التحليلات

قراءة في تسجيل «تنظيم القاعدة» حول أحداث محافظة شبوة الأخيرة

مركبات لقوات العمالقة الجنوبية (تواصل اجتماعي)

05-09-2022 الساعة 6 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24 | إبراهيم علي*


علّق تنظيم القاعدة في اليمن على الأحداث الأخيرة التي شهدتها محافظة شبوة، من خلال تسجيل صوتي لقيادي غير معروف إعلاميا يدعى "أبو علي" الحضرمي. التسجيل الصادر عن جناحه الإعلامي "مؤسسة الملاحم"، أواخر أغسطس الماضي، والذي اقتربت مدته من نصف ساعة، يعتبر من الإصدارات المثيرة للاهتمام، لما تضمنه من حديث صريح عن قضايا لم يكن التنظيم يتحدث عنها بهذا الشكل، مثل نقده لسياسة ونهج جماعة الإخوان المسلمين، بأسلوب الناصح المشفق، وأيضا القارئ الحصيف للأحداث.


تسجيل تنظيم القاعدة عن أحداث شبوة الأخيرة، يعيد التذكير بالبيان الذي أصدره القيادي في التنظيم إبراهيم الربيش، عقب حادثة ميدان رابعة العدوية في مصر، والذي أدان من خلاله ما تعرضت له جماعة الإخوان المسلمين، وهاجم السعودية بعدما اتهمها بالوقوف وراء ما أسماه "الثورة المضادة"، دون أن ينسى تذكير الجماعة بخطأ نهج "السلمية" في التغيير.


ومن حيث استغلال الحدث، يعيد التسجيل التذكير ببيان التنظيم عقب سيطرة جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء أواخر العام 2014، حين دعا "أهل السنة" إلى الانضمام إليه لقتال الجماعة.


استقطاب


حاول التنظيم، من خلال التسجيل الصوتي، استغلال أحداث شبوة الأخيرة للاستقطاب في أوساط الجهات التي خسرت المعركة والمتعاطفين معها، إضافة إلى إثارة النقمة على دولة الإمارات والأطراف المحلية التي قال إنها مرتبطة بها وتتلقى الدعم منها. وضع التنظيم أحداث شبوة في سياق توجه عام لاستهداف الإسلام والجماعات الإسلامية الحركية، من خلال ربط تلك الأحداث بما جرى في بلدان أخرى، في محاولة لاستثارة عواطف قبائل المحافظة عبر تصوير المعركة كما لو أنها بين أعداء للدين ومدافعين عنه. كما حرص التنظيم على خلق انطباع مختلف عن المنتصرين في معركة شبوة، مفاده أنهم أدوات لمشروع خارجي معادٍ للإسلام.


مخاوف طائفية


إلى جانب ذلك، حاول التنظيم إثارة المخاوف الطائفية في أوساط القبائل من خلال طريقة عرضه لأحداث شبوة الأخيرة، والتي قال إنها تخدم جماعة الحوثي بالدرجة الأولى، مشككا، في الوقت ذاته، بجدية التحالف في الحرب على الجماعة. في هذا السياق، نظر التنظيم إلى سيطرة القوات الجنوبية على مدينة عتق من نفس الزاوية التي نظر منها إلى سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء أواخر العام 2014: قدَّم "أهل السنة" كهدف لمشروع تقف وراءه جهات خارجية، ودعا إلى الالتحام معه لمحاربتها. لكن الأمر هنا مختلف كليا، فجزء كبير من القوات التي سيطرت على عتق " ألوية العمالقة" سلفية المنهج، ولها معارك مشهودة ضد الحوثيين في عدد من المحافظات. ارتبط اسم العمالقة في المخيلة الشعبية بالحسم السريع للمعارك مع الحوثيين.


الإخوان المسلمون


ركّز تسجيل التنظيم الأخير، بشكل رئيسي، على جماعة الإخوان المسلمين التي يمثلها حزب التجمع اليمني للإصلاح. وضع إقالة المحافظ السابق محمد صالح بن عديو، والمعارك ضد الإصلاح بشبوة، في سياق واحد هو الحرب على الدين. من المهم الإشارة هنا إلى أن التنظيم عاش مرحلة ذهبية أيام المحافظ السابق، ولهذا تحدث كما لو أن المحافظة خرجت من تحت سيطرته وليس من تحت سيطرة الإصلاح فقط، كما أشار إلى بن عديو بالاسم ولأول مرة.


أثناء مخاطبته للإصلاح، جمع تسجيل التنظيم بين الإدانة لما تعرضوا له وبين تذكيرهم بأن نهج المهادنة يفضي إلى عواقب وخيمة. في إشارة إلى وجود مَوقفين لحزب الإصلاح من التحالف، لكنَّ ما انتقده تنظيم القاعدة سبق وأن انتهجه في مرحلة من مراحل الحرب، وإن بمستوى أقل. فقد تجنب التنظيم مهاجمة السعودية منذ انطلاق عملية عاصفة الحزم عام 2015 إلى العام 2017، وركَّز هجومه على الإمارات. رغم أن العملية العسكرية التي انتهت بطرده من مدن ساحل حضرموت عام 2016 تمت باسم التحالف العربي، إلا أنه أصدر بيانا توعد فيه الإمارات ولم يتطرق إلى السعودية من قريب أو بعيد. كانت لديه نفس قناعة حزب الإصلاح التي كان يتحدث عنها كثير من قادة الحزب وناشطيه، ومفادها أن للإمارات أهدافها الخاصة البعيدة عن أهداف عملية التحالف في اليمن. 


يدرك تنظيم القاعدة أن حزب الإصلاح الذي يتقلص نفوذه في اليمن بشكل متسارع بات بيئة خصبة للاستقطاب، وأن عليه الاستفادة من قواعده بنفس طريقة استفادته من الحزب حين كان سلطة رسمية بقوة أمنية وعسكرية. لهذا، وجّه التنظيم حديثه وبشكل مباشر إلى قواعد الحزب، وأعاد تذكيرهم بالشعار الذي تأسس عليه تنظيمهم الدولي "الإسلام هو الحل". كما حرص التنظيم على تحذير الإصلاح من الإجراءات المخدرة، من قبيل تغيير محافظ شبوة الحالي، كونها أنصاف حلول لتهدئة القواعد، على حد تعبيره، مؤكدا أنّ الحل يكمن في تغيير منهج الإصلاح وطريقة تعامله مع الأحداث.


السلفيون


مقابل تركيز التسجيل على الإصلاح، اكتفى بالإشارة العابرة إلى "ألوية العمالقة" الجنوبية، التي قال إنها رفعت في بادئ الأمر شعار قتال الحوثيين، قبل أن تنزلق بعض ألويتها إلى مهام أخرى مفروضة من الخارج، على حد وصف البيان. لم يكن لدى التنظيم ما يوجهه لهذه القوات، فالهدف من التسجيل هو استغلال الحدث للاستقطاب، وتلك الألوية بعيدة عن البيئة الملائمة لنشاطه الدعائي والإعلامي. لكنّه حاول التشكيك بتوجهها حين استخدم عبارة "تنسب نفسها إلى السلفية". يدرك التنظيم أن العمالقة قوة عقائدية ضاربة، ووجودها في المحافظة يشكل خطرا وجوديا عليه.


الجنوب


في حديثه عن الجنوب، حرص التنظيم على تصوير الوضع الحالي على أنه حلقة جديدة في سلسلة أزمات تاريخية مر بها، ابتداء من الاحتلال البريطاني، ثم الحكم الشيوعي، فحكم عفاش "الجبري" كما وصفه،، وانتهاء بـ "احتلال إماراتي"، على حد تعبيره. رغم ذلك، اعتبر المطالبة بفك الارتباط من الشعارات الجاهلية،  متهما التحالف بدعم "المجلس الانتقالي الجنوبي" ضمن ما وصفه "مشروع انفصال وتقسيم اليمن إلى شمال وجنوب". لذلك خلص التنظيم إلى وصف ما حدث في شبوة سياسيا، بأنه  يأتي ضمن "مشروع التقسيم".


في المجمل، حرص التنظيم على استغلال أحداث محافظة شبوة الأخيرة على أكثر من مستوى، كما ورد في السابق، وجعل العداء للدين إطارا عاما لتلك الأحداث التي ربطها بمشروع خارجي، مستشهدا ببعض النماذج من خارج اليمن.


*إبراهيم علي

هو اسم مستعار لباحث متخصص في شؤون الجماعات المسلّحة، طلب إخفاء هويته لأسباب شخصية

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا