مصدر الصورة: ويكيبيديا
28-03-2023 الساعة 11 صباحاً بتوقيت عدن
سوث24 | نانسي طلال
أطلت الصين على العالم بدور دبلوماسي غير مسبوق في منطقة الشرق الأوسط، عقب رعاية اتفاق إعادة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية. وهو الاتفاق الذي حمل طابعا أمنيا بدرجة رئيسية، ووقعه كل من مستشار الأمن الوطني السعودي مساعد بن محمد العيبان وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني على شمخاني[1]. وعلى مدار عدة أيام تسارعت خطوات قوى الشرق الحليفتان الصين وروسيا إقليمياً ودولياً وكأنها خطوط عريضة لإعادة هندسة منظومة النفوذ الدولي بدءاً بأكثر ملفات الشرق الأوسط تعقيداً. يُحاول المقال بلورة مشهد مُتكامل مُلم بتلك الخطوات وأبعاد تأثيرها الإقليمي والدولي، مع تقديم تصوّر لمُعادلة النفوذ الإقليمي والدولي في المُستقبل القريب ومآلاته.
التوافق السعودي الإيراني: تنازع أمريكي صيني
وساطة الصين بين السعودية وإيران تُعد تغيرًا ذي مغزى في سياسات إدارة الرئيس الصيني "شي جين بينغ" تجاه الشرق الأوسط. فقد كانت بكين حذرة في القيام بدور نشط بالمنطقة؛ وعلى الرغم من أهميته، لا يعني أنّ الصين تحاول إزاحة الدور الأمني للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بل تُحاول الصين خلق بيئة سلمية عالمية، حيث يمكنها تأمين وتعزيز أعمالها التجارية-أهمها مسارات مشروعها الأضخم طريق الحرير.
لكن الصين استطاعت إرباك الاستراتيجية الأمريكية التي لطالما ربطت تصوراتها للسياسات السعودية والشرق أوسطية بتوحيد إسرائيل ودول الخليج في مواجهة إيران. خصوصا وأنّ الإعلان الإيراني السعودي جاء في الوقت الذي نشرت فيه كل من وول ستريت جورنال ونيويورك تايمز قصصًا تثير احتمال قيام السعودية وإسرائيل بإقامة علاقات دبلوماسية كجزء من توسيع اتفاقيات إبراهيم.[2] كما جاء الاتفاق في أعقاب زيارة وزير الدفاع الأمريكي أوستن للشرق الأوسط[3]، التي أحيطت بقدر من التكتم. أوستن بدأ جولته بالأردن ثم العراق وختمها إلى مصر، دون إعلان مُسبق عن وجهته. وعلى الأرجح، كان الغرض الرئيسي لزيارة وزير الدفاع الأمريكي هو إيصال رسالة بأنّ النفوذ الأمريكي لا يزال قائما في المنطقة حتى في ظل الاتفاقات مع خصوم واشطن. وعبّر أوسن نفسه أنّ الولايات المتحدة استثمرت الكثير في المنطقة وحريصة كل الحرص أن تُحافظ وتطور علاقاتها مع شركائها في المنطقة. وقد كانت الوساطة الصينية بين السعودية وإيران سببا حيويا للتشكيك في ذلك النفوذ الأمريكي، وفي أيضا فكرة "الناتو العربي" التي رعتها أمريكا بهدف إنشاء كيان إسرائيلي عربي قائم على مبدأ العداء لإيران.
وعلى الرغم من أنّ السعودية قد أطلعت الولايات المتحدة على آخر المستجدات بشأن المحادثات، لكن واشنطن لم تشارك بشكل مباشر، ولم تعلم عن تفاصيل بنود الاتفاق، فليس للولايات المتحدة علاقات دبلوماسية مع إيران، ولم يكن التقارب السعودي الإيراني شيئًا تعمل إدارة بايدن من أجله. وعلى الرغم من خشية البعض من تبعات التقارب الإيراني السعودي على علاقة الرياض بواشنطن، إلا أنّ البيت الأبيض أعلن عقب الاتفاق أن شركة بوينغ الأمريكية أتمّت صفقتين مع السعودية لتصنيع ما يصل إلى (121 طائرة) / }طراز بوينغ 787 دريملاينر{ . وأوضح البيان، إنّ الصفقات مع السعودية -واحدة لتدشين شركة طيران جديدة والأخرى لتوسيع أسطول قائم -تقدر قيمتها بنحو (37 مليار) دولار، وأن تلك الصفقات الأخيرة مع السعودية تدعم أكثر من (140 ألف) وظيفة أمريكية، بما يتضمن قيام بوينغ وجنرال إلكتريك بتدشين خطوط الطيران الدولية الجديدة في المملكة إلى جانب دعم إنشاء مطار دولي جديد.[4]
ظلت العلاقات الأمريكية الخليجية مُتسمه بعدم الكفاءة الدبلوماسية لفترة زمنية طويلة، وإن كانت مرتكزة على تواجد عسكري أمريكي ليس بهين، ولذلك فالصين تُدرك أنّ الولايات المتحدة هي القوة العسكرية الراجحة في الخليج، وتسعى لإيجاد نجاح دبلوماسي قوي كبوابة لمصالح اقتصادية.[5] مقابل ذلك، نجد أنّ واشنطن استوعبت التحرك الصيني، وقررت ترجيح كفة الاستفادة الأمريكية التي ظهرت في أكثر من تصريح رسمي تشير بأنّ الاتفاق يُعزز حالة الاستقرار في مُختلف ملفات الشرق الأوسط.[6]
الصين وروسيا: خطوات دبلوماسية مُتسارعة
بالتوازي مع النجاح الدبلوماسي الصيني، تم عقد لقاء روسي سعودي على مستوى وزراء الخارجية وحديث حول تنسيقات تجمع البلدين بملفات مُتعددة، منها تضامنية لمساعدة سوريا وتركيا على إثر أزمة الزلزال، وعودة سوريا لمُحيطها العربي، بالإضافة لتباحث الأوضاع في العراق ولبنان. ويمكن ملاحظة ثناء وزير الخارجية الروسي على دور السعودية وموقفها المتوازن في إطار الأزمة الأوكرانية ومساعيها لتسهيل الحوار بين الطرفين، رغم اقتناع روسيا بعدم اتخاذ أوكرانيا أي جدية بخصوص التفاوض مع روسيا. بالمقابل أشاد وزير الخارجية السعودي بدعم روسيا لملف فلسطين ومبادرة السلام العربية، كما تدعم عملية الاستقرار في اليمن بدئاً بوقف إطلاق النار، وصولا لحوار يمني يمني، ذلك بالإضافة لتنسيقات الدولتين فيما يتعلق بسوق الطاقة.[7]
سوريا ولبنان والخليج
بالتوازي مع الاتفاق السعودي الإيراني، استقبل بوتين الرئيس السوري بشار الأسد في زيارة رسمية، مع تصريحات من الرئيسين بأهمية اللقاء الذي يحمل مساحة من المناقشات والتنسيقات المُشتركة بين البلدين اللذان يقتربان من الاحتفال بمُضي ثمانين عام على العلاقات بينهما. وأشاد الأسد بموقف روسيا في مُساندة الدولة السورية خلال السنوات الماضية، وأكد الأخير دعم موقف بلاده لحرب روسيا في أوكرانيا باعتبارها "حرب على النازية القديمة الجديدة والتي يقودها الغرب"[8].
وفي لقاء جمع بين وزيري خارجية البلدين قال سيرجي لافروف، بأن روسيا بدعم من أصدقائها السوريين وغيرهم من الدول العربية، تعمل منذ سنوات عديدة على تعزيز مفهوم الأمن الجماعي في منطقة الخليج، والمناطق المتاخمة لها، مُشيراً لعديد من الصراعات التي طال مداها عدداً من الدول في منطقة الشرق الأوسط، وإفريقيا.[9]
ومن المؤكد أن من أهم الملفات بين الدولتين، الوساطة الروسية بين سوريا وتركيا[10]، والتقارب السوري العربي، الذي سُرعان ما ظهرت ملامحه في زيارة الأسد وبرفقته وفد وزاري رفيع المستوى إلى الإمارات، وإشادة الشيخ محمد بن زايد بنتائج مُحادثاته مع الرئيس السوري.[11]فضلا عن الاتفاق السعودي السوري على إعادة فتح سفارتيهما بعد مرور أكثر من عقد على قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، بحسب ما نقلته وكالة رويترز ووسائل إعلام سعودية عن مسؤولين بالخارجية السعودية.
كذلك خفّت حدة خطاب حزب الله اللبناني تجاه السعودية[12]، وكذلك فعل الحوثيون في اليمن. بالمقابل تغيّر نسبيا الخطاب الإعلامي لقناة إيران إنترناشونال الممولة سعودياً،تجاه إيران. يأتي نصيب لبنان من التقارب الإيراني السعودي، مع أنباء عن انعقاد جولة جديدة من المشاورات بين الفرنسيين والسعوديين لمساعدة لبنان[13]. ربما هذه التطورات أثارت قلق اسرائيل بصورة خاصة، وعد مسؤولون اسرائيليون الاتفاق فشلا للحكومة الاسرائيلية في سياستها الخارجية. خصوصا وانّ إيران تحتفظ بعلاقاتها مع الإمارات والبحرين، اللتان ترتبطان بإسرائيل ضمن اتفاقيات إبراهيم[14].
اليمن والعراق
تؤكد السياسة الخارجية للصين على دعمها لجهود السلام التي تقودها الأمم المتحدة في اليمن. وهو موقف يقترب من الموقف الروسي تجاه الأزمة اليمنية. وقد جاءت دعوة روسيا مؤخرا لرئيس المجلس الانتقالي الجنوبي[15] ضمن إطار النفوذ التي تسعى دول الشرق لعبه في الأزمة اليمنية.
بالنسبة للعراق فقد جاء الاتفاق السعودي الإيراني عقب توقيع بغداد اتفاقية أمنية مشتركة مع طهران تعهدا بموجبها بتعزيز التعاون الأمني على طول حدودهما[16].
ردود فعل
قُبيل إعلان الاتفاق السعودي الإيراني، كان هناك تحذير من الوكالة الدولية للطاقة الذرية لإسرائيل من استهداف المنشآت النووية الإيرانية بالتوازي مع زيارة جابريل غروسي عن الوكالة إلى طهران لنزع فتيل التوتر بين الطرفين. ذلك التحذير وتلك الزيارة، التي قرر أهميتها نتنياهو، تزامنت مع لقاء أمني بين مستشاري الأمن القومي الأمريكي والإسرائيلي للتنسيق العسكري بغرض تسديد ضربات لإيران.[17]
ختاماً: رغم تخوفات المُراقبين من نفوذ إيران المُتجذر في العراق وسوريا ولبنان واليمن، إلا أنّ هناك من يتفائل أن يغيّر سلوك السلام الحذر الذي انتهجته الرياض من نهج طهران الخارجي، الذي أشعل في السنوات الماضية المنطقة بالوكلاء والمليشيات المسلّحة.
من المُنتظر أن يزور الرئيس الإيراني السعودية، بناءاً على دعوة وجهها الملك سلمان[18]، خاصة في ظل التخطيط الصيني الروسي لإحداث نقلات نوعية دبلوماسياً وسياسياً في أهم ملفات الشرق الأوسط. فجميع الأطراف تنظر بعين المصالح المُحققة والمُمكنة بتوطين مساحات التفاهمات التي تعزز التهدئة والسلام الإقليمي والدولي.
قبل 3 أشهر