التقارير الخاصة

السعودية والأزمة في اليمن: وسيط أم طرف؟

الصورة: اندبندنت عربية

11-04-2023 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

سوث24 | عدن


رغم العملية العسكرية التي قادتها منذ 2015، حرصت المملكة العربية السعودية على إبعاد توصيفها كـ "طرف" في الأزمة اليمنية. وربطت الرياض تدخلها العسكري برغبة واستدعاء الحكومة اليمنية المُعترف بها دولياً كطرف في أزمة "الانقلاب" الذي نفذه الحوثيون وشريكهم صالح قبل أكثر من 8 سنوات.


لقد حاولت الرياض لعب دور "أبوي" تجاه الأزمة في اليمن عبر الحرب ضد الحوثيين الساعين للسيطرة على البلاد بأسرها. على النقيض، اعتبرت الجماعة المدعومة من إيران السعودية كطرف مباشر ورئيسي في الأزمة، تحت مسمى "العدوان" الذي اقترن غالبًا بعبارة "السعودي الأمريكي".


وفي 2022، مثَّلت مشاورات الرياض في أبريل أبرز المؤشرات على رغبة السعودية المُلحة في تكريس دور الوسيط لا الطرف عبر استضافة الأطراف اليمنية المناهضة للحوثيين، بعد دعوات مفتوحة وجهها مجلس التعاون الخليجي للأطراف اليمنية للمشاركة في المشاورات التي قاطعها الحوثيون.


قبلها، كانت السعودية قد أعلنت عن مبادرة سياسية لحل الأزمة في اليمن في مارس 2021، تضمنت نقاطا مثل وقف إطلاق نار شامل تحت مراقبة الأمم المتحدة، وإيداع الضرائب والإيرادات الجمركية لميناء الحديدة الخاضع للحوثيين بالبنك المركزي بالحديدة وفق اتفاق ستوكهولم، وفتح مطار صنعاء الدولي، وبدء المشاورات بين الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سياسي. 


ورغم المحادثات المُباشرة المُعلنة التي بدأتها الرياض مع الحوثيين قبل أشهر بوساطة من سلطنة عمان، بعيداً عن مجلس القيادة الرئاسي، عادت الرياض لتأكد بشكل أكثر وضوحًا على رغبتها في لعب دور الوسيط على لسان سفيرها محمد آل جابر من صنعاء الخاضعة للحوثيين في 8 أبريل الجاري.


وقال آل جابر على تويتر: "أزور صنعاء وبحضور وفد من سلطنة عمان الشقيقة بهدف تثبيت الهدنة ووقف إطلاق النار ودعم عملية تبادل الأسرى وبحث سبل الحوار بين المكونات اليمنية للوصول إلى حل سياسي شامل ومستدام في اليمن."


التقط الحوثيون رسائل آل جابر من صنعاء التي أداروا منها شمال اليمن طيلة الأعوام الماضية. وعلى لسان مسؤولين منهم، عبَّر الحوثيون عن رفضهم لاعتبار السعودية وسيطًا. وسخر محمد علي الحوثي من هذا الطرح متعجبًا من أن تكون السعودية بحاجة إلى عُمان كوسيط لتلعب دور الوسيط.


وقال القيادي الحوثي محمد البخيتي: "لا حاجة للبحث عن تفسيرات غير واقعية لتبرير المفاوضات ما بين صنعاء والرياض ويجب تسمية الأشياء بمسمياتها، فالسعودية ليست وسيطا وإنما طرفا في الصراع."


وأضاف البخيتي في تغريدة أخرى: "إذا لم تنجح المفاوضات الجارية في صنعاء بوساطة عمانية فإن هذا يعني عودة الحرب بين طرفي الصراع [..] حيث سيعاود الطيران السعودي قصف اليمن وستعاود القوات الجوية والصاروخية اليمنية قصف السعودية، فهل من المقبول عقلًا تسمية السعودية وسيطًا؟".


البداية من بكين


مثَّل اتفاق المصالحة بين السعودية وإيران برعاية الصين، في 10 مارس الماضي، نقطة تحول واضحة في السياسات الخارجية للسعودية نحو تصفير المشاكل الإقليمية للمملكة الصاعدة والطموحة، وهي مشاكل يرتبط كثير منها بإيران والمليشيات والجماعات المدعومة من طهران.


ويربط مراقبون بين التحولات في السياسة السعودية الخارجية ورغبة الرياض في الخروج من أزمة اليمن من باب الوسيط الذي سيحرص على ترتيب "الحديقة الخلفية" للمملكة بما يناسب الرياض، قبل إغلاق بابها. ويرى الأكاديمي اليمني محمد جميح أن السعودية استطاعت الانتقال إلى مربع الوسيط.


وقال على تويتر: "رغم حديث الآلة الإعلامية للحوثي عن نصر حققه فإنَّ قيادته تدرك أن الذي انتصر هي السعودية التي استطاعت بدهاء الانتقال من مربع العدو إلى مربع الوسيط وصانع السلام"، مضيفًا: "أما الحوثي فما عساه أن يقول لمئات آلاف القتلى والجرحى وملايين المهجرين الذي ضحى بهم لمواجهة «العدو السعودي»؟!".


وبالفعل، كان هناك احتقان كبير في صفوف الموالين للحوثيين ومناصريهم في شمال اليمن عقب الزيارة الأخيرة للسفير السعودي. واتهم نشطاء مناوئون للجماعة القادة الحوثيين مثل البخيتي ومحمد الحوثي بتبني تغريدات لتهدئة أنصارهم وممارسة "الابتزاز" فقط، لا للتعبير عن موقف. 


لكن يبدو أنَّ السعودية ليست هي وحدها من تحاول لعب دور الوسيط في اليمن، فإيران تريد ذلك أيضاً. وفي مؤتمر، أمس الاثنين، قال الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني: "ستقبل طهران دور الوسيط في محادثات السلام اليمنية إذا تم اقتراحها."


وتفسر الامتيازات التي قد يمنحها دور الوسيط بالنسبة لكل من السعودية وإيران، كأطراف إقليمية ذات نفوذ في اليمن، رغبة الرياض وطهران بالحصول على هذا الدور، حيث سيسمح دائما بالبقاء قريبًا من تفاعلات ومآلات الأزمة مع انخراط أقل فيها، وربما مسؤولية أقل أيضاً.


كما أنَّ تكلفة إعادة إعمار ما دمرته الحرب في اليمن قد تكون من الأسباب الرئيسية أيضاً لحرص الأطراف الإقليمية الفاعلة في أزمة اليمن على الهروب من حقيقة كونها "طرف" مباشر بشكل يعادل أو قد يفوق الأطراف المحلية ربما في نشوء وتطور هذه الأزمة.


وفي تصريحات لـ "سي إن إن"، دعم مسؤول إماراتي الدور السعودي كوسيط في اليمن. وقال: "منذ بداية الأزمة اليمنية، دعمت الإمارات دائمًا السعودية، وتدعم بشكل كامل الجهود الحالية التي تبذلها المملكة لإيجاد حل سياسي للأزمة، لإحلال السلام [..] بين جميع الأطراف اليمنية المختلفة".


سلام قريب؟


قال معهد الشرق الأوسط إنَّ "الاتفاق السعودي الحوثي لن يجلب السلام الدائم في اليمن". وأضاف المعهد في تقرير حديث له للباحثة ندوى الدوسري: "شهدت ثماني سنوات من التدخل العسكري من قبل التحالف بقيادة السعودية تطور الحرب في اليمن من حرب أهلية إلى ساحة معركة للحرب بالوكالة بين الجهات الفاعلة الإقليمية."


وأردف: "من خلال الصفقة الإيرانية الأخيرة التي توسطت فيها الصين ومن خلال تقديم تنازلات للحوثيين، تسعى المملكة العربية السعودية إلى إيجاد طريقة سريعة وسهلة للخروج من حرب اليمن، التي أصبحت "إلهاء غير ضروري" عن أهداف التنمية المحلية في إطار رؤية 2030".


وقال المعهد إنَّه "لا يبدو أن سيناريو السلام يلوح في الأفق"، مضيفًا أنَّه "من المرجح أن يستأنف الحوثيون حملتهم العسكرية للسيطرة على اليمن عاجلا أم آجلا. إن السيناريو الذي يتحالف فيه السعوديون مع الحوثيين لتقويض النفوذ الإماراتي في الجنوب ليس خارج نطاق الاحتمال."


وبشأن المحادثات الحالية بين الحوثيين والسعودية في صنعاء، قال عضو المكتب السياسي للحوثيين علي القحوم لمركز "سوث24": "نحن متفائلون بالتقدم والنجاح في الجهود المبذولة من السلطنة العمانية فهناك حراك ومفاوضات مستمرة وبوتيرة عالية ووساطة عمانية في إحلال السلام".


وأضاف: "هذه جهود مشكورة سيما مع زيارتهم والوفد السعودي إلى صنعاء وإجراء النقاشات مع القيادة [..]، الأولوية للملفات الإنسانية وإيقاف العدوان ورفع الحصار [..] واطلاق الأسرى وإعادة الإعمار وجبر الضرر وتمكين اليمنيين في حل مشاكلهم بدون وصاية خارجية".


وفي بيان، الثلاثاء، حذَّرت هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي من المساس بثروة جنوب اليمن و"موارده الاقتصادية والسيادية". وقال البيان: "نرفض أي إجراءات تهدف إلى الإضرار بالجنوب وموارده الاقتصادية السيادية في وقت لا يزال فيه الجيش وأفراد الأمن في الجنوب بدون رواتب".


ويطالب الحوثيون بدفع رواتب المقاتلين والمدنيين في مناطق شمال اليمن التي يسيطرون عليها من عائدات النفط الخام في جنوب اليمن. وفي أكتوبر ونوفمبر العام الماضي، شنت الجماعة 4 هجمات جوية بالمسيرات ضد الموانئ النفطية في محافظتي حضرموت وشبوة الجنوبيتين.


وبغض النظر عن الجدال بشأن الغطاء الذي تريد السعودية من خلاله عكس زيارة مسؤوليها إلى صنعاء، إلا أن الجميع يتفق على أن المملكة بدأت تتخذ طريقا جادًا لإنهاء تورطها في أطول حرب بتاريخها وأكثرها تعقيدًا.



اقرأ المزيد: هل تنجح سياسة «التخارج» السعودية في اليمن؟




- مركز سوث24 للأخبار والدراسات. 

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا