التحليلات

الدور المفقود للأحزاب اليمنية في «تحرير» الشمال

الصورة: ا ف ب

03-08-2022 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24 | وضاح العوبلي


غابت الأحزاب اليمنية عن المشهد السياسي في اليمن منذ 2014، مما مهّد لدخولها تدريجياً في مرحلة من الشتات والتراجع، وباتت في الغالب جاهزة للدخول في معترك الصراع البيني.


وبمراجعة بسيطة للخط الزمني لأداء الأحزاب اليمنية وأنشطتها خلال عقد ونصف مضى، سيجدها المراقب أسهمت بشكل مباشر في تكبيل عمل الدولة، ومارست جميعها أدواراً سلبية من داخل السلطة أو من المعارضة، وأضرّت بأمن الدولة القومي في محطات عديدة، وصولاً إلى إسقاط الدولة وتقديمها للحركة الحوثية؛ التي وجدت بدورها في صراع الأحزاب مجالاً للتسلل والمعونة.


ثمّة عامل مهم يجعل هذا الأمر أكثر تحدياً، إذا ما أردنا النظر للأزمة العميقة للأحزاب التقليدية راهناً، من خلال "بعدها عن القضايا المطلبية الحقوقية والسياسية التي تنشأ في الديمغرافيات المحلية العديدة؛ بل ومشاركة هذه الأحزاب في الصدام مع الحركات الجهوية المطلبية التي تنشأ في الأقاليم خشية أن تتحول هذه الحركات إلى مكونات سياسية تحل محل الأحزاب في المحاصصة على السلطة. ورغم الممانعة الشديدة للأحزاب التي تواجهها الحركات الشعبية يلاحظ أن دور المكونات الجهوية يزداد فعالية مقابل تراجع تأثير الأحزاب على الأرض رغم استئثارها بالتمثيل السياسي للصراع"[1].


من الناحية الجوهرية، مازالت الأحزاب تقف منذ سبع سنوات عاجزة عن إنتاج رؤية أو تحديد مسار وطني جامع؛ لتحرير المحافظات الشمالية التي تعتبر بمجملها مسقط رأس أكبر الأحزاب اليمنية "المؤتمر الشعبي العام، والتجمع اليمني للإصلاح"، وهما الحزبان الرئيسيان اللذان كانا أحد أسباب سقوط الدولة بيد الحوثيين. غير أنهما مازالا حتى الآن عاجزان عن استعادة الدولة. وهو وضع ينطبق عليه مثل محلي يمني: "حاضران عند المغنم، غائبان عند المغرم". ووفقاً لذلك، فالأحزاب مازالت تفرض نفسها بقوة أثناء التسويات، بينما تغيب في مراحل النضال والتضحيات. 


هشاشة سياسية 


كشفت الأزمة اليمنية الممتدة منذ ثمان سنوات عن هشاشة الأحزاب السياسية التقليدية مجتمعة؛ وأظهرت مدى عمق الشلل الذي أصيبت به، وعدم قدرتها على تطويع المشهد السياسي أو القيام بالدور المتوقع منها على الأقل.[2] إذ تعاني بعض الأحزاب اليمنية من قيادات متقادمة وعتيقة فكرياً، وربما غير متلائمة مع متطلبات الحاضر ومعطياته، ولم تفلح حتى في مجرد التلويح باستراتيجياتها الوطنية. فضلاً عن ذلك، لم تتمكن من إقناع حلفائها "إقليميين كانوا أم دوليين" باستراتيجيات وطنية يمكن أن يؤدي تحقيقها إلى ضمان مستقبل جميع القوى، وبالتالي ضمان أمن هؤلاء الحلفاء، وابتكار استراتيجيات متوازنة تراعي في صياغتها كل ما لا يمكن أن يتسبب بسوء فهم الأطراف الأخرى المحلية.


أكثر من ذلك، تعاني بعض الأحزاب من صراع الاستحواذ على الهرم القيادي، حيث تحاول بعض القيادات أن تتربع رأس الهرم، فيما هي لم تصل بعد إلى مرحلة من النضج المطلوب لصياغة رؤى وطنية بنّاءة يمكن أن تحقق من خلالها ما عجزت عن تحقيقه الأحزاب الأخرى. كل هذا جعل المشهد السياسي معتماً، مع أن الفرصة يمكن أن تكون سانحة ومتاحة لإيجاد رؤى جامعة يمكن من خلالها ترميم التصدّعات وتذويب جليد الخلافات والمضي نحو مشروع "التحرير". وهو المشروع الذي كان متوقعاً من جميع القوى أن تتعاطى معه بكل جدية وإخلاص، بعيداً عن الهروب من المسؤولية وحالة التراكن المشهودة. 


الأحزاب اليمنية ومعركة الشمال 


لم تسهم الأحزاب السياسية اليمنية خلال ثمان سنوات من الحرب بدور وطني مشهود أو لافت. وإذا ما أعدنا النظر إلى خارطة مسرح العمليات الذي يفترض أن يكون ملعباً سياسياً وعسكرياً لهذه الأحزاب، خاصة وأن حواضنها الشعبية والقبلية تتكاثف في محافظات شمال اليمن، سنجد أن دورها كان غير مؤثراً أو ملموساً، بل لعبت بعض هذه الأحزاب دوراً سلبياً في بعض مناطق الصراع. على سبيل المثال: سيطر حزب التجمع اليمني للإصلاح سياسياً وعسكرياً على محافظة تعز، وأنشأ ميلشيات مسلحة في مناطق سيطرته، لكنه وظفها لارتكاب انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان.[3]


على الجانب العسكري، سنجد بوضوح أن ما قدمته الأحزاب السياسية التي انخرطت في الصراع المسلح، لا يتعدى تحرير بضع مديريات من تعز، وأسهمت في تحقيق جزء منه قوات "العمالقة الجنوبية". كما تم تحرير بضع من عُزل مديرية قعطبة شمالي الضالع، وهو الآخر بإسناد من قوى المقاومة الجنوبية.


بالمقابل حافظت القوى القبلية ومن معها من المقاومين المحليين على مديريتي مأرب المدينة والوادي، وهما المديريتين اللتين لا يمكن إغفال دور قوات العمالقة الجنوبية أيضاً في منع سقوطهما بالتحرك المفاجئ لتحرير بيحان وإيقاف تقدم الحوثي لإسقاطهما من الجبهة الجنوبية لمأرب في ديسمبر 2021. يضاف إلى كل ذلك، تحرير أجزاء من المديريات الحدودية كمديرية ميدي بمحافظة حجة، وكتاف في صعدة، وكل هذا ايضاً بمساندة قوية من التحالف، بما في ذلك القوات السودانية.


بهذا الاستعراض البسيط، يمكن القول إن الأحزاب اليمنية لم تقدم سوى نسبة ضئيلة من المساهمة في معركة التحرير ضد الحوثيين، وهي نسبة ربما لا تخضع للمقارنة في خارطة الشمال، إذا ما قارناها بنسبة ما قدمته القوى الجنوبية لجنوب اليمن ذو المساحة الأكبر والعدد البشري الأقل. حيث يمكن إيجاز أسماء المديريات والعُزل المحررة من جغرافيا الشمال باسم "القشور الهشة"، للإشارة إلى هذه المناطق المحررة والواقعة جميعها تحت مرمى مدفعية الحوثي. وهو ما يجعلنا نطرح تساؤلاً عن الذي قدمته الأحزاب اليمنية فعلياً في معركة استعادة الدولة، مقابل الزخم الذي تفرضه لذاتها في مراحل السلم والاستقرار وأثناء المحاصصة؟ 


غياب الاستراتيجية


تركت الأحزاب اليمنية قواعدها الشعبية العريضة في الشمال، وتنكّرت لها كما غضّت الطرف عن نداءاتهم واستغاثتهم المتكررة، وهذا السلوك الحزبي الخطير جعل بعض الحواضن الشعبية تتفكك ويذهب جزءاً منها لصالح سلطة الأمر الواقع ممثلة "بالحوثي". وكل يوم يمر تتضاءل معه آمال تلك الحواضن بالتحرير، وتتعزّز لديها نظرية أن الحكم للحوثي، وبالتالي تجد نفسها مرغمة على التكيف مع هذا الوضع الذي ضاعفه تراجع التنسيق بين القيادات الحزبية وبين القواعد والرموز القبلية المؤثرة التي انفصلت عنها قيادات الأحزاب منذ وقت مبكر.


علاوةً على ذلك، القوى الشمالية المنخرطة في مشروع مقاومة الحوثيين بكل أطيافها من "جيش وطني" ومقاومة وطنية "حراس الجمهورية"، وكذلك مجموعة المقاومات المحلية، تمتلك كل الإمكانيات والمقوّمات التي تمكّنها من التحرك في "مشروع التحرير" وإنجاز ما يمكن إنجازه لفرض واقع سياسي وأمني وعسكري جديد في المحافظات الشمالية، أو على الأقل الإخلال بموازين، يعزّز من حالة التوافق ويسهم في إعادة الثقة الشعبية بين مواطني محافظات الشمال، إلا أنّ القوى الشمالية مازالت تفتقد لميثاق شرف وطني جامع لإدارة تلك الإمكانيات وتوظيفها بما يخدم هذا التوجه.


يتعين على قوى الشمال أن تدرك صعوبة تقبل دول الإقليم والمجتمع الدولي مشروعها لاستعادة الشمال وهي تمثّل صورة مشتتة وخلافات مستمرة، يصعب معها بناء الثقة أو افتراض حسن النوايا.


إنّ وجهة نظر المجتمع الدولي التي تترجمها مواقف عدد من الدول، يمكن فهمها من خلال مواقف تبعث حالة من الرضى الإجباري الدولي بشأن بقاء صنعاء ومناطق سيطرة الحوثيين على وضعها الحالي. وهذه المواقف الدولية تعود في الأساس للنماذج الفاشلة التي خلقتها القوى والأحزاب الشمالية المنخرطة في "مشروع المقاومة". إذ من الصعب على أي جهة فرض القبول الدولي بتحرير صنعاء مثلاً؛ بقوى تحمل كل هذا الكم من التناقضات والخلافات البينية، التي قد تتحول معها صنعاء في حال تحريرها بهذا الشكل، إلى بؤرة صراع دائم بين الأجنحة الحزبية والقبلية.


بناءً على هذا الاستعراض المختصر والذي تصطف خلفه كثير من التفاصيل، ينبغي على قوى المقاومة والأحزاب الشمالية تحديداً، أن تتجه اولاً لصنع توافق وطني حقيقي يتجسد عملياً على الأرض من خلال الشراكة وتذويب الخلافات، وبما يُفضي لخلق مسارات وطنية ضامنة تتعاطى بشكل استراتيجي مع متطلبات المرحلة، سواءً على المستوى المحلي أو الإقليمي او الدولي، بل وتعمل كل هذه القوى مجتمعة لاستعادة الثقة بها على كل المستويات، لتبدو ككيان وطني وقومي جامع، ويتمتع بقدر عالٍ من القبول الشعبي.


كل هذه المحددات وإن جاءت متأخرة، إلّا أنّه يمكن من خلالها تغيير كثير من المواقف الدولية ووجهات النظر الأممية، حول الثقة بإمكانية خلق نموذج دولة. كما أنّ المحددات تمثل أيضاً ركائز مهمة لتسويق "مشروع تحرير" يمكن القبول به.



ضابط في قوات الدفاع الجوي اليمنية، خبير وباحث عسكري غير مقيم لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات

الكلمات المفتاحية:

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا