التقارير الخاصة

كلية التربية بجامعة عدن: عزوف يُهدَّد العملية التعليمية

قاعة تدريسية - كلية التربية جامعة عدن - 27 أكتوبر 2022 (مركز سوث24)

27-10-2022 الساعة 5 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24 | رعد الريمي


بشكل غير مسبوق، شهد العام الأكاديمي الحالي 2022 /2023 تراجعًا في أعداد المتقدمين للتخصصات التربوية في جامعة عدن، كبرى الجامعات الحكومية في جنوب اليمن وأقدمها، لا سيَّما كلية التربية في العاصمة عدن.


وبحسب سجل تحصَّل عليه مركز سوث24، وأكَّدت صحته مصادر خاصة في جامعة عدن، بلغ عدد المتقدمين في كلية التربية بعدن هذا العام الأكاديمي 99 طالباً فقط، [84 من الذكور – 15 من الإناث].


ويعتبر هذا الرقم هو الأدنى على الإطلاق مقارنة بـ 2276 طالباً في العام الأكاديمي 2009/2010، و899 طالباً خلال العام الأكاديمي 2020/2021. وأثار هذا التراجع الكبير القلق في الوسط التربوي الذي بات منتسبوه يواجهون إشكالات كبيرة، في مقدمتها المرتبات المتدنية.



باحة كلية التربية جامعة عدن - 27 أكتوبر 2022 (مركز سوث24)


الأسباب


وحول أسباب تراجع الإقبال على التخصصات التربوية بجامعة عدن، قال عميد كلية التربية بجامعة عدن، الدكتور سالم ناصر لجدع، لـ "سوث24": "هذه المشكلة عامة وموجودة في كليات التربية بالجامعات اليمنية كلها، وليس جامعة عدن وحدها."


وأضاف: "السبب الرئيسي والأساسي هو سياسية الدولة تجاه المعلم. لا بدّ من إعادة النظر في سياسة الدولة تجاه المعلم. إذا تحسنت سياسية الدولة تجاه المعلم وتحسنت أوضاع المعلمين بكل تأكيد سيكون هناك إقبال على كليات التربية."


وأردف: "والمعلم اليوم يعاني من الجوع، كيف نتوقع أن يدفع الأهالي بأبنائهم للدراسة في تخصصات تربوية لسنوات ثم يتخرجون دون أي وظيفة حكومية، وإن حصلوا على هذه الوظيفة يكون راتبها متدنياً."


ولفت لجدع إلى أنَّ "الأهالي يدفعون بأولادهم للدراسة في التخصصات التي قد توفر فرص عمل حسب متطلبات السوق." وأضاف: "هناك أسباب إضافية مرتبطة بالمرحلة الراهنة مثل حالة العسكرة العامة بالبلاد. يتقاضى بعض الجنود مرتب يساوي ثلاثة أضعاف مرتب المعلم."


ويرى النائب الأكاديمي في كلية التربية بجامعة عدن، الدكتور ماجد جمعان، أنَّ الحرب التي دخلت عامها الثامن في البلاد، وما رافقها من انهيار اقتصادي، من أهم الأسباب التي تقف وراء التراجع الكبير في الإقبال على التخصصات التربوية.



موفد مركز سوث24 مع النائب الأكاديمي في كلية التربية بجامعة عدن، الدكتور ماجد جمعان


وقال بن جمعان لـ "سوث24": "إيقاف توظيف خريجي كليات التربية يمثَّل أيضاً أحد الأسباب الرئيسية. لقد قامت الحكومة بذلك في 2011، بالرغم من وجود ما يقارب 3000 من الموظفين التربويين في عدن وحدها من الذين وصلوا لسن للتقاعد، ولكن لم تتم إحالتهم حتَّى اليوم." 


إهمال 


وفيما يحمَّل مسؤولو كلية التربية في جامعة عدن، الأوضاع العامة التي تشهدها البلاد مسؤولية عزوف إقبال الطلاب، يعتقد أحد الأكاديميين في الكلية أنَّ لقيادة جامعة عدن يد في هذا الوضع، نتيجة للإهمال.


وقال الأكاديمي، الذي يُدَّرس في قسم الكيمياء، وفضَّل عدم ذكر اسمه، لـ "سوث24": "جامعة عدن لم تعط كلية التربية حقها من الاهتمام.  ليس هناك تركيز جاد على أداء كلية التربية لرسالتها. قسم الكيمياء الذي أدرس فيه يفتقر إلى المختبرات العملية وهذا من أسباب نفور الطلاب."



أحد المختبرات العلمية بكلية التربية جامعة عدن - 27 أكتوبر 2022 (مركز سوث24)


وأضاف: "المختبرات أضحت سيئة إلى درجة انعدام الماء والكهرباء. هناك أجهزة ركيكة وقديمة تظهر قراءات خاطئة، ومع ذلك لا نتمكن من تشغيلها حتَّى بسبب انقطاع التيار الكهربائي في معظم الأوقات. حرمان الطلاب من التطبيق العملي لما يدرسونه بكل تأكيد له انعكاسات سلبية."


عوائق مادية


يحكي الدكتور فهد النخعي، وهو أستاذ مشارك في كلية التربية بعدن، قصة حدثت معه بشكل شخصي تظهر كيف أثرت الحالة المادية لكثير من الطلاب على رغبتهم في التعلم، لا سيما في التخصصات التربوية.


وقال النخعي لـ "سوث24": "كثرت حالات الانقطاع عن التعليم وغياب الطلاب في الفترات الأخيرة، بما في ذلك الفصول التي أدرس فيها. من بين هؤلاء الطلاب كانت هناك طالبة قالت لي على انفراد إنَّها لا تملك المال الكافي لمواصلات النقل. أهلها عجزوا عن توفير ذلك، مما أثر على انضباطها في الحضور."


وأضاف: "منذ ذلك الحين لم أعد أدقق في مسألة الحضور أو الغياب. من حضر كان بها، ومن لم يحضر فلا أحاسبه حتى لا تتفاقم مشكلات الطلاب ويزداد حجم النفور من قبل الطلبة تجاه العملية التعليمية الجامعية". 


ولفت النخعي إلى أنَّ كلية التربية لطالما تميزت بإقبال الفتيات عليها، لكنَّ هذا تراجع بشكل كبير مؤخرا تحت ضغط الأوضاع الاقتصادية المتردية، حدَّ تعبيره.


مستقبل مُعتم


على الرغم من الركود العام في التعليم الجامعي بالبلاد، إلا أنَّ الإقبال على بعض الكليات [الطب، الهندسة] في الجامعات، ومنها جامعة عدن، يعتبر أفضل بكثير مقارنة بكليات التربية.


فؤاد أحمد، طالب في المستوى الأول بكلية الهندسة بجامعة عدن، كان أحد الذين تركوا فكرة التسجيل في كلية التربية في اللحظات الأخيرة. وفقا لفؤاد، "المستقبل المعتم الذي ينتظر خريجي التخصصات التربوية" هو ما دفعه لإعادة التفكير والالتحاق بكلية الهندسة.


وقال فؤاد لـ "سوث24": "أنا الآن أدرس في كلية الهندسة، صحيح أنَّ كثير من الخريجين من هنا دون وظائف، أنا أعرف ذلك، لكن على الأقل هناك فرصة ولو بسيطة للحصول على وظيفة بعد التخرج. الأمر ليس هكذا في كلية التربية، الأمل معدوم، هذا هو الواقع."



كلية التربية جامعة عدن - 27 أكتوبر 2022 (مركز سوث24)


وأضاف: "كنت أود أن أصبح معلما وتربويا، لكن في اللحظات الأخيرة أقنعتني نصائح الأهل والأصدقاء. الهندسة ليست واعدة كثيراً، لكنَّها أفضل من لا شيء."


بالنسبة للطالبة أماني صالح، التي تدرس في المستوى الثاني بقسم الحاسوب بكلية التربية بجامعة عدن، فإنَّ "المدرسين والمعلمين أنفسهم غير مقتنعين بما يدرسونه من تخصصات تربوية."


وأضافت لـ "سوث24": "أحد المدرسين في أحد الأقسام التي كنت سابقا أدرس بها قال لنا (ما الذي دفع بكم نحو اختيار هذا التخصص؟). لقد جعلنا هذا نُقدَّم على تغيير القسم الذي ندرس فيه." وأردفت: "عندما يفقد من يدرسك الإيمان بتخصص ما كيف ستقتنع أنت كطالب بهذا التخصص؟"


وتذكر المستشارة التربوية في عدن، حنان فارع، بعض الامتيازات التي كان طلاب كليات التربية والخريجين منها يحظون بها في الماضي.


وقالت فارع لـ "سوث24": "في السابق، كانت هناك إعانات شهرية تقدمها بعض المنظمات للطلاب الذي يدرسون في كليات التربية. كما كان الخريجون يوظفون بشكل مباشر فور تخرجهم. لقد شجع هذا وحفز على الالتحاق بكليات التربية قبل 15 أو 20 عاماً. اليوم، لم يعد هذا كله موجوداً."


الآثار والتداعيات


يمثل خريجو كليات التربية العمود الفقري للعملية التعليمية في المراحل الأساسية والثانوية في البلاد. ولكن مع ما تشهده التخصصات والأقسام التربوية من حالة ركود خطيرة، فهناك تداعيات راهنة ومستقبلية تهدد العملية التعليمية بأسرها.


ووفقاً للنائب الأكاديمي بكلية التربية بجامعة عدن، الدكتور ماجد جمعان، هناك العديد من الأقسام التي قد يتم إغلاقها نظراً للإحجام عن التسجيل فيها من قبل الطلاب، مثل: الفيزياء، الكيمياء، التاريخ، ومعلم المجال.



إحدى القاعات التدريسية بكلية التربية جامعة عدن - 27 أكتوبر 2022 (مركز سوث24)


وأضاف: "يجري الآن استكمال الدفعات لبقية المستويات والتخصصات التي تقلصت إلى ما نسبته 70% من عمليات التقييد. الأقسام السابقة لم تشهد إقبالا العام الماضي أو هذا العام."


ويحذّر المدرس بقسم الأحياء في كلية التربية بجامعة عدن، الدكتور عبد الناصر الجفري، من آثار عزوف الطلاب عن هذه التخصصات التربوية.


وأضاف الجفري لـ "سوث24": "العلوم الطبيعية مثل الكيمياء والفيزياء والأحياء مهمة للغاية. إنَّها تدخل في كل المعارف وصناعة الأشياء. العزوف عن الالتحاق بهذه التخصصات يمثل تعثرا حقيقا ذات آثار سلبية كبيرة على واقع العملية التعليمية."


ويذكر مدير مكتب التربية والتعليم بمديرية البريقة بعدن، الدكتور الخضر بجلة، بعض الآثار العملية لعزوف الطلاب عن بعض التخصصات التربوية على التعليم والمدارس.


وقال بجلة لـ "سوث24": "بدأت النتائج السلبية تظهر بشكل جلي اليوم. هناك عجز شديد في توفر معلمين لمواد الرياضيات، الفيزياء، الكيمياء، اللغة العربية، وغيرها من المواد. أحيانا نقوم بتكليف معلم بتدريس عدة مواد لعدة مستويات مقابل مبالغ إضافية."


وأضاف: "عند بلوغ المدرس الحد الأقصى، نضطر للاستعانة بخريجي كلية الهندسة في عملية التدريس لمادة الفيزياء؛ وخريجي العلوم الإدارية لتدريس مادة الرياضيات. نقوم بذلك في ظل علمنا بحجم المشكلات التي سوف يواجها هؤلاء المدرسون نتيجة عدم معرفتهم بطرق التدريس والتربية".


معالجات


يتفق الأكاديميون الذين تحدثوا لـ "سوث24" على أنَّ مشكلة العزوف عن التخصصات التربوية في جامعة عدن بشكل خاص، والبلاد بشكل عام، لا يمكن حلها دون معالجة المسببات الرئيسية لها، وفي مقدمتها أوضاع المعلمين.


وبالإضافة لذلك، هناك العديد من المعالجات العملية التي يجب أن تتم ضمن كليات التربية في جامعة عدن، ومنها فتح أقسام وتخصصات جديدة تلبي متطلبات سوق العمل في كافة المجالات ومتابعة تطوير العملية الأكاديمية والتعليمية.



فتيات في مختبر علمي بكلية التربية جامعة عدن - 27 أكتوبر 2022 (مركز سوث24)


ويأتي تحديث المناهج التربوية، بالإضافة لتوفير البنية التحتية اللازمة لأداء الرسالة التعليمية، لا سيما في الأقسام العلمية، على قائمة الشروط التي يؤكد الأكاديميون ضرورة توافرها لاستعادة زخم التخصصات التربوية التي تعتبر أساس نهضة المجتمعات والأمم.


كما تعتبر الإعانات المالية أيضا من الحلول التي قد تساعد في تعبئة الطلاب ودفعهم للالتحاق بالتخصصات التربوية العلمية طبقا للأكاديميين والطلاب. وكان مركز "سوث24" قد أعد تقريراً في وقت سابق حول البنية التحتية الضعيفة والمتهالكة في جامعة عدن، وضرورة تحديث مناهج التدريس فيها. 




صحفي لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات


الكلمات المفتاحية:

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا