التحليلات

حالة عائمة من اللا حرب واللا سلم في اليمن: إلى أين ستنتهي؟

الرسام: Emad Hajjaj Cartoons

26-07-2022 الساعة 6 صباحاً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

سوث24 | فريدة أحمد


في الثاني من أبريل العام الحالي، أعلن المبعوث الأممي "هانز غروندبرغ" عن هدنة بين الأطراف اليمنية لتلبية الاحتياجات الإنسانية والاقتصادية الملحّة لليمن[1]. حتى الآن، مضت أربعة أشهر من عمر الهدنة التي مُددت للمرة الثانية وتنتهي في الثاني من أغسطس القادم. تخللت شهور الهدنة مئات الخروقات وفقا لمزاعم أطراف الصراع، لكنها بلا شك ساهمت في تقليل أعمال العنف على المستويين المحلي والإقليمي. من منظور عام استفاد السعوديون والحوثيون بصورة رئيسية من هذه الهدنة بينما لم يحقق المجلس الرئاسي، الذي يمثّل السلطة الشرعية، فوائد عملية منها حتى هذه اللحظة.


باتت مقاربة التجميد المؤقت في اليمن ملفتة بشكل كبير، وتطرح كثير من التساؤلات عن أسبابها فيما إذا كان العامل الخارجي ذو تأثير كبير ومباشر عليها، كالحرب الروسية- الأوكرانية. فزيارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" الأخيرة للرياض؛ أمِلت بالدرجة الأساسية في أن تقوم مجموعة أوبك+ باتخاذ مزيد من الإجراءات لتعزيز إنتاج الطاقة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية التي تزداد أهميتها كأكبر مصدر للنفط في العالم، لا سيّما في ظل اضطرابات أسواق النفط العالمية التي سببتها الأزمة الروسية الأوكرانية. فضلاً عن مناقشة الملف النووي الإيراني، وتنشيط عملية السلام الإسرائيلية- الفلسطينية.


من الناحية العملية، تبدو مثل هذه الصفقات مناسبة لإدارة "بايدن" التي ستدخل الأشهر القادمة في انتخابات الخريف النصفية، والتي تنوي فيها تجديد ترشحّها لدورة انتخابية ثانية لعام 2024، وهو ما صرّحت به نائبة الرئيس الأمريكي "كاميلا هاريس"، عن اعتزام الرئيس "بايدن" للترشّح، وحسب قولها: "إذا فعل ذلك، فسوف أكون شريكته على تذكرة الترشح، وسوف نعمل معاً"[2]. إذ أن سياق استعادة العلاقات الأمريكية في الشرق الأوسط وفي مقدمة ذلك علاقتها التقليدية بالسعودية، ربما يأتي في إطار مسارين؛ الأول داخلي، هدفه التخفيف من وطأة الصعوبات الاقتصادية التي تشهدها الولايات المتحدة، من تضخّم وارتفاع في تكاليف المعيشة، لا سيّما في ظل الانتقادات الداخلية التي تشهدها إدارته من حلفائه وخصومه. والثاني خارجي، يتعلق بالأزمة الروسية-الأوكرانية، التي ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في ذلك، "بأن الحرب أدت إلى أكبر عملية لإعادة التفكير في السياسة الخارجية الأمريكية منذ هجمات 11 سبتمبر 2001، مما أدى إلى إحساس جديد بالمهمة للولايات المتحدة وتغيير حساباتها الاستراتيجية مع الحلفاء والخصوم على حدٍ سواء".[3]


علاوةً على ذلك، ركّزت إدارة "بايدن" منذ توليها السلطة على مسألة استقرار منطقة الشرق الأوسط، ومن ذلك إعادة فتح ملف المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، غير أنّها كانت أكثر صرامة وفتور في علاقتها مع المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، كان "بايدن" قد توعّد خلال حملته الانتخابية في 2020 بـ "تدفيع السعودية الثمن"، بعد جريمة قتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" في قنصلية بلاده في اسطنبول عام 2018.[4] كما رفض التعامل مع ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" بشكل مباشر، فضلاً عن رفعه الحوثيين من قائمة المنظمات "الإرهابية". وهو أول قرار يتخذه خلال ساعات قليلة فقط منذ دخوله البيت الأبيض[5]، إذ يبدو أنه جاء رداً على آخر قرار أصدره الرئيس السابق "دونالد ترمب" في آخر ساعات من إدارته، عندما أضافت وزارة الخارجية الأمريكية، الجماعة المتمردة إلى قائمة الجماعات الإرهابية رسميا.


مع ذلك، يبدو مناسباً لواشنطن الآن التغاضي عن بعض الملفات الحقوقية المرتبطة بالرياض في سبيل تحقيق بعض المصالح الملحّة. وأكثر من ذلك، مدى أهمية استقرار المنطقة بما في ذلك السعودية والإمارات وباقي دول الخليج، من خلال الهدنة في اليمن، التي يسعى المجتمع الدولي وفي مقدمته الأمم المتحدة من أجل تمديدها لـ 6 أشهر إضافية، عبر الضغط على أطراف الصراع في اليمن. وقد أكدت الدول الخمس بشأن اليمن [أمريكا، بريطانيا، السعودية، الإمارات، وسلطنة عمان]، في بيان مشترك دعمها الهدنة ومقاربات المبعوث الأممي متعددة المسارات[6]. وعلى رغم استهجان الحوثيين التفاهمات بشأن تمديد الهدنة، من حيث وصفها بأنها "تجربة صادمة ومخيبة للآمال ولا يمكن تكرارها"،[7] غير أنّه من المتوقع أن ترضخ الأطراف اليمنية للضغوط الدولية والإقليمية في نهاية المطاف. من الناحية الواقعية، لن يجازف الحوثيون بعدم الموافقة على الهدنة، لأسباب منها تأليب المجتمع الدولي ضدهم، وربما ينتهون كجماعة تحكم بالأمر الواقع في حال قررت واشنطن ودول أوروبية دعم التحالف العربي لحسم المعركة عسكرياً لصالح السلطة الشرعية في اليمن.


هذا الأمر يعتمد على مدى نجاح الهدنة المتوقعة للمرة الثالثة، وفيما إذا كان سيتم تثبيتها حتى نهاية العام، أو على الأقل بعد انقضاء فترة الانتخابات النصفية الأمريكية، إذ على الأرجح أن تمديدها كل هذا الوقت قد يؤدي لثلاث سيناريوهات، الأول، تثبيتها حتى نهاية العام ثم البدء في مشاورات سلام، مع تجهيز مسوّدة جاهزة للحل توقّع عليها الأطراف اليمنية على غرار "خطة كيري" 2016. والثاني، تثبيت الهدنة لنهاية العام مع البدء بمشاورات سلام دون فرض أي مسودات جاهزة للحل، وترك النقاش مفتوح بين الأطراف. أما السيناريو الثالث، حسم المعركة عسكرياً مع الحوثيين، وهو سيناريو يبدو مستبعداً في ظل التطورات الدولية، وفي ظل فتح السعودية حوارات أوسع مع إيران وأخرى مرحلية مع الحوثيين من أجل تأمين الحدود وتسوية النزاع في اليمن.[8]


في هذه السياقات، من المهم للولايات المتحدة ألّا تحدث مفاجآت راهناً، لا سيما وهي شددت على أنها "لن تسمح للقوى الأجنبية أو الإقليمية بتهديد حرية الملاحة عبر الممرات المائية في الشرق الأوسط، بما في ذلك مضيق هرمز وباب المندب"[9]. وبالنسبة لليمن، فالحوثيون المدعومون من إيران يشكّلون تهديداً مباشراً على أمن الملاحة البحرية، لاسيّما إذا ما تم استهداف ناقلات النفط السعودية في البحر الأحمر، كما حدث في 2018 وما تلا ذلك من هجمات وشيكة أخرى تم تداركها. وكانت الرياض قد أعلنت في أواخر مارس الماضي[10]، أنها لن تتحمل مسؤولية أي نقص في إمدادات الطاقة للأسواق العالمية، في ظل الهجمات التي تتعرض لها منشآتها النفطية من الحوثيين؛ الذين تزودهم إيران بتقنيات الصواريخ البالستية والطائرات المتطورة دون طيار التي تستهدف مواقع إنتاج البترول والغاز ومشتقاتهما.


في المحصّلة، يبدو أن حالة اللا حرب واللا سلم العائمة في اليمن، حالة مناسبة دولياً في ظل معطيات الحرب الروسية-الأوكرانية، وتحديداً للاتحاد الأوروبي ولسياسة الولايات المتحدة الخارجية، في ظل الضغوط الداخلية التي تواجهها إدارة "بايدن" من حلفائها الديمقراطيين وخصومها الجمهوريين، نظير تراجع الأوضاع الاقتصادية في عهده. إذ من المتوقع أن تطول الحالة الضبابية في اليمن بموافقة الأطراف الدولية والإقليمية، وستضغط واشنطن بشأن تمديد الهدنة لوقت أطول، ومعها الأمم المتحدة عبر مبعوثيهما الخاصين إلى اليمن، من أجل عدم حدوث إرباكات مفاجئة من شأنها تهديد أمن الطاقة العالمي، خاصة وأن الرياض أعلنت عن زيادة قدرتها الإنتاجية إلى 13 برميل يومياً. كما أن هذا الوضع سيبدو مريحاً بالنسبة للتحالف الذي تقوده السعودية، في ظل عدم تعرض الأخيرة لأي هجمات أو تهديدات مباشرة جرّاء الهدنة.


ورغم أن تجميد الوضع العام في اليمن، لم يؤثر إيجاباً في تحسين الأوضاع الاقتصادية والإنسانية، غير أن المبعوث الأممي "هانز غروندبرغ"، بدا متفائلاً بشأن الهدنة من حيث توفيرها منصة لبناء الثقة بين الأطراف وبدء نقاشات جادة حول الأولويات الاقتصادية مثل الإيرادات والرواتب، والأولويات الأمنية بما فيها وقف إطلاق النار. وعلى النقيض من ذلك، فقد رفض رئيس المجلس الرئاسي الانتقال لمناقشة ملفات أخرى قبل أن ينفّذ الحوثيين ما عليهم من التزامات فيما يخص فتح معابر تعز[11]. تجدر الإشارة إلى أنّ ملف تعز أخذ حيزاً كبيراً من النقاش، مقابل تحجيم ملفات أخرى مهمة يُفترض أن تكون ضمن جدول أولويات المجلس الرئاسي، منها معالجات اقتصادية وأمنية وعسكرية ملحّة. إذ يتعين على الأخير الاستفادة من الهدنة التي من المرجّح أنها ستطول، ابتداءاً بإنقاذ الوضع المعيشي والاقتصادي المتردي في مناطق سيطرته على الأقل، ومحاولة الموازنة في معالجة باقي الملفات حسب أولويتها.


فريدة أحمد

المدير التنفيذي لمركز سوث24 للأخبار والدراسات

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا