مشاريع

ندوة | المجلس الرئاسي في اليمن: حل للأزمة أم معضلة جديدة؟

28-09-2021 الساعة 6 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

سوث24 | فعاليات


عقد مركز سوث24 للأخبار والدراسات يوم 25 سبتمبر 2021، ندوة عبر منصة زووم، تحت عنوان (المجلس الرئاسي في اليمن: حل للأزمة أم معضلة جديدة؟). 

هذا وقد تخلل الندوة، التي أدارها، رئيس مركز سوث24 للأخبار والدراسات، إياد قاسم، عدد من المداخلات والنقاشات التي أثرت الموضوع مع مجموعة من المتحدثين هم: 


ميساء شجاع الدين، صحفية وباحثة سياسية

عزت مصطفى، صحفي ومحلل وباحث سياسي

حسام ردمان، صحفي ومحلل وباحث سياسي

أمين اليافعي، كاتب وباحث سياسي.


الجدير بالذكر، أنّ هذه أول ندوة يعقدها المركز كنشاط تفاعلي مباشر. وقد طرح إياد قاسم في مستهل الندوة بعد الترحيب بالضيوف، النقاط المحورية التالية كمدخل رئيسي لبدء الحوار:


حتى الآن، لم تتضح أي معالم عن اتفاق محدد لشكل الحل النهائي في اليمن، في ظل استمرار الحرب ورفض الجهود الدولية للسلام من قبل بعض أطراف الصراع، لكن بعض وجهات النظر تطرح فكرة المجلس الرئاسي، كبديل عن رئيس توافقي، وترى في ذلك إما حلاً لتحقيق السلام لفترة انتقالية مؤقتة، أو حلاً مناسباً للخلافات التي تعصف بالقوى المناهضة للحوثيين في اليمن، خصوصاً في ظل الفشل الذي تعيشه حكومة هادي المعترف بها دولياً، لاسيما والسلطة التشريعية أو البرلمان لايزال معطلاً. 


من الثابت، أن تاريخ المجالس الرئاسية في اليمن لم يكن نموذجاً ناجحاً، على مستوى الشمال والجنوب قبل الوحدة وما بعدها، إذ أن الصراعات استعرّت فيها عسكرياً وسياسياً بالدرجة الأولى، كيف الآن وقد تطورت ليضاف إليها الصراع العقائدي والمذهبي.


يرى البعض، أن تشكيل المجلس الرئاسي سيمنع الاحتكار والتفرد بالسلطة، وستكون هناك مشاركة في صنع القرار السياسي بتمثيل من مختلف الكيانات الاجتماعية والسياسية الرئيسية في اليمن بعدد كبير من المقاعد، لضمان تمثيل الجميع. 


ويرى البعض الآخر، أن أولى عقبات المجلس الرئاسي ستكون في مسألة دمج القوات العسكرية والأمنية، وهذه معضلة واجهتها الأطراف المناهضة لمعسكر الحوثي، أثناء استكمالها تنفيذ بنود اتفاق الرياض المتعلقة بالشقين العسكري والأمني، مما ينبئ بارتداد محتمل للقتال بين أكثر من طرف في ظل هذا الانقسام. 


هناك من يقترح أن واجبات التنفيذ ستترك لحكومة تكنوقراط يتم اختيارها بناءً على الكفاءة، وليس للاعتبارات السياسية أو الاجتماعية، ويمكن أن تقتصر صلاحيات المجلس الرئاسي على التعيينات والسياسات الخارجية، وتمارس دور أقرب لأن يكون دوراً رقابياً وإشرافياً.  

يعتقد البعض، أن الرئاسة تشكل مصدراً رئيسياً لإدارة السلطة وممارسة الصلاحيات الناشئة عنها؛ بما يقوي أداء الحكومة في تسيير المؤسسات العامة وانجاز المتطلبات السياسية للمرحلة الانتقالية؛ ومع وضع الرئاسة في قالب المجلس الرئاسي لن يتحقق هذا الأمر؛ إذ إن أي خلاف محتمل داخل المجلس سيؤدي حتماً إلى أن يفقد المجلس سلطته والحكومة وظيفتها.


ويعتقد آخرون، أن فكرة المجلس الرئاسي تنسجم مع الواقع الجديد على الأرض، والمتمثل في انقسام السلطة وزيادة استقلالية المحافظات والكيانات والمجموعات المحلية، وهذا يمثل خطة بديلة مناسبة لتجنب البلاد أزمة صراع جديدة. 


في حين يرى البعض أن الذهاب لتشكيل مجلس رئاسي دون حل مستدام للأزمات الجذرية المعقدة، كقضية الجنوب، نتيجة فشل مشروع الوحدة اليمنية بين الجنوب والشمال سيعني بالتالي بقاء مسببات الصراع ودوافعه. 


ولهذا سنحاول اليوم مناقشة الآراء في ظل هذه الاسئلة التالية: 


- هل تشكيل مجلس رئاسي كبديل لرئيس توافقي ولو بشكل مؤقت، من شأنه تجنيب اليمن شماله وجنوبه الأزمة الراهنة؟ أم سيزيد الأمور تعقيداً؟ 


- هل تشكيل مجلس رئاسي مقاربة مضمونة للحل؟ وما هي الضمانة لعدم الانقلاب عليه من أحد أطراف النزاع في اليمن؟ 


- ما هي التحديات التي يمكن أن يواجهها المجلس الرئاسي المفترض، حال تشكيله؟ 


- هل سيقبل جميع الأطراف بهذا الحل؟ 


- هل هناك بدائل أو حلول أخرى متاحة يمكن لها أن تجمع بين فرقاء الأزمة، وتجسد شراكة سياسية حقيقية؟ 


- ومتى سيكون تشكيل مجلس رئاسي مجدياً، هل الآن بين القوى التي تناهض الحوثيين؟ أم لاحقاً في سياق التسوية السياسية بعد اتفاق إطلاق النار المفترض؟ 


هذه الأسئلة وغيرها نطرحها على ضيوفنا الكرام


ميساء شجاع الدين:


[لقد] طرحت في ورقتي فكرة المجالس الرئاسية، كانت الفكرة الأساسية منها أولاً هي ترتيب أوضاع السلطة من فوق، لأن سلطة هادي أثبتت فشلها بشكل كبير، هادي شخص كرئيس لديه إشكاليات كثيرة على المستوى الشخصي والسياسي، وهو ما أدى إلى ما وصلنا إليه من حال، وحزب الإصلاح يسيطر على القرار السياسي. ففي سبيل تمثيل أوسع على مستوى السلطة من فوق، وهذا الترتيب في إطار المخيم المناهض للحوثي بدرجة أساسية، قبل الحديث عن وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب. أما التسوية الشاملة قصة أخرى، لكن التركيز الأكثر كان على تسوية وضع المخيم المناهض للحوثي، ونحن نعرف أنهم شركاء مشاكسون، لكن هناك خطر مشترك يهددهم وهو الحوثي هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، وهو ترتيب أوضاع المناطق خارج سيطرة الحوثي، ترتيب أوضاعها الخدمية لأنها في حالة شلل كامل، بالذات مدينة عدن بسبب الصراع الدائر على السلطة، المدينة التي لم يتم ترتيب أوضاعها الخدمية، والناس في معاناة مستمرة. 

لذلك، وعوضاً عن أن نظل ننتظر حتى ينتهي هذا الصراع على السلطة، فالحل هو ترتيب وضع السلطة من فوق، فتم الاقتراح على عدة مستويات: 


المستوى الأول: هو ليس فقط مجلس رئاسي، هو مجلس يحل تقريباً محل مجلس النواب، الفكرة منه تمثيل جميع القوى السياسية والاجتماعية، ويكون مجلس رئاسي عدد أفراده واسعاً، والهدف منه هو تمثيلي، المراقبة بدرجة أساسية، مراقبة أداء الحكومة ورسم السياسات العامة لا أكثر ولا أقل، دون الحصول على أي صلاحيات مالية، أو أي صلاحيات أخرى، لأن الهدف منه تمثيلي في النهاية، كأي مجلس نواب بحكم أننا دولة صعب أن تدخل انتخابات. هذا على المستوى الأعلى. 


المستوى الثاني: مستوى الحكومة، الحكومة عوضاً عن أنها تكون حكومة تمثيلية مثل ما هو حاصل الآن؛ حكومة توافقية كل طرف سياسي واجتماعي يأتي بممثلين له، فيكون الاختيار على حسب الهوية السياسية أو الاجتماعية، وعلى حسب الكفاءة فيتم تمثيله، تكون حكومة كفاءات، تقوم بتطبيق السياسات التنفيذية والتي أهمها هي تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين. 


المستوى الثالث: توسيع صلاحيات الحكم المحلي بشكل كبير جداً، توسيع صلاحيات المجالس المحلية الموجودة، وتوسيع تمثيلها وغيرها من الأمور المتمثلة بالحكم المحلي، وكلما اتسعت كان أفضل. فكان هذا الهدف من الورقة، أنك تعمل تعديل على ثلاث مستويات لإصلاح أوضاع مناطق خارج سيطرة الحوثي، وبالتالي عوضاً عن الانتظار إلى نهاية الحرب، أو إلى إمكانية أن يكون هذا الأمر حسم لهذا الصراع بالسلاح، ما بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة، أو شيء من هذا القبيل، ويهدف إلى تحسين الأوضاع المعيشية. 


من هنا توجد عدة تحديات طبعاً، أنا لا أنكر أن مستوى النخبة السياسية في اليمن ضعيف، وهو شيء عام له علاقة بالعقلية، ربما حصلت مشكلة ثقافية بالنخبة السياسية اليمنية عموماً، وبالتالي سقف توقعاتنا يفترض أن لا يكون مرتفع بشكل كبير. أيضاً تجارب المجالس الرئاسية كانت عادةً تنتهي بصراعات، وهذا الشيء صحيح، لهذا هذه الورقة تحاول وتسعى لتوسيع صلاحيات الحكم المحلي أو تخفيف الضغط على الصراع على السلطة من فوق، وأيضاً تخفيف صلاحيات المجلس الرئاسي من حيث أنها تكون محدودة إلى حد كبير جداً، وبالتالي تجنب إمكانية الصراع الذي يمكن أن يؤدي إلى شلل، والفصل ما بين السلطة التنفيذية عن (التشريعية)، يعني عزل الحكومة (حكومة الكفاءات)، بحيث لا تكون ممثلة لأي طرف سياسي أو أي طرف اجتماعي، عزلها عن هذا الصراع يمكن أن يكون على مستوى المجلس، هذه كانت وجهة نظر الورقة. 


لا أستطيع القول أنّها فكرة مثالية. فكرة لابد أن تكون مؤقتة لأنها لا يمكن أن تكون مستديمة أو طويلة الأمد، وهي فكرة لها الكثير من الآثار الجانبية، لكن بنظري هذا الحل الممكن في ظل الوضع الحالي. 


إياد قاسم – سوث24: 


في سياق ما تحدثتِ عنه من ترتيب للسلطة من فوق لأسفل، كأن الخلل وفق حديثك قائم في رأس السلطة، وكأنّ المعالجة إن لم تنطلق من أعلى حتى أسفل لا فائدة. بعض وجهات النظر المختلفة معك قد تقول مثلاً، أن السلطة الموجودة الآن التي تدير البلد هي نفسها لا تشكل جميع الأطراف، بل تشكل إلى حد ما طرف بعينه، وقد أشرتي في حديثك إلى حزب الإصلاح أنه أصبح الآن مستولي على هذه السلطة، السؤال ما مدى إمكانية تحقيق هذه الخطوة أو من الذي سيدفع باتجاهها؟ أو من القادر على تحقيق هذه الخطوة إذا كان القرار في الأساس هو بيد حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين)؟ 


ميساء شجاع الدين:


 حزب الإصلاح من الممكن أن يُضغط عليه، الفكرة أن حزب الإصلاح يستطيع أن يمارس نفوذ واسع على شخص، وهو الرئيس هادي. وحزب الإصلاح متحكم فيه من قبل مدير مكتبه، ومن خلال أشخاص معينين مسيطرين عليه، وبالتالي هم يحددوا إمكانية قيام أي شخص أن يلتقيه، ويؤثر بشكل كبير على قراره. فحزب الإصلاح يستطيع أن يؤثر على شخص، لكنه لا يستطيع أن يؤثر على مجموعة كاملة. ما أقصده هنا أن المجلس الرئاسي سيعطي شيء من الشفافية باتخاذ القرار، يعني سيمنح شيء أفضل من التشاركية. حزب الإصلاح بالطبع لا نستطيع أن ننفيه أو نقول أنه غير موجود بكثافة، هو حزب كبير بحجمه وعدده، وتنظيمياً هو حزب كبير، ومن الصعب أن تتكلم عن إقصاءه تماماً. لكن المسألة هنا هو كيفية تحجيم حزب الإصلاح، بحيث يكون مشارك مثله مثل بقية القوى وليس مهيمن، هذه الفكرة الأساسية. ونحن هنا لا ندعو لإقصاء طرف، لكن ليشارك الكل دون إقصاء كامل. وبالتالي الفكرة هنا من ذا الذي سيدفع نحو هذا؟ هذا السؤال الأهم، أو السؤال الأكثر صعوبة. أتصور أن هناك قوى سياسية من مصلحتها ذلك، في قوى سياسية غير ممثلة، مثال، حزب المؤتمر غير ممثل بشكل جيد بكل فصائله، أو مخلفات علي عبدالله صالح بكل فصائلها، المجلس الانتقالي الجنوبي أتصور أن يكون له مصلحة في هذا الأمر أيضاً، كما أتصور أن كل الفصائل [سيكون لها مصلحة في ذلك] باستثناء حزب الإصلاح والرئيس هادي الذي يتمتع بصلاحيات وسلطة مطلقة. 


أيضاً أعتقد أن الأطراف الإقليمية والدولية من مصلحتها ترتيب أوضاع هذه المناطق. لأن هذا الشكل سيسمح للحوثي بالاستحواذ على الأراضي، وبدأ يقترب أنه يهدد الجنوب نفسه. الحوثي يبحث عن مصادر اقتصادية في النهاية. فمثلاً، ليس لديه مانع إذا استولى على مأرب أن يهدد شبوة، حتى لو لم يستولي عليها، على الأقل يأخذ من المناطق النفطية، ويساوم على الثروة ويحاصرها. الحوثي ليس لديه سقف، فهو يتحدث عن تحرير مكة وتحرير فلسطين، فليس لديه سقف داخل اليمن، إذا تصورنا ذلك فنحن مخطئين. وبالتالي نحن بهذا الشكل نخسر أمامه. الأوضاع تتردى معيشياً وإنسانياً، وحفاظاً على ما تبقى وتحسيناً للأوضاع المعيشية، أتصور أن الأطراف الإقليمية والدولية من مصلحتها تحسين الأوضاع في هذه المناطق، لخلق شيء من هذه المواطنة إذا أرادت تسوية، إذا أرادت وقف الحرب بشكل من الأشكال، لأنه لا يمكن وقف الحرب لو نستطع أن نخلق شيء من التوازن. 


إياد قاسم- سوث24: 


شكراً، ننتقل بهذه الأفكار إلى عزت مصطفى. ميساء تقول أنّ المجلس الرئاسي يقدم نموذج للشراكة لكل الأطراف، سيخلق نوع من التوازن ونوع من الاستقرار، سيكون الجميع موجود، ويتخذ الجميع القرار، هل تتفق أم تختلف مع ما أوردته؟ وكيف تنظر إلى المجلس الرئاسي كخيار في الوقت الحالي، في ظل الانقسام الحاصل؟ 


عزت مصطفى: 


شكراً للورقة التي قدمتها ميساء شجاع الدين، هي طبعاً فكرة طموحة، وفكرة خلاقة نوعاً ما، لكن لن أخوض في الورقة لأنني أريد التحدث من وجهة نظري حول المجلس الرئاسي. لم تجرب الاحتمالات بشكل واقعي فيما يتعلق بالورقة، هي فكرة جديدة ومغايرة، كنت أعتقد أنها قريبة من أفكار المجالس الرئاسية السابقة التي جربت في اليمن، لكن واضح أنها مغايرة، وهذا طبعاً موضوع ممتاز، ويستحق المناقشة. لكن باختصار وسريعاً بالمرور على ورقة ميساء، ما فهمته من ورقتها أنها تريد برلماناً وليس مجلساً رئاسياً واسع الصلاحيات. واسمه (مجلس رئاسي) لكنه يمارس صلاحيات البرلمان، فهي تريد إلغاء مؤسسة الرئاسة، واستبدال البرلمان بمجلس رئاسي أيً كانت التسميات، سيكون مجلس يمارس صلاحيات البرلمان، وبالتالي نحن ننتقل في اليمن من نظام رئاسي إلى نظام برلماني كما هو موجود في العراق، وتريد تطبيق الفكرة كما فهمت على مراحل. أنا أتساءل أيضاً بالنسبة لمؤيدي المجلس الرئاسي، عن مدى قبول الحوثي إذا قسمنا المقاعد، لأن الفكرة كانت أن المجلس الرئاسي ممكن أن يكون بعد التسوية السياسية أو نتاج للتسوية السياسية، وبالتالي إذا جمعنا كل هذه الأطراف المجلس الانتقالي الجنوبي والحوثيين والإخوان وبقية الأحزاب والمؤتمر وبما كان يسمى باللقاء المشترك، والقوات المشتركة في الساحل الغربي، كل هؤلاء إذا جمعناهم في مجلس رئاسي، كم ستكون حصة الحوثي وهو مسيطر على كل الشمال تقريباً، هل سيقبل بـ 15% أو 20% من مجلس رئاسي؟ أعتقد لا، لكن هو يدعم فكرة المجلس الرئاسي، لماذا يدعم فكرة المجلس الرئاسي مع أن حصته هو ستتقلص بهذا الشكل؟ طبعاً هناك الكثير من الإجابات المختلفة لهذا السؤال. لكن ما فهمته من فكرة ميساء، أنها تريد مجلس رئاسي قبل التسوية متعلق بالشرعية التي لا يؤيدها الناس لكنهم يتمسكون بها لأنها الورقة الوحيدة القانونية للحرب أمام المجتمع الدولي ضد "ميليشيا" الحوثي. 


المجلس الرئاسي هذا أولاً يسقط الورقة التي يريدها الحوثي، بمعنى أننا نشكل مجلس رئاسي قبل التسوية وبالتالي الحوثي سيدخل بـ 50% بالفعل، بدل أن تكون حصته 15% أو 20% إذا ما شكل المجلس نتاج للتسوية السياسية لاحقاً، بمعنى إذا شكلنا مجلس رئاسي قبل التسوية وفي مستوى آخر بعد التسوية، الحوثي سيدخل بـ ـ50%، يعني المجلس السياسي الأعلى الذي يصنّف في صنعاء بهذا الشكل، سيدخل في حوار مع المجلس الرئاسي لتشكيل مجلس رئاسي آخر، وبالتالي الحوثي سيحصل على 50%. وفي تقديري أن الحوثي مستعد للقبول حتى بحصة 15% من أجل أن يدخل في مجلس رئاسي وينقلب عليه. 


فتعدد المستويات هذا سيكون أمر خطير جداً على مستقبل البلد، وهو يمكّن الحوثي. أما موضوع حكومة الكفاءات، حكومة معزولة من كل الأطراف السياسية هذا غير ممكن وغير وارد وغير قابل للتطبيق، حتى إذا أتينا بحكومة تكنوقراط، حكومة التكنوقراط أثبتت بأنها أسوأ. أولاً ستختارها الأطراف السياسية، سيأتون عموماً بأشخاص لا علاقة لهم بالسياسة ومدارين من قبل الأطراف السياسة، يعني هم ليسوا جزءاً من السياسة لكنهم اختيروا من أطراف سياسية. 


بالمناسبة، حكومة معين عبد الملك "حكومة المناصفة"، هي حكومة أشبه بالفكرة التي نقول عنها، وهم قالوا إنها حكومة تكنوقراط مناصفة، لكن نجد في الأـخير أن كل الوزراء خارج سلطة رئيس الحكومة. الانتقالي الجنوبي عندما طلب من أعضاء الحكومة البقاء في عدن وعدم مغادرتها، بقوا في عدن. وبقية الأطراف عندما طلبت منهم الأطراف التي يمثلونها أن يغادروا عدن غادروا، ورئيس الحكومة غير معروف موقفه هل يريد العودة إلى عدن أو البقاء خارجها؟ لأنه فاقد السيطرة على وزراءه.


عموماً؛ هل الدعوة إلى مجلس رئاسي هي موجهة للداخل أو الخارج؟ هذا سؤال. المشكلة هي هل نريد إنهاء الحرب أم إرساء السلام، لأن الموضوع مهم من أجل أن نقرر هل نريد مجلس رئاسي أم رئيس توافقي جديد؟ أو كيف سنهندس شكل الحل القادم في اليمن؟ فيما يتعلق بموضوع المواطنة هل نريد أن نراعي مصالح المجتمعات المحلية أم نراعي الأطراف السياسية، لأنه واضح أن كثير من الأطراف السياسية لا تمثل المجتمعات المحلية، عندما نتحدث مثلاً عن المقاومة الوطنية في الساحل الغربي، هي لا تمثل المجتمع المحلي 100%، وهذا موضوع مهم جداً، الأطراف السياسية في مأرب لا تمثل المجتمع المحلي هناك 100%. علي محسن الأحمر لا يمثل المجتمع المأربي، ومبخوت الشريف لا يمثلهم أيضا، هو يمثل التنظيم الدولي للإخوان المسلمين. 


في الأخير، هل نريد أن نجمع من نصفهم بأمراء الحرب كلهم في مجلس رئاسي، بدل أن يكون كل أمير حرب مسيطر على منطقة؟ عموماً، بتشكيل المجلس الرئاسي أعتقد أننا سندخل في إشكالية فيما يتعلق بالمقاعد إذا كان واسع الصلاحيات، واسع المقاعد (برلمان)، أما إذا كان ضيق فهو لن يتعدى إلى 7 مقاعد، وأعتقد أن هناك ورقة سابقة لـ "سوث24" بهذا الشأن، وتم الحديث فيها عن عدد المقاعد إذا كانت 7. كل الِأشكال التي وردت في الأذهان عن تشكيل مجلس رئاسي كانت تستهدف القضية الجنوبية، بمعنى لو كان عدد الجنوبيين النصف +1، أو النصف – 1، أو كان بأي شكل من الأشكال فهي تستهدف تمثيل الجنوبيين والجنوب، طبعاً هي القضية الرئيسية والمحورية في مجمل هذا الصراع، بمعنى أننا نتحدث عملياً عن إرساء سلام شامل، باستثناء القضية الجنوبية، ونبدأ فقط منذ 2014 أي منذ الانقلاب الحوثي في صنعاء، وبعضهم يبدأ من 26 مارس 2015 منذ بدء عاصفة الحزم، على اعتبار أن الحرب بدأت في هذا التاريخ. لكن إذا افترضنا أن الذي يتحدث مناهض للحوثيين أو على الأقل محايد ويعدّ الحرب من 21 سبتمبر 2014 وما قبلها في دماج وغيرها، فالمشكلة ليست في الانقلاب فقط، المشكلة في اليمن هي في إرساء السلام الشامل، حتى إذا تحدثنا في إطار الوحدة أو في إطار التوزيع العادل للثروة والتبادل السلمي للسلطة، فإننا لا يمكن أن نغفل عن الصراعات السابقة حتى ما قبل 1990، فلنبدأ مثلاً حتى من القضية الجنوبية، كل أشكال المجالس الرئاسية هي تتحدث عن العودة إلى صنعاء. 


وأنا سأذكر نقطة مثلا في وثيقة العهد والاتفاق التي وقعت في يناير 1994، في عمّان برعاية جلالة الملك الحسين، اشترط الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر بجانب توقيعه، بعودة علي سالم البيض إلى صنعاء، وكنا نتحدث عن مجلس رئاسي تلك الأيام، والذي أدى إلى أزمة سياسية وأدى تالياً إلى حرب 1994، لكن حتى بعد انتخابات 1993 البرلمانية قبل أن نبدأ بانتخابات رئاسية تالياً لإنهاء المرحلة الانتقالية، اشترطوا عودة علي سالم البيض إلى صنعاء بعد اغتيال 158 تقريباً من قيادات الحزب الاشتراكي من 90 إلى ذلك اليوم. فالحكمة هنا بالعودة إلى صنعاء، عندما نتحدث عن أي شكل من أشكال التسوية، حكومة تكنوقراط، حكومة كفاءات أو أحزاب أو حكومة محاصصة أيً كانت هذه الحكومة، ستعود إلى صنعاء أم إلى عدن، ستذهب إلى مأرب أم سيئون، هذا سيشكل فرق.


حتى الصراع بين الانتقالي الجنوبي والأطراف النافذة في حكومة معين عبدالملك، هناك إشكالية في موضوع العودة إلى عدن، ونحن نتحدث عن عدن وأطراف أصلاً ليس هناك من خطورة على استهداف أمنهم الشخصي، كيف بالعودة إلى صنعاء؟ وهذا واحد من النماذج في إشكالية العودة إلى صنعاء فيما بعد التسوية السياسية سواء يتعلق بمجلس رئاسي أو غيره، والمجلس الرئاسي سيكون أخطر. وأحد النماذج أن محمود الصبيحي عندما كان قائد المنطقة العسكرية الرابعة، وتوعد الحوثيين بالدفاع عن تعز، عُين وزير دفاع "رقّي" رغم التهديد لماذا؟ لكي يذهب إلى صنعاء ويضعوه تحت الإقامة الجبرية أو يهددوا حياته الشخصية، فالترقية هنا لقائد من منطقة عسكرية إلى وزير دفاع ليست ترقية بقدر ما هي استهداف شخصي بالعودة إلى صنعاء. الآن كثير من الناس لا يستطيع العودة إلى صنعاء، لا هو وزير ولا هو مجرد ناشط فما بالك لو كان قائد حزبي أو أحد الوجاهات السياسية. 


عموماً، الكلام كثير حول المجلس الرئاسي، لكن بكل النماذج التي تنفذ الآن، حتى حكومة هادي هي أشبه بمجلس رئاسي لأن لديه عدد من المستشارين يمثلون بقية الأحزاب وكلهم يتشاورون فيما يتعلق بالقرارات الرئيسية، ورغم ذلك سيطر عليه حزب الإصلاح. ولذلك عندما نريد أن نقول أننا مع مجلس رئاسي لأن سلطة هادي ضعيفة، هذا ليس مبرر، هادي واحد من أكثر من 30 مليون شخص، بالإمكان الإتيان بشخص آخر غير هادي. حتى الآن عندما نقول مجلس رئاسي هم سيبحثون عن شخصيات يستطيعون السيطرة عليها كما حدث مع هادي. هادي تم التوافق عليه لأن كل الأطراف كانت تعتقد أن هادي رجل ضعيف يمكن السيطرة عليه، وهادي لم يساعد أو يقوّي نفسه بكل أوراق الضغط وأوراق القوة التي كانت بيده، وهم لم يساعدوه على أن يكون قوياً، بالعكس عملوا على إضعافه لكي يسيطروا عليه. 

عموماً، أنا أعتقد أن المجلس الرئاسي سيكون معضلة كبيرة جداً، وربما تنقل الصراع إلى مرحلة من التعقيد، لأننا نرى، مثلاً، في العراق وهو بلد مستقر عندما نسقط شكل النظام الرئاسي وتحويله إلى نظام لا هو برلماني ولا هو نظام رئاسي. [وسيكون ذلك معضلة] مع إسقاط النظام الرئاسي وإسقاط الورقة التي يقاتل اليمنيون بها "ميليشيا" الحوثي قبل أي تسوية سياسية شاملة تضمن إرساء سلام شامل. شكراً. 


إياد قاسم –سوث24: 


الكلمة لك حسام، سمعت الآن تقريباً وجهتي نظر مختلفتين إلى حدٍ ما، أو في اختلاف من ناحية الفكرة ومن ناحية المضمون أو واقع إمكانية تطبيقها. ما هو رأيك أنت؟ كيف ترى فكرة المجلس الرئاسي وما مدى مقاربتها لحل الأزمة في اليمن؟ 


حسام ردمان:


أولاً بالعودة السريعة إلى المنجز التاريخي الذي تشكّل من خلاله تجارب المجالس الرئاسية، ومن خلال العودة إلى ورقة "ميساء" المميزة، نجد أن المجالس الرئاسية دائماً صاحبت كل منعطف سياسي حاسم في تاريخ اليمن المعاصر جنوباً وشمالاً، وهي كانت صيغة تحاول أن تلبي أمران رئيسيان، الأول: أزمة الشرعية للدولة الوليدة التي كانت تنتقل من الثورة إلى الدولة. ثانياً: ضعف الدولة المركزية وتعدد مراكز القوى داخل الدولة نفسها، أو تعدد الفواعل الاجتماعية والسياسية. هذه الصيغة تاريخياً عانت من نقطة ضعف أساسية وهي التي ذكرتها ميساء وتنبهت لها، وهو عدم الاستدامة وأنها دائماً ما كانت تنتهي إلى دورات العنف. حتى في الوحدة اليمنية حينما كانت صيغة المجلس الرئاسي أيضاً مصحوبة بشعار الديمقراطية والتعددية، وجدنا أنها أخيراً كانت تنتهي بحرب أهلية. إذاً السؤال الحقيقي لماذا يطرح اليمنيون هذا السؤال في هذه اللحظة (المجلس الرئاسي)، طبعاً المنعطف السياسي الوحيد الذي لم يشهد صيغة المجلس الرئاسي كان 2011، وجدنا أن النخبة السياسية استبدلت هذه الصيغة بترتيبة جديدة ترتكز على عنصران: 


1- رئيس منتخب شعبياً، وبالتالي حل أزمة الشرعية.


2- وجود شرعية توافقية تحاول أن تجمع النخب السياسية، وقد تجلت في المبادرة الخليجية، ومن ثم في مؤتمر الحوار. هذان العنصران إضافة للدعم الدولي هم سبب في استمرار الرئيس هادي حتى يومنا هذا. ولكن السؤال، لماذا نعيد طرح سؤال المجلس الرئاسي اليوم في هذه اللحظة الحساسة؟ أعتقد بأن السبب يتعلق بالتحول الذي حصل في بنية الشرعية. 


لدينا شرعية قامت على الإقصاء وازاحة كل الشركاء السياسيين وإزاحة مبدأي الشراكة والتوافق، وأيضاً أننا أمام شرعية لم تعد تتسم بالمؤسساتية، أصبحت شرعية ترتكز على رمزية الشخص نفسه. أيضاً وجدنا بأنّ هذه الشرعية باتت تعاني من عدم الكفاءة، وبالتالي فإنّها إضافة إلى تآكل شرعيتها التوافقية هي أيضاً افتقدت إلى مشروعية الإنجاز على الأرض، سواءً على المستوى السياسي أو على المستوى العسكري، وهذا إلى [جانب] تنامي التهديدات الوجودية على ما تبقى من المناطق المحررة، هذه التهديدات الوجودية تأخذ لونان: 


1- التمدد الحوثي الذي أصبح وشيكاً حتى في الجنوب مؤخراً. 


2- الانهيار الاقتصادي الذي لم يعد يستطيع المواطنون أن يتحملوه. 


بالتالي نجد أن اليمنيين جنوباً وشمالاً باتوا يفقدون في ظل وجود هذه التركيبة الراهنة بالسلطة الشرعية، باتوا يفقدون ممكنات تحقيق السلام، بل وأكثر من ذلك بتنا نفقد ممكنات استمرار الحرب وبتنا على مقربة من السيناريو الأفغاني. إذن، هذا السؤال المطروح هو سؤال مبرر. اقتراح المجلس الرئاسي هو يرمي حجر كبير في بركة راكدة، قد نختلف حول الصيغة المثلى لتطبيق المجلس الرئاسي أو أي صيغة أخرى، ولكن طرحه في هذه اللحظة السياسية هو طرح مبرر ووجيه ويستحق النقاش والبناء عليه. 


هناك دائماً برنامجا عمل لمواجهة هذه المعضلة التاريخية في الشرعية اليوم.


1- برنامج عمل راديكالي يطرح بصيغتين، الصيغة الأولى: تقول بأنه لابد من تجاوز المرجعيات الثلاث وبناء مرجعيات جديدة على أساس القوة على الأرض، وهذه الأطروحة وإن كانت تمتلك حجج وجيهة، إلا أنها تمثل خطوة إلى المجهول. الصيغة الثانية: وهي الأكثر عقلانية والتي تريد أن تبني تغييراً جذرياً هيكلياً داخل بنية الرئاسة، والتي تتصدرها ورقة أ. ميساء بالمجلس الرئاسي، ولكن هذه الصيغة قد تواجه العديد من العوائق منها: عوائق بنيوية تتعلق في إيجاد الشرعية الجديدة، في كيفية المشاكل الفنية للمجلس الرئاسي، أيضاً هناك مشاكل ديناميكية منها: وتيرة التقدم الحوثي. اليوم أي تغيير واسع بهذا الحجم أكيد ستكون له تداعيات سلبية على تماسك القوات الحكومية، وقد يؤدي إلى مزيد من الانهيارات وبالتالي هذا مشكل آخر.


2- هناك برنامج عمل يطرح، وهو برنامج عمل إصلاحي تدريجي، برنامج العمل هذا يأخذ صيغتان: 


الصيغة الأولى: على المستوى النظري، نقول بأن المرجعيات الثلاث قد تكون مازالت صالحة، أكيد أنها لن تكون صالحة بالمعنى الحرفي، ولكن هي مازالت المرجع الوحيد الذي يحول دون الذهاب إلى المجهول، ولكن يجب تطعيمها بشيئين: 


تطعيمها باتفاق الرياض، وهذا ما حصل.


تطعيمها بالعودة إلى آلية القرار التوافقي، على المستوى الهيكلي.


 ويبدو أن هناك صيغة إصلاحية وهي تفعيل الأطر المؤسسية الموجودة فعلاً في الدولة اليمنية والذي تم تدميرها بشكل متقصد، ويبدو بأن عملية الإصلاح هذه قد تكون أسهل من مجلس رئاسي. على سبيل المثال: على المستوى الاقتصادي، يجب أن تتخذ خطوات في اتجاهين:


1- حوكمة البنك المركزي وضمان استقلاليته.


2- تفعيل المجلس الاقتصادي الأعلى وضمان تطعيمه بشخصيات واسعة. 


على المستوى العسكري، لابد من تفعيل مجلس الدفاع الوطني الأعلى، ودمج كل الشخصيات العسكرية الفاعلة على الأرض، مجلس الدفاع الوطني يجب أن يكون فيه عيدروس وشلال وطارق وكل الشخصيات التي يمكنها أن تنسق تنسيقاً مشتركاً لخوض معركة مشتركة ضد الحوثيين. أيضاً على الجانب التشريعي، بالإمكان تفعيل البرلمان مع إيجاد صيغة توافقية؛ مثلاً: الآن الهيئة القيادية للبرلمان اليمني فيها 4 شخصيات، ممكن أن تكون 5 شخصيات ويدمج فيها مثلاً الدكتور ناصر الخبجي كممثل عن المجلس الانتقالي الجنوبي، شريطة أن يكون آلية اتخاذ القرار داخل البرلمان هي ألية توافقية، وليست آلية بناءً على الأغلبية. وبالتالي من خلال هذه الصيغة قد نكون تخلينا عن الحاجة الملحة لمجلس رئاسي. أيضاً لابد من تفعيل القضاء، النائب العام والمجلس الأعلى، كل هذه المؤسسات يجب أن تؤخذ فيها قرارات بناءً على صيغة توافقية، سواء نفذ برنامج العمل الإصلاحي التدرجي أو نفذنا برنامج العمل الراديكالي الجذري، في كلا الحالتين لابد من تحقيق ثلاثة شروط لإنجاز أي تغيير في بنية الشرعية التي نتفق جميعاً اليوم على أنها لم تعد صالحة: 


1- فك التحالف الاستحواذي الوثيق بين الرئيس هادي وحزب الإصلاح، أول خطوة في هذا الاتجاه، وتعيين نائب رئيس توافقي وقد تكون هذه الخطوة أهم وأسهل من تعيين مجلس رئاسي.


2- بلورة كتلة تاريخية في المعسكر المناهض للحوثي على أساس قاعدتي التغيير والتحرير، وأعتقد أن أكثر طرف مؤهل لقيادة هذه الصيغة التحالفية الواسعة لإحداث إصلاحات، والذي تحدثت عنها أ. ميساء، هو المجلس الانتقالي الجنوبي، شريطة أن يتبنى برنامج إصلاح أوسع وأن يتبنى صيغة تحالفية أكبر. 


3- وجود توجه دولي ضاغط نحو إحداث هذه الإصلاحات، بالذات من الرباعية الدولية بشأن اليمن. 


اعتقد بأن هذه خلاصة ما يمكن الحديث عن مجلس رئاسي، وما يمكن أن نتفق عليه جميعنا، وأننا أمام حاجة حتمية لإصلاح الشرعية بشكلها الراهن. وشكراً. 


إياد قاسم_سوث24: 


شكراً لمداخلتك، طبعاً مبادرة طموحة ما طرحته على ما يبدو ومتفائلة إلى حد كبير. أنت تحدثت عن عملية إصلاح أفضل أو أولى من أن تكون مجلس رئاسي، وتحدثت عن صيغة توافقية لكنك لم تحدد ما هي الصيغة التوافقية التي تقصدها، من الذي سيقنع الأطراف المنقسمة المتواجدة داخل الجنوب والشمال؟ كما نعرف؛ الحوثي الآن بات يسيطر على معظم أجزاء الشمال، وبالتالي لم يعد مع الشرعية إلا ما تبقى من مأرب وتعز بالإضافة للساحل الغربي. المجلس الانتقالي الجنوبي يسيطر على معظم الجنوب على الأقل المناطق الحيوية بالإضافة إلى قوى أخرى جنوبية وإن كانت موالية للشرعية، هل ستقتنع هذه الأطراف على أن تكون هذه الصيغة التوافقية لتقاسم هذا المشروع فقط على أرض الجنوب، وبالتالي شرعنة وجود الشمال، قد يطرح هذا السؤال داخل الجنوب بهذه الصيغة: كيف ستتجاوز مثل هذه المشكلة إذا ما نظرنا إلى خلفية القضية الجنوبية ومطالب الجنوبيين بالاستقلال؟


حسام ردمان: 


أنت تقصد بأن تطبيق أي نموذج إصلاحي اليوم في ظل تآكل الشرعية في الشمال هو أمر غير مقبول حتى للجنوبيين؟ 


إياد قاسم- سوث24: 


ما أقصده، هل سيقبل الجنوبيون بإعادة خلق شرعية جديدة لشمال غير متواجد إلا بيد الحوثي؟ 


حسام ردمان: 


أعتقد بأنه سيكون في ظل وجود شرطين أساسيين: الأول، هو أن أي صيغة لإصلاح الشرعية يجب أن تتضمن إعادة الاعتبار لتحرير الشمال، ومن هنا قد يكون لدى الجنوبيين مصلحة لردع الحوثي، مصلحة استراتيجية. الثاني، أن أي صيغة توافقية يجب أن تأخذ بعين الاعتبار تمثيل القضية الجنوبية، وهذا ما رأيناه في اتفاق الرياض. ثالثا، أن تضمن شراكة جنوبية وازنة في أي جولة تفاوضية أو حوارية مقبلة، وبالتالي ممكن الوصول إلى أرضية مشتركة. 


إياد قاسم_سوث24:


شكراً حسام، أذهب بكل هذه التفاصيل التي أوردوها ضيوفنا الثلاثة الكرام إلى أمين اليافعي: وجهة نظرك من كل ما طرح وما لديك أيضاً في هذا السياق؟ 


أمين اليافعي:


نظرياً، أفترض أنه طرح مهم في ظل هذه المياه الراكدة، ويجب أن تكون مثل هذه الأطروحات المقترحة حتى نخرج من هذا الانسداد الكبير الذي يحوم حول الملف اليمني. أنا سأذهب ربما لمقدمة نظرية أعتقد أنه يمكن أن تطل من خلالها على صورة أوسع لنموذج السلطة في اليمن.


أولاً: يمكن أن نسمي المجلس الرئاسي تحت مصطلح أكبر؛ وهو (السلطة الجماعية)، أو نموذج السلطة الجماعية. وهي سلطة ظهرت في التاريخ بداية من أقوام الجماعات البسيطة، مروراً بالمجالس والعشائر، أيضاً الأنظمة الشمولية التي أسست على نماذج السلطات الجماعية، وصولاً للاتحاد الأوروبي الذي يعتبر أرقى سلطة جماعية إلى حد الآن. 


طبعاً هناك نموذجين للسلطات الجماعية، النموذج الذي يأتي من تحت، ودائماً تفرض تحديات ما أو أزمات ما ضد مجموعة من الجماعات، فتضطر هذه الجماعات إلى تحالفات لصد هذه التحديات أو هذه الأزمات، ثم بعد أن تزول هذه الأخطار تعود الجماعات إلى حالتها السابقة، بمعنى أنّ هذه السلطات الجماعية هي مؤقتة. هناك أيضاً السلطة الجماعية النخبوية والتي تفرض عادةً من أعلى، وهي لها شكلين: 

الأول: الشكل الأمثل، وهو النموذج المؤسساتي، وهو نموذج الاتحاد الأوروبي. 


الثاني: وهو نموذج الأحزاب الشمولية، وللأسف الشديد أن الرؤية الشمولية للفكرة الوطنية في هذه الدول أدت إلى عدم الاعتراف الصريح بتعدد الجماعات أو التعدد المختلف في البلد، فتضطر إلى الالتواء عن طريق تجميع سلطة بحيث تتوزع هذه السلطة شكلياً، لكنها أيضاً تكون مؤقتة، لأنه لم تكن هنا قنوات سليمة لإدارة هذه السلطة. 


إذن، بالانتقال إلى اليمن، كما ذكرت أ. ميساء في ورقتها ما يمكن أن نسميها المجالس الرئاسية، وهي ظهرت 5 مجالس، ثلاثة في الشمال قبل الوحدة فترة السلال ثم الإرياني ثم الحمدي، وفي الجنوب فترة سالمين، والمجلس الذي ظهر بعد الوحدة اليمنية عام 1990 إلى عام 1994. ما اتسمت به المجالس الرئاسية الأربعة قبل الوحدة، أن النخب الموجودة في أعلى السلطة هي نخب كانت متوافقة فكرياً، ولكن لأنه كما قلنا أنها شمولية عدا فترة "الإرياني"، لكن هذه لم تكن تمارس سلطة بالمعنى الرسمي، لا تملك.. أن تنفذ سلطة على أرض الواقع بوجود قوى محلية كانت أقوى منها، وهي عندما تخلت عنها انتهى هذا النموذج بكل سهولة. 


لكن هذه المجالس كما قلنا اتسمت بالتوافق الفكري، ولذلك كان الانتقال أسهل من نموذج إلى آخر. المجلس الذي تم في 1994 اتسم بتعدد المشاريع والأفكار والأيديولوجيات، وهو قريب إلى الواقع الآن مع أنه الآن موجود تعدد المشاريع. وهناك باحث اسمه إريس جلوزماير، كتب عن تطور مؤسسات الدولة في هذه الفترة، وتوصل إلى نتيجة بأن هذا المجلس الرئاسي أدخل التطور المؤسسي في اليمن إلى حالة مفرغة، أفرغه من كل شيء وكان سبباً رئيسياً في عدم الاستقرار. لكن يمكن النظر أيضاً للوجه الآخر للسلطة الجماعية في أنه يمكن أن نتحدث عن سلطة جماعية غير رسمية. أنا أتفق أن اليمن تدار منذ بداية التاريخ ربما بسبب هذا التنوع الهائل في مصادر السلطة بطريقة جماعية، يعني لا يمكن لنا اعتبار أنها سلطة واحدة أو سلطة مركزية أو فردية أو التي تمت مثلاً في الشمال عام 1978 إلى عام 1990، ثم إلى عام 2011. [لقد] كانت سلطة جماعية، ولكنها كانت سلطة رسمية، وربما كانت هي أكثر قوة من كل السلطات التي تم الإعلان عنها رسمياً، أيضا في فترة الجنوب. لكن هذه السلطة الجماعية العرفية كانت لها نتائج كارثية لا يمكن الآن أن نغض الطرف عن أن أحد الأسباب الرئيسية فيما وصل إليه الحال في اليمن، هو [بسبب] هذه الأطراف "السلطات الجماعية" التي تأسست في الشمال (علي عبدالله صالح وعلي محسن و [عبد الله  بن حسين] الأحمر). عندما أراد صالح فض الشراكة وأن يمركز السلطة بشكل أكبر بيده انتهت إلى كارثة، وكان أيضاً الحال في الجنوب مع تجربة علي ناصر محمد. 


إذن، الانتقال السياسي في اليمن إذا ما أردنا أن نبحث عن حلول ممكن أن تجلب السلام والاستقرار أن نتجنب طريقة الحل السحري الذي ساد في اليمن كثيراً، علينا أن نفكر جيداً في المسألة اليمنية وبشكل أعمق بكثير. 


توجد أزمات كثيرة الأزمة السورية والأزمة العراقية والأزمة الليبية، لكن ما أنتج عن هذه الأزمات معرفياً ودراسات علمية كبير وضخم جداً، وبالتالي يمكن بعد توقف الحرب أن تكون هذه الأدبيات مساعدة في بناء تصور، أو تساعد في بناء نموذج يمكن أن يعالج هذا الواقع. 

إذا جئنا لتجربة انتخاب عبدربه منصور هادي في 2012، كانت المأساة أنّ السبب المحفّز لاختيار هادي كان ليس باعتباره نائب رئيس، ولكن باعتباره من الجنوب، وهناك قضايا كثيرة تحت هذا الخط العريض، واعتبار أن منع الانفصال هو أكبر ما يسبب مشاكل لليمن. ثم التغاضي بشكل كلي عن عدم كفاءة عبدربه هادي، إذ لم تكن لديه أي سيرة في إدارة الدولة ولم ينتقد أحد ذلك. الشارع في الجنوب يعني قريته مجموعة بسطاء من الناس كان لهم رأي [مخالف] لكل النخب في الشمال. فكيف مرروا أن هذا الرجل وبهذه الإمكانية يستطيع أن يدير كل هذه التعقيدات في اليمن وهو مسلوب؟ وبالتالي النتيجة كانت منطقية جداً أن هذه الشخصية ضعيفة لا تملك سلطة، وهو ما سمح بكل هذا الفراغ الذي عبأته الميليشيات في السياسة، والسلطة لا تحب الفراغ كما يقال. 


أصل إلى المجلس الانتقالي (الرئاسي)، كما قلت أنها فكرة مهمة يمكن دراستها، لكن هناك معطيات كبيرة أو مشاكل كبيرة، كيف يمكن بناء هذا المجلس الانتقالي؟ كيف يمكن توحيد هذه القوى التي تختلف أيديولوجياً وتختلف مناطقياً وتختلف على مستوى المشاريع؟ ما الذي يمكن أن يمنع من تكرار تجربة عام 1990 أو 1994، عندما تحالف حزب الإصلاح مع المؤتمر، وتنصل من دستور الوحدة؟ قوى وطنية تتآمر على دستور بلدها، هي حالات غريبة في التاريخ السياسي. أيضاً مؤسسات الدولة هل تستطيع أن تتحمل مثل هذا المشروع، هل القرار السياسي يمر عبر قنوات مؤسساتية؟ هل الآن مؤسسات الدولة في حالة سليمة بأنها تستطيع ان تستوعب تعدد السلطات؟ هذا سؤال مهم. 


أيضاً التعدد، هل يؤدي إلى ما يمكن أن نسميه مسار الخنق عوضاً عن مسار التكامل، مسار الخنق معناه أن المناطق التي لديها ثروة وهذا حاصل مع نموذج مأرب، يعني أنها لا تعطي المناطق الأخرى، وتكون في وضع مأساوي عند أبسط مشكلة تحصل بين هذه الأطراف المختلفة جذرياً، فكيف يمكن حل هذه المعضلة، ما هي الاتفاقيات التي يمكن أن تضمن عدم وجود مثل المشاكل أو هذه المعضلات؟  أيضاً كيف يمكن إدارة التوازن بين المحلي المركزي، كيف يمكن السماح مثلاً للتنظيمات العابرة للمناطق أنها تدير أنشطتها في مناطق أخرى يسيطر عليها طرف آخر مناوئ، ونحن شهدنا كل كطرف يحرق مقرات الطرف الآخر. 


كطرح للحل، آمل أن يكون هناك دراسة مستفيضة، أولاً: المعطيات موجودة على الأرض، ثانياً: طبيعة القوى السياسية، ثالثاً: بنية مؤسسات الدولة. هذه أشياء ضرورية يجب دراستها بعمق، حتى اقتراح حل قد يكون عابر. هذه المشكلة الموجودة في اليمن تستدعي دائماً ما يقال "الحاجة تولد الإبداع". المعضلة يجب أن تولد أفكاراً وحلولاً إبداعية حتى يخرج اليمنيون من هذا المأزق، وهذه مهمة النخب. يعني مثلاً: قد يطرح آخر غير نموذج الكفاءات، لكن نموذج حكومات متعددة للأقاليم الموجودة محلياً. في ألمانيا مثلا، توجد ولايات لكل ولاية حكومة تدير أمور هذه البلد، حتى لا يحصل تداخل سلطات ولا يحصل عقاب جماعي عندما يختلف طرف مع طرف آخر. 

أيضاً يجب أن نوسع أفقنا، السياسة ليست دائماً مقدسة، الشكل المركزي ربما لا ينفع، والشكل الفيدرالي ربما لا ينفع أيضاً، ربما هناك انفتاح على حلول أخرى لمعالجة هذه المشكلة العويصة قبل أن يذهب اليمن إلى مرحلة ما بعد التاريخ أو نهاية التاريخ. شكراً لكم.  


إياد قاسم_سوث24:


[أنت] أشرت بأنه ربما تكون هناك حلول أخرى. هل تقصد مثلاً كونفدرالية مثلاً أو الاستقلال؟ وهل هذه الحلول هي أصلاً منطقية في الوقت الحالي للخروج من أزمة سلطة الشرعية، أو ترى مثلاً أن تطرح كحلول استراتيجية لاحقة في إطار أي تسوية سياسية قادمة؟ 


أمين اليافعي:


إذا لم تكن هناك ضغوطات على العقل الذي يفكر، مشكلتنا نحن بالأفكار المسبقة مثلما قلت سابقاً، ثم السكوت عن عملية الانتقال التي حدثت في 2012، لأن الناس تفكر خارج الموضوع الأساسي، كانوا يفكرون بأوهام خارج الواقع السياسي، وهذا ما أدى إلى ما انتهينا إليه. بالتالي التجرد من هذه النزعات في سبيل ابتكار حلول يمكن أن تعالج ولو بشكل بسيط من هذا الواقع وستشكل مخرج.   


إياد قاسم_سوث24: 


سأعود بسؤال لـ أ. عزت، طبعاً أنت أوردت التجربة العراقية، وهناك تجربة حديثة مثل التجربة الليبية الأخيرة عندما رعت الأمم المتحدة انتخاب مجلس رئاسي يتكون من ثلاثة أشخاص ونائبين، يبدو حتى الآن أن المجلس الرئاسي ماض.. هناك تقسيم مناطقي ورد في هذا المجلس أيضاً، لو لاحظت الأسماء المطروحة؛ من جنوب ليبيا، ومن غرب ليبيا ومن شرقها، كحل للأزمة الحالية الموجودة في ليبيا التي دخلت مرحلة حرب. بالطبع لا ننكر أن أطراف الصراع مرتبطة بنفوذ إقليمي هو من يحدد في الأخير مثل هذه الخيارات النهائية، وأعتقد أ. ميساء قد أشارت لهذا الموضوع بأنّ السعودية لديها المقدرة على إقناع الرئيس هادي لاتخاذ مثل هذه الخطوة. إذن، هل يمكن تجربة النموذج الليبي بهذه الصيغة أو ترى أن الواقع يختلف ما بين اليمن وليبيا؟ 

                          

عزت مصطفى: 


طبعاً يختلف كثيراً، نتحدث عن تعقيدات للمشهد في اليمن أكثر خطورة لعدة أسباب، حتى عندما نضع القضية الجنوبية وأنه كانت هناك دولتان عضوتان في الأمم المتحدة دخلتا في شراكة وما إلى ذلك، وقلنا أنّ الموضوع ليس منذ 2011. يعني ليبيا يبدو أكثر إشكاليتها بدأت منذ 2011، ولا أعتقد أن حتى الحلول المطروحة في ليبيا ربما ستستمر طويلاً إن لم يكن هناك حلول جذرية، هي مجرد حلول تهيئة مؤقتة. ولكن عندما تحدثت عن العراق، أتحدث عن خطورة النظام البرلماني في بلد أصلاً غير متماسك، بلد غير مستقر وليس لديه مؤسسات، نظام برلماني في دولة تشبه اليمن أعتقد أنه أكثر دماراً، وربما يحيل الأزمة إلى 100 سنة قادمة ويدخلنا في مأزق من الصعب الخروج منه. 

عموماً، أنا أريد العودة إلى أهمية إثارة مقترح المجلس الرئاسي، لأنه واضح تقريباً أن كل الناس بما فيهم السياسيين والنخبة لم يكونوا في وارد موضوع المجلس الرئاسي لعدة اعتبارات من ضمنها النماذج السابقة. وطبعاً أ. ميساء أشارت للنماذج الفاشلة، لكن إعادة إثارة الموضوع هو بحد ذاته يحفز أيضاً لطرح حلول بشكل إجمالي. فإما أن نناقش هذه الفكرة باستفاضة لكي تنتج بالفعل نتاجاً جديداً لم يكن في الاعتبار، أو إثارتها بهذه الطريقة ما يستبعدها تماماً، وهذا الأمر مهم في كلا الحالتين. 


إذا قلنا [أنّ هناك أطراف في اليمن يمكن أن تقبل بالمجلس الرئاسي، فأنا أعتقد أن الإخوان المسلمين لن يقبلوا، والرئيس هادي أصلاً غير معني لأنه سيكون خارج التسوية السياسية، وهو ليس طرف سياسي وليس له مثلاً قاعدة أو سيمثل طرفاً سياسياً، حتى إن خرج هو من السلطة. والمجلس الانتقالي الجنوبي في توقعي لا يناسبه، يناسب الحوثيين فقط. وطارق أعلن أنه مع مجلس رئاسي فقط لأنه يرى فرصه ضعيفة جداً، وموضوع المجلس الرئاسي سيعطيه حصة سياسية أكبر. 


علاوةً على ذلك، إذا شكلنا مجلس رئاسي مثلاً، من سيمثل مأرب؟ سيمثل مأرب شخصية مأربية حتى لو من طرف علي محسن الأحمر (سنحان)، وإذا مُثلت تهامة سيمثلها طرف من طرف الرئيس السابق صالح، حتى إن كان تهامي. في الأخير سنتكلم عن أنّ الشمال سيُقاسم المجلس الرئاسي بصعده وسنحان فقط، وهو مأزق كبير. يجب أن نهندس حل في اليمن خاص يرسي سلاماً مستداماً. 


إياد قاسم-سوث24: 


وهذا الهدف من حلقة النقاش هذه. أ. ميساء هناك سؤال مطروح من أحد المشاركين (وهبي حسن) يقول: هل السلطة في اليمن هي سلطة سياسية بمفهومها العلمي، وهل نستطيع أن نعوّل على السياسيين اليمنيين في بناء مشروع وطني يصنع واقع حكم واسع الصلاحيات؟ 


ميساء شجاع الدين: 


أنا لا أستطيع أن أغير النخبة السياسية في اليمن، أنا أقترح اقتراح في إطار ما هو موجود. عندي تعليقات كثيرة بالذات على ما قاله عزت، أولاً بخصوص السيناريو العراقي، أحب أن أقول أنا أتحدث عن ترتيبات انتقالية مؤقتة، لا أتحدث عن شيء مستدام، ترتيبات انتقالية مؤقتة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. ننفذ من حالة الشهية العسكرية المفتوحة لدى الحوثيين، خصوصاً بعد نموذج أفغانستان، وأيضاً إنقاذ ما يمكن انقاذه من الاقتصاد والأوضاع المعيشية المتردية في مناطق خارج سيطرة الحوثي. 


النقطة الثانية، الحوثي كان يدعم فكرة المجلس الرئاسي وتجاوز هذا الأمر، وأصبح سقف تطلعاته أعلى بكثير، وحالياً هو يرى نفسه في وضع سياسي وعسكري أفضل بكثير من أن يدخل في تسوية مع الآخرين. أيضاً فكرة ضعف الشرعية، أتفق معه في أن هناك إشكالية ضعف الشرعية لهذا المجلس، وبالتالي شرعيته ممكن أن تكون مستمدة من توافق محلي وإقليمي ودولي حول هذا المجلس، ممكن أن [يجد] تخريجة ما. 


نقطة أخرى، أتحدث عن إطار الدولة الموجود حالياً. مسألة الانفصال بإمكان المجلس الانتقالي الجنوبي والقوى السياسية الجنوبية أن يحتفظوا بحقهم بالمطالبة بالانفصال، لكن المسألة هنا هي مسألة مؤقتة بإنقاذ الموقف الحالي، وليس الهدف منها أمر مستدام. ممكن أن يتحقق الانفصال بعد خمس سنوات ممكن بعد عشر سنوات، هذا مشروع كبير لا يتم بين يوم وليلة، وبالتأكيد هذا يحتاج موافقة دولية وإقليمية، يحتاج ترتيبات في الوضع الداخلي الجنوبي، وهذا كله سيأخذ وقت، وحتى يأخذ وقته لا يمكن أن نترك المواطنين في الجنوب وغيرها من المناطق تحت سيطرة الشرعية في وضع متردي معيشياً، لأننا لم نحسم القضايا الكبرى التي لدينا. والمسألة هو ترتيب وضع الشرعية في عدن بدرجة أساسية. 


وأثني على محاولة حسام بتوسيع المسألة اقتصادياً وعسكرياً، وهي نقطة أتصور أنها مهمة. أما عما هو الضمان ألا يتصارع أعضاء المجلس فيما بينهم، حقيقة لا يوجد ضمان، أكون صريحة، هناك قوى عسكرية منفصلة ومنقسمة ولا يوجد ضمان غير وعيهم بأهمية استمرارهم في هذا الوضع، وأن هذا الوضع يخدمهم جميعاً وهو أفضل من الصراع والاقتتال. يعني إذا كان لديهم الحد الأدنى من الوعي وخصوصاً بالوضع الحالي في الجنوب والوضع المتردي جداً، إذا هم مدركين أن الشارع الجنوبي الكل يخسره، الانتقالي الجنوبي والحكومة، وبالتالي إذا هم استمروا بهذه المعادلة الصفرية لن تخدمهم. ينبغي أن يكون لديهم الحد الأدنى من الوعي بأن هذه الصيغة يمكن أن تخدمهم جميعاً. وبالإمكان أن يعملوا سياسياً في خدمة مشاريعهم وأجنداتهم المختلفة من خلال إطار سياسي فيه حد أدنى من التوافقية. 

النقطة الأخيرة التي أحب توضيحها، تعقيباً على أمين، أنا كثيراً ما وضحت في الورقة أن صلاحيات الحكم المحلي ضرورية في اليمن، لأن هذا من أحد أهم الضمانات، حكم المجلس سيكون أكثر قدرة على تمثيل المجتمعات المحلية ومصالحها، سواء كانت مجتمعات محلية فقيرة أو غنية أيً كان، (المجتمع المحلي) هو الأكثر قدرة لأنه عادةً عبارة عن أفراد محتكين بشكل يومي بأبناء هذا المجتمع، وهذا مختلف عن طبيعة النخبة من وزراء وغيرهم من نخب على مستوى أعلى. 


إياد قاسم-سوث24: 


سؤال أخير ربما لحسام، سواء في إطار المجلس الرئاسي أو بما اقترحته أنت في عملية الإصلاح في إطار الشرعية، هناك سؤال مطروح من أحد المشاركين هل سيكون هذا المجلس في إطار تحالف الشرعية أم مع الحوثيين؟ 


حسام ردمان: 


ما ميز أطروحة ميساء أنها أدركت كنه المجلس الرئاسي، وقالت أنه مجلس مؤقت وليس مستداماً، وهو صيغة إصلاحية داخل منظومة الشرعية الراهنة، وليست صيغة لحل سياسي شامل. لهذا عندما يتساءل عزت عن نصيب الحوثيين، الحوثيون حتى الآن مستبعدين من هذه الصيغة، هذه الصيغة هي للانتقالي والشرعية بدرجة أساسية. 


إياد قاسم-سوث24: 


ألم يكن اتفاق الرياض أيضاً شبيه بذلك؟


ميساء شجاع الدين: 


اسمح لي حسام أن أرد، اتفاق الرياض في إشكالية الحكومة، وليست في إشكالية رأس السلطة الذي هو هادي الإشكالية الكبرى. 

النقطة الثانية وهي مهمة جداً، منذ 2011 الوزراء يتم اختيارهم من الأحزاب السياسية، رئيس الوزراء لا يختار حكومته، ويحصل عدم انسجام ما بين رئيس الوزراء والوزراء. بمعنى يفترض أن رئيس الوزراء ( هو من يختار وزراءه) وهذا عادةً ما كان يحدث قبل 2011 مع كل اختلالاتها ومشاكلها، لكن كان رئيس الوزراء يأتي بالحكومة ولديه فكرة معينة وأجندة أو برنامج معين، والوزراء هؤلاء، المفترض، هو من يختارهم شخصياً لتطبيق برنامجه، وبالتالي هو يتحمل مسؤولية فشل الحكومة أو نجاحها بدرجة أساسية. لكن الذي يحدث منذ 2011، أن القوى السياسية تختار الوزراء، ومجلس الوزراء نفسه يكون في عدم انسجام واضح خصوصاً ما بين رئيس الوزراء وما بين الوزراء المفروضين عليه. 


حسام ردمان: 


إضافة، اتفاق الرياض له وجهان، الوجه الأول: هو تقاسم السلطة (المحاصصة)، والوجه الثاني: هو الإصلاح المؤسسي للدولة. حتى الآن لم ينفذ من اتفاق الرياض إلا جانبه الأول وهو تقاسم السلطة، ومازالت السلطة محتكرة في الرئيس ونائبه. وبالتالي نحن نريد أن نَعبُر إلى مرحلة الإصلاح المؤسسي، هل بصيغة مجلس رئاسي؟ هل بصيغة أكثر واقعية لا مشكلة. الهدف الجوهري الذي كلنا نتفق عليه، هو أهمية إحداث إصلاح مؤسسي عاجل في بنية الشرعية الراهنة. 


بعد أن شكر إياد قاسم رئيس مركز سوث24 للأخبار والدراسات، المتحدثين والمشاركين، تم اختتام الندوة. 


نبذة تفصيلية عن الضيوف:


- ميساء شجاع الدين، باحثة غير مقيمة مع مركز صنعاء للدراسات. لها عدة أبحاث عن اليمن. نشرت ورقة حول "المدارس الدينية في اليمن لمركز كارنيغي، وعن الهجرة اليمنية وانعكاسات الحرب على الجاليات اليمنية. بالإضافة إلى نشرها مقالات الرأي المتعددة في موقع العربي الجديد.


- عزت مصطفى، باحث وخبير في الشأن السياسي اليمني والإقليمي كمحلل سياسي لدى عدد من القنوات التلفزيونية، والمراكز البحثية. ويقدّم حاليا برنامج "خط أحمر" على قناة الغد المشرق. عمل مراسلا لعدد من وسائل الإعلام العربية والأجنبية ضمنها إذاعة مونت كارلو، موقع إيلاف، تلفزيون البحرين، وتلفزيون الكويت.


- حسام ردمان، باحث وصحفي متخصص بالشأن اليمني وقضايا الصراع والسلام، وتتركز كتاباته حول الجماعات الدينية المسلحة، والتطورات السياسية والاجتماعية في جنوب اليمن.  يعمل مراسلا لقناة دبي في عدن، وهو باحث زائر في مركز سوث24، وزميل باحث في مركز صنعاء للدراسات.


- أمين شنظور اليافعي، كاتب، وباحث سياسي، نائب رئيس منتدى محمد علي لقمان للدراسات، حاصل على درجة الماجستير في التكنولوجيا وإدارة الابتكارات من جامعة براندنبورغ للتكنولوجيا في -ألمانيا. كاتب لعدد من المقالات والدراسات حول مواضيع سياسية وثقافية في العديد من الصحف والمواقع العربية والمحلية


- مركز سوث24 للأخبار والدراسات 

- يمكن مشاهدة الندوة من خلال قناة المركز على يوتيوب (هنا)

- لتحميل نص الندوة إلكترونيا كـ بي دي إف (من هنا)


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا