التقارير الخاصة

أبين: إمكانات زراعية مُهملة وكفاح لأجل المحاصيل

26-12-2021 الساعة 6 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

سوث24| ريم الفضلي 


تعد محافظة أبين، جنوب اليمن، واحدة من أكثر المحافظات الزراعية الُمُنتجة للمحاصيل المتنوعة في البلاد. وتتميز هذه المحافظة بمناخها المعتدل وخصوبة التربة فيها. وتشتهر أبين بالأودية التي يُقدر عددها بـ 15 وادي، إلى جانب مجاري السيول التي تنحدر من مختلف مناطق البلاد، وتمر بها لتصب في مياه خليج عدن وبحر العرب. (1)


وتنقسم المناطق الصالحة للزراعة في المحافظة التي تبلغ مساحتها حوالي 21489 كم² إلى ثلاث، أولها المناطق الساحلية وتشمل (دلتا أبين، دلتا أحور، يرامس)، والتي تُشكَّل أكبر مناطق المحافظة الزراعية من حيث المساحة. وتأتي بعدها المناطق متوسطة الارتفاع؛ وتشمل مناطق (لودر، مودية، المحفد، سباح، سواد، رصد)، وتحتل المرتبة الثانية من حيث المساحة الزراعية. بينما تأتي مناطق (جيشان، دمان) الجبلية في المرتبة الثالثة من حيث المساحة الزراعية فيها. (2)


أراض زراعية في منطقة باتيس بمديرية خنفر بمحافظة أبين (سوث24، عبد الإله عميران)


سلة غذاء مُهملة


تنتج أبين العديد من المحاصيل الزراعية المتنوعة، التي تشكل 5% من الإنتاج الزراعي في اليمن (3). وتأتي الحبوب والبقوليات والفواكه والخضروات وكذلك المحاصيل النقدية كالقطن والبن كأهم المحاصيل التي تنتجها المحافظة. وارتفع عدد إجمالي الإنتاج لهذه المحاصيل بين عام 2004 الى 2009 حتى وصل الى 228141 طن. (4) 


كما تزرع نبتة "القات" التي يتعاطاها البعض بنسبة قلية في المحافظة.


وبرغم كل هذه الإمكانيات التي تحفل بها أبين، إلا أنَّها وفقاً لمسؤولين بقطاع الزراعة بالمحافظة تعاني من الإهمال.


ويقول مدير مكتب الزراعة والري بالمحافظة، فضل حسين الهيثمي، لـ "سوث24" إنَّ أبين "برغم قدرتها على رفع مستوى الدخل الاقتصادي للبلاد بشكل كبير وملحوظ، إلا أنَّ الإهمال وعدم الاكتراث لهذه الجوهرة كان حاضراً من كل الحكومات التي تناوبت على إدارة البلاد".


وأشار الهيثمي إلى أنَّه "على مدار السنين، شكَّل القطاع الزراعي في أبين مصدر دخل لغالبية المواطنين، حيث يعتمد 70% من سكان المحافظة على الزراعة في معيشتهم".


وتابع، "من أكثر الأمور التي أثرت على أداء القطاع الزراعي بأبين توقف الدعم الحكومي للمزارعين، وخاصة في مجال المُدخلات الزراعية من بذور، أسمدة، مبيدات، قروض البيضاء، ومكافحة الإصابات والأمراض في الجانب الزراعي أو الحيواني".



ماشية ترعى بالقرب من إحدى المزارع في منطقة باتيس بمديرية خنفر بمحافظة أبين (سوث24، عبد الإله عميران)


تداعيات الحروب


وعن حال القطاع الزراعي في أبين اليوم، وما خلَّفته الحروب والنزاعات العسكرية التي عاشتها المحافظة عليه، لفت الهيثمي إلى أنَّ "حرب القاعدة [حرب شنتها القوات الحكومية ضد تنظيم أنصار الشريعة – فرع القاعدة باليمن في 2012] وحرب الحوثيين دمرَّت البنية التحتية للأراضي الزراعية، وسببَّت تراجعاً كبيراً في أداء القطاع الزراعي في أبين".


وحول الانتهاكات التي تتعرض لها الأراضي الزراعية في أبين، قال الهيثمي أنَّها "بدأت بعد الصراعات الأخيرة الآنفة الذكر نتيجة لضعف الدولة والأمن بشكل خاص واللامبالاة من قبل الجميع". 


وأوضح الهيثمي أنَّ عدم وصول مياه السيول لفترات طويلة إلى بعض الأراضي الزراعية "أدَّى إلى تصحرها وجعلها عرضة للاستغلال من قبل مُلاك الأراضي وتحويلها إلى أراضي سكنية"، مضيفاً "نحن نحاول يومياً إيقاف هذا الزحف بكل الطرق، لكن لا حياة لمن تنادي".


وعن دور المنظمات، قال الهيثمي إنَّ أغلب الأعمال في الجانب الزراعي "مُعتمدة على ما تقدمه المنظمات في كافة المجالات من إصلاحات، بعض الترميمات، إنشاء المصدَّات الجابونية(1)، الدعم بالبذور، تطعيم الحيوانات، والدورات التأهيلية والتدريبية في المجال الحيواني والنباتي".


وفي حديثه لـ "سوث24"، قال مدير "مركز الكود للدراسات والأبحاث الزراعية"، د. محمد الخاشعة، إنَّه "منذ 2011، توقفت المزارع الخاصة بإنتاج القطن بالمحافظة عن العمل تماماً".


وأشار الخاشعة الى نشاط مركز الكود، "إذ بقي يحافظ على بذور مختلفة لأصناف القطن طويل التيلة صنف معلم 2000 وصنف القطن متوسط التيلة Acala S.J-2".


وتابع، "نقوم بالمحافظة على نقاوة البذرة من خلال زراعة القطن في مساحات محددة لا تتجاوز 3-4 فدان كل موسم ولكل صنف. وقد خُصصت مساحة للقطن طويل التيلة في مزرعة المركز في الكود، أما القطن المتوسط يزرع في مزرعة في لحج".


أوضاع المزارعين


بسبب ارتفاع أسعار وقود الديزل وكذلك ارتفاع إيجار الآلات الزراعية المستخدمة لحرث الأراضي، توقف كثير من المزارعين عن مزاولة نشاطهم لعدم قدرتهم على مواكبة كل هذا، بالإضافة لغياب الاهتمام والدعم والحكومي.


لقد انتشرت أشجار السيسبان "الموسكيت" على الأراضي الزراعية، وزحفت الرمال في بعض أراضي الدلتا، وهو ما أدّى لتدهور القطاع الزراعي، وزيادة صعوبة النهوض به، كما يقول مزارعون.


ماجد السعدي، أحد مزارعي منطقة خنفر وادي القرنعة، تحدث لـ "سوث24" عن صعوبة الزراعة في الأوضاع الراهنة، "أمتلك أراضي أزرع فيها فاكهتي الموز والباباي، ولكن الزراعة في هذه الأيام أصبحت مُكلفة بسبب الأوضاع التي تمر بها البلاد."


ويضيف السعدي، "ارتفاع أسعار الديزل، واليد العاملة، إضافة إلى العائد المادي الضعيف يتسبب بقلة الطلب وانخفاض أسعار فاكهة الموز بمقابل ارتفاع تكلفة إنتاجه وريَّه، كونها تستهلك منسوب مياه مرتفع."


أشجار الموز بإحدى المزارع في منطقة باتيس بمديرية خنفر بمحافظة أبين (سوث24، عبد الإله عميران)



وقدر السعدي إجمالية الإنتاج شهرياً بحوالي 10 إلى 15 طن، مشيراً إلى أنَّ "ما يتبقى منها للمزارعين لا يكون سوى الفتات، حيث تذهب قيمتها في الغالب من تكلفة الإنتاج إلى يد العمال في المزارع ومستلزمات الزراعة من الأسمدة وبقية الأشياء".


ومن جهته قال علي الفضلي، مزارع سابق ومالك إحدى المزارع في منطقة المسيمير بمديرية زنجبار لـ "سوث 24" إنَّ السبب الرئيس الذي جعله يترك الزراعة هو "الحروب التي مرت على المحافظة، إضافة إلى تكلفة العمل التي أصبحت تفوق مردود الدخل من الزراعة".


ولفت الفضلي إلى أنَّ الزراعة "كانت مُيسرة بعض الشيء، ولكن عندما تم رفع تسعيرة المحروقات، كانت هذه الضربة التي أفقدت الزراعة جدواها الاقتصادية". مضيفاً "كنا نشتري برميل الديزل بألفين ريالاً، ثم أصبح بسبعة آلاف ثم عشرة وعشرين حتى وصل حينها إلى أربعين ألف".


ويتابع، "ومع الحرب الأخيرة ضد الحوثيين، تعدى سعره 100 ألف، لهذا أصبحت الزراعية غير مجدية، ولهذا تركنا الزراعة حينها".


وأشار الفضلي إلى أنَّه "بعد حرب القاعدة في 2012، تم تعويض المزارعين ودُفع لهم ثلث مبلغ التعويض، وقامت الحرب الحوثية ولم يدفع للمزارعين الثلثين المتبقيين."


وعن حاجة المزارعين ومطالبهم اليوم، قال الفضلي " الزراعة في الجنوب تحتاج إلى مشروع حقيقي منظم يهتم بتنظيم العمل الزراعي ودعمه بشكل صحيح، مشروع يجعل المزارعين هم عماد إدارته، وفق نظم وأساسيات استراتيجية تجعل مصلحة المزارع ومستقبل الزراعة لإنجاز وظيفتها في النمو والتطور الاجتماعي."


انهيار منظومة الري


في أربعينيات القرن الماضي، شهدت أبين تأسيس شبكة ري زراعية متميزة هي الأولى من نوعها في اليمن. وساهمت شبكة الري المُعتمدة على مياه السيول عبر قنوات منظمة في زيادة الإنتاج الزراعي، وفي المقدمة إنتاج القطن طويل التيلة التي تميَّزت المحافظة في إنتاجه.


وبسبب الأوضاع الصعبة التي شهدتها المحافظة والتغيرات المناخية الكبيرة التي حصلت بالآونة الأخيرة، تهالكت شبكات الري من جسور وسدود وقنوات.


وفي حديثه لـ "سوث24" عن أوضاع شبكات الري في المحافظة، قال مدير وحدة الري، المهندس عبدالله محول طبيق إنَّ "محافظة أبين تتعرض للعديد من السيول الجارفة، وذلك بحكم تأثير المنخفضات الجوية المتكررة، وآخرها ما حدث في موسم الخريف 9 أكتوبر 2021".


وأشار طبيق إلى أنَّ "ارتفاع منسوب المياه في جسم السد وصل إلى حوالي سبعة امتار، تم استيعاب جزء منه في الشبكة حسب القدرة الاستيعابية لكل قناة بالرغم من عدم توفر المخصصات المالية لصيانة الشبكة".


واستطرد طبيق في حديثه عن الشبكة "منذ إنشائها إبان الاحتلال البريطاني للجنوب، لم يتم إجراء أي صيانة حتى هذا الوقت. وبالتالي فإنَّها معرضة للانهيار إذا لم يتم صيانته على وجه السرعة."


وأضاف، "هذا كل ما يخص الشبكة في أعلى الدلتا، أما أسفل الدلتا بوادي بناء فهو للأسف عبارة عن أعمال تقليدية من عقوم(2) ترابية تحويلية تحوَّل الماء لأراضي المزارعين لريها، وبمجرد زيادة منسوب المياه يتم حرفها وتصل المياه الى البحر دون أن تُروى أراضي المزارعين."


وقال طبيق إنَّهم وجهوا رسائل الى الوزارة "بضرورة عمل مصدات خرسانية، وقد تم إنزال فريق فني للعمل و دراسات الوضع، ولكن حتَّى اللحظة لم يتم احتساب أي تمويل لتنفيذ المشروع".


مستقبل القطاع


وعن مستقبل هذا القطاع، قال المزارعون لـ "سوث24" إنَّ مزارعهم ستظل تنتج المحاصيل مهما كانت الصعوبات، معبرين عن طموحهم في الارتقاء بالقطاع إذا توفر الدعم الحكومي اللازم.


وناشد هؤلاء المزارعون حكومة المناصفة اليمنية للالتفات إلى أبين، "سلة الجنوب الغذائية". وطالب مدير وحدة الري، المهندس عبد الله طبيق، بصيانة وتحديث منظومة الري بالمحافظة، وتلافي انهيارها.


ريم الفضلي  

صحفية ومحررة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات 


- الصورة: أحد الفتيان المزارعين يحمل فاكهة "البابايا" في منطقة الكود بمحافظة أبين (سوث24، عبد الإله عميران)


(1) المصدات الجابونية: تستخدم كمصدات لمياه السيول حماية للأرض من تخريب السيول القوية وتعمل هذه المصدات الجابونية في الوديان لتصد ماء السيل عن القرى المحاذية للوديان للدفاع عنها. وتصنع من الشباك الحديدية التي تملىء بالحجار،  أو من الأكياس القماش الثقيل وتملىء بالتراب.


(2) العقم: قطعة من الأرض كبيرة النتوءات، تتجمع فيها السيول ليتم توجيهها أو تغيير مجرى السيول إلى جهة أخرى. وتقوم مقام السدود في المناطق التي لا تحوي على السدود ، مثل عقمة( الديو) وعقمة (السادة ) وهي مناطق بين مديريتي زنجبار وجعار.


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا