن استهداف التكتل القائم للحد من الهيمنة طويلة المدى للدولار والمؤسسات المالية الغربية على النظام المالي العالمي كإحدى الارتدادات النوعية لحالة "اللا – يقين" بالتفاعلات السياسية، والرغبة في التحلل التدريجي من نمط الأحادية وإدارة الدفة نحو التعددية القطبية بالنظام الدولي. ذلك نتيجة للعديد من الاختبارات الجيوسياسية، بدءًا من التباطؤ بمرحلة التعافي للاقتصاديات العالمية والناشئة إثر محاصرة تفشي جائحة "كوفيد– 19"، وما تبعها من إقرار سياسات الإغلاق الكلي والجزئي وتنامي مفهوم "الحمائية التجارية"، بالتوازي مع عمليات الإغلاق في المراكز الصناعية الرئيسية. فضلاً عن الحرب الروسية – الأوكرانية وما يرتبط بها من تداعيات جيوسياسية على كافة المجالات التجارية والاقتصادية. كل ذلك يدفع بإعادة النظر في مستقبل النظام العالمي الجديد وتقييم هياكل مؤسساته وتكتلاته القائمة. وقد انعكس ذلك على سياقات ورسائل ومخرجات القمة الخامسة عشر "البريكس - 2023"، بالنظر إلى النقاط التالية:
سياقات البريكس
تكمن أهمية "قمة البريكس"، وفقًا لعدد من المُحددات التي تعتمد على تفنيد مُجمل الاتجاهات العالمية القائمة والمُحتمل حدوثها، أو التوقعات المتعلقة ببعض أقاليم العالم المختلفة [1]، والتي تُشكل سياقات نوعية داعمة لتعزيز "مكانة البريكس" كأحد أهم التكتلات الاقتصادية بالخريطة الدولية. وذلك وفقاً لما يلي [2]:
- ما آلت إليه حركة العولمة وما تلاها من ركود الاقتصاد العالمي جراء العديد من الاضطرابات غير التقليدية، وفي مقدمتها جائحة كورونا. وهو ما دفع بدول تجمع بريكس لبناء تفاهمات مشتركة لمواجهة التحديات الجديدة التي أثارتها الأزمات بشكل أفضل، وكذلك الرغبة في هيكلة نظام اقتصادي دولي أكثر عدلًا، من شأنه أن يُلبي تطلعات البلدان النامية والصاعدة بشكل أفضل.
- ما أفضت إليه الحرب الروسية الأوكرانية من أولوية الدول النامية والصاعدة لمراجعة أوجه التحالفات الاقتصادية والتنموية، وهو ما انعكس على ما يُعرف بـ "توجهات مزدوجة" لدى مجموعة بريكس في توسيع نطاقها، ولدى الدول النامية والصاعدة في الانضمام لتجمعات تتسم بالمرونة والتنوع. فعلى سبيل المثال: اقترحت روسيا والصين بدء عملية توسيع مجموعة "بريكس"، حيث انضم إلى مشاورات "بريكس - بلس" ممثلون عن الأرجنتين ومصر وإندونيسيا وكازاخستان ونيجيريا والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والسنغال وتايلند. وهو ما انعكس على مُخرجات "قمة البريكس" وما أفضت إليه من قرارات من شأنها توسيع العضوية لتضم ست دول جديدة كأعضاء دائمين في "البريكس" بدءًا من يناير 2024 [3]، من بينها ثلاث دول عربية: مصر، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى إيران، وإثيوبيا، والأرجنتين، لتتأسس بذلك مجموعة "بريكس – بلس".
- الرغبة في إعادة ترتيب خريطة التفاعلات الجيواقتصادية للتحلل من هيمنة الدولار في ظل التوجه نحو الحديث عن عملة موحدة لبريكس، يمكن استخدامها في المعاملات الدولية، بما ينعكس بشكل مباشر على التغير بـ "الخريطة الاقتصادية"، والانتقال من الإملاءات الأحادية، إلى عالم يتسم بتفاعلات متعددة الأقطاب، فضلاً عن التحرك نحو الاستدارة بميزان القوة من شمال النظام العالمي إلى جنوبه.
مكاسب عربية
تعزز خطوة انضمام ثلاث دول عربية إلى مجموعة بريكس الجهود العربية نحو بناء أطر لـ "التكامل الاقتصادي" مع دول المجموعة. بالإضافة إلى دعم "مجموعة البريكس" لكافة التطلعات العربية النوعية، أبرزها: بناء شراكات ثنائية ومتعددة تستهدف تطوير البُنى التحتية، دعم المشاريع الاقتصادية والاستثمارية المشتركة الجديدة، التوقيع على اتفاقيات تفاضلية تتعلق برفع القيود الجمركية والعراقيل غير الجمركية. فضلاً عن الاستفادة من تجارب دول "مجموعة البريكس" في قطاعات معينة كالصناعة والزراعة والمناجم واستغلال الثروات الباطنية، وذلك بالنظر إلى حجم الفرص التالية:
- تعزيز فرضية التكامل الاقتصادي:
بالنظر لمُجمل التفاعلات السياسية والأمنية القائمة على المستويين الدولي والإقليمي وانعكاساته المباشرة على اضطراب الاقتصاديات الناشئة - وفي مقدمتهم الاقتصاديات العربية، تأتي خطوة الانضمام العربي للبريكس، كإحدى الأدوات الداعمة لتعزيز فرضية "التكامل الاقتصادي". إذ أن التجمعات الاقتصادية توفر فرصاً لتعزيز التجارة والاستثمار بين الدول الأعضاء، وهو ما قد يؤول بدوره إلى تعزيز نمو الاقتصاديات الوطنية وتنويع مصادر الدخل، فضلاً عن تأمين السلع الاستراتيجية نتيجة الاعتماد المتبادل لدول المجموعة فيما بينهم.
- تنويع السلاسل النقدية:
اختتمت أعمال القمة الخامسة عشر لدول البريكس بعدد من القرارات، أبرزها "تشكيل مجموعة عمل لاعتماد عملة مشتركة للبريكس كبديل للدولار"، مع توجيه وزراء مالية دول بريكس لبحث مسألة التعاون بالعملات المحلية، بما يقلل من سياسات الاعتمادية على الدولار، وبما يُقلل من تبعية تلك الدول للدولار الأمريكي كعملة رئيسية في تعاملاتها التجارية، وبما يُسهم في نهاية الأمر إلى تعزيز قيمة العملات الوطنية لتلك الدول.
- الانضمام إلى بنك التنمية الجديد:
بالنظر إلى حالة الانكماش الاقتصادي بالمنطقة العربية جراء العديد من التوترات السياسية والأمنية محليا وإقليمياً ودوليا، فضلاً عن اضطراب التعافي من التهديدات غير التقليدية وفي مقدمتها جائحة كورونا والتغيرات المناخية، يأتي الانضمام لبنك التنمية الجديد ليُسهم في تنشيط الخريطة التنموية لكل من "مصر والسعودية والإمارات"، وذلك بدعم أجندات التنمية المستدامة ومعالجة قضايا السيولة في ضوء ما تتمتع به دول المجموعة من إجمالي احتياطيات من النقد الأجنبي 4 تريليونات دولار أمريكي. [4]
- تعزيز الأدوار العربية بـالأقاليم الفرعية:
تتعلق تلك الفرضية بالحراك السياسي العربي بكافة الأقاليم الفرعية والتشبيكات المختلفة مع مختلف القضايا النوعية بشقيها السياسي والاقتصادي. على سبيل المثال، نظرا لمركزيتها الجيوسياسية ما بين الأقاليم الثلاثة "العربية والإفريقية والأوروبية"، سُيشكّل انضمام القاهرة لمجموعة دول بريكس ميزة نسبية في تعزيز الأطر الاقتصادية والاستثمارية، وتعميق الاستفادة من الاتفاقيات التجارية الثنائية والمتعددة "مثل اتفاقية التجارة الحرة بين مصر ودول تجمع الميركوسور". فضلاً عن رغبة مصر في ترسيخ فرضية "المركزية الجيواقتصادية" كأفضل الواجهات اللوجيستية عربياً لتصبح مركزًا للتفاعلات التجارية بين القارات الثلاث: إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية.
- تنويع وتوسيع دوائر المؤشرات الجيواقتصادية:
تُبنى تلك الفرضية على المؤشرات الاقتصادية لدول البريكس + مؤشرات الدول التي انضمت حديثاً لذلك التجمع بما يخدم أهداف المجموعة والمتمثلة في: المحافظة على توازن دول المجموعة اقتصادياً، التخلص من سياسات الأحادية القطبية، تشكيل واعتماد آليات تمويل مستقلة، بالإضافة إلى العمل على تحقيق التكامل السياسي والاقتصادي. وذلك بالنظر إلى التنوع في المؤشرات التالية:
المؤشرات الاقتصادية لدول البريكس (source: Think Tank Egypt TTE, 24/8/2023)
المؤشرات الاقتصادية للدول المنضمة حديثا لمجموعة البريكس (source: Think Tank Egypt – TTE, 24/8/2023)
تحديات مُحتملة
في ظل التفاعلات المُعقدة التي تتسم بحالة من اللا- يقين لمُجمل تحولات النظام العالمي الجديد، فثمّة تنافس غير مسبوق على عضوية "تكتل البريكس". نجحت بالفعل ست دول في اجتيازه خلال القمة الخامسة عشر. وعلى الرغم من حجم المكاسب المتوقعة للأجندات التنموية والاستثمارية الاقتصادية لتلك الدول، إلا أنه بالمقابل هناك ثمّة عدد من التحديات المُحتملة:
- اضطراب التجانس الهيكلي: إنّ انضمام ستة أعضاء جدد بخلفيات سياسية واقتصادية مختلفة، من شأنه أن يخلق حالة من "التباين/ والاضطراب" في توجهات الأعضاء ورؤيتهم الاستراتيجية، جنباً إلى جنب، مع الاختلافات القائمة بين المؤسسين الذين تتباين رؤاهم حول النظام الدولي وعلاقاتهم مع الغرب، والموقف من التعددية القطبية. فعلى سبيل المثال: الموقف الروسي يتسم بالتشدد تجاه تجاوز المؤسسات الغربية والحد من مخاطر التفاعل معها وخلق مساحات موازية لإدارة العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بمنأى عن الكتلة الغربية الأمريكية والأوروبية، بينما الموقف الصيني يتسم بالحذر في ظل تشابك نظام بكين التجاري مع كافة دول العالم. في حين أن الموقف الهندي يتسم بالحياد والمراوحة في ظل تطلعات الهند الجيوسياسية عبر الاصطفاف التاريخي لها مع الغرب وعضويتها في التحالف الرباعي "كواد" [5]، كما تستمر الإشكالية ذاتها مع عضوية دول جديدة تحمل أجندات وطنية مغايرة ومتشابكة مع كافة الأقطاب الدولية، كإيران.
- اضطراب التجانس الأمني: إنّ أحد أهم الانعكاسات المُحتملة لانضمام الأعضاء الستة، ما يتعلق بالتجانسات الأمنية بين دول التجمع نفسها. فعلى سبيل المثال، هناك التقارير الأرجنتينية حول مسؤولية طهران عن الهجمات الإرهابية التي تم ارتكابها على أراضيها. فضلاً عن التداعيات السلبية لانضمام طهران للتكتل على علاقة دول بريكس مع كل من واشنطن والكتلة الأوروبية، وغيرها من الاضطرابات السياسية المُحتملة بين الدول الأعضاء.
تأسيساً على ما سبق، تأتي مُخرجات القمة الخامسة عشر لمجموعة دول البريكس لتدفع بالعديد من اختبارات "التوازن الجيوسياسي / والجيواقتصادي"، التي تتزامن مع جملة من التفاعلات الدولية على كافة المستويات التقليدية وغير التقليدية، لنخلص بذلك إلى أن الرهان الرئيسي لمجموعة دول البريكس يتمثل في تساؤل رئيسي مهم: "إلى أي مدى يمكن النجاح في توظيف الآليات المتاحة لإنجاز متطلبات التأثير في القواعد الحاكمة للتمويل الدولي والسياسات الاقتصادية؟، وهو يعتبر الرهان محل الاختبار خلال الفترة المُقبلة.
قبل 3 أشهر