التقارير الخاصة

النائب العام الجديد باليمن: هل يعيد هيبة واستقلالية القضاء؟

المجلس الرئاسي يلتقي النائب العام الجديد ووزير العدل (سبأ)

26-06-2022 الساعة 7 صباحاً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24| عبد الله الشادلي


سبَّب الرئيس اليمني السابق، عبد ربّه منصور هادي، أزمة في السلطة القضائية في اليمن أدّت إلى تعطيل عمل القضاء عقِب اتخاذه قراراً، في منتصف يناير 2021، بتعيين العسكري أحمد الموساي، المقرب من حزب الإصلاح، نائباً عاماً للجمهورية خلفا للنائب العام السابق، الدكتور علي الأعوش.


اعتبر كلاً من المجلس الانتقالي الجنوبي ونادي القضاة اليمني والجنوبي القرار "مخالفة صريحة" للدستور والقوانين وانتهاك لـ "استقلالية" السلطة القضائية. استمرّ رفض القرار لقرابة عام ونصف؛ حتى عيَّن المجلس الرئاسي الجديد في اليمن نائباً عاماً جديداً هو القاضي قاهر مصطفى، في 25 مايو الماضي.


أزاح تعيين مصطفى أحد أهم بواعث الخلاف التي طفت على السطح مؤخراً؛ لكنَّ مدى نجاح الرجل في إعادة هيبة واستقلالية القضاء في البلاد يظل محل تساؤل وترقب في ظل وسط قضائي معقد ومليء بالتحديات والمعوقات والاختلالات. 


عزل الموساي


وحول عزل الموساي، قال عضو مجلس القضاء الأعلى، رئيس محكمة استئناف عدن، القاضي فهيم الحضرمي لـ«سوث24»: "لقد حدثت مشكلة كبيرة بعد تعيين الموساي نائباً عاماً. لقد جاء الرجل من خارج السلطة القضائية، وكان الخلاف على هذه النقطة، وسبب صراعاً دام لأكثر من عام ونصف".


وأضاف الحضرمي: "لقد أجمع القضاة على أنّ تعيين الموساي أمر مرفوض ومخالف للدستور والقانون؛ لأنَّه لا يجوز أن تكون شخصية عسكرية في هذا المنصب".


وأوضح أنّ "منصب النائب العام مركز "حسّاس؛ كما أنّه منصب ضمانات". وتابع :"هذا يمس حرية وحقوق الناس والضمانات الدستورية في كل القضايا؛ لأنّ النائب العام يُعتبر ممثّل الشعب، وهو الذي يرفع القضايا ويتابع قضايا السجناء والانتهاكات التي تحصل. عندما يكون النائب العام عسكريا هنا الخطأ". 


وأضاف: "لذلك اتفق جميع القضاة على رفض هذا القرار ولذلك كان الإضراب ناجحاً ووصلنا إلى مرحلة أنّه لا بُد من رفض هذا القرار".


ولفت الحضرمي إلى أنّه "في الشمال، تمّ تعيين نائب عام من المحامين، وقوبل بالرفض أيضاً. وقدّمت دعوى قضائية أمام المحكمة الإدارية، وصدر حكم بعزله؛ باعتبار أنّه جاء من خارج السلطة القضائية وتمّ تغييره بالفعل، وتعيين نائب عام من بين القضاة، لكنّهم تراجعوا بعد ذلك".


من جانبه، قال القاضي يحيى السعيدي، رئيس المحكمة الجزائية المتخصصة بعدن: "لقد نجمت عن تعيين الموساي مهاترات قضائية كبيرة. كان يتوجب أن يكون هناك ترشيح موضوعي لاختيار قيادات ذات كفاءة لتكون في منصب النائب العام".


وأضاف السعيدي لـ«سوث24»: "المشكلة ليست في شخص أحمد الموساي، بل في مخالفة القانون. النائب العام يجب أن يكون قد تدرج في السلطة القضائية والنيابات، ولديه خبرة كافية، وتمّ ترشيحه من المجلس القضائي. هذا ما وجد في النائب العام الجديد".


اختلالات


يؤكد القضاة أنّ تعيين النائب المُقال، أحمد الموساي، سبّب اختلالات كبيرة في السلطة القضائية. ويرى القاضي السعيدي أنَّ "الاضطرابات أضعفت السلطة القضائية، وأثرت على العمل القضائي".


وقال السعيدي: "لا نراهن على أنّه لم يكن خلف تلك الاضرابات أهداف سياسية". وشكّك في نوايا بعض السياسيين، وتوقّع أنّ "بعض الساسة استفادوا من تعطيل القضاء وعرقلة جزء من الحياة".


وأضاف: "توجد قضايا كبيرة بعضها تمس شخصيات مسؤولة، كل فئة لديها من تستند عليه ويحميها. لذلك التأثيرات لا تزال قائمة. لكن نأمل أن يستطيع النائب العام حلّها".


واتفق القاضي خالد عوض هويدي مع ما قاله السعيدي. وقال لـ«سوث24»: "لم نسمع يوماً عن أي مسؤول أحيل إلى القضاء. هذا جعل المواطن ييأس من هيبة القضاء؛ لأن هناك عُطل بالقانون".


وأضاف هويدي: "احياناً، يصطدم قاضي التحقيق الابتدائي بعدم موافقة وكيل النيابة أو رئيسها أو النائب العام؛ لكون هذا المسؤول المطلوب رفع الحصانة عنه من حزبه، وتتعثر كثير من الدعاوي لهذا السبب، مما عطّل الإجراءات وجعل ثقة المجتمع تهتزّ في القضاء".


النائب العام الجديد


صاحب قرار تعيين القاضي قاهر مصطفى نائبا عاما توافق يكاد يكون تاما في الأوساط القضائية وحتَّى السياسية.


وعن هذا، قال القاضي هويدي: "عندما يسمع المجتمع عن أي شخص سيتولى منصباً ما، فإنّ الناس تسأل أين كان هذا الشخص، وماذا كان يعمل، وكيف كان عمله ومهنيته. لا يوجد شخص كامل؛ لكن ما سمعنا عن النائب الجديد من نزاهة سيثبتها الميدان".


وأضاف: "القاضي قاهر مصطفى رمز من رموز العدالة، وتدرّج في النيابات وهذه نقاط تحسب له ايضاً. بينما النائب العام السابق، أتى إلى السلطة القضائية ببدلته العسكرية".


وأوضح هويدي أنّ "المجتمع دعم قرار تعيين القاضي قاهر مصطفى لما سمع عنه من نزاهة وعدالة"، وأشار إلى أنّ "ذلك شكّل له حصانة من مختلف التوجهات السياسية. هذه نقطة تُحسب للنائب العام الجديد".


ويرى القاضي فهيم الحضرمي أنّه "بما أنّ النائب العام الجديد جاء من الوسط القضائي؛ فمن الطبيعي أن يكون الجميع متوافقاً مع قرار تعيينه".


تحديات


وحول التحديات التي قد تواجه النائب العام الجديد، اعتبر القاضي خالد هويدي، أنّ أبرزها يكمن في "ضعف الجانب المادي، والتأهيل والتدريب للقضاة، بالإضافة إلى غياب العدالة في بيت العدالة ذاتها، من حيث التوازنات السياسية". وزعم أنّ "الانتماءات الحزبية تتصدر قائمة الاختلالات في القضاء بشكل عام".


وأضاف "رواتب القضاة اصبحت مخزية ولا تكفي لحياة كريمة. مرتب أقل قاضٍ قبل الأزمة كان يعادل نحو 4 آلاف ريال سعودي. أما اليوم فقد أصبح مرتب القاضي لا يزيد عن 900".


واعتبر هويدي أنّ "عدم وجود شرطة قضائية تخضع للنائب العام ومجلس القضاء الأعلى، التي تعد من أولويات العمل في هذا المجال، من التحديات العميقة أيضاً".


وأشار إلى أنّ "هناك الكثير من القضايا في أدراج النيابات، وفي أدراج قضاة التنفيذ، تحتاج إلى قوة عسكرية وقوة تنفيذية وإلقاء القبض على بعض المتهمين".


وأضاف: "أحياناً يكون المتهم مقرّب من أحد أفراد القوات العسكرية والأمنية أو العكس أو يتبع حزب سياسي معين. وقتها فإن تنفيذ الأوامر القضائية تُعرقل سواء عند القبض أو بالتنفيذ بعد الحكم. جميع الدول جعلت للقضاء شرطة قضائية تستند إليها".


صراع الأحزاب


تلعب الأحزاب السياسية والحسابات الجهوية دوراً كبيراً في الوصول إلى مراكز متقدمة في السلطة القضائية في اليمن. وبالنسبة للقاضي خالد هويدي، فإنَّ "التهميش والفرز المناطقي جعل مجموعات من القضاة يتكتلون بمسميات مختلفة".


وعدّ هويدي "التدخلات السياسية من أبرز معوقات القضاء". وأضاف: "في اليمن أُجبر كل قاضٍ على أن يكون من أنصار حزب سياسي معين ليصل إلى مراكز معينة، يفترض أن يحصل عليها وفقا للقانون؛ لكن إشغالها رسميا لا بد أن تكون من تيار "س" أو "ص"؛ مما جعل بعض القضاة يتحزّبون".


ورغم ذلك، قال هويدي إنَّه "في النهاية، القاضي يملي عليه ضميره في الحكم. صحيح من أجل الوصول إلى مراكز القرار قد يتكتل القضاة إلى "س" أو "ص"؛ لكن يجب أن تكون المهنية والأمانة القضائية هي من تحكم". 


وأرجع القاضي يحيى السعيدي هذه الاختلالات إلى "الاختيارات السياسية للقضاة والتحزّب في أعلى الهرم، بالإضافة إلى غياب الثقافة والعلم والمعرفة، وعدم استقرار الدولة والحروب والتنافس بين أحزاب ". 


وقال السعيدي: "لا يوجد من يعمل لمصلحة السلطة القضائية؛ وإلا لكان إنجاح العمل وبإمكانيات أفضل أمراً ممكناً". وأشار إلى أنَّ "القاضي الذي يستطيع أن يكسب ثقة حزبه يترقى سريعا ويتغير حاله".


وأضاف: "لا يزال بعض القضاة يعتقدون بأن القضاء خاضع للقيادات السياسية. لكن إذا انطلق القضاء وعمل بالشكل الصحيح؛ سيتم محاسبة الفساد والمفسدين وستتغير أمور عديدة".


في المقابل، يؤكّد عضو مجلس القضاء الأعلى القاضي فهيم الحضرمي أنَّهم "ضدّ الحزبية في القضاء". وأضاف الحضرمي: "يفترض بالقضاء أن يكون بعيداً عن هذا؛ لأنَّ القانون والدستور يحرّمان على القاضي أن يتحزب".


وأوضح أنّ "أي قاضٍ ينتمي إلى حزب معين أو يكشف عن هذا؛ فإنّه يُحال إلى المحاسبة لتوقيفه وإحالته إلى المجلس التأديبي".


قصور


وعن القصور الذي يعاني منه القضاء في اليمن، قال الحضرمي: "يوجد قصور كبير في القضاء. يجب تفعيل دور التفتيش القضائي. ولا بُدّ من تحسين أوضاع القضاة لكي يخضعوا للمحاسبة. فالقاضي الذي يسيء يُفترض أن يُحاسب، وألا يبقى. علينا جميعاً أن نتضامن في هذا الجانب؛ لأن الضمانات الوحيدة للشعب والمتقاضين هي القضاء".


وأضاف: "إذا غاب القضاء أو انحرف عن مساره؛ سيحتكم الجميع إلى السلاح وسيدافع عن حقّه بطريقته وسنكون بذلك كتبنا كوارث على الناس".


وتابع: "لقد طالب القضاة بالحقوق والاستحقاقات المالية ورفع المرتبات، بالإضافة إلى العلاوات السنوية والدرجات القضائية التي يفترض أن تتلاحق سنويا بشكل مستمر. الذي حصل، أنّ المجلس كان يتأخر في اصدار القرار في هذا الجانب، وحصل إرباك، والقضاة كانوا يقولون مطالبنا واضحة ونطالب بتحقيقها".


وأشار إلى أنّه "هناك توجهات لدى القيادة السياسية في الوقت الراهن، بأن يتمّ التعديل في مجلس القضاء بالكامل في الأيام القادمة. وبالتالي رفع نادي القضاة الجنوبي الإضراب لمدة شهرين حتى يتمّ حلّ المشكلة".


ولا يختلف القاضي يحيى السعيدي حول ذلك. وقال السعيدي لـ«سوث24»: "لقد تفاجأنا بتخفيض ميزانية المحاكم والنيابات، بعد أن بدأ القضاء يستعيد روحه بعد العام 2017، وبكامل الإمكانيات".


يُشار إلى أنَّ رئيس المجلس الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، شدَّد في لقاء جمعه مع وزير العدل الدكتور بدر العارضة، والنائب العام الجديد القاضي قاهر مصطفى، في 25 مايو الماضي، على أهمية استقلالية الأجهزة القضائية، ووجود آلية شفافة لتفعيل الأجهزة القضائية، ضمن الإصلاحات الشاملة التي يعمل عليها المجلس الرئاسي في مختلف مؤسسات الدولة. 




صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا