التقارير الخاصة

شبوة: ثارات غذّتها السياسة وأرهقت العشائر

30-03-2022 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24| عبد الله الشادلي 


تعتبر ظاهرة الثارات القبلية من أكثر الظواهر انتشارا في أوساط المجتمع في اليمن، خصوصاً في مناطق الأرياف، إلا أنَّها في محافظة شبوة في الجنوب أكثر حضوراً، مع اتهامات للنظام اليمني السابق بلعب دور رئيسي في تعزيز وتغذية هذه الثارات.


وتسبَّبت الثارات في شبوة على مدى العقود الثلاثة الماضية وحتَّى الآن بمقتل الكثير، واندلاع الاشتباكات بين العشائر والقبائل بمختلف مناطق المحافظة. وعلى الرغم من انحسارها بشكل ملحوظ في عهد قوات النخبة الشبوانية التي سيطرت على شبوة بين 2017 – 2019، إلا أنها لا تزال حاضرة اليوم.


أسباب انتشار الثارات


يتهم شيوخ قبليون وسياسيون في شبوة النظام اليمني السابق الذي حكم اليمن بعد توقيع اتفاقية الوحدة بين الجنوب والشمال بزرع الثارات وترسيخها وتعزيزها بالمحافظة لأهداف سياسية. ويقول هؤلاء إنَّ الثارات أضعفت مجتمع شبوة الغنية بالثروات.


لكنَّ أسباب الثأر تختلف بحسب ما أكَّده نخبة من مشايخ محافظة شبوة. ويقول الشيخ ماجد احمد الغُسيلي العولقي، شيخ مشايخ "غُسيل" لـ «سوث24»: "ظهر الثأر في المجتمع الشبواني بعد تحقيق الوحدة اليمنية، عندما اختلط النظام المدني الجنوبي مع النظام الشمالي ذي الطابع القبلي". 


وأضاف، "كان هُناك مخزون للثأر قبل ثورة أكتوبر وما تلاها حتى الاستقلال في 30 نوفمبر 1967. الحزب الاشتراكي اليمني فرض هيبة السلطة، وحسم موضوع الثأر بالتجميد دون حلول. وحين وجد الطابع القبلي في سلطة الوحدة اللاحقة عادت هذه المشكلة وأصبحت منتشرة في المجتمع الشبواني خاصة والجنوبي عامّة".


وتابع، "هناك ثارات مجمّدة منذ فترات طويلة. لا شكّ في أنّه تم توظيف استحداثها ودعمها سياسياً من قبل بعض الجهات، تحت غطاء الثارات القديمة".


وفي حديث لـ«سوث24»، يقول أستاذ علم الاجتماع بشبوة، ناصر لشرم إنّ "أغلب المناطق الي تسودها ظاهرة الثأر، تغلب عليها قسوة الظروف الاقتصادية والمعيشية، وتُعاني من محدودية الأنشطة الاقتصادية".


وعلى عكس المجتمعات المتحضرة التي تنبذ هذه الممارسات وتحتكم للقانون، يعتبر لشرم أنَّ "كل تلك التراكمات السلبيّة شكّلت بيئة للاقتتال القبلي وتنامي معدلات الثأر بشبوة، لا سيّما في ظلّ غياب القانون". 


من جانبه، قال رئيس منتدى "يزآن" للتوعية والحد من الثارات في شبوة، محمد فضل الدغاري:"يتواصل معنا كثير من الناس، يرغبون بتسليم أبنائهم الذين ارتكبوا جرائم قتل، لكنّ المشكلة الأساسية تكمن في غياب دور الأمن".


وتسائل الدغاري، في حديث مع "سوث24"، "إذا لم تقم السلطات بدورها وتجبر القاتل على الاستسلام والقبيلة على تسليمه، من سيأتي به؟". وأضاف: "عندما يقتل الشخص ويفرّ إلى دولة أخرى، مثل: السعودية أو غيرها، وتجده أسرة القاتل هناك، فإنّها لن تستطيع فعل أي شيء، لأنّهم يعلمون أنّ تلك الدولة يحكمها قانون صارم. هذا ما نفتقده في بلادنا وخصوصاً في شبوة".


ولفت الدغاري إلى أنَّ الجهات الأمنية "تنشر عشرات الأطقم في المهمات العسكرية والسياسية، بينما تغض الطرف عن جرائم الثارات التي تُعتبر المشكلة الحقيقية في شبوة، وتتعذر بعدم وجود الإمكانيات". 


وأشار الدغاري إلى أنَّ "أبناء شبوة عانوا على مدار 28 عاماً من مشكلة الفلتان الأمني في المحافظة، ومظاهر حمل السلاح، وصولاً إلى السلاح الثقيل الذي رُبّما لا تحوزه الجهات الأمنيّة".


ويقول ناصر لشرم إنّ "معظم من يحملون السلاح في شبوة لديهم قضايا ثارات. هؤلاء لا يثقون في الدولة ولا يثقون في أنَّها ستحميهم، فضلاً عن أنَّهم لا يشعرون بالأمان في المناطق والأسواق التي يرتادونها".


وأوضح لشرم أنَّ "ظاهرة الثارات تُعتبر أكثر من مجرّد مشكلة في بعض محافظات الجنوب لا سيما في شبوة وأبين. في هذه المناطق تحديداً، تُعتبر هذه الظاهرة تراكم للإخفاقات المجتمعية التي يرتكبها الأفراد، ويدفع ثمنها مجرّد من تجمعه صلة قرابة بهم".


وزعم لشرم أنّ "تأجيج النظام اليمني السابق للصراعات، واستمرار الاقتتال (القبلي - القبلي) في شبوة، نجح - إلى حدّ كبير - في تفتيت جزءٍ من ملامح النسيج المجتمعي وتعميق الخلافات وإشغالهم بها". 


حملات منع السلاح


شنت النخبة الشبوانية إبان سيطرتها على شبوة حملات لمنع السلاح في عدد من مديريات المحافظة، وعلى رأسها العاصمة عتق، في محاولة للحد من ظاهرة الثارات.


بالفعل، نجحت هذه القوات الجنوبية في الحد من الثارات بشكل كبير، قبل أن يتم إخراجها في أغسطس 2019 بعد اندلاع المعارك بين المجلس الانتقالي الجنوبي والقوات الحكومية الموالية لحزب الإصلاح الإسلامي.


وحول هذا، يقول الدغاري: "لقد حقَّقت حملات منع السلاح في مدينة عتق حلماً قديماً جعل الأهالي يتخلون عن حمل السلاح بشكل نهائي". وأضاف: "لقد فاق تجاوب الناس كل التوقعات. مع حيازة الأفراد للسلاح، فإنّ أي مشكلة وإن كانت بسيطة تتطور إلى قتال ومن ثمّ إلى ثأر".


وأوضح الدغاري أنّ "الدولة كانت تُسهل دخول السلاح لبعض الأشخاص بحكم النفوذ، والناس اعتبروه «موروثاً شعبياً»". "هذا المنطق أتى من شمال اليمن وهو منطق قطعاً غير صحيح ولا متزن"، يقول الدغاري. 


وبالنسبة لدور محافظي شبوة، زعم الدغاري أنَّ "جميع محافظي المحافظة لم يقدموا أي شيء يذكر فيما يتعلق بمسألة الثأر، مع أنَّه كان في استطاعتهم ذلك". وعبَّر الناشط المجتمعي عن أمله في أن يكون للمحافط الجديد، محمد عوض بن الوزير العولقي "دور في حسم هذه القضيّة المؤرّقة". 


عواقب 


يلعبُ الثأر دوراً كبيراً في تفشي البطالة والفقر وغياب التنمية، كما إنَّه يعتبر أحد أسباب العزوف عن مواصلة العمل والتعليم. 


يروي الشاب العشريني، مبارك عوض، من مديرية "مرخة السفلى" لـ «سوث24» قصة انسحابه الوشيك من إحدى المعاهد الطبيّة بالمكلا في حضرموت، وهو على مشارف التخرّج، بعد اكتشافه بالصدفة أنَّ هناك قضية ثأر قديمة عالقة قد يكون ضحية لها.


وقال مبارك: "قبل سنوات طويلة، ونتيجة خلاف على قطعة أرض، قتل عمي والد خالد، أحد زملائي في المعهد الطبي، وهو من قبيلة أخرى. كنت صغيراً حينها ولم أشهد الحادثة".


ويضيف مبارك "عندما أخبرني بعض الشباب من شبوة، أنَّني «غريم» خالد، هربت من السكن دون أن أحزم حقائبي، وذهبت إلى بيت أحد الأقرباء، استعداداً للسفر. لقد تفاجأت في نفس اليوم أنَّ خالداً يسأل عنّي". وتابع، "خفت كثيراً من سؤال خالد عنّي. فأنا لا ذنب لي بما فعله عمّي".


 واستطرد بنبرة حزينة: "ظننت أنَّ خالداً يريد ثأره. لكنَّي اكتشفت أنَّه يعرفني قبل ذلك اليوم". وواصل حديثه: "رجعت إلى السكن وأنا خائف للغاية. وعانقني خالد، وقال لي: لن ندفع خطأ الأجداد يا صديقي. اجعل الأمر سرّاً بيننا كي لا يتدخّل الكبار".


وأشار الأستاذ لشرم إلى أنَّ قصة الشاب مبارك "واحدة من حالات كثيرة، يتجلى فيها معنى التسامح الحقيقي الذي يمتاز به أبناء شبوة، على الرغم من الوزر القبلي الثقيل، الذي يدفع بعض الشباب ثمنه".


وبالنسبة للعلاقات الأسرية وشتات الأسر، يقول الدغاري: "الأمر عند القبائل يختلف تماماً. تظل العلاقات كما هي. لقد شهدتُ حالات عديدة، لأزواج بينهم وبين أسرة الزوجة ثأر، لكن الزوجة تلتزم بيت زوجها حتى وإن كانت تعلم أنَّ زوجها سيقتل أباها". 


ويضيف الشيخ الغسيلي: "هذا الأمر متعارف عليه في مجتمعنا بشبوة. وهو ناتج عن العادات والتقاليد العربية القديمة، ولايزال المجتمع القبلي يتأثر بكثير من العادات والتقاليد الأصيلة" حد وصفه. 


القضاء على الثأر


في ظلّ التركة المجتمعيّة الثقيلة والتدخلات والتأجيج السياسي وغياب دور الأمن في شبوة، يُعتبر الصلح القبلي أو ما يُعرف محليّاً لدى القبائل بـ "التحكيم"، حلاً لإرضاء جميع الأطراف، والخروج بحلول وسطيّة لدى الأطراف المتنازعة.


"يقوم بالصلح مجموعة من وجهاء القبائل بجهود ذاتية؛ لحلحلة النزاعات والوصول إلى حلول تخفف من حدّة المشكلة"، أشار لشرم. وأضاف، "كثير من القضايا تنتهي بالصلح".


وعلى الرغم من ذلك، قال الشيخ الغُسيلي إنَّ "معظم تلك الجهود تكون مؤقتة. لكنَّ الأطراف المتنازعة تلتزم بها".


واعتبر الناشط الدغاري أنَّ هذه الخطوات "تؤكَّد على أنَّ المجتمع الشبواني يرفض الثارات ويجنح للسلم". وأضاف، "مع أنَّ هذه الإجراءات قد تستمر فيها بعض الحالات لسنوات عديدة".


ورأى الدغاري بضرورة "التوعية بالمخاطر المترتّبة على جرائم القتل وسفك الدماء، وبأهمية الصلح والإقناع ووأد ظاهرة الثارات بشبوة، واستخدام طرق ووسائل مبدأ العقاب الإلهي الذي يترتب عليه القصاص العادل".


وتابع، "منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية في شبوة تتحمل جزءاً من هذه المشكلة. تلك المنظمات غير فعالة في قصايا السلم الاجتماعي، وتتحدث فقط عن العموميات. لو أنَّها أخلصت في قضية الثأر فقط؛ لوفرت على الناس إراقة مزيد من الدماء والأنفس". 


وأشار إلى أنَّ "المشكلة تنتهي بمجرد تسليم القاتل. فيتمّ إما إعدامه قصاصاً أو الصفح عنه مقابل الدية". وعلى الرغم من أنَّ الصفح والغفران أكثر قبولاً في المجتمع الشبواني، إلا أن بعض الشباب لا تروقهم هذه الإجراءات السلمية، ويظلون يبحثون عن «الغريم»، وفقا للدغاري. 


وطبقاً للدغاري، "الشباب ليسوا وحدهم من يقفون عقبة في وجه التسويات القبلية التي قد تنتهي بالإصلاح وتقريب وجهات النظر. بعض القبائل ترى أنّه من العيب تسليم القاتل. وفي ظل غياب الأمن، يعتبر البعض أنَّ عدم تسليم القاتل محل فخر، وأنَّ عكس ذلك يضع القبيلة موقف محرج للغاية". 


لكنَّ الشيخ القبلي محمد عبد الله فريد قال لـ «سوث24» إنَّه "في السنوات الأخيرة، بدأنا نلحظ بعض القبائل تُسلّم الجناة من أبنائها وتستنكر هذه الجرائم التي لا تمت للمجتمع الشبواني الأصيل بأي صلة".


وأضاف: "الناس تعبت من هذه القضايا الهادمة للتنمية، ومن يقترفون هذه الأعمال، يعيشون في توتر وقلق شديدين؛ خوفاً من الانتهاء بهم بنفس المصير. مع قضايا الثأر، أصبح الناس منشغلون بها وبما يترتب عليها بدلاً من الانشغال بطلب الرزق".


وشدَّد الشيخ الغُسيلي، على أنَّه "لا يُمكن القضاء على ظاهرة الثأر إلا إذا قامت دولة مؤسسات، وفرضت هيبتها بالقوة والعدل وإحقاق الحق. حينها فقط سوف يذعن الجميع للقانون والحكم الشرعي في المحاكم الشرعية".


عبد الله الشادلي 

صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات


- الصورة: مسلحان قبليان في شبوة في اشتباكات على خلفية قضية ثأر يوليو 2021 (إعلام محلي)


الكلمات المفتاحية:

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا