هل اليمن على شفا الانهيار الاقتصادي؟

هل اليمن على شفا الانهيار الاقتصادي؟

دولي

الإثنين, 30-08-2021 الساعة 10:47 صباحاً بتوقيت عدن

سوث24| قسم الترجمات 

في  منتصف يوليو/تموز، تراجع الريال اليمني إلى 1000 مقابل الدولار الأمريكي في العاصمة الجنوبية عدن التي تسيطر عليها الحكومة، وهو أسوأ سعر صرف منذ أن أصبحت الدولة الفقيرة ساحة حرب طويلة ودموية بدأت في عام 2014 عندما استولى المتمردون الحوثيون على العاصمة الشمالية صنعاء. وهو يمثل نقطة منخفضة أخرى بالنسبة لأفقر دولة في الشرق الأوسط، والتي يعتقد البعض أنها تتجه بتهور نحو الانهيار الاقتصادي والمجاعة الواسعة النطاق.

وقد أثر النزاع بشكل كبير على الرفاه الاقتصادي لليمنيين العاديين، الذين شهدوا انخفاضا كبيرا في دخولهم مع إغلاق أكثر من ربع الشركات، وارتفعت البطالة إلى ما يقدر بنحو 55 في المائة من القوى العاملة. ومع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية الأخرى، ومع تقلص قطاعات مهمة من الاقتصاد اليمني، بما في ذلك الزراعة والبنوك، بشدة على مدى السنوات القليلة الماضية، لا يزال ملايين الأشخاص يعانون من الفقر وانعدام الأمن الغذائي، حيث يعتمد أكثر من 80 في المائة من المواطنين اليمنيين الآن على المساعدات الدولية. ومع إنتاج قطاع التصدير الأكثر أهمية – النفط والغاز – لجزء ضئيل فقط من إنتاج مستويات ما قبل الحرب، فإن صادرات اليمن الآن لا تغطي بسهولة وارداتها الغذائية، التي تمثل، وفقا للتقديرات، 90 في المائة من جميع المواد الغذائية المستهلكة في البلاد.

واختتم صندوق النقد الدولي مهمته الافتراضية مع السلطات اليمنية في الفترة من 24 مايو/أيار إلى 3 يونيو/حزيران قائلا: "لقد شل النزاع المستمر منذ ست سنوات الاقتصاد اليمني، وقسّم البلاد، وأسفر عن أزمة اقتصادية وإنسانية حادة، تفاقمت بسبب وباء كوفيد-19". "انهار الدعم الخارجي، وتكاد احتياطيات النقد الأجنبي أن تستنفد، وزادت الضغوط على الميزانية. ولم تؤد جائحة كورونا إلا إلى تفاقم الأزمة، وذلك أساسا من خلال الانخفاض الحاد في التحويلات المالية وانخفاض أسعار النفط وإيراداته. ونتيجة لذلك، انخفض سعر الصرف بسرعة وارتفعت أسعار المواد الغذائية".

حكومتان 

في الواقع، تشهد البلاد المحاصرة، التي تحكمها حاليا حكومتان منفصلتان - اللجنة الثورية بقيادة محمد الحوثي في الشمال والتحالف الذي أنشئ في ديسمبر 2020 مع حكومة هادي المعترف بها دوليا، بقيادة رئيسه عيدورس الزبيدي، الذي سيطر في البداية على جنوب البلاد - أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وفقا للأمم المتحدة (الأمم المتحدة). وحسبت المنظمة فإنّ حوالي 80 في المائة من السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية، في حين قدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) أن ما يقرب من 2.3 مليون طفل في اليمن دون سن الخامسة سيعانون من سوء التغذية الحاد هذا العام، يتم تصنيف 400.000 منهم على أنهم يعانون من سوء تغذية حاد شديد ويمكن أن يموتوا إذا لم يتلقوا علاجا عاجلا.

وفي الوقت نفسه، قدّر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أن أكثر من خمسة ملايين يمني هم الآن على شفا المجاعة، حيث ذكر توبياس فلايميغ، رئيس قسم الأبحاث والتقييم والرصد في برنامج الأغذية العالمي في اليمن، أن العديد من الناس يضطرون إلى البقاء على قيد الحياة على وجبة واحدة فقط في اليوم. ومع ذلك، لم يعلن البرنامج بعد عن مجاعة، لأنه، وفقا لفلاميغ، لم يتم بعد جمع أدلة كافية على الأمن الغذائي وسوء التغذية والوفيات، نظرا للصعوبات التي يشكلها الصراع الدائر. وقال "يجب على المجتمع الدولي ألا ينتظر حتى يتخذ هذا التصنيف في اليمن إجراء. الناس لا يبدأون بالموت عندما يتم الإعلان عن المجاعة. إن وفاتهم هي وحدها التي تؤدي إلى إصدار إعلان".

وبذلك أصبح التمويل الخارجي أمرا حتميا. والواقع أنّ رئيس الوزراء، معين عبد الملك سعيد، ضغط هو نفسه على "الدول الشقيقة لتقديم الدعم العاجل حتى لا يحدث انهيار كامل يصعب بعده على أي تدخل إنقاذ الاقتصاد اليمني". ويبدو أن الولايات المتحدة قد استجاب لذلك النداء، حيث أعلنت في 9 آب/أغسطس أنها ستعزز مساهمتها في المساعدات لليمن بمقدار 165 مليون دولار، والتي تهدف إلى دعم برنامج الأغذية العالمي بتوصيل المواد الغذائية التي تشتد الحاجة إليها. وقد قدم الاتحاد الأوروبي 95 مليون يورو هذا العام لمساعدة اليمن، في حين التزمت الإمارات العربية المتحدة بتقديم 230 مليون دولار أخرى في فبراير/ شباط.

وتواصل وكالات المعونة أيضا العمل على سد الثغرات حيثما أمكن ذلك. "لدعم اليمن خلال جائحة كوفيد-19، زادت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية من دعمها للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تصنع معدات الحماية الشخصية، وعمال النظافة المضادة للبكتيريا، ومنتجات التعقيم التي تساعد على تلبية الطلب المحلي مع خلق فرص العمل وزيادة الدخل، حسبما ذكرت وكالة التنمية الدولية الأمريكية مؤخرا. ومن خلال أنشطة تطوير القوى العاملة المصممة خصيصا للتأهب والاستجابة للفيروس، دعمت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية تدريب ووضع أكثر من 1100 عامل في مجال الرعاية الصحية في مناصب مهمة في المستشفيات العامة والخاصة.

آفاق قاتمة 

ومع احتمال استمرار ارتفاع التضخم استجابة لانخفاض سعر الصرف وارتفاع أسعار الغذاء والوقود الدولية، فإنّ قيمة المساعدات الخارجية تتضاءل بسرعة، في حين أن ميزان المدفوعات والاحتياطيات في اليمن يزداد سوءا تدريجيا. ومن أجل تحقيق الاستقرار في الاقتصاد الكلي ودعم الانتعاش، وفقا لصندوق النقد الدولي في أعقاب زيارته إلى البلاد في يونيو/حزيران، يحتاج اليمن إلى تعبئة موارد إضافية وتسريع عملية إعادة بناء المؤسسات. وخلص الفريق الذي يقوده بريت راينر عقب البعثة إلى أن "الحصول على دعم خارجي إضافي سيساعد على سد الفجوة التمويلية الكبيرة، وبالتالي الحد من انخفاض قيمة العملة والتضخم". "ومن شأن زيادة الإيرادات المحلية أن تدعم استقرار الاقتصاد الكلي عن طريق الحد من الحاجة إلى التمويل من البنك المركزي. كما سيسمح للسلطات بتلبية احتياجات الإنفاق الاجتماعي العاجلة، بما في ذلك احتياجات السلع الأساسية والرعاية الصحية والتعليم".

ولكن من دون التوصل إلى حل سريع للصراع، حذر صندوق النقد الدولي أيضا من أن الآفاق الاقتصادية لليمن على المدى القريب ستظل قاتمة بالتأكيد. وسيكون لاستمرار الوباء العالمي، إلى جانب نقص مصادر التمويل الخارجية، تأثير معوق على الناتج المحلي الإجمالي، الذي ذكر الصندوق أنه يتوقع انكماشه بنسبة 2 في المائة أخرى في عام 2021 بعد أن انخفض بنسبة 8.5 في المائة في عام 2020.

كما أشار الصندوق إلى أن النزاع أضعف وجزأ قدرة اليمن على وضع السياسات، مما حد من قدرة السلطات على الاستجابة بفعالية للأزمة. ومع استمرار سيطرة المتمردين الحوثيين على مساحات واسعة من اليمن، تم الاستيلاء على مساعدات تقدر بملايين الدولارات منذ بداية الحرب. ولا تزال التبرعات تصادر بانتظام بدلا من الوصول إلى من هم في أمس الحاجة إلى الدعم، في حين أفادت التقارير أيضا بفرض "ضريبة" غير رسمية على المعونة الإنسانية.

وبالتالي، فإن وقف إطلاق النار الدائم مطلوب قبل أن يفكر اليمن حتى في البدء في تدابير تحقيق الاستقرار الاقتصادي والتحرك نحو التوحّد. ولكن مع وجود أدلة تشير إلى أن الحوثيين يمارسون مزيد من النشاط في الأشهر الأخيرة – حيث أنشأوا مصرفا مركزيا خاصا بهم في صنعاء، ويقال إنهم يهدفون إلى تعزيز استقلالهم النقدي والمالي – من المرجح أن يحتدم الصراع، خاصة وأن معركة ضارية على مدينة مأرب في الشمال لا تظهر سوى القليل من علامات الحل في أي وقت قريب. ومع عدم وجود نهاية في الأفق للاضطرابات، سيبقى الاقتصاد اليمني في أزمة عميقة.

 نيكولاس لارسن، مصرفي دولي 
- المصدر الأصلي بالإنجليزية: انترناشنال بانكر (مؤسسة تحليل مالية ومصرفية) 
- عالجه ونقّحه للعربية: مركز سوث24 للأخبار والدراسات 
- الصورة: ا ف ب
 

الاقتصاد اليمنياليمنحرب اليمنالحوثيونجنوب اليمنشمال اليمن