مصدر الصورة: المركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية
26-10-2022 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | محضار علوي
بعد ثماني سنوات من الصراع المستمر في اليمن، عاد مصطلح "الوصول إلى طريق مسدود" إلى الظهور مجددا، وأصبح المجتمع الدولي أكثر إدراكا لتعقيدات تلك الحلقة المغلقة باليمن وتزايد الاعتقاد بضرورة انتهاز الفرصة المتاحة لتحقيق تسوية سريعة في جنوب اليمن.
واجتمع مجلس الأمن الدولي في 13 أكتوبر لمناقشة ملف اليمن في الوقت الذي تعتري فيه العالم مخاوف بشأن صراع وشيك لم يشهد مثيلا له إبان العقود الثمانية الماضية. وكما كان متوقعا، لم تسفر الجلسة عن أي تغيير حقيقي. وشدد المجتمع الدولي مرارا وتكرارا على أن خيار التدخل العسكري في اليمن غير مرجح بالرغم من رفض الحوثيين تمديد الهدنة في أوائل شهر أكتوبر الجاري والتهديدات المباشرة التي تستهدف مياه البحر الأحمر.
وفي ضوء هذه التفاقمات، ووفقا لتفسير نظريات العلاقات الدولية بشأن سياسات التحالف، يذهب المحللون إلى حتمية صناعة السلام الذي يمكن أن يتحقق في هذه المرحلة باليمن وما يرتبط به من تداعيات إيجابية على المنطقة والعالم بأسره. ويستند ذلك على نظرية "توازن التهديد" التي تتنبأ بأن البلدان سوف تتحالف مع بعضها البعض ضد الدولة التي تمثل التهديد الأكبر وليس البلد الأقوى. وإذا أخذنا في الحسبان أن جنوب اليمن دولة تواجه تهديدات مشتركة مع بلدان أخرى كنتيجة للتقارب الجغرافي والنوايا العدوانية للحوثيين، فهي إذن تمثل خيارا استراتيجيا لتشكيل منظومة ائتلاف دولي.
ولحسن الحظ، فإن ما يميز القادة الحاليين في جنوب اليمن هو أنهم ديمقراطيون يسعون إلى استعادة دولة جنوب اليمن مع نظام فيدرالي ديمقراطي منفتح على العالم، لكن ما يعيقهم هو كيفية الخروج من المأزق الذي فرض عليهم عام 1994، وأن يسحبوا ثروتهم بعيدا عن تأثير سلطة الجماعات الأيديولوجية. يفهم الزعماء السياسيون في جنوب اليمن أن استقلال أرضهم لن يتم استعادته دون اعتراف دولي. هذا ما قاله رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي اللواء عيدروس الزبيدي بأن ما يسعى إليه شعب الجنوب هو الاعتراف الدولي باستقلال جنوب اليمن، بمعنى أنه لا يريد انعزال وطنه، وهو ما قد يحدث إذا أرادت روسيا الفوز بحليف في هذه المنطقة الحيوية من العالم واعترفت بالجنوب أو عززت علاقاتها معها بشكل ملحوظ.
تعتبر جنوب اليمن واحدة من المناطق الغنية بموارد الطاقة، وتشير تقارير إلى أماكن لم يتم العمل فيها بعد. ويعني ذلك أنه قد حان الوقت أمام العالم لإغاثة هذا الجزء من الشرق الأوسط من خلال خطوة العلاقات التي تعزز السلام وتوسع نطاق مصادر إمدادات الطاقة في العالم. لقد تسببت إيران في إلحاق أضرار كبيرة بجنوب اليمن عام 2015 من خلال غزو الحوثيين. وحتى اللحظة الراهنة، يحاول الحوثيون وجماعات أيديولوجية مختلفة السيطرة على الثروة النفطية لجنوب اليمن. بيد أن هذه الدولة ما تزال تفقد شبابها في ساحات المعركة لصد العدوان الحوثي المدعوم بشكل كامل من إيران.
اجتماع المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيم ليندركينج مع أنور قرقاش كبير مستشاري الرئيس الإماراتي في سبتمبر 2022، حيث اتفقا على الحاجة إلى تحقيق الاستقرار في الجنوب ودعم جهود مجلس القيادة الرئاسي لتقديم الإغاثة إلى اليمنيين.
ويفهم الجنوبيون جيدا أهمية امتلاك حلفاء يمكن الاعتماد عليهم. إن ظمأ الحرية والاستقلال بمثابة المحرك في تلك اللحظات الحاسمة التي يشهدها العالم. التصريحات الأخيرة التي أدلى بها المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيم ليندركينج منحت شعب جنوب اليمن بارقة أمل، ويمكن اعتبارها تغييرا في موقف واشنطن، حيث تشير إلى أهمية الجنوب والتفاعل الإيجابي مع المنطقة والعالم الذي سوف يحققه الاستقلال، والتخلي عن "إستراتيجية الإلزام" مقابل التفاعل الديناميكي بينها وبين إستراتيجية " الإسفين"(فرق تسد). ويشبه ذلك ما تم استخدامه في خمسينيات القرن المنصرم بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة فيما يتعلق باليابان حيث أصبح التغيير في ذلك الوقت يمثل أولوية للعديد من البلدان استنادا على مصالح مشتركة وثوابت السلام المستدام.
مُتعلق: الولايات المتحدة: استقرار جنوب اليمن أهمية قصوى
إن خلق حلفاء في جنوب اليمن من شأنه أن يحدث تأثيرا واضحا. لقد أصبح من المستحيل أن تسمح إيران للنظام "المحافظ" في صنعاء أن يكون حليفا للولايات المتحدة كما أنه لم تعد هناك "أنظمة راديكالية" في المنطقة تخشاها الولايات المتحدة. إن الصراع في اليمن لا يشكل فقط تهديدا لليمنيين، ولكنه خطر عميق يواجه العديد من بلدان المنطقة والعالم بأسره.
ناقلة النفط "صافر" (الأمم المتحدة)
ولذلك، فإن تأمين تلك المنطقة والاستفادة من المطلب الشرعي لشعب جنوب اليمن سوف يثري الغرب بحليف حقيقي ومستقر، لا سيما بعد أن أصبحت تهديدات الحوثيين لمياه البحر الأحمر واضحة اليوم. وعلاوة على ذلك، فيما يتعلق بعملية تفريغ السفينة "صافر" برعاية من الأمم المتحدة، أصبحت احتمالات نجاحها أكثر صعوبة بعد نهاية الهدنة في اليمن مع إعلان الحوثيين عن تهديدهم باستهداف مياه البحر الأحمر. ويأتي ذلك في ضوء نقص الثقة بشأن تعهدات الحوثيين.
ومن وجهة نظري، كان هناك حاجة ماسة إلى قرار من مجلس الأمن الدولي يتوافق مع المادة 42 من ميثاق الأمم المتحدة بمساعدة من "إدارة الدعم الميداني التابعة للأمم المتحدة" لتوفير غطاء أمني يصاحب ناقلة النفط الكبيرة جدا والمنطقة المحيطة بها بالإضافة إلى التواجد البري في ميناء الحديدة الذي يبعد 60 كم عن السفينة صافر من أجل تنفيذ خطة الأمم المتحدة لتفريغها. بيد أنه نتيجة للتطورات المتفاقمة، تزايدت الحاجة إلى ارتفاع صوت المجتمع الدولي ضد التهديدات التي تمس اقتصاديات المجتمعات في أرجاء العالم. لم يعد هناك مزيد من الوقت حيث إن التهديدات المتعلقة بإحداث اضطرابات بحرية سوف تضحى أكثر ضرارة بالمنطقة بعد نهاية الصيف حيث تتزايد خطورة انقسام السفينة الآن. ومع دخولنا منتصف أكتوبر، فإن الأهوال التي ستنجم عن امتزاج 134 مليون لتر من النفط الخام في مياه البحر الأحمر لا تخيف فقط آلاف الصيادين بالمنطقة لكنها تؤثر على العديد من المجتمعات والبيئات حول العالم كذلك.
إن الوحدة اليمنية الإجبارية لا تمثل خيارا ضروريا في اليمن، حيث أن الاستغناء عنها سوف يساهم بشكل كبير في صد التهديد الإيراني في منطقة اليمن، وسوف يقلص بشكل فعال أي طموح لحلفائها. ليس من مصلحة اليمنيين والعالم أن ترتبط اليمن بجماعات أيديولوجية لأن الوحدة اليمنية سوف تُشرك هذه الجماعات في السيطرة على هذا الجزء من العالم. وتتسم جنوب اليمن بأنها مجتمع مدني يرفض هذه الفكرة وتلك السياسة. ولهذا، يجب أن تسير التطورات في هذا الاتجاه من أجل المضي قدما في المصلحة العامة. إن التعامل مع جنوب اليمن في ضوء هذا الصراع بطريقة الوحدة الإلزامية لليمن لن يحقق حلولا مستدامة. ومن وجهة نظري، يمكن تحقيق السلام بالرغم من التفاقمات الأخيرة من خلال امتصاص الحقائق على الأرض والاستفادة من القيادة السياسية الجنوبية المتوازنة التي حققت إجماعا وطنيا ونجاحات دولية مشتركة.
قبل 3 أشهر