ظاهرة التسول في عدن: مخاطر وحاجة إلى المعالجات

نساء يمارسن التسول في العاصمة عدن، 24 مايو 2023 (مركز سوث24)

ظاهرة التسول في عدن: مخاطر وحاجة إلى المعالجات

التقارير الخاصة

السبت, 27-05-2023 الساعة 06:18 مساءً بتوقيت عدن

سوث24 | رعد الريمي 

خلال  الأعوام الأخيرة، تزايدت ظاهرة التسوَّل في العاصمة عدن بشكل غير مسبوق بعد استقبال المدينة مئات الآلاف من النازحين الداخليين من مناطق الحرب والمهاجرين من القرن الأفريقي. وينتشر العشرات من المتسولين في معظم جولات [دوارات الطرق] في مختلف مديريات عدن بشكل يومي، أغلبهم من النساء والأطفال.

وعلى الرغم من الآثار السلبية لتصاعد ظاهرة التسول على مختلف المستويات، لم يتم وضع معالجات حقيقية حتَّى الآن لمكافحة هذه الظاهرة؛ حتَّى مع المعلومات عن شبكات منظمة تستغل الأطفال والنساء في التسوَّل. ويرى السكان أن ظاهرة التسول لها انعكاسات سلبية على زائري عدن، فضلًا عن تأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية.

ومع استمرار تدفق النازحين واللاجئين والمهاجرين، تزداد أعداد المتسولين في عدن. كما تسببت الحالة الاقتصادية والمعيشية بالغة الصعوبة في البلاد عمومًا بتفاقم هذه الظاهرة. لكنَّ عمليات التسول والمنظمة والتجارية تمثل جزءًا مهمًا من هذه الظاهرة ككل، مما يضع مزيدًا من المسؤوليات الأخلاقية والأمنية والاقتصادية على عاتق السلطات.


فتيان أفارقة يمارسون التسول في العاصمة عدن، 23 مايو 2023 (مركز سوث24) 

وظيفة  

بالنسبة للطفل محمد سهيم [11 عامًا]، فالتسوَّل هو وظيفته التي يعيل منها والدته وجدته في محافظة الحديدة، شمال اليمن. وقال سهيم لمركز سوث "سوث24": "بعد وفاة أبي، قدمت إلى عدن وعمري سبع سنوات. أخذني أحد الجيران إلى هنا لطلب النقود والمال من الآخرين".

وأضاف: "أسُلم نصف ما أجنيه من أموال إلى أحد أقاربي ليجمعها ومن ثم يرسلها إلى أمي وجدتي؛ بينما النصف الآخر يأخذه جاري الذي أحضرني إلى عدن مقابل الاهتمام بي وتوفير السكن والغذاء". لم يكن سهيم هو الطفل الوحيد في إحدى جولات مديرية خورمكسر بعدن ذلك اليوم. 

وتفترش بعض الفتيات والنسوة قارعة الطريق لانتظار الركاب النازلين من الحافلات وسيارات الأجرة لاقتناص بعض الفكة من العملة المحلية. كما ينتشر العديد من الأطفال على أبواب المطاعم والمحلات أيضًا لتجميع بقايا الطعام وطلب النقود من المارة.


نسوة وأطفال يمارسون التسول في العاصمة عدن، 23 مايو 2023 (مركز سوث24) 

وفي تصريحات صحفية سابقة، قال وزير الشؤون الاجتماعية والعمل د. محمد الزعوري إن "ظاهرة التسول تُستغل من قبل جهات معينة، وربما عصابات منظمة تستفيد من الوضع الهش الذي يعيشه البلد، وتعمل على الاستفادة من هؤلاء الأطفال الأبرياء لجلب الأموال من الشوارع". 

مخاطر 

تؤكد الخبيرة في علم الاجتماع والأستاذة المشاركة في جامعة عدن، د. أمل راجح، على المخاطر الاجتماعية والأمنية لظاهرة التسول في عدن. وقالت لمركز "سوث24": "ظاهرة التسول في عدن استفحلت بشكل كبير. يمارس المتسولون سلوكيات سلبية وهم عرضة للاستغلال".

وأضافت: "نشاهد العشرات من المتسولين في الجولات، وأمام دور العبادة والمطاعم وبجانب الفرزات [محطات وسائل النقل]". 

وحذَّرت الخبير من أنَّه: "قد يتم استغلال المتسولين كأدوات من قبل العصابات والمجرمين للسرقة والابتزاز والتحرش وبيع المخدرات وغيرها من الجرائم". وشدَّدت على ضرورة حماية الأطفال النازحين مع أسرهم من التسول وإيجاد معالجات تسهم في مكافحة وخفض هذه الظاهرة. 

وترى الخبيرة أنَّ "الصراع المسلح الدائر منذ أكثر من ثمانية أعوام تسبب بتفاقم ظاهرة التسول". وأردفت: "الصراع دفع بالكثير من الناس إلى امتهان التسول في الشوارع. نسب كبير من الأسر تعاني من قلة الدخل أو انعدامه أحيانًا نتيجة انقطاع المرتبات، علاوة على ارتفاع أسعار الغذاء بشكل كبير ومضاعف".

دور السلطات 

وفقًا لمدير عام مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل في العاصمة عدن، د. محمد حمود، خصًّصت السلطة المحلية مركزين لاستقبال المتسولين وتوفير احتياجاتهم ضمن خطة لمكافحة التسوَّل. وقال لمركز "سوث24" أنَّ كثير من المتسولين يختارون البقاء في الشارع للحصول على الأموال.

وأضاف: "ليس هناك إحصائيات أخيرة لعدد المستولين وذلك عائد إلى صعوبة ضبط هذه الشريحة، وعدم التزامهم بالأماكن المخصصة لهم من قبلنا كمراكز الإيواء والرعاية". ويلفت المسؤول المحلي إلى أنّ أغلب المتسولين "من الفارين الحرب في الشمال ومناطق سيطرة مليشيا الحوثيين".


طفلتان تمارسان التسول في العاصمة عدن، 23 مايو 2023 (مركز سوث24) 

وأردف: "معظم المتسولين نازحون ومعظم النازحين في عدن من محافظات الحديدة وتعز وإب وذمار وحجة وغيرها". مضيفًا: " الأصل أنَّ التسول عمل مرفوض بإيعاز من القانون. في السابق كنا كجهات مختصة نحيل المتسولين إلى النيابات ليتم التحقيق معهم وإحالتهم مركز الإيواء، ولكن مؤخرًا صار هذا الدور معدومًا تمامًا".

وأرجع المسؤول المحلي ذلك إلى "تفاقم المشكلة بشكل كبير وباستمرار في ظل ضعف الإمكانيات ومحدوديتها". 

وفي مذكرة، اطلع عليها مركز سوث24، خاطبت اللجان المجتمعية في عدن قيادة العاصمة لوضع حلول جذرية لظاهرة التسول. وأكدت اللجان أنّ انتشار المتسولين يثير القلق في صفوف السكان والمواطنين. وطالبت اللجان المحافظ أحمد لملس بتنفيذ إجراءات لمنع تفاقم هذه الظاهرة والحد منها. 

مكافحة التسوّل 

تؤكَّد الخبيرة الاجتماعية أمل راجح على أنَّ ظاهرة التسول "تظل مشكلة عصية على الحل إذا لم تتكاتف الجهود المجتمعية والمؤسسية في درء أخطارها والخروج بحلول عملية للحد منها".

وأضافت: "بداية الحل يجب أن تكون عبر اليقظة الأمنية والقانونية ومعاقبة العصابات التي تتاجر بالأطفال والزج بهم في السجون. ثم يجب العمل على تبديد الأسباب الاقتصادية للظاهرة ومكافحة الفقر وتحسين الأوضاع المعيشية للناس وإعادة النظر في نظام الأجور الذي يدفع بكثير من الأسر للتسول".


فتيان أفارقة يمارسون التسول في العاصمة عدن، 23 مايو 2023 (مركز سوث24) 

ولفتت الخبيرة إلى "ضرورة إشراك القطاع الخاص في التنمية والعمل على فتح العديد من المشاريع التنموية لمساعدة الشباب والنساء في الحصول على المداخيل المالية التي تغنيهم عن التسول". 

ويتفق مدير الشؤون الاجتماعية في عدن محمد حمود على ضرورة مضاعفة الدور الأمني لضبط المتسولين. وأضاف: "يجب أن تضطلع الجهات الأمنية في عملية مكافحة التسول وأن تقبض على المتسولين وترسلهم إلى مراكز الإيواء المخصصة لهم من قبلنا". 


صحفي في مركز سوث24 للأخبار والدراسات


جنوب اليمنعدنظاهرة التسول