التحليلات

بين شمال سيناء وجنوب اليمن: «الإرهاب» يستعيد نشاطه

مصدر الصورة: صحيفة العرب

31-05-2022 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

سوث24 | فريدة أحمد


شكّلت عودة نشاط التنظيمات «الإرهابية» الآونة الأخيرة في شمال سيناء بمصر ومناطق في جنوب اليمن اهتماماً وقلقاً بالغين. فعلى الرغم من استمرار الأنشطة الإرهابية في مناطق أخرى مثل سوريا والعراق وليبيا، غير أنّ العمليات في مصر واليمن تبدو أكثر حضوراً لما يشكله ذلك من ارتباط مشترك بالجهات التي تقف وراءها وتموّلها. فجنوب اليمن الممتد بمساحته الشاسعة وتضاريسه الجبلية الوعرة أحياناً، والتي تبلغ ثلثي مساحة اليمن، تجد فيه بعض التنظيمات «الإرهابية» كالقاعدة وداعش ملاذاً آمناً لها، لا سيّما إن وجدت من يتعاون معها أو يحميها ويوفر لها سُبل الدعم المناسبة. وكذلك في شبه جزيرة سيناء، فتواجد الجماعات «الإرهابية» في الشمال منها؛ وتحديداً في الشيخ زويد، ومزارع المطار بالعريش، وشمال وجنوب رفح، صعَّبَ من مهمة مطاردتها، فضلاً عن كون هذه المناطق متاخمة حدودياً مع قطاع غزة وبينهما أنفاق متعددة تشكّل مهرباً ومنفذاً لهذه الجماعات[1].



مصدر الصورة: سكاي نيوز عربية


دائماً ما تستغل الجماعات المتطرّفة التغييرات الحاصلة في البلدان التي تتواجد فيها لتوسيع انتشارها، وفي بعض الأحيان السيطرة على بعض المناطق لتمكين جماعاتها. على سبيل المثال: بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء في 2014 واندلاع الحرب اليمنية استغل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب حالة الفوضى والصراع، وسيطر في أبريل 2015 على مدينة «المكلا» في حضرموت جنوب البلاد لمدة عام كامل[2]، قبل أن تطرده منها قوات «النخبة الحضرمية» مدعومة من القوات الإماراتية في 2016. كذلك حاول التنظيم في أعقاب ثورة التغيير اليمنية 2011، الاستيلاء على مديريات في محافظتي أبين وشبوة، واستطاع اللواء «سالم قطن» قبل أن يتم اغتياله من قبل القاعدة في 2012؛ أن يقود حرباً ناجحة على الأخير أجبرته على الانسحاب بعد أن فقد أكثر من (429) من مقاتليه[3].


لم يختلف الوضع في مصر من حيث استغلال هذه الجماعات لحالة الإرباك في البلاد أثناء ثورة 25 يناير 2011، إذ تنامى معدل نشاط الجماعات المتطرّفة العابرة للحدود بشكل كبير في تلك الفترة. وشهدت مناطق في «سيناء» عمليات مكثّفة ضد قوات الجيش المصري والأمن والشرطة. ثم أضحت أكثر توسّعاً بعد عزل الرئيس «محمد مرسي»، حيث امتدت من شمال سيناء إلى القاهرة الكبرى، ثم اتجهت شمالاً إلى الدلتا، ثم إلى أقصى الغرب فالجنوب[4]. حيث كانت جماعة «أنصار بيت المقدس» التي بايعت «البغدادي» وانضوت تحت تنظيم داعش - (غيرت اسمها لاحقاً لـ «ولاية سيناء» في يوليو 2014) - هي من تتصدر المشهد وتنفّذ معظم العمليات «الإرهابية».


أدى تضييق الخناق على هذه الجماعات من قبل القوات المسلحة والشرطة المصرية في فبراير 2018، من خلال العملية التي عُرفت آنذاك بـ «العملية الشاملة»[5]، إلى تقليص نفوذ الجماعات «الإرهابية» بعد أن كانت تسعى لأن تجعل من «شبه جزيرة سيناء» إحدى مناطق تمركزها الاستراتيجية في الإقليم إلى جانب العراق وسوريا وليبيا واليمن. غير أن الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي» كان أكثر حرصاً في التعامل مع ظاهرة «الإرهاب» ومكافحتها؛ نتاج خبرته السابقة في الاستخبارات العسكرية. هذه النوايا المصاحبة للأفعال؛ سمحت بأن تستعيد سيناء بعضاً من نشاطها والحياة الطبيعية فيها من خلال عودة ساكنيها إلى منازلهم والاهتمام بتطوير بنيتها التحتية.


اللواء محمد زكي الألفي
وحول هذه الجهود المصرية شرح اللواء المصري والمستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا «د. محمد زكي الألفي»[6] لـ «سوث24»، عن الاستراتيجية المتدرّجة التي اتبعها الجيش المصري منذ أكثر من عقد للقضاء على الجماعات المتطرّفة، ليس فقط في شبه جزيرة سيناء، بل في مصر بالكامل، وبشكل أكثر تركيز وكثافة في الأطراف وعمق الدولة. مشيرا إلى عملية «نسر» في 2011، ثم عملية «حق الشهيد» في 2015، ثم أخيراً إطلاق «العملية الشاملة» في 2018، «وحالياً مطاردة فلول هذه الجماعات لاستئصالها». يقول اللواء «الألفي»، إن الاستراتيجية كانت مبنية على عدد من القواعد والأسس التي يؤخذ منها على المدى القريب والمتوسط والبعيد، وتشارك فيها كافة مؤسسات الدولة وخاصة المعنية بالتربية والتعليم، والمدرسة والأسرة بعد ذلك المنشآت الدينية كالمساجد والكنائس، وكذا دور الإعلام في التوعية بخطر هذه الجماعات وكيفية مجابهتها بشكل عام. 


دلالة التوقيت


في 7 مايو 2022، قتل تنظيم «داعش» 10 جنود مصريين وضابط وأصيب 5 آخرين في تبادل لإطلاق نار غرب سيناء، في هجوم إرهابي استهدف محطة لضخ المياه[7]. كانت عملية غير متوقعة بعد ما يقارب خمس سنوات منذ آخر حملة نفذها الجيش في 2018، خاصة وأن سيناء استعادت نشاطها وحركتها بعد أن ظلت لسنوات تحت حالة الطوارئ، وانحسرت فيها العمليات التي كان يقوم بها المتشددون بصورة لافتة، بعد أن كانت متركّزة بدرجة أساسية على قوات الجيش والأمن والشرطة، بالإضافة لهجمات أخرى أخذت طابعاً مذهبياً. تجاه العملية الأخيرة، كان رد الجيش المصري سريعاً ونوعياً، بإعلانه عن مقتل 23 عنصراً من «العناصر التكفيرية» بالمحافظة نفسها، تلا ذلك عدة عمليات متفرقة للجيش في سيناء[8]. وهو تحدٍ أمنيٍ جديد للجيش بعد حالة الكمون الاستراتيجي الذي تحاول من خلاله هذه الجماعات إعادة ترتيب وتنظيم صفوفها، خاصة بعد فقدانها لعناصر مهمة من قياداتها. الأمر الذي ربما يدل على أنّ هناك عناصر جديدة أخرى أكثر احترافية مزوّدة بأسلحة نوعية وتقنيات عالية المستوى في المواجهة، إذا ما قارنّاها بمجموعات منهكة ومحاصرة في السابق. يعزّز ذلك على الأرجح، استمرار عمليات تهريب الأسلحة والمقاتلين إلى سيناء، ودعمهم بالمال والأسلحة لتقوية حضورهم وإرباك المشهد السياسي في مصر، لا سيّما بعد إعلان الرئيس «السيسي» أواخر إبريل الماضي عن إطلاق «حوار وطني» مع كافة القوى السياسية بدون استثناء أو تمييز.[9]


من ناحية أخرى، يبدو جلياً أنّ الجماعات المتطرّفة تختار توقيتاً مناسباً لإثارة الفوضى أو العنف، فالتغيير السياسي في بنية الرئاسة اليمنية يوم 7 إبريل الماضي، أثار حفيظة جماعات «الإرهاب»، وقامت خلال فترة شهرين بأكثر من هجمة إرهابية وفي أكثر من موقع بدايةً بهروب أكثر من عشر عناصر مشتبه انتمائها لتنظيم القاعدة من سجن في وادي حضرموت يقع تحت حماية المنطقة العسكرية الأولى التابعة لحزب الإصلاح. كما هاجمت عناصر من التنظيم مقرا للحزام الأمني في الضالع أدى لمقتل قائدين أمنيين بالإضافة إلى مقتل 7 عناصر إرهابية مهاجمة. استمرت عمليات يشتبه بوقوف القاعدة خلفها في محافظتي أبين وشبوة على عناصر من قوات دفاع شبوة والعمالقة الجنوبيتين. وقد قدّم مركز سوث24 ورقة سابقة في هذا الجانب[10]، بيّنت دلالات وأسباب ازدياد النشاط الإرهابي في محافظات جنوب اليمن مؤخراً، أبرزها الضغط على مجلس القيادة الرئاسي الجديد، وإرباكه في أيامه الأولى لا سيما بعد إقالة نائب الرئيس اليمني «علي محسن الأحمر» المتهم ارتباطه بهذه الجماعات على مدى عقود[11]. والذي تم بموازاته تقليص نفوذ حزب الإصلاح الإسلامي، المسيطر على قرار الرئاسة منذ بدء الحرب الأهلية في اليمن 2014.


وفي مصر يقول اللواء «د. محمد زكي الالفي» إنّ «توقيت العمليات الأخيرة جاء نتيجة تحولات دولية أهمها الحرب الروسية- الأوكرانية وتداعياتها على المنطقة بالكامل، ومحاولة بعض الأطراف المشارِكة في الحرب الضغط على بعض الدول العربية لتوجيه إمكاناتها وثرواتها في اتجاهات محددة. بالإضافة لإعلان الرئيس «عبدالفتاح السيسي» إنهاء حالة الطوارئ في البلاد، ودعوته لعقد مؤتمر حوار وطني بين مختلف القوى السياسية في مصر وتقديم مقترحات وحلول لمعالجة كافة الملفات الهامة، ربما أبرزها ملف مكافحة الإرهاب. هذه الأحداث ربما ساهمت باستنهاض هذه الجماعات لشن هجمات إرهابية جديدة.»


من المهم القول، أن القوة الصلبة (العسكرية) لوحدها ليست كافية لإدارة بعض الأزمات المعقدة كملف الإرهاب، وأحياناً لا تكون مضمونة النتائج على المدى البعيد، لذا، تعتمد بعض الدول في سياساتها مقاربة «القوة الناعمة» إلى جانب القوة الصلبة، لما لها من قدرة وتأثير في الحجة والإقناع. ويبدو أنّ «القاهرة» بدأت تنتهج هذا الأسلوب في سياساتها وأفكارها مؤخراً، لتقدم نموذجاً جاذباً وأقل كلفة وربما أكثر ضماناً لنفوذها. تتحدث وسائل إعلام مصرية عن تأثير الدراما والسينما كقوة ناعمة في بعض الأعمال الفنية على تشكيل الوعي في مصر نحو خطر جماعات العنف والإرهاب، ودورها السلبي في مرحلة من المراحل التي عصفت بالبلاد. على سبيل المثال، ساهم مسلسل «الاختيار» وهو مسلسل من ثلاثة مواسم في التأثير على تشكيل الوعي الاجتماعي في مصر حيال ظاهرة الإرهاب، من خلال سرد مبني على وقائع وبصور وتسجيلات حقيقية كوّنت تراكماً معرفياً بحجم العمل الخطير الذي كانت تقوم به مثل هذه الجماعات، مقابل الجهود المبذولة في كيفية التعامل معها من قبل الدولة. وربما جاءت العملية «الإرهابية» الأخيرة في سيناء رداً على ذلك وفقاً لأحد المفكرين المصريين.[12] 


إيران والإخوان المسلمين


عززت العمليات «الإرهابية» الأخيرة سواء في جنوب اليمن أو شمال سيناء، من إعادة فتح ملف ارتباط هذه الجماعات بالجهات التي تموّلها أو تتعاون معها. فقد أثار التغيير السياسي الأخير في اليمن؛ غضب تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب، عبّر عنه في بيان من 7 صفحات [13]، هاجم فيه مجلس القيادة الرئاسي، ونصح في ذات الوقت «حزب التجمع اليمني للإصلاح»، بالمسارعة في السيطرة على الأوضاع قبل أن يغرق الجميع. وهي حالة قد تعزز من الاتهامات التي تذهب نحو تأكيد العلاقة الوثيقة بين تنظيم القاعدة وحزب الإصلاح المنتمي أيديولوجياً لجماعة «الإخوان المسلمين»، خاصة وأن عملية الانتقال السياسي في اليمن سحبت البساط من نفوذ الأخير بعد أن كان يسيطر بشكل شبه كلي على قرار الرئاسة اليمنية.


لطالما أثبتت وقائع عديدة ارتباط جماعة «الإخوان المسلمين» في اليمن بتنظيم القاعدة، كان أبرزها الحادثة الشهيرة للمدمرة الأمريكية «يو إس إس كول» عام 2000، والتي ارتبطت بشكل مباشر باسم «عبدالمجيد الزنداني» المنتمي لحزب الإصلاح اليمني[14].  فضلاً عن دعم سلطة الرئيس الأسبق «علي عبدالله صالح» للعرب الأفغان الذين قاتلوا كمجاهدين في أفغانستان في الثمانينيات. حيث تم استخدام هذه الجماعات المتطرّفة لشن حملتها لاغتيال كبار المسؤولين الجنوبيين في الدولة من عسكريين ومدنيين في السنوات الأولى من الوحدة اليمنية، ثم بعد ذلك في حرب 1994 وما تلاها. استمرت هذه الجماعات في ارتكاب جرائمها حتى بعد انطلاق «عاصفة الحزم» 2015، لا سيّما بعد سيطرة القوات الجنوبية على معظم جغرافية جنوب اليمن، وحاولت إحداث فوضى أمنية وارتكبت أعمال «إرهابية» بهدف إرباك المشهد السياسي بعد «اتفاق الرياض»، خاصة وأن هذه الهجمات تستهدف في مجملها قوات أمنية وعسكرية جنوبية دون غيرها.


يثير تركيز هذه العمليات في جنوب اليمن أكثر من علامة استفهام. إذ تعرّضت قيادات جنوبية عُليا في الجيش لاغتيالات مكثّفة في الآونة الأخيرة، آخرها اغتيال اللواء «ثابت جواس» في انفجار سيارة مفخخة بالعاصمة عدن أواخر مارس آذار الماضي، ومحاولة اغتيال اللواء صالح الذرحاني في مدينة المعلا منتصف مايو. على خلفية العملية الأخيرة قبضت قوات الأمن على شخصين شقيقين ينتميان لعصابة «إرهابية» على صلة بالحوثيين ويشتبه بتورطهما في محاولة اغتيال الذرحاني وكذلك العميد جواس.[15]


من المهم التذكير، بأن الهزائم المتتالية للجيش الوطني، الذي أداره نائب الرئيس اليمني «الأحمر»، في العامين الأخيرين في مناطق مأرب والبيضاء ومديريات شبوة الثلاث قبل أن تحرّرها قوات «العمالقة الجنوبية» مطلع العام الحالي، كان نتيجة ملفات الفساد والمحسوبية وعدم الكفاءة الذي نخر بالجيش لسنوات منذ بدء الحرب الأهلية [16]. والأخطر من ذلك «التواطؤ» مع الحوثيين في تسليم بعض المناطق[17]. يفتح هذا الأمر باب التساؤلات بالمثل؛ عن كيفية وصول الأسلحة النوعية للحوثيين طوال هذه السنوات دون توقف، ومرورها عبر البر والبحر من مناطق سيطرة الحكومة الشرعية السابقة خاصة في المهرة وحضرموت.[18]


هذه الوقائع تعزز بالمقابل ادعاءات العلاقة بين «الإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة» في اليمن، من ناحية وبين هذه التنظيمات والحوثيين من ناحية أخرى، إذا ما تم أخذ دور إيران في إيواء قيادات بارزة في تنظيم القاعدة في الاعتبار. لاسيّما وأن الحكومة اليمنية وجّهت اتهاماً العام الماضي في تقرير بعثته لمجلس الأمن الدولي[19]، بأن الحوثيين يتعاونون مع تنظيمي «القاعدة وداعش». وذكر التقرير أن الحوثيين أفرجوا عن (252) سجيناً من عناصر تنظيم القاعدة، كما أفرجوا عن أحد مخططي الهجوم على السفينة «يو إس إس كول» الأمريكية. أشار التقرير أيضا إلى أن عمليات الحوثيين ضد تنظيم القاعدة في اليمن هي عمليات صورية. ويؤكد التقرير، أنّ العلاقة الحوثية بالمنظمات «الإرهابية» وصلت إلى حد التنسيق المشترك، وتبادل الأدوار المهددة لأمن واستقرار اليمن ومحيطها الإقليمي وخطوط الملاحة الدولية.


من الواضح أن هذا النوع من الارتباط ما بين «إيران والجماعات المتطرّفة» لا يختلف عن فكرة التنسيق والدعم فيما بينهما داخل الأراضي المصرية، فقد عُثر على أسلحة إيرانية الصنع خلال مداهمات للجيش المصري في أكثر من مكان داخل مصر من بينها الاسكندرية والبحيرة وشمال سيناء، وثبت أن لطهران علاقة بجماعة «الإخوان المسلمين» من خلال استمرار تمويل هذه الجماعات بالأسلحة وتمكينها لزعزعة أمن المنطقة[20].هذا الدعم قد يكون له ارتباطات بحركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة وتتلقى دعماً من إيران بالسلاح والمال[21]. ويفصل القطاع عن شمال سيناء بحوالي 12 كيلو متراً، إذ استطاعت بعض الفصائل المتطرّفة من تهريب الأسلحة والعناصر المتطرّفة عبر أنفاق خرسانية رابطة بين سيناء وغزة لسنوات. آخر عمليات التهريب كان قبل أيام عندما تسلل أحد قيادات «داعش» الفلسطينية، «محمد فياض» والمكنّى بـ «أبي يحيى الغزاوي»، قبل أن يُقضي عليه الجيش المصري خلال عملية خاصة في منطقة «اللفيتات» شمال سيناء.[22]


يرى الباحث المصري في شؤون الحركات الإسلامية والإرهاب الدولي «منير أديب»[23]، بأن لإيران علاقة بأغلب أحداث العنف التي تضرب المنطقة العربية سواء في الجزء الشمالي من سيناء أو ما يحدث في سوريا وليبيا واليمن. يقول أديب لمركز سوث24، بأنّ «الحرس الثوري الإيراني سبق وأن أقام علاقات مع حركة الإخوان المسلمين عندما كانت في السلطة عام 2012، ومازالت طهران تحتفظ بهذه العلاقات سواء مع الإخوان أو تنظيمات العنف والتطرّف الأخرى مثل القاعدة وداعش الموجودة في مصر ودول أخرى.»


الباحث المصري منير أديب

فيما يتعلق بدور هذه الجماعات في شمال سيناء وارتباطاتها بجماعة الإخوان المسلمين، حتى بعد ثورة 30 يونيو 2013 في مصر التي أطاحت بحكم الرئيس «محمد مرسي»، فقد انتهجت هذه الجماعات أكثر من عملية «إرهابية» خلال تلك الفترة، وثبت تورّط جماعة الإخوان فيها من خلال تصريح مرئي للقيادي في التنظيم الإسلامي «محمد البلتاجي» حينها، عندما ذكر بأن ما يحدث في سيناء سيتوقف في اللحظة التي يعود فيها «مرسي» إلى مهامه، في اعتراف واضح منه بأنّ الإخوان هم من يقودون العمليات الإرهابية في سيناء[24]. وهو ما اتفق معه الباحث «أديب» أيضا.


يعتقد الباحث المصري أنّ «المرتبطين بجماعة الإخوان المسلمين في اليمن، كانوا ولازالوا يدعمون انقلاب الحركة الحوثية على الدولة في اليمن، وإن أظهروا عكس ذلك، فهم من أوصل الانقلاب الحوثي بالقوة العسكرية إلى السلطة.»


علاوة على ذلك، فإنّ هذا التعاون ظهر بأبهى صوره بدعم تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب، حسب وصف «أديب»، خاصة وأنّ قيادات القاعدة تم تهريبها من السجون التي تسيطر عليها الحركة الحوثية، فضلاً عن الدعم الذي تتلقاه الأخيرة من الإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة في اليمن. «هذه السياقات، توضح البراغماتية التي تتعامل بها الحركات الدينية العنيفة التي تحاول استعادة نفوذها عبر بناء شبكة مصالح مع أكثر من طرف وإن كان ذلك على حساب مبادئها وأيديولوجياتها.»


بالمقابل، فإنّ الجماعات الدينية العنيفة - وإن كان البعض منها يتبنى خطاباً سياسياً مراوغا مثل الإخوان المسلمين وحزب الله والحركة الحوثية – باتت تخسر حضورها في نطاق مجتمعاتها، ذلك بالنظر إلى التجارب التي قدمتها وكانت في مجملها كارثية، خاصة وأن أيدولوجياتها مرتبطة استراتيجياً بتحقيق أهداف جهات وتنظيمات دولية، أكثر من كونها تحقق أهدافاً وطنية. وباتت فرصها في خوض غمار السياسة أقل قبولاً وأكثر تشكيكاً وفقاً للأحداث والتجارب.


مؤخراً، ووفقاً لوسائل إعلام أمريكية، فإن إدارة «بايدن» تعتزم إزالة 5 جماعات متطرّفة من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، يُذكر أن «الجماعة الإسلامية المصرية» من بينها[25]، وهي الجماعة المسؤولة عن اغتيال الرئيس الأسبق «أنور السادات»، والمسؤولة عن تنفيذ حملة من الاعتداءات على قوات الأمن المصري والسياح في مصر خلال فترة الثمانينيات والتسعينيات. هذا القرار أثار جدلاً واسعاً في مصر، اتهم إدارة «بايدن» بإعادة إحياء نشاط تلك الكيانات ومنحها الشرعية من جديد، فيما اعتبره البعض الآخر تطاولاً على السيادة المصرية[26] . وكانت واشنطن قبل ذلك تدرس إزالة «الحرس الثوري الإيراني» من قوائم الإرهاب، من أجل إنجاز المفاوضات المتعلقة بشأن البرنامج النووي الإيراني، غير أن «بايدن» قرر قبل أيام عدم إخراجهم من القائمة وفقاً لرئيس الوزراء الإسرائيلي «بينيت»، مما يُعتقد أنه وجه ضربة قوية لفرص إحياء الاتفاق النووي.[27]


في المحصّلة، وفي سياق الروابط المشتركة بين هذه الجماعات المتشددة في اليمن ومصر، يوصى بالتالي:


- يتعين على القيادة اليمنية في مجلس الرئاسة الجديد، التعامل مع أزمة «الإرهاب» وفقاً لجذور ارتباطاتها، واستبعاد أي دور للجهات السياسية والقيادات العسكرية التي كانت على صلة في تمكين جماعة الحوثيين على محافظات في شمال اليمن، أو لها تأثير مباشر أو غير مباشر في عمليات إشاعة الفوضى وأعمال الاغتيالات في الجنوب. 


- يمكن لقيادة المجلس الرئاسي الاستفادة من تجربة مصر في تسخير القوة الناعمة عبر «الدراما» لمناهضة أفكار التطرّف والإرهاب، لما ثبت أن لها تأثير في رفع الوعي الاجتماعي تجاه هذه الظاهرة. 


- بالنسبة لمصر، سيكون لتطوّر الأجهزة الأمنية والاستخباراتية دوراً كبيراً في تشديد الخناق على العناصر «الإرهابية»، وكذا في تضييق المسارات على المناطق الحدودية وشبكات التمويل الخارجية. 


-  إنّ مسألة «الحوار الوطني» التي أطلقها الرئيس المصري «السيسي» مؤخراً يمكن أن تفتح آفاق أوسع للإصلاح السياسي ومعالجة الملفات الأكثر حساسية منها ملف «الإرهاب»، ويحد بشكل تدريجي من الأفكار الأشد عنفاً وتطرّفاً.


فريدة أحمد

المدير التنفيذي لمركز سوث24 للأخبار والدراسات

المراجع:
[1]
 هل عاد نشاط الإرهاب في سيناء؟ رحلة الأعوام العشرة من الإخوان لداعش (al-ain.com)
[2] مدينة المكلا اليمنية تتنفس الصعداء بعد سنة من المعاناة في قبضة تنظيم القاعدة - SWI swissinfo.ch
[3] تنظيم القاعدة في اليمن من جديد: لماذا الآن؟ (south24.net)
[4] داعش سيناء.. العداء والحرب للجميع (دراسة) - ناجح إبراهيم - بوابة الشروق (shorouknews.com)
[5] العملية الشاملة "سيناء 2018".. البيان رقم "1" من القيادة العامة للقوات المسلحة لمواجهة الإرهاب - YouTube
[6] لقاء أجرته الكاتبة مع اللواء/ د. محمد زكي الألفي، المستشار في أكاديمية ناصر العسكرية العليا، بتاريخ 28 مايو 2022.
[7] "داعشيتبنى هجوم سيناء الذي أدى إلى مقتل 11 عسكريا - RT Arabic
[8] الجيش المصري يقتل 23 عنصراً إرهابياً في سيناء (masralyoum.net)
[9] مصر نحو "حوار وطني جامع".. وخبراء: "نقلة نوعية" | سكاي نيوز عربية (skynewsarabia.com)
[10] تنظيم القاعدة في اليمن من جديد: لماذا الآن؟ (south24.net)
[11] Yemeni Military Leader Tied to Terrorism Pledges to Protect Protesters | The Washington Institute
[12] مفكر مصري: العملية الإرهابية في غرب سيناء جاءت ردا على تسريبات مسلسل "الاختيار 3 - RT Arabic
[13] بيان تنظيم القاعدة، منقول عن صفحة الباحثة البريطانية "اليزا بث كاندل" بتاريخ 19 ابريل 2022. twitter.com
[14]  Yemeni Allegedly Decreed Cole Strike - Los Angeles Times (latimes.com)
[15] صحيفة الأيام - اعتقال شخصين متورطين بمحاولة اغتيال اللواء الذرحاني في عدن (alayyam.info)
[16] خبراء يعلقون على أكبر عملية فساد عسكري في مأرب - 26.02.2018, سبوتنيك عربي (sputniknews.com)
[17] العميد ناصر علوي النسي مدير مكتب قائد محور عتق يتهم سلطات شبوة الموالية للإصلاح بالخيانة - YouTube
[18] تورط حزب الإصلاح في عمليات تهريب أسلحة خطيرة للحوثيين.. تفاصيل تكشف المستور من المهرة: صحافة 24 نت (sa24.co)
[19] مذكرة يمنية لمجلس الأمن تتهم الحوثي بالتعاون مع القاعدة وداعش (alarabiya.net)
[20] تحقيقات بشأن امتلاك «داعش» أسلحة إيرانية في سيناء – قناة الغد (alghad.tv)
[21] هنية يشكر إيران لدعم حماس بالمال والسلاح | أخبار DW عربية | أخبار عاجلة ووجهات نظر من جميع أنحاء العالم | DW | 21.05.2021
[22] تسلل من غزة.. مقتل داعشي فلسطيني بعملية نوعية للجيش المصري في سيناء (alarabiya.net)
[23] لقاء أجرته الكاتبة مع الباحث المصري في شؤون الحركات الإسلامية والإرهاب الدولي، بتاريخ 28 مايو 2022.
[24] البلتاجي يعترف ويؤكد تورطه في احداث سيناء - YouTube
[25] US set to remove 5 groups from foreign terrorism blacklist - ABC News (go.com)
[26] باحث في الجماعات الإرهابية لـ RT: شطب "الجماعة الإسلاميةمن الإرهاب تطاول مرفوض على مصر - RT Arabic
[27] Biden to keep Iran’s Revolutionary Guards on terrorist list, Israel claims | Iran nuclear deal | The Guardian

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا