خلية «داعش» في يافع: ما وراء التسلل؟

خلية داعش التي ضبطتها القوات الجنوبية في يافع بلحج، 25 مايو 2023 (تجميع مركز سوث24 - رسمي)

خلية «داعش» في يافع: ما وراء التسلل؟

التحليلات

الإثنين, 26-06-2023 الساعة 06:28 مساءً بتوقيت عدن

سوث24 | إبراهيم علي 

بعد  أكثر من عامين من انقطاع نشاط تنظيم الدولة الإسلامية "داعش في اليمن، ألقت وحدات من قوات الحزام الأمني في محافظة لحج، في 25 مايو آيار الماضي، القبض على "خلية" تابعة للتنظيم في مديرية لبعوس، على الحدود مع محافظة البيضاء.

الخلية المكونة من سبعة أفراد، والتي يحمل أربعة من عناصرها، الجنسية السعودية، قدمت من محافظة البيضاء الخاضعة كليةً لسيطرة الحوثيين، وبحوزتها أسلحة وذخائر وقنابل وحزام ناسف وشعارات تنظيم الدولة. بعض أفراد المجموعة سبق وتواجدوا في العاصمة اليمنية صنعاء منذ فترة، خصوصا القيادي السعودي المكنى "أبو شامخ القحطاني"، الذي انشق عن تنظيم القاعدة لصالح داعش قبل عدة أعوام.

تزامن غير بريء 

جاءت العملية الأمنية للقوات الجنوبية بالتزامن مع اهتمام حوثي غير مسبوق بالوضع في محافظات الجنوب، وأيضا مع تحركات ميدانية عسكرية وسياسية للملكة العربية السعودية هناك. كما تزامنت مع تصاعد نشاط تنظيم القاعدة في محافظتي أبين وشبوة، حيث نفذ التنظيم ما يزيد عن 31 هجوما خلال الستة الأشهر الأولى من العام الحالي ضد وحدات وتشكيلات القوات الجنوبية الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي. بعضها بواسطة الطائرات المسيرة التي استخدمها التنظيم لأول مرة. وعلى الأرجح، تبدو حادثة خلية داعش في يافع، وثيقة الصلة بهذه الأحداث وغير منفصلة عنها.

إعادة خلق داعش! 

تُشير محاولة تسلل عناصر تنظيم الدولة الإسلامية ناحية الجنوب في هذا التوقيت، إلى أنّ هناك مساعي لإعادة خلق داعش، لإرباك الوضع السياسي والأمني في المنطقة الاستراتيجية الواقعة على بحر العرب ومضيق باب المندب.  

يحدث ذلك، رغم أنّ هذا الفرع حديث النشأة، لم تكن له في يوم من الأيام معاقل داخل تلك المحافظات أو حاضنة شعبية. حتى حين غادر بعض عناصره مدينة عدن في العام 2016 إلى يافع، لم يتمكن من البقاء فيها أياما. لهذا عاد وغادرها على الفور إلى مديرية "ولد ربيع" في محافظة البيضاء، وسط اليمن، وبقي فيها حتى العام 2020 دون أن يتعرض لجماعة الحوثي أو تتعرض له قبل هذا التاريخ.ذلك بخلاف تنظيم القاعدة الذي استطاع اتخاذ معاقل له في محافظات مثل أبين وشبوة خلال فترة حكم الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح.

تزامنت إعادة ورقة داعش مع مكاسب استراتيجية حققتها وتحققها القوات الجنوبية ضد عناصر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، في محافظتي أبين وشبوة. ويمكن القول إنّ هناك حرصا على تعزيز فكرة وجود الإرهاب في الجنوب، وإنّ عودة داعش تنسجم تماما مع "مخاوف" لأطراف سياسية، من قدرة القوات الجنوبية على القضاء على تنظيم القاعدة في تلك المناطق بصورة نهائية.

ربما استطاع تنظيم القاعدة تصعيد هجماته مؤخرا، كما توضّح الإحصاءات البيانية الحديثة لمركز سوث24 للدراسات، إلا أنّ وضع التنظيم حاليا يبدو أسوأ من أي وقت مضى، حيث فقدّ القدرة على الحركة المرنة بفضل عمليات "سهام الشرق"، كما فقد معظم معاقله الجبلية الحصينة لأول مرة منذ إنشاءه في 2009.

ما علاقة الحوثيين بهذه التطورات؟ 

وبرغم إنّ جماعة الحوثي تفاخرت بالقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية في محافظة البيضاء، وجزء من هذا الكلام صحيح، إلا أنّ الجزء الآخر يخفي أمورا مهمة. فعلى سبيل المثال، تحدّثت الجماعة عن قتلى التنظيم، أو عن سقوط كل أفراده قتلى خلال عمليتها في مدرية ولد ربيع، لكنها أخفت حقيقة وقوع عدد منهم في الأسر، خصوصا ممن سقطوا جرحى. وفق مصادر مطلّعة، جرى نقل هؤلاء إلى العاصمة صنعاء بسرية تامة، ربما لغرض استخدامهم لاحقا. قد يكون بعض منهم ضمن الخلية التي تم إلقاء القبض عليها في يافع.

من غير المستبعد، أن يكون الدفع بهؤلاء إلى الجنوب، في هذه التوقيت، لغرض تصويرها كوكر للجماعات الإرهابية، وبالتالي القيام بعمل عسكري بذريعة الحرب عليه. وربما للقيام بهجمات دموية ضد شخصيات بارزة، أو محاولة إسقاط بعض المناطق الحدودية لمناطق سيطرة الحوثيين. سبق وأفرج الحوثيون عن عشرات من عناصر تنظيم القاعدة من سجونهم. 

يرجّح مراقبون غربيون أيضا أنّ هجمات القاعدة الأخيرة باستخدام الطائرات المسيرة، ضد قوات دفاع شبوة، في منطقة المصينعة بمديرية الصعيد، تشير إلى أنّ "التنظيم لا يعمل بمفرده"، في إشارة على الأرجح لجماعة الحوثيين التي تمتلك هذا السلاح بصورة كبيرة، وسبق واستخدمته لمهاجمة المنشآت النفطية مؤخرا في اليمن وخارجها. 

علم مركز سوث24 للدراسات من مصادر سرية في صنعاء، أنّ محافظ شبوة المعيّن من قبل الحوثيين، عوض محمد الطوسلي، هو قريب لأحد قيادات تنظيم القاعدة  "أبو عواد الطوسلي"، وكلاهما ينتميان لمنطقة المصينعة، التي تعرّضت لهجمات الطائرات المسيرة خلال الأسابيع الماضية. ما إذا كانت علاقة القرابة بين الرجلين، وراء حصول تنظيم القاعدة على تقنية الطائرات المسيّرة واستخدامها، من خلال الحوثيين، لا توجد أدلة حاسمة بشأن ذلك.

ورقة صراع 

وفق مصادر خاصة، كان عدد من أعضاء تنظيم الدولة ممن يحملون الجنسية السعودية، والموجودون في اليمن، قد اتخذو قرارا بالعودة وتسليم أنفسهم لسلطات بلدهم بعد انهيار التنظيم في اليمن عام 2020. حتى هذه اللحظة، لا توجد معلومات كافية حول هؤلاء، لكنَّ القبض على مجموعة تضم سعوديين في يافع يطرح تساؤلات وافتراضات، حول ما إذا بقيت عناصر داعش السعودية في اليمن، كورقة يمكن استخدامها في الوقت المناسب كما حدث من قبل. على سبيل المثال، كانت المملكة العربية السعودية على علم بوجود عناصر تنظيم القاعدة ضمن صفوف القوات الموالية للحكومة اليمنية والتابعة بصورة مباشرة لحزب الإصلاح، في محافظتي أبين وشبوة، لكنها غضت الطرف عنهم طوال الأعوام الماضية. ما من تفسير لذلك غير أنّ هؤلاء يمكن استخدامهم كورقة في الصراع، من خلال توفير المأوى الآمن أو الطائرات المسيرة لاستخدامها في العمليات. 

ومع ذلك يمكن الإشارة إلى أنّ السعودية أعلنت في يونيو 2019 أنّ قواتها الخاصة ونظيرتها اليمنية، تمكنت من اعتقال أمير تنظيم داعش في اليمن، "الملقب بأبو أسامة المهاجر والمسؤول المالي للتنظيم وعدد من أعضاء التنظيم المرافقين له في محافظة المهرة، شرقي عدن.

ومؤخرا حذّر معهدان أمريكيان بارزان من تبعات إنشاء المملكة لجماعات مسلّحة جديدة في جنوب اليمن على عملية "مكافحة الإرهاب" الجارية هناك، وجهود المجلس الانتقالي الجنوبي ضد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في مناطق محافظة أبين. 

لماذا الجنوب؟ 

من المؤكد أنّ وجود عناصر تنظيم الدولة في المحافظات الشمالية يجعلها بمأمن من أي استهداف في الوقت الراهن، خصوصا وأنها لا تمارس أية أنشطة "إرهابية" فيها. هذا يعني أنّ الاتجاه جنوبا لا يعني البحث عن مأوى آمن لإعادة ترتيب الأوراق، وإنما يحمل أهدافه الخاصة.

من هذا الأهداف، تنفيذ عمليات داخل مدن حيوية كعدن، لإظهار تلك المدن بأنها غير آمنة، خصوصا في ظل عجز تنظيم القاعدة عن الوصول إليها بعدما انحصرت عملياته أخيرا في محافظتي أبين وشبوة جراء الضربات التي تلقاها من القوات الجنوبية.

إلى جانب ذلك، ربما تكون هناك رغبة لدى بعض الأطراف في تشتييت جهد وتركيز القوات الجنوبية التي تقاتل القاعدة في أبين وشبوة، من خلال خلق بؤر جديدة للإرهاب بمحافظات أخرى، خصوصا بعدما حققت تلك القوات إنجازات غير مسبوقة في هذا الجانب. 

إضافة إلى ذلك، قد تكون هناك خشية لدى الأطراف نفسها من أن يحظى نموذج مكافحة الإرهاب في الجنوب خلال الآونة الأخيرة، باهتمام غربي أو بإشادة غربية، خصوصا وأن هذا الملف يؤثّر بشكل كبير على الموقف الغربي تجاه قضايا الداخل. إلى وقت قريب كانت جماعة الحوثي تغازل الغرب من نافذة الحرب على الإرهاب وإن بشكل غير مباشر، وذلك عبر مقارنة الأوضاع الأمنية في المناطق الخاضعة لسيطرتها بالأوضاع الأمنية في المناطق الخاضعة لسيطرة خصومها. ولا شك أنّ التغلب على أزمة الإرهاب جنوبا أهم بكثير من التغلب عليها شمالا، وذلك بالنظر إلى تاريخ نشاط القاعدة وتحركاتها وأيضا الأهمية الجغرافية للجنوب.

من المهم، في الأخير، الإشارة إلى أنّ تنظيم داعش كان قد انهار كتنظيم قبل نحو عامين، وفي حال قرر البناء من جديد، فسيختار مناطق آمنة له، والجنوب ليس كذلك حاليا، ما يعني أنّ تحركه الأخير باتجاه يافع لم يكن لصالحه وإنما لصالح جهات أخرى.


*إبراهيم علي
خبير متخصص في شؤون الجماعات المسلّحة، طلب عدم الكشف عن هويته، لأسباب شخصية


جنوب اليمنداعشالقاعدةالقوات الجنوبيةالحزام الأمنيالحوثيونيافعالبيضاءالإرهاب