التحليلات

في ذكرى «الانقلاب الحوثي»: سبع سنوات من الجحيم في اليمن

23-09-2021 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

سوث24| قسم التحليلات


في 21 سبتمبر 2014، تم التوقيع على اتفاقية "السلم والشراكة" في دار الرئاسة بعد اجتماع استمر لساعات بين ممثلي الحوثيين والرئيس هادي ومبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن "جمال بن عمر". وقد كانت العاصمة صنعاء تشهد أكبر اعتصاماتها بقيادة الحوثيين، إذ بدأت تفاصيل القصة باحتجاجات مفتعلة تقضي برفع الدعم عن المشتقات النفطية، ثم تحولت مع الوقت إلى اشتباكات ومواجهات استمرت لأيام أسفرت عن مقتل مئات من الجيش اليمني خارج وداخل العاصمة اليمنية.

الاتفاق الذي قرأه بن عمر وبثه التلفزيون اليمني الرسمي[1]، المنصوص على "أن يجري الرئيس مشاورات تفضي إلى تشكيل حكومة كفاءات في غضون شهر"، لم تعترضه القوى السياسية بل رضخت له، واعتبره الرئيس هادي في ذلك الوقت "إنجازاً كبيراً جنب اليمن المزيد من التداعيات والتدهور والأزمات[2]". فيما قدم رئيس الحكومة آنذاك "محمد سالم باسندوه" استقالته، مخاطباً فيها الشعب مباشرة، ومتهماً الرئيس هادي بالتفرد بالسلطة، جرّاء مخالفته المبادرة الخليجية وآليتها المزمنة، المنصوصة على الشراكة بينه وبين الرئيس في قيادة الدولة حسب ما جاء في بيان الاستقالة[3]. وبالمثل؛ كان قرار حزب الإصلاح اليمني (الإخوان المسلمين)، الذي يمتلك جناحاً عسكرياً وترسانة ضخمة من الأسلحة، بعدم المشاركة في مقاومة الحوثيين، سبباً آخراً في التفاهمات التي جرت لاحقاً بين الحوثيين والرئيس هادي، من خلال تمهيد خروج اللواء علي محسن الأحمر من صنعاء.

التمدد المريح الذي قام به الحوثيون لاحقاً، والتخطيط الذي تلاه للإطاحة بالرئيس هادي في العام 2015، كان سببه فشل الرئيس هادي نفسه، عندما حصر القرارات بيده وبيد دائرته الضيقة من رجاله، وفي مقدمتهم الأمين العام لمؤتمر الحوار الوطني "أحمد عوض بن مبارك" آنذاك؛ والذي يتقلد حالياً منصب وزير الخارجية؛ وسفيراً لليمن في واشنطن في الوقت ذاته. إذ سببت سياسة هادي الاحتكارية وضعف طاقم عمله وبطء أدائه إلى انسداد العمل السياسي وتعطيل العمل المؤسسي، وسمحت للحوثيين بالسيطرة على صنعاء ومعظم جغرافية شمال اليمن لاحقاً. وهي نفس الأسباب التي أخرت حسم الحرب عسكرياً لسبع سنوات مضت، بتدوير نفس الوجوه والاعتماد عليها في أهم المواقع حساسية وتأثير، عسكرياً وسياسياً وحتى دبلوماسياً.

ومن الثابت أيضاً، أن الرئيس السابق علي عبد الله صالح؛ كان أحد أهم الذين يسّروا وساهموا بتمدد العملية العسكرية للحوثيين نحو صنعاء، والذي نتج عنه لاحقاً، تحالف بين الطرفين للتقدم نحو باقي المحافظات ومنها إلى عدن؛ التي اتخذها عاصمة بدلاً عن صنعاء؛ بعد أن لجأ إليها إثر محاولة الإطاحة به وإجباره على توقيع الاستقالة تحت الضغط. وهذا من دواعي فشل المبادرة الخليجية التي سمحت بمنح "صالح" ومعاونيه حصانة من الملاحقة القانونية، بتجاوزها الانتهاكات التي ارتكبها النظام السابق في حق متظاهري الانتفاضة الشعبية عام 2011. مع ذلك، لم يصمد التحالف الذي كان ضرورياً بين الحوثيين وصالح؛ إذ انتهى بمقتل الأخير بشكل دراماتيكي على يد الحوثيين الذين انفردوا بقرار سلطة الأمر الواقع فيما بعد، ومازالوا حتى اليوم.

 

تأطير الحرب بعام 2015
منذ اللحظة الأولى التي دخل فيها الحوثيون إلى صنعاء، وما سبق دخولهم من مواجهات في عمران قبل ذلك وسقوطها في يوليو 2014؛ بعد معارك دامية استمرت لأيام وأسفرت عن مقتل أكثر من 300 شخص، اتخذت الحرب شكلاً آخراً من الصراع. فبعد خرقهم لاتفاقية "السلم والشراكة" بتقويضهم سلطة الدولة ممثلة بالرئيس هادي وخالد بحاح الذي جاء رئيساً للحكومة كنتيجة للاتفاق، تمادى الحوثيون بسيطرتهم على المحافظات، الواحدة تلو الأخرى، وسيطروا على مرفأ الحديدة في 14 أكتوبر 2014، ثم تقدموا نحو الوسط باتجاه البيضاء وذمار وإب، وخاضوا فيها معارك دامية انتهت لصالحهم، وكانوا قد سيطروا على القصر الرئاسي وحاصروا مقر إقامة الرئيس ورئيس حكومته في 20 يناير 2015. وأكمل الحوثيون انقلابهم على السلطة الشرعية في اليمن بعد إصدارهم "إعلاناً دستورياً" في 6 فبراير من نفس العام، قضى بموجبه حل السلطة التشريعية المنتخبة (البرلمان)، في خطوة انقلابية واضحة على سلطات الدولة الرسمية، أدت لخروج تظاهرات غاضبة في عدد من المدن اليمنية من بينها 7 محافظات جنوبية، معلنةً رفضها لما وصفته بـ (الإعلان الانقلابي)[4].

ومع استمرار ترسيخ تحالف الحوثي وصالح إسقاط المناطق الشمالية بالتوالي، خاصة المؤدية في طريقها إلى الجنوب، منها تعز؛ التي خاضت فيها مقاومة اللواء 35 بقيادة عدنان الحمادي معارك شرسة، دخلوا حرباً هي الأعنف منذ بدئها في لحج وعدن، من خلال سيطرتهم على معسكر العند والدخول في حرب شوارع مع السكان المحليين في عدن أواخر مارس 2015، لا سيما عندما سيطرت قوات صالح والحوثيين على مطار عدن الدولي ومناطق واسعة من المدينة، وبشكل رئيسي الحيوية منها ميناء عدن والبريقة حيث تقع مصفاة وصهاريج تخزين النفط". وكانت المقاومة الجنوبية تدافع عن العاصمة عدن بكل طاقتها، قبل أن يتدخل التحالف العربي في أكبر عملية تقودها المملكة العربية السعودية إلى جانب 9 دول، في فجر 26 مارس 2015، تحت اسم "عاصفة الحزم". وبعد أربعة أشهر من المعارك العنيفة وتحديداً في 17 يوليو من نفس العام، استعادت المقاومة الجنوبية مدعومة بقوات برية إماراتية العاصمة عدن، من الحوثيين والقوات الموالية لصالح في عملية برمائية عُرفت آنذاك بالسهم الذهبي، وتحررت معها باقي المناطق في الجنوب تباعاً، بما فيها لحج وأبين وشبوة، فيما كانت الضالع قد تحررت مبكّرا في 25 مايو 2015 من قبل قوات المقاومة الجنوبية التي كان يقودها حينها، عيدروس الزبيدي.

ينبغي القول، أن تأطير الحرب بانطلاق عاصفة الحزم في 26 مارس 2015، الذي تحاول كثير من المراكز البحثية والمنظمات سواء يمنية أو دولية وضعه في هذا القالب، غير دقيق وذا دلالة تحاول صرف الإشارة عن بدء الحوثيين الحرب، إذ أن الحرب بدأت عملياً منذ ما قبل سيطرة الحوثيين على السلطة في صنعاء؛ في 21 سبتمبر 2014. لذا، يرجعها بعض مؤرخي الحرب إلى هجوم الحوثيين ومحاصرتهم قرية دماج في صعده 2013، لذا فالتغاضي عن سردية الأحداث التي سبقت عاصفة الحزم فيه نوع من الانتقائية التاريخية والسياسية التي يبدو أنها مقصودة لتنميطها، من خلال إظهار الحوثيين في موضع المظلومية؛ أو بشكل أفضل مما هم عليه في الواقع وهم يواجهون وحدهم تحالفاً خارجياً يبدو في ظاهره عاتياً، على الرغم من أنهم بذاتهم يخوضون حرباً داخلية على اليمنيين بدعم إيراني أشد وأعتى من نواحي كثيرة.

الأمر الذي يؤكد حقيقة السردية القائلة، بأنه لولا تدخل القوى الإقليمية في الحرب سواء التحالف العربي بقيادة الرياض؛ أو الدعم الإيراني الموجّه للحوثيين من قبل طهران، لن يلتفت المجتمع الدولي لحرب داخلية أو على الأقل لن يتناولها بهذا القدر من الاهتمام، ولن يحسبها حرباً مالم تتدخل فيها قوى خارجية، وهو أمر ناقشته ورقة سابقة لمركز سوث24[5]. إذ تم التغاضي عن كل الحروب والمعارك التي خاضها الحوثيون أثناء مرحلة استحواذهم على السلطة في أكثر من مكان، وتمّ احتساب الحرب رسمياً بتدخل التحالف العربي في مارس 2015.
 

سجّل حافل بالجحيم
دفع اليمن شمالاً وجنوباً كلفة بشرية واقتصادية باهظة، جرّاء اندلاع الحرب الأهلية منذ 2014، وطوال 7 سنوات من النزاع المسلح؛ تحوّلت حياة ملايين من اليمنيين إلى جحيم لا يُطاق، كانت أبرز فصوله الكارثية الجرائم الحوثية غير المسبوقة والتي استخدمت أصناف انتهاكات مسجلة باسمها حصريا، إلى جانب الانتهاكات التي تعرّض لها مئات من المدنيين عبر الجو والأرض بقيادة التحالف العربي وحكومة هادي المدعومة دولياً والتي يدير قرارها الإخوان المسلمين.

ليس مقتل وإصابة عشرات الآلاف من المدنيين على يد الحوثيين بنيران قناصة وألغام محرمة دولياً نهاية مطاف مشهد، بدأ بتفجير المنازل وتجنيد الأطفال وتدمير القطاع الصحي والتعليمي، إضافة لتزايد الانتهاكات بالاعتقالات التعسفية والإخفاءات القسرية وتكميم الأفواه ومصادرة الحريات واستهداف المنشئات وتدمير المدارس، وانتهى بمواجهة 70% من سكان اليمن البالغ عددهم 30 مليون نسمة خطر المجاعة، حسب تحذيرات البنك الدولي[6]. مع ذلك، فمشهد الجحيم الذي يعانيه اليمن لم ينتهي هنا، فقد ذكرت تقارير أممية أن اليمن يعيش أسوأ كارثة إنسانية في العالم[7].

علاوةً على ذلك، شهدت اليمن انهياراً اقتصادياً غير مسبوق من خلال التوقف الكامل للعائدات النفطية التي كانت تغطي 70% من ميزانية الدولة منذ بدء الحرب، إضافة لانهيار العملة المحلية وفقدانها أكثر من ثلاثة أرباع قيمتها أمام الدولار[8]، مما أدى لارتفاع في أسعار السلع الغذائية، إلى جانب توقف صرف رواتب الموظفين، وشبه انعدام للخدمات الأساسية من كهرباء ومياه، فضلاً عن ارتفاع ايجارات المباني والمواصلات العامة.

ليس هذا وحسب، فقد ازدادت أعداد النازحين في السنوات الأخيرة من مناطق سيطرة الحوثيين باتجاه المناطق التي تسيطر عليها حكومة هادي، على سبيل المثال: وصلت أعداد النازحين وفقاً للوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين إلى أكثر من مليوني نازح في مأرب وحدها، بما فيهم أسر جنود معارضين للحوثيين، بالإضافة إلى أولئك الذين فقدوا مصادر دخلهم ونزحوا بحثاً عما يعوضهم[9].

حالة التدهور الإنساني والاقتصادي التي شهدها اليمن ومازال، تمخّضت عن دور حاسم من أطراف الصراع بلا شك، ومع أن المجتمع الدولي يحاول الضغط باتجاه وقف الصراع، غير أن فرصة السلام ستظل متواضعة أمام حجم الأزمة العميقة والانتهاكات الجسيمة التي ارتكبت في اليمن.
 

تحركات اللحظات الأخيرة
منذ الوهلة الأولى لاستحواذ الحوثيين على السلطة في اليمن، فُهم أن هذه الخطوة جاءت للسيطرة على كامل الجغرافية اليمنية بما فيها الجنوب، على الرغم من تعاطي الحوثيين مع القضية الجنوبية، وإيمانهم بمظلومية الجنوبيين حسب ادعاءات سابقة لهم؛ وحسب رؤيتهم المقدمة في مؤتمر الحوار الوطني 2013. إلا أنّ الوقائع على الأرض أثبتت عكس ذلك.

من الواضح أن الانتصارات المتتالية التي حققها الحوثيون في عدة مواقع، إما بتسليمها دون مقاومة من الجيش الوطني الذي يدير قراره حزب الإصلاح، الذي عكس تواطؤاً محتملاً بين الطرفين، أو كان سببه الفشل السياسي والعسكري في إدارة ملف الحرب من قبل التحالف العربي بقيادة السعودية، هو أمر شجّع الحوثيون للاتجاه نحو مساحات جغرافية أوسع منها البيضاء – تحديداً الزاهر، ومن ثم بيحان في شبوة التي تم تسليمها لهم من قبل حزب الإصلاح دون مقاومة أيضاً.

وعلى النقيض من المعركة المنتظرة في مأرب، بدت الصدمة مربكة للفاعلين الإقليميين وعلى رأسهم السعودية، بعد تسليم القوات الموالية للإصلاح بيحان للحوثيين دون قتال في 21 سبتمبر الجاري. فمدينة مأرب التي كان متوقع أن تكون هدفاً مباشراً للحوثيين بعد سيطرتهم على كامل مديرياتها باستثناء مدينة مأرب وصافر النفطية، لتمتين عمقهم الاستراتيجي وسيطرتهم على منشآت النفط هناك، والذي من المفترض أنّ التحضيرات في مواجهتها عالية من قبل التحالف العربي وحكومة هادي لكونها آخر معاقلهم السياسية وقواعدهم العسكرية، فإن المعارك أخذت مسارات أخرى غير متوقعة، والتي يبدو أنها جاءت وفقاً "لصفقة ثنائية" بين الإصلاح والحوثيين، الهدف منها التمدد باتجاه أبين وعدن لاحقاً.

وفي الوقت الراهن، وبالتزامن مع التقدم الحوثي في عدد من المناطق وسيطرته على مديريات عدة في البيضاء، وشبوة جنوب اليمن، يٌتوقع أن تكون هذه الخطوة من قبل الحوثيين، إما تعزيزاً لنفوذهم قبل إسقاط مأرب، أو خطوة باتجاه أبين ثم عدن، والتي على الأرجح أن الأخيرة تعدّ خطوة انتحارية بالنسبة لهم، ولن يجازفوا بها الآن. لكن، على الرغم من ذلك، فالجنوبيون يبدون على درجة الاستعداد القصوى للمواجهة، إذا ما حدث تقدم نحو المناطق تحت نفوذهم، خاصة بعد إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي حالة الطوارئ في محافظات الجنوب، والذي يُتوقع نتيجةً لغياب عامل الثقة؛ أن يقاتلوا تحت شرعية نفوذهم؛ وليس تحت شرعية نفوذ حكومة هادي الذي ثبت في عدة مواقف أن من يديرون القرار فيها؛ هم السبب الرئيسي لتطور الصراع باتجاه الجنوب.

لذا، وبالنظر للمستقبل، من المتوقع أن تزداد العراقيل في جهود السلام، في ظل الصمت الدولي والإقليمي عمّا يحدث من تطورات تصعيدية متسارعة على الأرض، وسيكون لحصول ذلك نتائج مضاعفة على الأوضاع الإنسانية والاقتصادية، وهو ما يتطلب النظر بشكل حاسم وأكثر جدية من قبل المجتمع الدولي، لخطورة أبعاد هذا التطور وما يمكن أن ينتج عنه من آثار أشد عمقاً وإيلاماً؛ إضافة لما هو قائم.


فريدة أحمد

باحثة مقيمة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة: رويترز
المراجع: 

[1] جمال بن عمر، يقرأ نقاط اتفاقية السلم والشراكة الموقعة في 21 سبتمبر 2014، youtube.com
[2] الرئيس اليمني: اتفاق السلم والشراكة الوطنية جنب البلاد المزيد من الأزمات, 22 سبتمبر 2014, وكالة الأنباء السعودية، spa.gov.sa
[3] بيان استقالة باسندوه, 21 سبتمبر 2014, skynewsarabia.com
[4]7محافظات في اليمن ترفض الإعلان الدستوري للحوثيين, 7 فبراير 2015 arabic.rt.com
[5] كيف ينظر المجتمع الدولي والإقليمي والمحلي للأزمة في اليمن؟ 6 سبتمبر 2021 , south24.net
[6] البنك الدولي يحذر من مجاعة باليمن قد تطال 70% من السكان, عربية cnbc, 4 أغسطس 2021, cnbcarabia.com
[7] اليمن يعيش أسوأ كارثة إنسانية على مستوى العالم, 7 ديسمبر 2020. صندوق الأمم المتحدة للسكان.

[8] هبوط تاريخي للريال اليمني.. وتحذيرات من "كارثة اقتصادية", 6 يوليو 2021, روسيا اليوم.

[9] مأرب: أكبر مأساة نزوح داخلي في قلب التصعيد باليمن, dw.com


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا