التحليلات

ما وراء تصاعد عمليات تنظيم القاعدة في محافظة أبين؟

القوات الجنوبية خلال عمليات تطهير وادي عومران بمديرية مودية بأبين، أكتوبر 2022 (يوسف ثابت- مركز سوث24)

19-05-2023 الساعة 12 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

سوث24 | إبراهيم علي*


على الرغم من انخفاض هجمات تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بمحافظة أبين خلال الأسبوعين الأولى من شهر مايو الجاري، إلى أنّ عملياته الهجومية كانت قد تصاعدت بوتيرة عالية خلال شهري مارس وأبريل الماضيين، بصورة غير مسبوقة، منذ بدء العملية العسكرية "سهام الشرق" ضده في أغسطس 2022.


وعلى الرغم من العمليات العسكرية والأمنية التي نفذتها القوات الجنوبية ضده، إلا أن التنظيم حاول مرارا إثبات حضوره، من خلال هجمات متنوعة [1] استهدفت عدة جنود وقيادات أمنية بارزة من قوات الحزام الأمني وأفراد محور أبين العسكري، الذي يقوده العميد مختار النوبي، في حين طالت عمليات التنظيم نقاطا أمنية لقوات دفاع شبوة في محافظة شبوة. وقد تنوعت تلك الهجمات بين الكمائن والاستهداف عن بعد بواسطة العبوات الناسفة، ومؤخرا، ولأول مرة، استخدم التنظيم طائرة درون مسيّرة.[2]


وتصاعدت حدة الهجمات مع زيادة النشاط الإعلامي للتنظيم تمثل في سرعة تبني العمليات التي ينفذها، وأيضا في الإصدارات التحريضية المتنوعة. ويأتي ذلك في وقت كشف التنظيم عن أزمة مالية يمر بها، ودعا القبائل إلى مد يد العون له، بحسب ما ورد على لسان زعيمه خالد باطرفي في أحدث خطاب له. [3]


هذه العودة، أو الاستمرار في تنفيذ العمليات، تطرح سؤلا مهما حول ما إذا كان التنظيم قد تمكن من إعادة ترتيب أوراقه، وعن الأسباب التي ساعدته على ذلك، وعن مستقبل الحرب عليه في محافظة أبين.


سهام الشرق


قبل مناقشة الأسئلة أعلاه، يمكن القول إن عملية "سهام الشرق"[4] ساهمت وبشكل كبير، وغير مسبوق، في الحد من تنامي قوة ونفوذ التنظيم، بعدما ضيّقت الخناق عليه، وطردته من أهم معاقله التاريخية في اليمن. كما يمكن القول أيضا إنّ الإرباك الذي عاشه التنظيم، وأوصله إلى وضع سيء دفعه إلى الاستنجاد بالقبائل، كان من نتائج تلك العملية العسكرية التي وصلت وللمرة الأولى إلى معاقله الحصينة، إذ كانت تكتفي العمليات السابقة بطرده من المدن الرئيسية لا أكثر.


ونتيجة لذلك، رّكز التنظيم في هجومه الإعلامي على القوات الجنوبية، وعلى دولة الإمارات العربية المتحدة، التي يقول إنها الداعم الرئيسي لها، كما هدد القبائل التي تقدم أية مساندة لها بالاستهداف.  ومع أنّ القوات الجنوبية حققت نجاحا كبيرا، وكانت في طريقها للقضاء كلية على التنظيم في آخر معاقله بالمحافظة، إلا أنّ هناك عوامل ساعدت ـ على ما يبدو ـ في استعادته انفاسه، كما تشير إلى ذلك العمليات الأخيرة التي نفذها في مديريتي المحفد ومودية بمحافظة أبين ومناطق حدودية معها في شبوة.


تدخلات خارجية


من أهم العوامل التي، ربما، ساعدت تنظيم القاعدة على التماسك واسترداد أنفاسه، الإجراءات العسكرية التي اتخذتها المملكة العربية السعودية أخيرا، بإنشاء كيانات مسلّحة موازية[5]، مع استمرار انقطاع رواتب القوات الجنوبية التي تخوض الحرب ضد "الإرهاب". هذا فضلا عن مزاعم البعض بمعارضة السعودية لتمدد القوات الجنوبية إلى محافظتي حضرموت والمهرة.


أثّر هذا الأمر بشكل كبير على استراتيجية الحرب على الإرهاب، التي ارتكزت على تتبع عناصره إلى كل معاقلهم ومنعهم من الحصول على مأوى آمنا ينسحبون إليه أو يكون منطلقا لعملياتهم. وما يثير الريبة هو أنّ السعودية تدرك إنّ الوقوف ضد توسيع انتشار القوات الجنوبية إلى وادي حضرموت والمهرة، يعني الوقوف إلى جانب القوات التي تدير هذه المنطقتين، وهي قوات محسوبة على حزب الإصلاح، ويتهمها الأهالي بالارتباط بتنظيم القاعدة.[6]


وإلى جانب ذلك، لا يستعبد خبراء[7]، أنّ تكون عناصر من حزب الإصلاح قد انخرطت أو من المرجّح أنّ تنخرط في القتال إلى جانب تنظيم القاعدة، بعد خسارة نفوذ الحزب في محافظة شبوة على وجه التحديد في أغسطس 2022 ومع مساعي السعوديين لعقد صفقة سلام مع الحوثيين. أو من أن يتكرر سيناريو سقوط المكلا عام 2015 في وادي حضرموت. [8]

 

جماعة الحوثي 


بما أن العلاقة بين جماعة الحوثي وتنظيم القاعدة في اليمن ثابتة، فإنّ التعاون بين الطرفين أمر متوقّع جدا، خصوصا عندما يكون لهما عدو أو هدف مشترك. وبالنسبة إلى جماعة الحوثيين في الشمال، فإن القوات الجنوبية تمثل أكبر تهديد لها، على اعتبار أنها القوات الوحيدة التي عُرفت بالحسم السريع لمعاركها ضد الجماعة، كما حدث في الساحل الغربي لليمن، وفي مديريات عسيلان وبيحان وعين بمحافظة شبوة خلال الأعوام القليلة الماضية.


منذ 2015، خاضت القوات الحكومية الموالية للإصلاح معارك مستمرة مع جماعة الحوثي في مديرية صرواح غربي محافظة مأرب، دون أن يخسر طرف مواقعه لصالح الطرف الآخر. ومع بعض التحليلات تعيد هذه المراوحة إلى تضاريس مأرب وطبيعتها الصعبة، إلا أنّ قوات العمالقة والقوات الجنوبية أثبتت غير ذلك، حين احتاجت أيام قليلة إلى طرد الحوثيين من مناطق شاسعة بمديرية حريب، بهدف تأمين مديريات شبوة الثلاث.


من هنا، قد تكون الجماعة حريصة على تعزيز وجود تنظيم القاعدة جنوبا، وخصوصا في محافظة أبين الحدودية مع محافظة البيضاء، التي تسيطر علها الجماعة، بغرض إشغال تلك القوات وتشتيتها.


إلى جانب ذلك، رّكز الحوثيون مؤخرا على الحديث عن الوضع في الجنوب، بشكل لافت يوحي بأنهم يضمرون شيئا. أطلقت قيادات حوثية مثل مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي للحركة، وعبد الملك الجعري، وحسين العزي، تحذيرات وتهديدات علنية بشأن "الوحدة اليمنية". جاءت هذه التصريحات عقب عقد لقاء تشاوري جنوبي موسّع ضمن جهود الحوار الجنوبي التي يقودها المجلس الانتقالي الجنوبي. تمخّض عن اللقاء توقيع أكثر من 35 مكونا سياسيا ومجتمعيا على وثيقة "الميثاق الوطني الجنوبي"، التي تدعو لإقامة دولة جنوبية فيدرالية مستقلة عن الشمال.[9]


إنّ تصاعد نشاط تنظيم القاعدة مؤخرا، رغم الحملات القوية ضده، ورغم اعتراف قادته بوصوله إلى مرحلة إفلاس مالي غير مسبوقة، يشير إلى أن عوامل من خارجه تقف وراء هذا التصاعد. يحتاج الحوثيون إلى تنامي القاعدة ونشاطها في الجنوب، كمبرر لتنفيذ هجمات عليه أو ربما التفكير بإعلان حرب ضده، خصوصا في ظل أي اتفاق سلام مع الجانب السعودي يضمنون من خلاله بقاء الشمال تحت سيطرتهم.


ومن غير المستبعد ان تقدّم الجماعة دعما للتنظيم لتجاوز محنته المالية، وأيضا لإيجاد مأوى يصبح مع الوقت منطلقا لتنفيذ عمليات ضد القوات الجنوبية في أبين وشبوة وغيرهما. الأمر هنا لا يتعلق بجماعة الحوثي، وإنما بإيران التي تعرف كيف تدير الحوثيين وتنظيم القاعدة معا.


ويمكن فهم هذه الترجيحات، بالنظر إلى إعلان تنظيم القاعدة، ولأول مرة، مسؤوليته عن هجوم بطائرة مسيّرة استهدف موقعا لقوات دفاع شبوة في منطقة المصينعة بمحافظة شبوة، يوم 12 مايو الماضي.[10]


وعلى الرغم أنّ الهجوم لم يتسبب بأي أضرار، وأنّ نوعية القذائف المستخدمة في الهجوم، التي نشرها بوقت سابق مركز سوث24، تبدو بدائية الصنع، إلا أنّ هذا يمثّل تطورا لافتا، يعزز من الاتهامات بوجود تنسيق بين القاعدة والحوثيين، وتلقي[11] التنظيم في أبين أجهزة اتصالات ودوائر إلكترونية مقدمة من الجماعة في صنعاء. خصوصا وأنّ مليشيا الحوثيين تبرع في استخدام سلاح الطائرات المسيّرة وباتت تملك خبرة عملية في هذا القطاع.


وفي وقت سابق، أبرم تنظيم القاعدة عددا من صفقات تبادل الأسرى مع جماعة الحوثي، لكنَّ مصادر خاصة شككت بوجود صفقات، وأكدت أنّ الإفراج عن معتقلي التنظيم من سجون الجماعة يأتي ضمن الدعم الحوثي للتنظيم الذي تراجع كثيرا في الآونة الأخيرة.[12]


إلى جانب ذلك، سهلّ الحوثيون لعدد من قادة القاعدة الإقامة في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، بما يعنيه ذلك من حماية كاملة لتك القيادات من أية ملاحقة، على اعتبار أنّ الحرب الدولية على الإرهاب تتم دوما بالتنسيق مع السلطات المحلية، بينما سلطات الحوثيين تستثمر هذا الملف لمحاربة خصومها في الجنوب. ووفق تحقيق لموقع "أخبار الآن" فإنّ هذا الأمر دفع، بالفعل، العديد من اليمنيين للحديث عن "تخادم" بين القاعدة والحوثيين، في أكثر من مناسبة.[13]


وعلى الرغم من أنّ زعيم التنظيم في اليمن، خالد باطرفي، ركز في كلمته الأخيرة على مهاجمة جماعة الحوثي، إلا أنّ ذلك "يأتي بدافع براجماتي، إذ يسعى من خلال تركيزه على جماعة الحوثي استقطاب أبناء القبائل اليمنية إلى صفوف القاعدة وكسب ودهم، وكذلك تحييد القبائل المعادية للتنظيم عبر التلويح بإمكانية التعاون معهم للقتال ضد الحوثيين".


معلوم أنّ التنظيم، ورغم تواصله مع جماعة الحوثي، يلجأ عند التحشيد داخل من يسميهم "أهل السنة" إلى ورقة "الخطر الرافضي". وقد حدث ذلك في أكثر من مناسبة منذ سيطرة الحوثيين على مؤسسات الدولة في العاصمة صنعاء أواخر العام 2014. 


الإخوان المسلمون


من خلال خطاب تنظيم القاعدة المختلف منذ سيطرة القوات الجنوبية على مدينة عتق، عاصمة محافظة شبوة، يمكن القول إن هناك قناعة لديه ولدى حزب الإصلاح الإسلامي، مفادها أن بقاء أحدهما يعني بقاء الآخر، والعكس.


تضمنت الكلمة الصوتية للقيادي في التنظيم، أبو علي الحضرمي، والتي صدرت عن مؤسسة الملاحم عقب أحداث عتق في أغسطس 2022، هجوما عنيفا على القوات الجنوبية ودولة الإمارات، كما ورد فيها ذكر اسم المحافظ السابق، محمد صالح بن عديو بالاسم.[14] اعتبر التنظيم ما حدث في عتق، مؤامرة خارجية تستهدف الإسلام، ودعا القبائل، وحزب الإصلاح، إلى مساندة حربه على القوات الجنوبية.


كان التنظيم قد عاش أياما ذهبية في محافظة شبوة إبان سيطرة حزب الإصلاح عليها، ولم تشهد المحافظة حينها أية عملية للتنظيم، على اعتبار أن الجهة المسيطرة على المحافظة، ليست من أهدافه. بمجرد إقالة المحافظ السابق، وعودة قوات دفاع شبوة، ووصول قوات العمالقة والمقاومة الجنوبية إلى بيحان وعسيلان وعين، لتحريرها من الحوثيين، بدأت عمليات التنظيم في التصاعد وبوتيرة عالية.


قبل ذلك، وفي حرب أبين 2020، كان التنظيم قد انخرط في صفوف قوات الحكومة آنذاك، التي كان ينتمي جانب من أفرادها إلى حزب الإصلاح، في شقرة وأحور والمحفد وغيرها بمحافظة أبين، بهدف مواجهة القوات الجنوبية.


خلال العامين 2019 - 2020، كان التنظيم بمأمن من الملاحقة، بسبب تغلغله داخل القوات الحكومية المذكورة، وقد استغل هذا الوضع لإعادة ترتيب صفوفه، بعد الخسائر التي مني بها خلال الأعوام السابقة. لكن ومع سيطرة القوات الجنوبية على تلك المديريات، وملاحقة التنظيم إلى معاقله الرئيسية عاد وضعه ليتعقد مجددا، وبصورة أكثر سوء، وهو ما دفع زعيمه إلى الاعتراف بأنهم يمرون بأزمة مالية خانقة، وإلى دعوة القبائل لمساندتهم.


ليس من صالح حزب الإصلاح أن يصل تنظيم القاعدة في اليمن إلى هذا المستوى من الضعف والتراجع، ومن غير المستبعد أن يكون الحزب قد تحرك لتقديم الدعم، المادي أو البشري. 


ويخشى معهد واشنطن من أنّ تحظى دعوات تنظيم القاعدة، بدعم الأعضاء الأصغر سناً الذين انجذبوا في البداية إلى هوية حزب الإصلاح الثلاثية "قبلية، سلفية، إخوانية"، وذلك على الرغم من أن قيادة الإصلاح قد ميزت نفسها مرارا وتكرارا عن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وكان لديها نفوذ كبير في وقت ما داخل الحكومة المعترف بها دوليًا. ومع ذلك، قد يدفع النفوذ المتراجع حاليًا لحزب الاصلاح اعضائه إلى الانضواء تحت مظلة جماعة أكثر فاعلية في مواجهة الحوثيين.[15]


على مدى تاريخه في اليمن، كان الإخوان هم الفقاسة أو جهة التفريخ لصالح التنظيم. وسنلاحظ أن عددا كبيرا من قادته درسوا في جامعة الإيمان بصنعاء.[16]


مسألة حياة أموت


يعتقد جهادي سابق أن هناك عوامل أخرى وراء تصاعد هجمات التنظيم في محافظة أبين خلال الآونة الأخيرة.


ويوضح، في حديث مع "سوث 24" أن التنظيم وبعد تراجعه الأخير، وتضييق الخناق عليه، بات ينظر إلى الأمر على أنه مسألة حياة أو موت، ويسعى إلى الدفع بكل ما لديه من أجل الحفاظ على المناطق التي يتواجد أو يتحرك فيها، أو يجعلها، على الأقل، مناطق خطر وقلق أمني، حتى لا يستتب الوضع فيها لخصومه.


ويقول " إنّ الأمر أيضا يتعلق بإثبات الوجود، خصوصا بعد الحملات العسكرية والأمنية التي استهدفته في أهم معاقله جنوبا، وتمكنت من طرده منها لأول مرة في تاريخ العمليات ضده." ولا يستبعد أن يكون التنظيم قد حصل على دعم بعد مناشداته الأخيرة للقبائل على لسان زعيمه خالد باطرفي، سواء من جهات داخلية أو خارجية.


ويضيف: "التنظيم تراجع كثيرا في اليمن، لكنه لم يمت تماما، ومن المؤكد أنه يريد شيئا على الأرض. لافتا إلى أن وراء عودة النشاط بعد التراجع، في الغالب، ظروف معينة عرف كيف يستغلها." 


الخطط الأمنية


أعلنت القوات الأمنية الجنوبية عن عملية جديدة[17] مؤخرا أدت لتطهير 90% من وادي الخيالة بمديرية المحفد بأبين، ومقتل وجرح عدد من عناصر التنظيم، وتفكيك عشرات العبوات الناسفة والألغام وورشة لصناعة القذائف.


ومع ذلك يبدو أنّ الغياب النسبي للخطط الأمنية المتقنة، ونقص المعدات الحديثة في تتبع وكشف الألغام، ونقص المعلومات الاستخبارية قد ساهمت في تصاعد هجمات التنظيم خلال شهري مارس وأبريل 2022. واجهت القوات الجنوبية، في بعض الأوقات، تعقيدات محلية مع بعض مسلحي القبائل، التي ينتمي بعض عناصر التنظيم إليها. واندلعت اشتباكات مسلّحة خلال عمليات مداهمة عناصر محتملين للتنظيم في أبين.


كما إنّ هناك تحديات أخرى تحول دون التركيز على الانتهاء من مهمة القضاء على التنظيم بصورة نهائية. تواجه القوات الجنوبية على جبهات متزامنة في الحدود الشمالية لجنوب اليمن مع مليشيا الحوثيين معارك متقطعة بين الحين والآخر. فضلا عن محاولات السعودية رفض مساعي المجلس الانتقالي الجنوبي لتوسيع حضور قواته الجنوبية ناحية وادي حضرموت والمهرة، التي تشكّل منافذ خصبة لعمليات تهريب الأسلحة وتواجد عناصر التنظيمات المتطرفة.


لا شك أن إجراءات كهذه، تشوّش بشكل كبير على أية مهام عسكرية أو أمنية ضد الإرهاب، وقد يكون التشويش هو الهدف منها أصلا، بالنظر إلى الاستثمار السابق لهذا الملف، والخشية من أن يُحسب منجز كبير للقوات الجنوبية، خصوصا وأنّ الموقف الخارجي، بالنسبة إلى اليمن والجنوب، يتحدد بناء على المخاوف من تنامي نفوذ التنظيمات الإرهابية.


ومن هنا، سوف تصب أي عودة لنشاط تنظيم القاعدة إلى محافظة أبين في صالح خصوم القوات الجنوبية، رغم أنها الوحيدة التي حققت إنجازات كبيرة فيها وخلال فترة وجيزة. ولذا فإنّ منع هزيمة الإرهاب لهذا الهدف، يتطلب دعما للتنظيمات الإرهابية أولا، وعملا ضد القوات التي تحاربها، وهذا ما يمكن أن يُفهم من كل التطورات التي شهدتها الساحة الجنوبية في الآونة الأخيرة.


هل تتصاعد أكثر؟


مع أن تصاعد عمليات التنظيم في الآونة الأخيرة لا يعكس، بالضرورة، تنامي قوته، وإنما استغلال ظروف معينة أشرنا إليها في هذه المادة، إلا أن مستقبلها مرتبط أيضا باستمرار الظروف الحالية وبطبيعة التطورات القادمة.


لقد وصل التنظيم إلى حافة الانهيار خلال الفترة الماضية، لكنه يقتات الآن على الفرص المتاحة على الساحة الجنوبية. إنّ إضاعة فرصة البناء على الإنجازات التي تحققت في مجال مكافحة الإرهاب، من خلال العمليات العسكرية والأمنية للقوات الجنوبية في معاقل التنظيم، قد تعود الحرب عليه إلى نقطة البداية.


لذا فإنّ إرباك وتشتيت القوات التي حملت على عاتقها مسئولية الحرب على الإرهاب في محافظتي أبين وشبوة ومناطق أخرى، يعد خدمة كبيرة للتنظيم، ولها مفعول أكبر من تقديم الدعم المباشر له.


توصيات


بناء على ما تقدم، يمكن القول إن المعركة ضد تنظيم القاعدة في أبين وشبوة اليوم أهم من أي وقت مضى، وعليه لا بد من الآتي:


ـ استمرار العمليات ضد التنظيم بنفس الوتيرة، بغض النظر عن التطورات التي تشهدها الساحة الجنوبية.


ـ المعركة الجديدة مع التنظيم يجب أن تكون مختلفة، وأن لا تكون تقليدية، لأنه لم يعد يتحصن في أماكن معينة، وإنما ينفذ عمليات مباغتة في أماكن مختلفة وباستخدام أسلحة متطورة.


ـ تغيير أسلوب وطرق التنقلات بين مناطق المحافظة وبين المحافظات، لتجنب كمائن التنظيم.


ـ مراقبة الحدود الفاصلة بين محافظتي أبين والبيضاء، وأيضا بين محافظتي حضرموت وشبوة.


- تعزيز العمل مع الجهات المحلية والقبائل وتوسيع دائرة التعاون وتوفير قدر معقول من الخدمات الإنسانية والاقتصادية للقرى والمناطق النائية التي كانت معاقلا خصبة للتنظيم. 


- حشد الدعم الإقليمي والدولي اللوجستي والمالي والمعرفي في هذا السياق، وتوسيع التنسيق مع الجهات الدولية المعنية بملف مكافحة الإرهاب، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.




*إبراهيم علي

خبير متخصص في شؤون الجماعات المسلّحة، طلب عدم الكشف عن هويته، لأسباب شخصية

مراجع:

[2] القاعدة يعلن مسؤوليته على هجوم بطائرة مسيرة استهدفت موقعا لقوات دفاع شبوة في المصينعة، 12 مايو (تويتر)

[10] القاعدة يعلن مسؤوليته على هجوم بطائرة مسيرة استهدفت موقعا لقوات دفاع شبوة في المصينعة، 12 مايو (تويتر)

[16] على سبيل المثال، قيادات التنظيم، طارق الذهب، ونصر الآنسي، وآخرين، وفق مصادر خاصة.

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا