20-01-2022 الساعة 12 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | فريدة أحمد
عكست ردود الفعل والإدانات الواسعة التي عبرت عنها دول عديدة بشأن الهجوم الحوثي على أبوظبي، أن التمادي الحوثي قد تجاوز حدوده في المنطقة. فقد شن الحوثيون الاثنين 17 يناير، هجوماً استهدف مطار أبوظبي ومصفاة النفط في المصفّح وعدداً من المواقع والمنشئات الهامة، أسفرت عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة ستة آخرين[1]. هذه الهجمات التي أوحى إليها تقرير وكالة الأنباء الإماراتية، بأنها "أجسام طائرة صغيرة يحتمل أن تكون طائرات بدون طيار[2]"، جاءت بعد عدة أيام من التهديدات الحوثية العلنية والتلويح المسبق بضرب العمق الإماراتي[3]. غير أن الحوثيين في بيانهم[4]، أعلنوا أن العملية تمت باستخدام خمسة صواريخ بالستية ومجنّحة، بالإضافة لعدد من الطائرات المسيّرة.
بدا جلياً، أن العشرة أيام من قتال الحوثيين وإخراجهم من محافظة شبوة جنوب اليمن، قد كلفتهم خسائر كبيرة وفادحة بأيدي قوات "العمالقة الجنوبية". فهذه القوات التي تتلقى دعماً كبيراً من دولة الإمارات وتم تدريبها لسنوات قبل وأثناء قتالها في الساحل الغربي منذ نشأتها في 2015، قد أثارت غضب الحوثيين. وهو ما دفعهم للاستيلاء على السفينة الإماراتية "روابي" التي ادعى الحوثيون أنها تحمل معدات عسكرية[5] خلال مرورها بالقرب من ميناء الحديدة. وبتزامن انتهاء ألوية "العمالقة" من تحرير شبوة ودخولها إلى مديرية حريب في محافظة مأرب، كان الرد الحوثي العابر للحدود جاهزاً، بعملية سُميت "إعصار اليمن" حسب المتحدث العسكري للحركة[6]، والذي يبدو أنها جاءت نكاية بالعملية العسكرية التي انطلقت في 1 يناير في شبوة والموسومة بـ "إعصار الجنوب". إذ يبدو أن خسارة الحوثيين لمحافظة أخرى غنية بالنفط كان من المأمول السيطرة عليها، جعلهم ينحون نحو هذه الخطوة التصعيدية.
لم تكن هذه المرة هي الأولى التي تستهدف فيها أبوظبي بطائرات بدون طيار؛ حسب تصريحات حوثية سابقة[7]. فقد تم استهداف مطار دبي في أغسطس 2018. غير أن الإمارات نفت ذلك في حينه[8]. وهذا يدل على أن العمق الإماراتي كان معرضاً للتهديد من قبل الحوثيين، بالقدر الذي كان ومازال يتهدد العمق السعودي. وقد عزز النشاط الإماراتي الداعم لقوات "العمالقة الجنوبية" مؤخراً؛ ما يمكن وصفه بالحافز لدى الحوثيين لتوسعة بنك أهدافهم بالاتجاه نحو شرق شبه الجزيرة العربية هذه المرة. وبموازاة ذلك، أدانت الرياض الهجوم على أبوظبي، الذي وصفته بالإرهابي الجبان في بيان وزارة خارجيتها[9]. كما أدانته بالمثل عدة دولة عربية وأجنبية. وتعهدت الولايات المتحدة الأمريكية على لسان مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي "جيك سوليفان"، بمحاسبة الحوثيين مع شركائها الدوليين[10]. مضيفاً أن الإمارات تحتفظ بحقها في الرد على ما وصفه بـ "الهجمات الإرهابية والتصعيد الإجرامي الآثم" .
التصعيد الحوثي الأخير، سيعني بالضرورة أن تطلب الإمارات من واشنطن إدراج الحوثيين في قائمة الإرهاب من جديد، وهو ما ذكرته بالفعل وكالة بلومبيرغ[11]عن مصدر مقرب من حكومة أبوظبي. فقرار شطب الجماعة من قائمة الإرهاب الأمريكية، الذي تم إلغاءه في يناير 2021، غداة إعلان "جو بايدن" إنهاء الدعم الأمريكي للعمليات العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن، بدا أن تقديراته كانت خاطئة بالنسبة للإدارة الجديدة. فالحوثيون استمروا في بناء قدراتهم العسكرية وسيطروا على مساحات جغرافية أوسع منذ مطلع السنة الفائتة، كما أن ضرباتهم الصاروخية مازالت متواصلة باتجاه مواقع استراتيجية عديدة وهامة داخل وخارج حدود اليمن.
حسابات دولية
لا شك، أن التضامن الدولي والإدانات الواسعة بعد الهجوم الذي تعرضت له أبوظبي من الحوثيين، يثبت أن الإمارات دولة ذات شريان اقتصادي مهم. فهي تتمتع بمكان آمن وحيوي اقتصادياً في منطقة مضطربة، كما أن نسبة المغتربين تشكل حوالي 90% من السكان، وجميعهم يتمتعون بمركزية في الاقتصاد[12]. وبالنسبة لدول كثيرة لديها مصالح اقتصادية متبادلة مع الإمارات، فهو أمر يشكل لمصالحها تهديداً كما هو على مواطنيها المقيمين على تلك الأراضي التي باتت مستهدفة. هذه الحالة تؤكد، أنه لابد من اتخاذ موقف دولي واضح من التمادي الحوثي الذي يهدد الأمن والسلم الدوليين في المنطقة.
وبالنظر للموقف الأمريكي، فواشنطن يبدو أنها تواجه خيارات عدة في الوقت الحالي، فمنذ تولي "بايدن" إدارة البيت الأبيض، استعادت استراتيجيته الزخم الدبلوماسي الذي افتقدته السياسة الخارجية للإدارة السابقة. حيث قلصت الدعم العسكري للتحالف العربي في اليمن، وعيّنت مبعوثاً خاصاً. غير أن دور "تيموثي ليندركنغ" اقتصر على نقل الرسائل بين أطراف الصراع. وبدا عمله إلى جانب عمل المبعوث الأممي "هانز غروندبيرغ"، بطيئاً مقارنة بالنشاط المكثّف في النصف الأول من العام الفائت. وهذا التراكم ساهم بتقدم الحوثيين في أكثر من جبهة، ما دفع التحالف بقيادة السعودية تكثيف الضربات باتجاه أهداف عسكرية دقيقة في صنعاء خلال الأشهر الأخيرة.
قد توافق الولايات المتحدة على إدراج الحوثيين في قائمة الإرهاب كخيار محتمل، فمبعوثها الخاص إلى اليمن لا يمثل دور وسيط سلام، حتى تخشى أن تفقد ميزة دورها في عملية المفاوضات السياسية بشأن اليمن. لاسيّما وأن أحد أطراف الصراع يهدد مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة. فالإدارة الأمريكية السابقة أدرجت "الحرس الثوري الإيراني" في قوائم الإرهاب[13]، ولم يمنع هذا من أن تعيِّن مبعوثاً خاصاً لطهران رغم توتر العلاقات السياسية بين البلدين، ومازالت تتفاوض بشأن الملف النووي الإيراني. لذا، فالمتوقع لواشنطن في حال قررت إعادة إدراج الحوثيين في قائمة الإرهاب، أن يستمر جهد مبعوثها إلى اليمن دون أن يتأثر.
على الأرجح، أن هذا الاحتمال أيضاًسيتيح للمبعوث الأممي "غروندبيرغ"، الدفع بعملية سلام والضغط على الحوثيين للانخراط الجاد فيها، في ظل الشجب الدولي والإقليمي المستمر لسياسة التصعيد التي يتبناها الحوثيون. من ناحية أخرى، قد تتخذ واشنطن مقاربة بديلة للتعامل مع تطور الأحداث في اليمن والإقليم، وإن لم تصنف الحوثيين في قائمة الإرهاب. من ذلك رفع التنسيق الاستخباراتي وتقديم دعماً لوجستياً أكبر لدول التحالف العربي. وربما إدراج أسماء قيادات حوثية أخرى في قائمة العقوبات، إضافة لما قد أدرجته سابقاً[14]. وقد يشير الاتصال بين وزير الدفاع الأمريكي "لويد أوستين" وولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد"، إلى ملامح لشكل التصدي للتهديد الحوثي الجديد؛ إذ بحثا التعاون العسكري والأمني بين دولة الإمارات والولايات المتحدة ومجالات التنسيق الدفاعي بين البلدين إثر الهجمات الإرهابية التي وقعت مؤخراً.[15]
وقد لوحظ خلال الضربات الجوية الأخيرة في صنعاء إضافة لبنك الأهداف العسكرية، أنها كانت مركّزة بشكل كبير على قيادات حوثية. ومن المرجّح أن هذه الاستراتيجية ستستمر بشكل أكثر كثافة في الفترة المقبلة. خاصة وأن أول عملية بعد الهجوم على أبوظبي، استهدفت قيادات عسكرية في صفوف الحوثيين منهم "جلال أحمد ضيف الله الجلال" مع خمسة من مرافقيه[16]، الذين لم يُفصح عن مكان مقتلهم. غير أن هجمات أخرى قوبلت بردود فعل محلية مستنكرة، نتيجة مقتل 14 مدنياً.
في غضون ذلك، لا يبدو أن الموقف الروسي مختلفاً عن نظيره الأمريكي، فقد أدان "مجلس الدوما" الروسي بشدة هجوم الحوثيين على المنشئات المدنية في العاصمة أبوظبي[17]. واعتبر الكرملين الهجوم الأخير مزعزعًا للاستقرار الإقليمي، الأمر الذي قد يؤدي إلى إعادة ضبط عمله المتوازن تجاه الصراع من خلال الاقتراب من موقف الإمارات[18]. لاسيّما وأن الطرفين لديهما تنسيق جهود وتبادل خبرات في مجال محاربة الإرهاب والتطرف، حسب ما جاء في الإعلان المشترك الذي تم توقيعه في يونيو 2018.[19]
في المقابل، وعلى الرغم من موقف إيران غير الواضح من الهجوم، يرى مراقبون أن طهران كانت جزءَا أساسياً مما يجري في اليمن. فلن تكون مثل هذه القدرات العسكرية بيد الحوثيين لولا الدعم الإيراني لهم طوال هذه السنوات. ومن الواضح أن طهران لن تفتح المجال للتعامل معها بناءً على سياستها في المنطقة، بعيداً عن فكرة الاتفاق النووي. بيد أنه من الممكن أن تضغط على الحوثيين نحو خفض التصعيد، إلا أن التزام الحوثيين في ذلك يبدو غير مضموناً نتيجة تجارب سابقة، في الكويت وجنيف واستوكهولم وغيرها.
في المحصّلة، يشي الموقف العام بأن الهجوم على الإمارات سيفتح باباً لموجة تصعيد أقوى. ويبدو أن سيناريو التفاوض سيظل مستبعداً خلال الفترة القريبة المقبلة، خاصة وأن أبوظبي أكدت أن الاستهداف "لن يمر دون عقاب". ومن المتوقع أن تتوسع العمليات العسكرية للتحالف العربي في أكثر من مسار. براً عبر مأرب والبيضاء والساحل الغربي باتجاه الحديدة، وجواً بتوجيه ضربات عسكرية أكثر دقة على صنعاء ومناطق متفرقة من نفوذ سيطرة الحوثيين، بتعاون استخباراتي ولوجستي أمريكي. إذ يبدو أنها مقاربة أكثر إقناعاً لحلفاء أمريكا في المنطقة، إيفاءا بالتزاماتها تجاههم، وربما لافتقارها إلى التقييم الدقيق تجاه سياستها مع الحوثيين منذ توليها إدارة البيت الأبيض.
المدير التنفيذي لمركز سوث24 للأخبار والدراسات، باحثة سياسية
- الصورة: كاري فريدمان / Getty
قبل 3 أشهر