الجالية اليهودية في عدن في خمسينيات القرن الماضي (سوث 24 بواسطة: فاطمة جونسون)
09-11-2022 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | فاطمة جونسون
"أود المجيء لزيارة عدن صباح الغد!" كلمات تفوه بها داني جولدسميث ذلك الإسرائيلي المنحدر من أصول عدنية، والذي ترتبط حياته بشكل جذري بتل أبيب. جداه لأمه، موسى وإستير، كانا من يهود عدن وغادرا إلى الانتداب البريطاني بفلسطين عام 1924. اسم إستير يزخرف اليوم أعلى واجهة فندق السينما دار (دار سينما سابقة تحولت إلى فندق وأسسها إستير وموسى في ميدان زينا ديزنجوف بتل أبيب). من خلال هذه المجموعة من أجداده، يرتبط داني جولدسميث بشكل مباشر بعائلة مناحم ميسا التي كانت صاحبة نفوذ سياسي كبير على الحياة اليهودية في عدن من خلال ثروتها الفاحشة. لقد ضخت العائلة استثمارات كبيرة في عدن (معابد يهودية مثل كنيس Mualama Al Kabira /ماجن أفراهام، ومدارس ومطابع صحفية، وشركة تجارية كبرى وعقارات ودور للفقراء.. إلخ [1]
فندق السينما في تل أبيب (سوث24 بواسطة: فاطمة جونسون)
وترتبط العائلة بقدر كبير من المودة والانتماء المستمر تجاه عدن مما أسفر عن إنشاء متحف التراث اليهودي بعدن في 5 شارع ليلينبلوم بتل أبيب قبل نحو عشرة أعوام بواسطة داني جولدسميث وأحد أبناء عمومته. التركيز الرئيسي في اختيار معروضات المتحف يستهدف الجوانب الاجتماعية، وبث جرعات صحية من الأنجلو فيليا، والحنين إلى الماضي وتسلسل التاريخ اليهودي العدني. وبالنسبة لإنسانة عدنية الجذور مثلي (بالرغم من عدم كوني يهودية)، فإن تأثير بعض هذه المعروضات أثلج صدري تماما. وتشتمل قائمة المعروضات على أدوات شائعة في مطبخ المرأة العدنية مثل الأحجار الطاحنة (المطحنة) وأواني كبيرة مصنوعة من الألومنيوم (الدست)، والتي كانت تستطيع طهي الوجبة العدنية المميزة زربيان (طبق جذاب يعود جذوره إلى حيدر آباد جنوب الهند يتطلب إعدادا مكثفا وما يزال يحظى بحب كبير من مواطني جنوب اليمن المعاصرين).
صورة من داخل متحف تل أبيب (سوث24 بواسطة: فاطمة جونسون)
وعلاوة على ذلك، فإن جو الإثارة المحيط بالمعروضات تشعر حياله أنك أمام قطع محظورة من تاريخ عدني مطموس. يمكن القول إن المتحف يساعد بطريقته الصغيرة الخاصة على تهدئة مشاعر الإحجام العام عن رؤية الشرق الأوسط - الذي يساوي بالكاد مساحة الولايات المتحدة الأمريكية - كمنطقة تتسم بالتعددية، وكذلك يؤدي إلى تخفيف الاستسهال المزعج في رؤية العرب باعتبارهم معادين للسامية بطبيعتهم.
(حافظة للتوراة) (سوث24 بواسطة: فاطمة جونسون)
إن الأحداث الصاخبة التي شهدتها عموم المنطقة اليمنية من ستينيات القرن المنصرم فصاعدا تسببت حتى يومنا هذا في خنق قصص عدن المميزة بما في ذلك القصة اليهودية. وفي عام 1994، وصف الأكاديمي الإسرائيلي روبن أحروني عدن بكونها تمتلك "طبيعة متنوعة عالمية فريدة". [2] وتكشف التفاصيل المتعلقة باليهود في عدن أن الجالية اليهودية هناك كانت ديناميكية وخلاقة. لقد ابتكروا لهجة يهودية-عربية استعارت كلمات أيضا من الغوجاراتية والفارسية والصومالية واليونانية والهندية والإنجليزية والتركية والعربية والعبرية. [3] لقد قاموا كذلك بتأسيس منطقة حية في كريتر بعدن داخل بركان خامد وأطلقوا على شوارعها أسماء ملونة (لكنها غير رسمية) مثل الشارع الأحمر وشارع الخبز وشارع الزعفران. [4]
رسم تخطيطي للحي اليهودي في عدن (سوث24 بواسطة: فاطمة جونسون)
ثمة خرافة عنيدة بشأن اليمن (شمال وجنوب) مفادها أنها تمثل الأصل الذي انحدر منه الشعب العربي. ويأتي هذا بالرغم من حقيقة أن السامية بمثابة تصنيف لغوي وليس عنصري. وتكشف هذه الخرافة عن محاولة متعمدة للتغطية على ما يجب أن يكون واضحا بشأن دولتي اليمن وأنَّهما كانتا دائما هجينتين وليستا عربيتين قح. ثمة "فيل" سياسي شائع في أي غرفة نقاشية عن الشرق الأوسط عند الحديث عن يهوديته سواء قبل "معجزة" إسرائيل [5] (اقتباس لكلمات إدوارد سعيد) أو بعدها. وتقريبا، فإن كافة المناقشات التي تتعلق بالمكونات اليهودية بالشرق الأوسط يتم النظر إليها من منظور "عاطفي". [6] إنها كلمة وصفها جورج أورويل في مقال عام 1945 بأنها بمثابة شفرة من أجل القومية، و"عادة عقلية تؤثر على تفكيرنا تجاه كل موضوع تقريبا". [7]
وبالنسبة لأورويل، فإنَّ القومية كانت بمثابة عادة لتصنيف الكائنات البشرية كالحشرات وإجراء مطابقة مع وطن أو أي وحدة أخرى بمنظور ما وراء الخير والشر. [8] إن اعتبار الحضور اليهودي في العالم العربي موضوع عاطفي يمثل سلوكا يتم تصميمه لكبح المناقشات الصريحة بشأن تاريخ الشرق الأوسط سواء كان معاصرا أم غير ذلك. وعلى ما يبدو، فإنَّه على غرار الاتهام الذي وجهه شيلوك إلى بسانيو في مسرحية "تاجر البندقية" عند التعامل مع سرديات عالم الشرق الأوسط، فإنَّ المتوقع منك أن تقوم بإرضاء الناس بإجاباتك. [9] وبالرغم من ذلك، فإن العالم الموضوعي ينتج إجابات شديدة الاختلاف والإلهام.
بوستر معرض من متحف تل أبيب عام 1994(سوث24 بواسطة: فاطمة جونسون)
إن المصير المرير لبعض أطفال يهود عدن في إسرائيل الذين عانوا الأمرين في قضية عرفت باسم الأطفال اليهود اليمنيين والمزراحيين والبلقانيين تم تسجيله في نصب تذكاري بمركز التراث اليهودي اليمني والجاليات اليهودية العالمية في رحوفوت. النصب التذكاري صممه كيشيت كوهين الذي ينتمي لمدينة ديمونة الإسرائيلية وتم إرساله إلى أكاديمية بتسلئيل للفنون والتصميم في القدس كمشروع نهائي عام2020/2021 حيث يتألف من 1053 علب حليب كرتونية متماثلة من أربعة ألوان هي الأخضر، والبيج، والأزرق، والأسود. وتمثل هذه العلب الكرتونية هؤلاء الأطفال الذين اختفوا عندما كانت دولة إسرائيل نفسها ما تزال في مهدها، سواء من خلال التبني دون الحصول على موافقة الوالدين أو من خلال الموت المبكر. وترمز الألوان إلى التحقيقات المختلفة حول الفضيحة التي أجرتها حكومات إسرائيلية مختلفة. بيد أن العلب الكرتونية السوداء ترمز لمصير هؤلاء الأطفال الذين لم تستطع اللجان المتعددة الوصول إلى حلول حاسمة بشأن مصيرهم.
إن النصب التذكاري المعروض يتسم بجمال ممتزج بالألم نظرا للقضية التي يتناولها. إنه يوضح البراءة التي لا لبس فيها للأطفال المضطهدين. وعلاوة على ذلك، فإنه ينتقد المواقف التقليدية بشأن المعنى الذي يلصق دوما بالمهاجرين اليهود القادمين إلى إسرائيل من عدن (وشمال اليمن بالتأكيد). ووفقا لما هو مكتوب على شاهد تذكاري، فإن هذا الرابط بين عدن والتاريخ الإسرائيلي يمثل في حقيقة الأمر "ندبة كثيفة".
النصب التذكاري الذي صممه كيشيت كوهين (سوث24 بواسطة: فاطمة جونسون)
الجدير بالذكر أنَّه بعد مرور نحو 70 عاما على تأسيس إسرائيل المعاصرة، ما يزال الناس يتعجبون من كيف جاء العديد من اليهود من شمال وجنوب اليمن إلى إسرائيل. ثمة ألبوم بعنوان "البساط السحري" قام بتجميعه الفنان الإسرائيلي إيتامار سياني الذي ترتبط جذور عائلته بصنعاء ومعروض حاليا في مركز التراث اليهودي اليمني والجاليات اليهودية العالمية في رحوفوت. ويقوم الألبوم بالتذكير برحلته من اليمن إلى عدن إلى إسرائيل عام 1949. وعبر شاهد تذكاري كبير، وصفت هذه الرحلة من خلال كلمات إسرائيل يشعياهو (رئيس الكنيست عام 1973 وهو من شمال اليمن) بأنها "عليا" (هجرة دينية)، و "أسطورية" تم تسهيلها من خلال "البساط السحري"، وباعتبارها "تجمعا" تعويضيا لليهود "القدامى والمخلصين" يستهدف الخلاص من "الظلام" والاضطهاد.
وفي تضاد متعمد، تم وصف إسرائيل باعتبارها "حرة" و"مثقفة". الحقيقة أنه مع أواخر 1950، هاجر 47000 يهودي من اليمن وعدن بشكل طوعي إلى إسرائيل من خلال عملية مروعة بدأتها الحكومة الإسرائيلية آنذاك بدعم من المنظمات الأمريكية اليهودية بجانب الاتفاق مع حاكم شمال اليمن، الإمام أحمد بن يحيى، وسلطان محمية عدن والمسؤولين البريطانيين في عدن. لقد بدأت هذه العملية التعددية في ديسمبر عام 1948 [10]. ومات مئات الأشخاص في طريقهم إلى إسرائيل سواء أثناء الرحلة بين اليمن وعدن أو داخل عدن نفسها (من المعروف أن 429 شخصا لقوا حتفهم في معسكر حاشد للاجئين في عدن)، ومات نحو 250 شخص بالقرب من الحدود في اليمن.
خلال الفترة من سبتمبر إلى أكتوبر 1949. وعلى سبيل المثال، احتاج عدد معتبر (3000) إلى رعاية طبية عاجلة بمجرد وصولهم إلى إسرائيل عام 1949 وهو ما لم تستطيع الدولة استيعابه. الأغلبية من إجمالي 30 ألف شخص وصلوا إسرائيل بين يوليو ونوفمبر 1949 كانوا يعانون من سوء التغذية والأمراض. [11] لقد سميت عملية الهجرة بمسمى "عملية البساط السحري" بواسطة لجنة التوزيع المشتركة اليهودية الأمريكية (JDC) التي أدارت العملية بشكل فعلي. لقد تم توجيه انتقادات حادة إلى اسم العملية لكونه عنصريا. إن هذا الاسم يحصر هؤلاء اليهود الذين تم نقلهم إلى إسرائيل داخل سياق بدائيتهم المزعومة. لقد رأوا أن الطائرات المستخدمة لنقلهم بمثابة البساط السحري الذي ظهر في قصة "ألف ليلة وليلة". ثمة دليل متزايد على هذا السلوك العنصري تجاه اليهود الشرقيين تجلى في إطلاق اسم "علي بابا" على عملية جلب يهود العراق إلى إسرائيل. وكشف مقال كتبته مئير جليتز اينشتاين كيف تم اختراع ونشر صور بشأن هجرة اليهود عبر عدن وإضفاء معاني أسطورية ومسيانية واستشراقية عليهم في سياق السعي من أجل "التفرقة بين اليهود وإسرائيل من جانب وبين العرب والدول العربية من الجانب الآخر." [12]
ألبوم يتألف من 15 رسومات منقوشة (سوث24 بواسطة: فاطمة جونسون)
وبينما تركز قدر هائل من بؤرة الاهتمام على البريق المزعوم للهجرة الجماعية اليهودية من عدن في منتصف القرن العشرين، سبق ذلك موجة من الهجرة إلى إنجلترا في القرن التاسع عشر. وتزامن ذلك مع هجرة عناصر يهودية أخرى داخل الإمبراطورية الشرقية لبريطانيا من بورما والهند. وقال المؤرخ آدم مندلسون إن هؤلاء حظوا بترحيب حماسي داخل المجتمع الإنجليزي الراقي لأسباب بعضها يتمثل في ثرواتهم الضخمة، بل أنهم أثاروا اهتمام أمير ويلز (ألبرت إدوارد، إدوارد السابع فيما بعد). وأضاف مندلسون أنه في نهاية المطاف، لم يبذل يهود عدن في إنجلترا إلا القليل من الجهود للضغط من أجل الإصلاحات الدينية والتحديث وآثروا بدلا من ذلك الاندماج مع النخبة الراسخة لليهود الإنجليز. [13] وبعد نحو مائة عام من ذلك، استمر نموذج الهجرة من عدن إلى إنجلترا، ولكن تحت ظروف أكثر تواضعا بشكل كبير. لقد كانت غالبية يهود عدن الذين تركوا عدن للذهاب إلى إنجلترا في ستينيات القرن المنصرم من الطبقة المتوسطة وتجمعوا في منطقة بشمال لندن (ستامفورد هيل) حيث ازدهرت أوضاعهم. وتكشف شهادة شفهية من عدني بريطاني (بالأسفل) قوة التواصل المحترم الذي ما يزال لديهم تجاه جنوب اليمن في منطقة عدن. واقترن ذلك بالمعرفة الوثيقة التي يحملها العدنيون اليهود في بريطانيا وإسرائيل فيما يتعلق بعدن مما يرتبط بإمكانية الترويج للتفاهم والتقارب بين البلدان الثلاثة:
"نفس الشيء تماما ينطبق على العدنيين. نحن دائما نشعر أن عدن كانت تمثل الوقت الطيب لحياتنا. من يتذكر عدن أو هؤلاء الذين ولدوا في عدن سوف يرددون دائما أنه لا يوجد مكان على وجه الأرض شبيه بعدن."
قبل 3 أشهر
قبل 12 شهر
قبل 1 سنة