التحليلات

الوحدة اليمنية: الحلم الذي تحوّل إلى كابوس

جنوبيون يتظاهرون في عدن ويرفعون أعلام دولة اليمن الجنوبي السابقة (جيتي)

07-07-2022 الساعة 8 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

سوث24 | علي محمود


في السبعينيات وأواخر الثمانينيات من القرن المنصرم، كانت الوحدة بالنسبة لشعب جنوب اليمن بمثابة حلم. لقد كان الناس في أرجاء الجنوب متحمسين للغاية تجاه احتمالات وجود دولة واحدة موحدة قوية داخل بوتقة العالم العربي المتنامي.


بإلهام من حركة القوميين العرب، قام بعض القادة السياسيين بالنظام الاشتراكي الذي كان يحكم الجنوب بعد مغادرة بريطانيا، التي احتلت الجنوب منذ ١٨٣٩-١٩٦٨، بالضغط من أجل الاندماج الكامل مع النظام الاستبدادي الذي كان يحكم اليمن بعد الإطاحة بحكم الإمامة عام ١٩٧٨.


وفي ٢٢ مايو ١٩٩٠، تم التوقيع على اتفاق الوحدة بين الدولتين. وبعد عامين من هذا الدمج، طفت على السطح مخاوف الجنوبيين بعد أن بدأ النظام الشمولي في شمال اليمن في ترتيب خطة للتخلص من شريكه الجنوبي.


ماذا حدث؟


بعد عامين من التوقيع على معاهدة الوحدة بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي كانت تحكم جنوب اليمن والجمهورية العربية اليمنية، طفت على السطح التوترات السياسية بين صنعاء وعدن التي تواجدت منذ اللحظة الأولى. لقد نفّذ نظام صالح الشمالي سلسلة من عمليات الاغتيال الممنهجة التي استهدفت كوادر الدولة الجنوبية. إذ تم اغتيال ١٥٦ قائدا جنوبيا بشكل ممنهج خلال الفترة بين ١٩٩٠-١٩٩٣ على أيدي جهاديين موالين لأجهزة صالح الأمنية. وتضمنت قائمة القادة الجنوبيين الذين تعرضوا للاغتيال مفكرين وسياسيين وقيادات عسكرية وأمنية بينهم عبدالمجيد مرشد نجل شقيق الرئيس الجنوبي علي سالم البيض. 


"ما يزال الاعتراف بحق شعب جنوب اليمن في تحديد مستقبله يمثل خطوة كبرى نحو إنهاء الصراع في اليمن. فبعد ثلاثة عقود من الكفاح، يبدو الشعب هناك أكثر عزما على انتزاع استقلاله عن شمال اليمن."

ولاحقا، واصل النظام الشمالي خطته ضد الشريك الجنوبي. في ٢٧ أبريل ١٩٩٤، بدأت قوات صالح العسكرية في تضييق الخناق على مواقع انتشار القوات الجنوبية في شمال اليمن بعد أن تم نقلها من عدن بعد الاندماج. قامت الفرقة الأولى المدرعة، تلك الوحدة العسكرية الشمالية التي تم نشرها في محافظة عمران بشمال اليمن بالبدء في فرض حصار صارم حول اللواء الثالث المدرع، وهو لواء عسكري جنوبي تم نقله من عدن إلى محافظة عمران بعد الوحدة مباشرة. واندلعت اشتباكات عنيفة بين الوحدتين العسكريتين. وبدلا من مناقشة المشكلات وراء اشتعال الاشتباكات في عمران، قام النظام الشمالي بقيادة الرئيس المقتول علي عبدالله صالح بتشكيل ائتلاف شمالي يتألف من حزبه حزب المؤتمر الشعبي العام والذراع العسكرية لحزب الإصلاح (جماعة الإخوان المسلمين في اليمن) الذين مثلهم المجاهدون العائدون من أفغانستان بين عامي ١٩٨٩-١٩٩٠ بعد انتهاء مشاركتهم في الحرب ضد الاتحاد السوفيتي بالإضافة إلى مقاتلين قبائليين من أقصى الشمال. وأعلن الائتلاف الشمالي حربا عدوانية ضد الشركاء الجنوبيين في صيف ١٩٩٤. وأسفرت الحرب عن غزو كامل للجنوب باستخدام القوة. 


لماذا يرفض شعب جنوب اليمن الوحدة مع الشمال؟


بعد حرب ١٩٩٤ العدوانية، قام نظام شمال اليمن بحكم الجنوب بقبضة حديدية. وتمت معاملة الجنوبيين في وطنهم الأم كأنهم "غرباء" أو "لاجئين". أكثر من ١٠٠٠٠ من موظفي الخدمة الوطنية والعسكريين فُصلوا من وظائفهم في مؤسسات الدولة وتم استبدالهم بشماليين. ومن بين الجنوبيين الذين فصلهم نظام صنعاء طيارين ومهندسين مؤهلين بشدة وقادة عسكريين رفيعي المستوى، حتى أن البعض منهم لجأوا للعمل في محلات البقالة وكسائقي سيارات أجرة بينما كان حال آخرين أسوأ من ذلك حتى.


وقال أحمد الربيزي القيادي بالمجلس الانتقالي الجنوبي في تصريحات ل "سوث24": "لقد تنازلنا عن  دولتنا بكافة مواردها ومؤسساتها ووافقنا على الاندماج مع الشمال من أجل الوحدة والقومية، لكن تم خداعنا وتعرضنا للطعن من الخلف". وأضاف: "لقد قتل الشماليون حلم الوحدة في مهده".


وتابع قائلا: "لقد حولوه إلى احتلال كامل بالقوات عندما قادوا ميليشياتهم لغزو الجنوب في أبريل ١٩٩٤".


واستطرد: "لقد منحناهم كل شيء من الجنوب، بينما منحونا هم الموت والحرمان بالمقابل" وفقا للربيزي الذي اختطفه نظام صالح  لاحقا عام ٢٠٠٩ وسجن في صنعاء حيث تعرض للتعذيب وسوء المعاملة.


حلم تحوّل إلى كابوس


وعلى مدار العقد التالي بعد حرب ١٩٩٤ الدموية، تزايد الوضع سوءا في جنوب اليمن، واعتمد نظام صنعاء على المجاملة والمحسوبية في توزيع الأصول والموارد الاقتصادية في الجنوب للتيقن من بقاء السلطة والثروة تحت سيطرته بجانب حلفائها الشماليين الذين ساعدوه في الغزو. وبعد سيطرته على عاصمة الجنوب، عدن في يوليو ١٩٩٤، اقتحم نظام صالح وحلفاؤه ونهبوا مؤسسات الدولة والأحياء السكنية المدنية في المدن الجنوبية، وخصخصوا الموارد الحكومية بينها ما يزيد عن ٨٠ مصنعا في محافظات عدن ولحج وأبين وحضرموت، واحالوا  أكثر من ٦٩٨٠٠٠ موظف كانوا يعملون هناك إلى التقاعد.


وعلاوة على ذلك، بذل صالح وحلفاؤه الشماليون جهودا حثيثة لطمس هوية المجتمع الجنوبي المتنوع من خلال تدمير الإرث الثقافي الذي يعود لأكثر من ٣٠٠٠ عام. ولتحقيق ذلك، قاموا بجلب  الأيديولوجية الإسلاموية إلى الجنوب من خلال إرسال حشود الإسلاميين الذين عادوا من أفغانستان عام ١٩٩٠ إلى عدن والمحافظات الجنوبية الأخرى بعد غزو المنطقة في ٧ يوليو ١٩٩٤. كما قاموا بتفجير وإغلاق الكنائس المسيحية والمعابد الهندوسية ومنعوا غير المسلمين من ممارسة شعائرهم الدينية لا سيما في مدينة عدن العالمية.


مقاومة مبكرة


نهض شعب جنوب اليمن ضد الممارسات الخاطئة التي مارسها الائتلاف الشمالي. وبدأت الجماعات المسلحة نضالا عظيما ضد ترسانة النظام الشمالي في الجنوب. وفي عام ١٩٩٥، عاد العقيد آنذاك عيدروس الزبيدي، الرئيس الحالي للمجلس الانتقالي الجنوبي، من المنفى وأسس حركة تقرير المصير "حتم". وتألفت الحركة المسلحة بشكل رئيسي من قيادات عسكرية وطنية تتضمن هؤلاء الذين تم فصلهم أو عادوا من المنفى بعد حرب ١٩٩٤. وبدأت الحركة في مهاجمة مواقع قوات صالح في محافظات جنوبية مختلفة واعتمدت على تكتيكات  "الكر والفر". ولاحقا، ظهرت بعض المجموعات الأخرى.


وفي عام ٢٠٠٦، تزايد استياء الجنوبيين تجاه الأوضاع المتدهورة في مناطقهم ليصبح صرخة أكبر نطاقا. وبدأ عسكريون غاضبون بين هؤلاء الذين فصلهم نظام صالح في الاحتجاج مطالبين بحقوقهم. وتحولت الاحتجاجات التي اشتعلت في أرجاء الجنوب إلى نضال سياسي مطالبين بالاستقلال.


واستمر نضال شعب جنوب اليمن بشكل يومي بنموذجيه المسلح والسلمي حتى تفجرت انتفاضة ما يسمى بـ "الربيع العربي" في العديد من البلدان العربية عام ٢٠١١ والتي أجبرت الرئيس اليمني علي عبدالله صالح على التنحي تحت ضغط الانتفاضة الشعبية في صنعاء.


وكان الوضع في جنوب  اليمن مختلفا عام ٢٠١١ حيث لم تغير قوة دفع الربيع العربي مزاج الجنوبيين أو تثنيهم عن تحقيق هدفهم الأسمى. ونفذ الجنوبيون نضالا سلميا نحو تحقيق تطلعاتهم باستعادة دولتهم قبل ١٩٩٠. وقام الجنوبيون بمقاطعة الانتخابات التي أجريت في فبراير ٢٠١١ والتي استهدفت شرعنة الرئيس الجديد [حينها] عبد ربه منصور هادي الذي نقل إليه صالح سلطاته كرئيس. 


وبالرغم من حقيقة أن جذور هادي جنوبية، استمر شعب جنوب اليمن في كفاحهم نحو تحقيق استقلالهم عن الشمال. وفي ٢١ و٢٢ فبراير ٢٠١٢، اجتاحت مظاهرات جنوبية شوارع عدن بينما كان نظام هادي يحتفل بعامه الأول في السلطة. وقتل وأصيب العشرات من المحتجين الجنوبيين خلالها. 


وفي ٢٠١٥، تطور الموقف بشكل دراماتيكي في صنعاء في أعقاب سيطرة الحوثيين على المدينة وإجبار الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي على الهروب إلى عدن في ٢١ فبراير ٢٠١٥.


غزو شمالي جديد للجنوب 


أعاد الائتلاف الشمالي الذي قاد الحرب العدوانية ضد الجنوب عام ١٩٩٤ إنتاج نفسه بشكل مختلف في عام ٢٠١٥. وتحالف نظام صالح مع المتمردين الحوثيين وشنّوا هجوما جديدا لإعادة السيطرة على الجنوب. بيد أنّ الوضع كان مختلفا تماما هذه المرة. قام الجنوبيون بدعم من التحالف العربي بالوقوف صفا واحدا في وجه ائتلاف الحوثيين-صالح. وحمل الجميع أسلحتهم ونزلوا إلى جبهات القتال. وتم إعلان النصر الأول ضد التحالف الشمالي الجديد في ٢٥ مايو ٢٠١٥ في محافظة الضالع الجنوبية من خلال اللواء  عيدروس الزبيدي قائد المقاومة الجنوبية التي تمثّل تطورا لحركة حتم التي تأسست عام ١٩٩٥. وتم تحرير المحافظات الجنوبية الأخرى واحدة تلو الأخرى في أعقاب تحرير الضالع.


نقطة تحول في النضال الجنوبي


في ٤ مايو ٢٠١٧، شهد مدينة عدن مظاهرة هائلة، حيث تجمع حشد ضخم من أنحاء الجنوب في عدن لتفويض الزبيدي في إعلان تاريخي تحت مسمى "إعلان عدن التاريخي" لتولي إدارة الجنوب وتمثيل الجنوبيين من أجل استعادة الدولة التي كانت مستقلة قبل ١٩٩٠.


واستنادا على استفتاء شعبي منبعه الحشد الهائل تم عقده في عدن في ٤ مايو ٢٠١٧، أعلن الزبيدي تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي في ١١ مايو ٢٠١٧.


في ٢٠١٩، اشتبك المجلس الانتقالي الجنوبي مع الحكومة المعترف بها دوليا والتي تسيطر على عدن العاصمة المؤقتة للرئيس هادي وباقي المحافظات. ولاحقا في ٥ نوفمبر ٢٠١٩، توسطت السعودية والإمارات لإبرام اتفاق تقسيم سلطة بين المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة هادي. نتج عن الاتفاقية [اتفاق الرياض] التي رعتها السعودية والإمارات تشكيل حكومة جديدة مناصفة بين الجنوب والشمال.  في أبريل 2022 ، نقل الرئيس هادي السلطة إلى مجلس رئاسي يتألف من ٨ أعضاء بينهم  ٤ أعضاء من الجنوب و٤ أعضاء من الشمال.  وجاء اسم الزبيدي  بين الأعضاء الجنوبيين.


عزيمة وقرار


وفي ظل  جهود بلا كلل تبذلها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لإنهاء الصراع في اليمن من خلال عملية سياسية شاملة، ما يزال  الاعتراف بحق شعب جنوب اليمن في تحديد مستقبله يمثل خطوة كبرى نحو إنهاء الصراع في اليمن. فبعد ثلاثة عقود من الكفاح، يبدو الشعب هناك أكثر عزما على انتزاع استقلاله عن شمال اليمن.


"يعرف العالم بأسره أن جنوب اليمن كانت دولة مستقلة صاحبة سيادة وكان لديها مقعد في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى" وفقا للصحفي الجنوبي المقيم في عدن محمد العمودي في تصريحات لـ "سوث24" .


وأضاف العمودي: "نملك الحق لتحديد حالتنا السياسية وبناء دولتنا المستقلة على ضوء قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وفي ضوء قراري مجلس الأمن الدولي ٩٢٤-٩٣٤ لعام ١٩٩٤ اللذين رفضا الحرب العدوانية التي شنها الشريك الشمالي ضد شعبنا في الجنوب".


علي محمود

صحفي مقيم في عدن ويغطي الحرب في اليمن عبر وسائل الإعلام المحلية وغيرها من وسائل الإعلام الأجنبية

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا