26-02-2020 الساعة 11 مساءً بتوقيت عدن
لطالما أعلن حزب الإصلاح اليمني منذ العام 2013 أنه ليس لديه أي انتماء لجماعة الاخوان المسلمين، ومع ذلك، فإن الحقائق تشير إلى تاريخ طويل ومعقّد من الارتباط بين الجماعتين وجماعاتٍ متطرفة أخرى؛ مما يجعل حزب الإصلاح يلعب دورًا أساسيًا في زعزعة استقرار اليمن على مدى عقود من الزمن، الأمر الذي لا يُثقل كاهلَ الشعب اليمني، ويزيد النفور بين شمال اليمن وجنوبه فحسب؛ بل يقود كل الجهود الخارجية الرامية لحل الصراع في اليمن إلى طرقٍ مسدودة.
برزت جماعةُ الإخوان المسلمين لأوَّل مرة في اليمن، في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، عندما قاد عبد المجيد الزنداني مجموعةً من رجال الدين لإنشاء نظام تعليم ديني في شمال اليمن. كانت تلك المدارسُ أو ما أُطلق عليه “المعاهد العلمية” تحاكي نظامَ المدارس الدينية في أفغانستان وباكستان، وكانت نسختها اليمنية تهدف إلى مواجهة موجة العلمانية القادمة من جنوب اليمن الاشتراكي. وما إِنْ توحَّد جنوبُ اليمن مع شماله في 1990 حتى كانتِ العقليةُ الشمالية مُشبّعة بالأفكار والتوجهات الدينية التي لا تخلو من التطرف في كثيرٍ من الأحيان، وفي نهاية المطاف، كان لتلك الاختلافات الأيديولوجية دورٌ لا يُستهان به في تباين الأهداف والرؤى بين الأطراف الفاعِلة في اليمن؛ مما أدى إلى الصراع الذي لا يزال قائمًا إلى اليوم.
| كانت تلك المدارسُ أو ما أُطلق عليه “المعاهد العلمية” تحاكي نظامَ المدارس الدينية في أفغانستان وباكستان، وكانت نسختها اليمنية تهدف إلى مواجهة موجة العلمانية القادمة من جنوب اليمن الاشتراكي
يُعتبر عبدالمجيد الزنداني أحد أكثر الأسماء القيادية في حزب الإصلاح التي ربطتِ الحزبَ بأعمالِ عنفٍ وجماعاتٍ دينية متطرفة أو إرهابية أخرى. تم إعلان الزنداني كإرهابي في العام 2004 من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية، وبحسب وزارة الخزانة الأمريكية، فإن لدى الولايات المتحدة أدلّة موثوق بها على أن الزنداني يدعم الإرهابيين والمنظمات الإرهابية؛ كما كان له دور فعّال في معسكرات تدريب تنظيم القاعدة، وقد لعب دورًا رئيسيًّا في شراء الأسلحة نيابة عن القاعدة والإرهابيين الآخرين.
ومن بين الحوادث الشهيرة التي ترتبط -بشكل معقد ومتداخل- باسم الزنداني وحزب الإصلاح والمنظمات الإرهابية، حادث تفجير المدمّرة الأمريكية “يو إس إس كول” في جنوب اليمن التي راح ضحيتها 17 بحارًا أمريكيًا في العام 2000؛ فوفقًا لصحيفة لوس أنجلوس تايمز قال حمود الهتار، القاضي في المحكمة اليمنية العليا اليمنية: “الأشخاص المشتبه بهم في قضية (المدمرة كول) قالوا إنهم تصرّفوا وفق فتوى للشيخ عبد المجيد”. يُذكر أن هذه لم تكن المرة الأولى التي يكون فيها الزنداني وحزبه مُلِهمين أو مُحرِضين على العنف؛ ففي العام 2010، هدَّد الزنداني بإعلان الجهاد ضد القوات الأمريكية، إذا أرسلت قواتها لمحاربة الإرهاب في اليمن. كما اُشتهر الزنداني كونه أحد أبرز القادة الروحيين لابن لادن.
|يُعتبر عبدالمجيد الزنداني أحد أكثر الأسماء القيادية في حزب الإصلاح التي ربطتِ الحزبَ بأعمالِ عنفٍ وجماعاتٍ دينية متطرفة أو إرهابية أخرى
وكما أسَّس الزنداني المعاهد العلمية في الستينيات والسبعينيات، قام أيضًا بتأسيس جامعة الإيمان في صنعاء مطلع التسعينيات، وقد تم الاشتباه في كثير من طلاب هذه الجامعة أو اعتقالهم على خلفية أنشطة إرهابية، على سبيل المثال، تلقّى الأمريكي المسلم جون ووكر ليند دروسًا في جامعة الإيمان في نهاية التسعينيات، قبل أن يُلقى عليه القبض في أفغانستان كمقاتل عدو إلى جانب طالبان.
الجدير بالذكر أن عبد الوهاب الديلمي الذي شغل منصب مدير جامعة الإيمان التي أسسها الزنداني لعشر سنوات، قد اُشتهر عنه فتوى التحريض على قتل الجنوبيين في سنة 1994 وهو مما يُثير سخط الجنوبيين على حزب الإصلاح إلى اليوم.
وفي السنوات التي تلت حرب الانفصال، استطاع علي محسن توطيد علاقاته مع بعضٍ من رجال الدين المتطرفين والمقاتلين الذين تم ربطهم فيما بعد بأنشطةٍ إرهابية داخل اليمن. ومنذ ذلك الحين، اعتقد الأمريكيون بجدية ارتباط مُحسن بجماعاتٍ إرهابية؛ مثل جيش عدن أبين، وهو أحد أسلاف تنظيم القاعدة، والتي اشتهرت بتنفيذها لتفجير المدمرة الأمريكية “يو اس اس كول”، السالفة الذِكر.
|تاريخ الصراع في اليمن يقودنا إلى أن حزب الإصلاح، وجماعة الإخوان المسلمين، والتنظيمات الإرهابية؛ مثل القاعدة وفروعها، يتبادلون الأقنعة ذاتها بحسب ضرورات الزمان والمكان
لا يلعب حزب الإصلاح دوره ككيان سياسي أو تجمّع لمصالح قبلية محلية فحسب، بل ينخرط عالميًا في أنشطة خيرية مشبوهة؛ ففي العام 2004 مثلًا، اتهم المدعون العامون الفيدراليون في نيويورك فرع الجمعية الخيرية للرعاية الاجتماعية في الولايات المتحدة بالعمل كواجهةٍ لتنظيم القاعدة. يُذكر أن الجمعية الخيرية للرعاية الاجتماعية ترتبط بعلاقات مع الزنداني، كما أن أنور العولقي، أحد قياديي القاعدة البارزين، شغل منصب نائب رئيس المنظمة من عام 1998 إلى عام 1999.
ربما تُبشِّرنا النكساتُ التي تتعرض لها التنظيمات الإرهابية في اليمن مؤخرًا، وكذلك استماتة حزب الإصلاح، ببدء انحسار تأثير الأفكار المتطرفة التي زرعها تعليمٌ متشدد فعّال، ينبع من شمال اليمن منذ الستينيات والسبعينيات، ولكن الخبر السيئ، في المقابل، هو أن زوال ذلك التأثير نهائيًا قد يتطلب جيلًا كاملًا، ويبدو أنه جيلٌ من الصراع.
إن تاريخ الصراع في اليمن يقودنا إلى أن حزب الإصلاح، وجماعة الإخوان المسلمين، والتنظيمات الإرهابية؛ مثل القاعدة وفروعها، يتبادلون الأقنعة ذاتها بحسب ضرورات الزمان والمكان، لكنهم يجتمعون في كونهم وجهًا شريرًا واحدًا يحول دول مستقبل مشرق لليمن.
#المصدر: مركز عين اوروبية على التطرف European Eye on Radicalization
قبل 3 أشهر