جانب من تدخل المنظمات في المناحل بمديرية حجر بساحل حضرموت، 7 مارس 2023 (عمر بادبيان)
17-07-2023 الساعة 3 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | عبد الله الشادلي
في قصيدة ألفها وغنَّاها أبوبكر سالم بلفقيه، شبَّه الفنان العملاق الراحل، الذي ينحدر من حضرموت، محبوبته بـ "عسل دوعن". ودوعن هي مديرية في محافظة حضرموت يوجد فيها "وادي دوعن" الشهير بانتشار أشجار السدر وإنتاج العسل عالي الجودة.
لطالما حظيت تربية النحل باهتمام كبير في جنوب اليمن منذ القدم، حيث يُقبل السكان على شراء العسل لأغراض طبية وعلاجية وتغذوية بشكل لافت. وتُعد صناعة العسل من الأنشطة الاقتصادية الشعبية الشائعة في العديد من المحافظات والمناطق، لاسيَّما في محافظتي حضرموت وشبوة.
وللعسل مكانة كبيرة في الثقافة الشعبية الجنوبية، فقد وصف في القرآن المقدس على أنَّه "شفاء للناس". كما سميَّت سورة كاملة من المصحف باسم "سورة النحل"، علاوة على ذلك أثبت العلم فوائد هذا السائل الساحر على مختلف الأصعدة، مما عزَّز من مكانته لدى السكان.
مناطق الإنتاج
تنتج محافظات الجنوب أنواع مميزة من العسل، أفضلها: "عسل السِدْر"، كواحد من بين أكثر الأصناف طلباً على المستوى العالمي. ويتزامن إنتاج هذا النوع من العسل في فصل الخريف لمدة شهر واحد فقط، وتحديداً في أكتوبر من كل عام.
وفي أحيان أخرى، يكون فصل الربيع، وتحديداً بين مارس وأبريل، موسما إضافياً لإنتاج عسل السدر، خاصة إذا رافقه هطول الأمطار. يُطلق على هذا العسل "المربعي"، نسبة لفصل الربيع؛ بيد أنّ الإنتاج في هذا التوقيت يكون أقل حظاً مقارنة بإنتاج الخريف.
وتعتبر مديريتا دوعن ويِبْعِث بحضرموت، ومديرية جردان بشبوة، الأكثر شهرة في جنوب اليمن بإنتاج العسل، بفضل أشجار السدر التي تزدهر في هذه المناطق. وعلاوة على السمعة التي يحظى بها العسل الدوعني؛ فإنّه يتميز بنكهته وخصائصه الفريدة من نوعها. ولقد برزت شهرة العسل الدوعني كعلامة تجارية عند المستهلكين.
خلايا نحل بمديرية دوعن في محافظة حضرموت، 4 يوليو 2023 (مركز سوث24)
ومن أصناف العسل الأخرى "عسل "المَرْيَة" أو "السُمْرَة"، وهو صنف مصدره شجرة السُمُر التي تزدهر بين شهري مارس وأبريل من كل عام في شبوة وحضرموت. ويليه عسل "الضبيان" ومصدره شجرة "الضُبية"، وينتج هذا النوع بين شهري فبراير وأبريل من كل عام.
ويلفت تاجر العسل الحضرمي علي باجندوح، في حديث لمركز "سوث24"، إلى أنَّ "عسل الضبيان" يُعد علاجاً طبيعياً لآلام المعدة، والأمراض الأخرى المتعلقة بذلك. لكن إنتاج العسل لا يقتصر على المديريات المذكورة فقط، ففي حضرموت هناك وديان وقرى وأرياف ومناطق أخرى لا تقل أهمية عن يِبْعِث ودوعن من ناحية إنتاج العسل.
من هذه المناطق، "وادي عمد"، و"لِبْنَة بارْشَيْد"، و"وادي حَجْر" والمناطق المجاورة له، ومنطقة "وادي المحمديين". وتعتبر جميع هذه المناطق مُنتِجة للعسل بجودة متفاوتة، لكنَّها لا تستطيع منافسة دوعن ويبعث. كما يوضح الخبير الزراعي، صهيب الشاطري، لمركز "سوث24".
وفي شبوة، قال الخبير الزراعي أحمد بارحمة لمركز "سوث24" إنَّ مديريات مرخة وحبان وعسيلان تُعَّد من المناطق المنتجة للعسل أيضًأ إلى جانب مديرية جردان. لكنَّ العسل الذي ينتج في هذه المديريات متواضع ويباع محليًا فقط، كما يوضح تاجر العسل الشبواني عمر الهميمي لمركز "سوث24".
كما يتم إنتاج العسل بكميات مهمة في محافظات أخرى في الجنوب، مثل أبين، ولحج، والمهرة، وسقطرى. ويربي مزارعون خلايا النحل بشكل محدود في بعض الأرياف بمحافظة الضالع أيضًا.
خلايا نحل بمديرية دوعن في محافظة حضرموت، 4 يوليو 2023 (مركز سوث24)
كمية الإنتاج
يصل الإنتاج السنوي للعسل في حضرموت إلى نحو 1067 طناً، وفقاً لإحصائية تحصّل عليها «سوث24» من مركز "نحل العسل" بجامعة سيئون. وفي شبوة، يصل الإنتاج السنوي للعسل إلى نحو 680 طناً وفقاً لمدير مكتب وزارة الزراعة والري المهندس فهد العتيقي.
ويتم تصدير ما نسبته 50 - 60% من الكمية المنتجة سنوياً من عسل حضرموت وشبوة إلى عدد من الدول العربية والأجنبية، مثل: المملكة العربية السعودية، والإمارات، وقطر، والولايات المتحدة الأمريكية، وألمانيا، واليابان والصين، وفقاً للجهات التي تحدّثت لمركز «سوث24».
مصدر دخل
تُعد صناعة العسل في جنوب اليمن مصدراً رئيسياً لدخل العديد من المزارعين والعائلات العاملة في هذا المجال. ويستفيد المزارعون من بيع النحل على المستويين المحلي والخارجي. ويباع العسل بأسعار مشجعة للغاية في الأسواق. ويصل سعر الكيلوجرام من عسل السدر [درجة أولى] الذي ينتج في منطقة يبعث بحضرموت إلى 85 ريال يمني، [62$].
ويصل سعر ذات الصنف في منطقة "دوعن" إلى 60 ألف ريال يمني [43$]. ويبلغ سعر الكيلوجرام من عسل جردان في شبوة نحو 40 ألف ريال [30$]. كما يوجد في حضرموت نوع آخر يحتوي على نسبة ضئيلة من عسل السدر، ويعرف محليّاً بـ "فرز البغية"، ويصل سعره إلى نحو 35 ألف ريال [25$].
خلايا نحل بمديرية دوعن في محافظة حضرموت، 4 يوليو 2023 (مركز سوث24)
ويُنتج ذلك النوع غالباً من مديريتي سيئون والقطن بوادي حضرموت. ويصل سعر "عسل السمرة"، إلى 16 ألف ريال للعسل من الدرجة الأولى [12$]. فيما يبلغ سعر الدرجة الثانية نحو 12 ألف ريال [9$].
وعلى الرغم من ارتباط هذه الأنواع بمواسم وفصول معينة من السنة، يوجد نوع آخر هو الأقل ثمنا من بين كل هذه الأنواع وهو "عسل المراعي" الذي يستمر إنتاجه على مدار العام. ويبلغ سعر الكيلوجرام الواحد من هذا النوع نحو 7 آلاف ريال [5$].
وفي الأسواق العربية والعالمية، يصل سعر الكيلو الواحد من عسل يبعث إلى أكثر من 100$، والعسل الدوعني إلى نحو 80$. ويصل العسل الجرداني إلى 65$.
شجرة سدر، غرب المكلا، ساحل حضرموت، 7 يوليو 2023 (مركز سوث24)
عراقيل وتهديدات
تواجه صناعة العسل في جنوب اليمن تحديات كبيرة، منها ما يتصل بالتغيرات المناخية وظروف تربية النحل، ومنها ما يتعلق بالأزمة الراهنة التي دخلت عامها التاسع. ويؤكد الخبير صهيب الشاطري على أنَّ "هناك حاجة للاهتمام بالبنية التحتية الخاصة بالمناحل لتحسين عملية الإنتاج والتصدير".
ويلفت الشاطري إلى أنَّ "صعوبة وصول المياه إلى أشجار السدر، والاعتماد بدرجة أساسية على مياه الأمطار في ريّها مشكلة حقيقة توجب تدخل الدولة والمنظمات الداعمة، من أجل رفع الإنتاجية". كما تبرز مشكلة كبيرة أخرى، وهي تحطيب أشجار السدر، المصدر الأساسي للعسل عالي الجودة، بشكل جائر.
مضيفًا: "هذه الأشجار رغم أنّها لا تحتاج إلى اهتمام بشري، تظلَّ بحاجة إلى الاستزراع".
وفي هذا الصدد، قال مدير مكتب الزراعة بحضرموت، عوض بالكيمان لمركز «سوث24»: "نفتقد إلى الآلات والمعدات اللازمة للكشف على العسل وفحصه في معاملنا". مضيفًا: "تم تجهيز معمل إلا أنّه خالٍ من أي معدات حتى الآن".
وأضاف: "أوجه رسالة عبر مركز سوث24 إلى الجهات الداعمة والمنظمات لدعم هذا الجانب وتطويره". ولفت المسؤول المحلي إلى أنَّ "مكتب الزراعة كان قد قدم تصورًا سابقاً لم يلق استجابة".
جانب من تدخل المنظمات في المناحل بمديرية حجر بساحل حضرموت، 7 مارس 2023 (عمر بادبيان)
ويؤكَّد الخبير الزراعي أحمد بارحمة أن هناك حاجة لاستخدام الوسائل الحديثة والتقنيات العصرية في زيادة إنتاج العسل، وعدم الاكتفاء بالطرق التقليدية. مضيفًا: "الخلية التقليدية تنتج من 3 إلى 6 لتر من العسل سنوياً، وهي كمية ضئيلة. إذا ما أدخلت الوسائل الحديثة، حيث يمكن رفع الإنتاجية بها بشكل كبير".
وانتقد بارحمة تدخلات المنظمات الدولية التي قال إنَّها، بالرغم من دعمها السخي، توجه أغلب نشاطها نحو المناطق النائية في شمال اليمن التي لا يمكن مقارنة صناعة العسل فيها بحضرموت أو شبوة. وأردف: "نلاحظ بشكل متكرر ذهاب الدعم لمناطق سيطرة الحوثيين على وجه الخصوص".
وفي 9 يوليو، قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إنّ "النزاع والتغير المناخي يهددان صناعة العسل في اليمن". وأشارت في تغريدة عبر "تويتر" إلى أنّ اللجنة تدعم النحالين في منطقتي المعافر والشمايتين في تعز؛ لمساعدتهم على توفير مصدر مستدام للدخل، وللتعزيز من إنتاج العسل في البلد".
قبل 3 أشهر