التحليلات

لماذا تفشل جهود التسوية السياسية في اليمن؟

18-08-2021 الساعة 8 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24| ورقة تحليلية


يبدو أنّ اليمن أصبح يؤسس له ضمن أدبيات مدارس "الأمن غير التقليدي" بالدولة ذات "الأزمات المستعصية"، خاصة مع الإضطراب الملحوظ فى فرص إنجاح التسوية السياسية. وذلك بالتوازى مع تضافر العديد من العوامل المعقدة والمركبة، والتى تتداخل فيها عناصر كثيرة ذاتية وموضوعية داخلية وخارجية. فعلى سبيل المثال: تعكس طبيعة الصراع إحدى أهم "العوامل المُعقدة" والتي تظهر من خلالها هيكل النظام السياسي ومكوناته وتشتت القوى المتصارعة، وتعدد أجنداتها وارتباطاتها الخارجية إستنادا للأهمية الجيو سياسية لليمن، بالإضافة إلى هشاشة هيكل التحالفات فيما بين القوى المتصارعة – جنبا إلى جنب – مع كثرة الانقسامات الداخلية للمجتمع اليمني وتشاطر البعد المذهبي مع البعد القبلي والجهوي، فضلا عن عدم وضوح أهداف الدول المنخرطة في الشأن اليمني، وحالة "اللاحسم" الميدانى والتى تفرض حالة من التشتت فى كافة المباحثات الإقليمية والأممية حول تعريف من هو المنتصر ومن هو المهزوم، إذ تخلق كافة تلك العوامل وضع سياسي هش تضطرب معه كافة مسارات التسوية السياسية والتي انعكست بصورة واضحة في إطار القراءات التالية: 



ديناميكيات معقدة:


تنشأ الديناميكيات العامة للصراع في اليمن، وتنوع الأطراف المتنازعة ووكلائهم بالإقليم، وجغرافية النزاع، فضلا عن انعكاس مجمل التفاعلات الميدانية ومآلاتها النوعية حول ترسيم المسارات السياسية والعسكرية للملف اليمنى، وانعكاس ذلك على فهم أسباب اضطراب مخرجات التحركات الإقليمية والدولية نحو التسوية السياسية فى اليمن، وذلك من خلال: 


- اللاحسم الميداني:


بالنظر للتطورات الميدانية الأخيرة بالمسألة اليمنية، فجماعة الحوثى تسعى لتعميق تحركاتها العسكرية نحو انتزاع المزيد من التمثيل في التركيبة السياسية الرسمية فى كافة المفاوضات المستقبلية، وبما يؤهلها كذلك لرفض أي تحركات نحو "التسوية السياسية" إستنادا لثلاث محددات، الأول: أن الحوثيين لا يملكون دافعًا للانخراط في العملية السياسية وتقاسم السلطة مع الأطراف اليمنية الأخرى، نظراً لأنهم يسيطرون اليوم على معظم مناطق شمال اليمن. ثانيا: تنامي القدرات العسكرية للحوثيين، مما يجعلهم أقل عرضة للقبول بتقديم التنازلات التي ستنص عليها أي تسوية. ثالثا: أن المجتمع الدولى لا يملك وسائل ضغط كافية لإلزام الحوثيين بعملية التسوية السياسية، فالجماعة لا يعنيهم التلويح بالعقوبات ولا بالانتقادات الدولية، فضلا عن كونها تصنف نفسها كحركة مسلحة / كيان عقائدي وليست فصيل سياسي.


نقطة أخرى تتعلق بـ "التكيف الهيكلى" داخل كلا الطرفين، فبالوقت الذي أظهرت به "الميليشيا" المدعومة من إيران تماسكاً بالموقف السياسي والميداني، ظهرت الحكومة الشرعية بمظهر"المضطرب" نتيجة تصادمها مع بعض الجهات مثل المجلس الانتقالى الجنوبى. ومن ثم، فالدفع بمسار التسوية السلمية يلزم معه توليفية سياسية تراعي مصالح القوى الفاعلة كافة، دون إقصاء طرف، ودون هيمنة طرف على القرار السياسي اليمني.

  

- أجندات مضطربة:


اختبرت المسألة اليمنية مدى التضارب بالأجندات الإقليمية والدولية حول مسارات التسوية السياسية لمستقبل المسألة اليمنية، وذلك على النحو التالى:


1. دول الخليج العربى:


ثمة عدم توافق نسبى داخل مجلس التعاون فيما يتعلق بـ "المسألة اليمنية"، فسلطنة عمان فضلت الانزواء بعيدًا عن الحرب رغم تطابق سياستها وتوجهاتها مع جماعة الحوثي، ورغبتها بالمحافظة على مجالها الحيوي بالتقرب من إيران، حفاظا على مصالح السلطنة وسياستها الديموغرافية.


بالمقابل، تسعى الإمارات – إلى جانب المملكة السعودية - لإحداث التوازن السياسي المطلوب بالمسألة اليمنية، فضلا عن محاولاتها لاستثمار التحركات الإقليمية المختلفة في ضمان الاستقرار النوعي لمضيق باب المندب الحيوي. بالإضافة إلى مواجهه الأحزاب السياسية، أو ما يعرف بـ "الإسلام السياسي"، وذلك بالتوافق في الرؤى مع السعودية، التي تنبذ الأطروحات الداعمة لانفصال جنوب اليمن، وتشدد على أن الإصلاح/ والتسوية جزء من مكونات الدولة اليمنية "ككل"، دون إقصاء أي من فواعلة الديموغرافية.


في السياق ذاته، تأتي تحركات الخليج بشكل متوازن مع الاستراتيجية السعودية، فعلى سبيل المثال: دفعت الكويت بجنودها نحو الحدود السعودية مع اليمن خشية التوسع الإيراني، فيما البحرين تعتبر اليمن معركتها النهائية بسبب الأزمة مع الطائفة الشيعية التي توصف بأنها تابعة لإيران وسياستها نحو الهلال الشيعى.


2. الدول الأفريقية:


تتأثر الدول الأفريقية بشكل واضح بالإنعكاسات السلبية لحالة "اللاستقرار" بالدولة اليمنية، فمصر تتحرك دوما للدفع بمسارات التسوية السياسية ووحدة "الصف اليمني"، وذلك إنطلاقا من معياراين: الأول، رغبة في تطويق التمدد الإيراني بالمنطقة، والثاني، ضمان الاستقرار الأمني بمضيق باب المندب.


بالسياق ذاته، تُبدي كلا من "جيبوتى والصومال" قلقهما من النهج الإيراني في اليمن وانعكاساته المباشرة بالقارة الأفريقية. وكذلك التوجهات السودانية والإريترية وتوافقها التام مع الرؤية القومية بالمسألة اليمنية. 


3. الجمهورية إيران:


إحدى أهم إستراتيجية التحرك الخارجية للجمهورية الإيرانية، ما يتمثل في السيطرة على المناطق الجيوسياسية ذات الصبغة الحيوية، عبر دعم أذرعها ووكلائها بمناطق النفوذ. وهوما ظهر بشكل واضح في دعمها لجماعة الحوثى في اليمن – ماديا ومعنويا – إذ تسعى لترسيم مخططاتها في اليمن وفق رؤية دولة واحدة خاضعة لسيطرة الحوثيين، أو دولتين (شمالية بيد الحوثيين) وجنوبية (بيد فصائل موالية لها)، كذلك تسعى طهران لعدم تكرار تجربة نوري المالكي العراقي، وتفضّل استنساخ تجربة حزب الله اللبناني باليمن، حيث يملك الثلث المعطل لأي قرار حكومي وسياسي في لبنان.


ومن ثم، فتُعد أولى أولويات طهران استمرار الحرب على الحدود السعودية وإشعال حرب استنزاف على حدودها الجنوبية، لذلك تستمر بتقديم السلاح وتكنولوجيا الصواريخ البالستية إلى حلفائها الحوثيين. فضلا عن ربط طهران للحوثيين بمحور أوسع هو محور المقاومة، والذى يضم: سوريا والعراق وحزب الله وإيران والحوثيين، والذى يُعد المؤسس لجيش التحرير الشيعي، ويرتبط بشكل مباشر بالقيادات في الحرس الثوري الإيراني.


4. الولايات المتحدة الأمريكية:


تختلف الأولويات الأمريكية في اليمن بالنسبة للكتلة العربية والإفريقية، خاصة بعد إلغاء تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية وبدء التقارب الحثيث مع إيران منذ تولي الرئيس الديمقراطي "جو بايدن" رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية. والتركيز بشكل أساسي على جهود مكافحة الإرهاب، وتقويض محاولات إعادة إنتاج تنظيم القاعدة في اليمن. 


الجدير بالذكر، أنه من المرجح أن تسعى الإدارة الأمريكية - على المدى القريب والمتوسط - إلى إدارة "المسألة اليمنية" سياسيا، وذلك من خلال المبعوث الخاص "ليندركينغ"، وما قد تؤول إليه تحركاته المختلفة في احتمالات التوصل إلى طرح "عملية تسوية" بالمشاركة مع جهود الأمم المتحدة وعبر الوساطات مع القوى الإقليمية (1)، ودفعهم إلى تحويل فائض الانخراط العسكري على الساحة اليمنية إلى جهود الوساطة من أجل التهدئة ومن ثم التسوية السياسية. إذ لازالت كل تلك الترجيحات قيد الإختبار.


5.الاتحاد الأوروبي: 

 

يملك الاتحاد الأوروبي سياسة منفتحة بشكل عام على أطراف الصراع في اليمن، فمن جانب يؤكد على شرعية الرئيس اليمني، ويرى أن بقاء سلاح الحوثيين يمثل خطرًا على المنطقة والاستقرار الإقليمي. لكنه بالمقابل، يدور في حلقات مفرغة دون تبني منهج واضح لإدارة العملية السياسية بالمسألة اليمنية رغم التوافق التام مع كافة التحركات الأممية.


6. الصين:


تتفق بكين مع الرؤية القومية/ العربية في مواجهة الحوثيين، فضلا عن كون سياستها الخارجية تعتمد على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. 

الجدير بالذكر، أن أولويات الصين فى اليمن تُشكل وفقا لإعتبارات اقتصادية خالصة وذلك بالنظر لما تمتلكة اليمن من قدرة شرائية متواضعة تجعل منها سوقاً صينياً لا يمكن التغاضي عنه لدى الشركات الصينية.


7. روسيا:


يتسم الموقف الروسى من المسألة اليمنية بالحذر والحياد التام، فعلى سبيل المثال:عند إصدار القرار 2216 امتنع المندوب الروسي عن التصويت، من أجل تمريره. إذ ترتبط أولويات موسكو بالملف اليمني بموقف الرياض - بشكل كبير - وهو ما انعكس على مجمل التحركات الرامية للمهادنة مع المملكة العربية السعودية في ذلك الملف الذي يُعد ذو صبغة حيوية لأمنها الإقليمي، لكن بالمقابل، قد تتغير السياسات الروسية فى التعامل مع ذلك الملف فى حال أصبح هناك تدخل ملحوظ من جانب الإدارة الأمريكية الجديدة، وذلك فى إطار إعادة إنتاج القطبية الثنائية وخرئط النفوذ بالشرق الأوسط.


الجدير بالذكر، أن موسكو دوما ما تسعى لتطويع الورقة اليمنية من أجل تبرير مواقفها السياسية والميدانية فى سوريا، فعلى سبيل المثال: في أثناء محاولة تقديم مشروع قرار في مجلس الأمن لفرض حظر جوي على حلب السورية، طالب المندوب الروسي أن يكون هناك حظرًا مماثلًا في اليمن.


- مباريات صفرية فى الداخل:


معظم القوى المتصارعة ذات هياكل سياسية "شمولية" مستمدة من أيديولوجيات دينية، فعلى سبيل المثال: تحركات الحوثيون الميدانية تستند إلى "الشرعية الدينية"، إذ تستمد مقولاتها الرئيسية من أفكار "قروسطية" تقوم على حق احتكار السلطة لسلالة معينة استنادًا إلى تفسيرات خاصة بها للنص الديني. وتتعامل مع خصومها بآلية إقصائية وتصفهم بأنهم جماعات تكفيرية إرهابية (قاعدة، ودواعش). في المقابل؛ يستند عدد من القوى التي تحارب الحوثيين، إلى مقولات دينية ترى في الحوثيين "روافض" وخارجين عن الدين. فالمعيار الحاكم فى تلك النقطة يعتمد على "تصفير الصراعات" القائم على فكرة إلغاء الآخر بالقوة، وهو الأمر الذي يجعل من الصعب عليهم التوصل إلى تسوية شرطها الأبرز متمثلا فى :"الاعتراف بالآخر والعمل معه كشريك".


- تعقيدات جيوسياسية: 


أضفت الحرب فى اليمن بُعدا جيوسياسيا أكثر حيوية في تعقيد دورات "الحسم التفاوضي" لمسارات التسوية السياسية، إذ أشعلت نيران الحرب التنافس الحدودي بين مختلف الأطراف المنخرطة في المسألة اليمنية. فمن المهرة شرقًا، إلى سقطرى جنوبًا، إلى السيطرة على الخطوط الملاحية في البحر الأحمر، تلقي الحرب بظلالها على هذه المناطق، لتتحول من مناطق جغرافية طرفية إلى مراكز صراع للدول الإقليمية، لتفتح فصل آخر من تعقيدات مشهد الصراع في اليمن (2).


الجدير بالذكر، أن جميع أطراف الصراع لا يعترف لخصومه بمناطق نفوذ محددة، ولا الحق بتمثيل جماعة سكانية معينة، ويُستثنى من ذلك؛ القوى التي تهتم بمحافظات الجنوب وسكانها. أما الأطراف الأخرى فإن سقف اهتمامها يشمل جميع مناطق وسكان اليمن، فعلى سبيل المثال: القوى التي تقاتل الحوثيين تحت مظلة السلطة الشرعية، هدفها من الحرب هزيمة الحوثيين ووكلائهم بالإقليم، فيما يهدف الحوثيون وأجنداتهم المرجعية إلى السيطرة على خريطة سكان اليمن وموارد مناطقها.  ومن ثم، فمن المرجح استمرار انحسار فرص التسوية السلمية، لأنّ كل طرف سيستمر في الصراع من أجل إحداث خرق "ديموغرافي"، والسيطرة على أكثر عدد من السكان، وأكبر مساحة من الجغرافيا، ولن يقبل الاعتراف بسيطرة خصمه على المنطقة التي تحت سلطته.



إشكاليات ممتدة:


ثمة عدد من الإشكاليات ساهمت فى توتر المسألة اليمنية واضطراب مسارات التسوية السياسية، أهمها تمثل في: 


1. إشكالية "بناء الدولة القومية":

   

إحدى أهم الإشكاليات ما يتعلق بتعثر بناء "الدولة القومية"، إذ لازالت اليمن قائمة على فكرة "الولاءات الفرعية"، إذ فشلت كافة المحاولات فى تأصيل مفاهيم الديموقراطية والدولة القومية مقابل تجذر وتشعب مفاهيم عهدي الإمامة والاستعمار من نوازع الولاءات الفرعية بحكم العزلة لعهود طويلة، وانعكاس ذلك سلبا على بناء الدولة القومية الحديثة، هذا بالإضافة إلى إشكالية "بناء دولة الوحدة" على أسس المساواة والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص وغيرها من الإشكاليات التي واكبت سير العملية السياسية، والتى تدفع بأزمة أكثر عمقاً تتمثل في "اضطراب قيم الولاء" والتي انعكست بصورة واضحة على تعدد الفصائل النوعية ذات الطبيعية المذهبية والقبلية، وتحركاتها المؤدلجة - بصورة مباشرة وغير مباشرة - نحو الدفع بعرقلة كافة التسويات السياسية الإقليمية والدولية بالمسألة اليمنية.


2. تزايد الانقسامات وتعثر الداخل:


تضفي الاضطرابات والفوضى الداخلية، المزيد من التعثر بمسارات التسوية السياسية، إذ دفع تزايد الانقسامات الداخلية، بالإضافة إلى إرتفاع معدلات الفقر والقيود المفروضة على الموارد، إلى جانب التناحر بين الفصائل المختلفة، إلى نشوب مزيد من الصراعات المحلية، بما يعرقل معه التحركات الأممية نحو إنجاز أي من مستهدفات التسوية السياسية.


3. ضعف "التمثيل النوعي" بالجولات السياسية: 

 

ترجع تلك النقطة لإشكالية عدم التوسع فى نطاق التمثيل السياسي لمختلف الفصائل اليمنية بكافة المفاوضات/ المباحثات الرامية لإنجاز مسارات "التسوية السلمية"، وهو ما دفع بمزيد من "فوضى الاقتتال" دون الحديث عن خلق أي "مساحات مشتركة" يمكن البناء عليها بالمفاوضات الأممية أو المبادرات الإقليمية.


فعلى سبيل المثال: أغلب التحركات التفاوضية تستهدف بالمقام الأول "وقف إطلاق النار"، دون النظر لمطالب الفصائل اليمنية، وخاصة "الحوثيين"، بما دفع بفشل كافة التحركات الرامية لرأب التصدع بالمسألة اليمنية، خاصة مع تفاقم التداعيات السلبية الأمنية، والاقتصادية، والسياسية، والإنسانية، إلخ.


4. إشكالية نزع السلاح وتفكيك نظرية "الأمن الهجين":

   

تمتلك الدولة اليمنية قطاعاً أمنيا ضعيفاً وعاجزاً عن توفير احتياجات الشعب. إذ سُجل في كثير من الحالات، أنه كان يتم توفير الأمن من جانب الجماعات غير الخاضعة للدولة في أكثر من فعالية من الجهات الرسمية، لكونه النموذج الوحيد المتوفر على الإطلاق وهو ما يطلق عليه "الحوكمة الأمنية المُحتكرة" (3). وشمل مقدمو الخدمات الأمنية غير الحكوميين القبائل والهيئات المجتمعية الأخرى التي تتقاطع في بعض الأحيان مع الجهات الرسمية أو مع مصالح وأجندات السماسرة المتنفذين، وهو الأمر الأكثر شيوعاً.


الجدير بالذكر، أنّ إشكالية "الأمن الهجين" بدأت تطفو على السطح كبديل عن "الأمن التقليدي"، إذ أتاحت موروثات "الدولة الضعيفة/ المنهارة" والصراعات المتشابكة الفرصة لإعادة تشكيل النظم السياسية الانتقالية للجهات الفاعلة المسلحة غير الخاضعة للدولة، وذلك بأن تتمتع باستقلالية كبيرة في اليمن. إذ أعادت اليمن إنتاج النمط القديم المتمثل بالتنازل عن قدر كبير من السيطرة والمراقبة الاجتماعية لصالح مقدمي الخدمات الأمنية البديلة (4). ومن ثم، أصبحت الهياكل الأمنية الهجينة أو البديلة موازية لقطاع الأمن الرسمي أو حتى متفوقة عليه بما يعيق التقدم في مسارات التسوية السياسية.


فعلى سبيل المثال، أفشل ملف "الوضعية الأمنية لأسلحة الحوثيين" المشاورات السياسية في الكويت 2016، إذ أنهت فرص التوصل إلى حل سياسي يُنهي الحرب ويقود إلى سلام ممكن في اليمن، فقد رفض الحوثيون آنذاك التوقيع على الترتيبات الأمنية التي تشمل تسليم الأسلحة والانسحابات من المدن، وبالتالي لا يمكن الانتقال إلى أي خطوة في ظل تصاعد الحرب بين أطراف الصراع.


5. تنامي نزاع الوكلاء بين إيران والسعودية:


إنّ الصراع في اليمن لا يمكن تحليل روافدة وأسباب تعثر جهود التفاوض السياسي بشأنه بمعزل عن الصراع الإقليمي وتقاسم النفوذ بين كل من إيران والمملكة العربية السعودية، إذ دخل الصراع السعودي الإيراني في اليمن مسارا شديد الخطورة منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في 21سبتمبر 2014، حيث اتخذ الصراع طابعا عسكريا مباشرا بعد أن كان الصراع يُدار من خلال الوكلاء، ويعتبر الصراع السعودي الإيراني أحد الأسباب الرئيسية في تأزم عملية المفاوضات السياسية بالرغم من وساطة العديد من الأطراف الإقليمية والدولية والأممية، فالمملكة السعودية لن تقبل باتفاق سلام تكون نتيجته ترك ميليشيا الحوثي مسلحين ويتمتعون بسلطة سياسية، أو بالسيطرة على صنعاء، خاصة وأن الحوثيين – في ظل الدعم الإيراني المستمر - عمدوا إلى استخدام استراتيجية "الهجوم المضاد" و "إرباك الخصم"، وهوما تم اختباره بشكل واضح في هجمات الحوثيين المضادة لقوات التحالف العربي، خاصة السعودية.


في النهاية، يبدو أنّ مسارات التسوية السياسية دوما ما تبوء بالفشل عند النظر لحجم التعقيدات الداخلية والتشابكات الخارجية سواء الإقليمية أو الدولية، إذ أصبحت مدركات الفواعل بالمسألة اليمنية تميل إلى تغليب الخيار العسكرى "مرحليا"، خاصة وأنه من غير المُرجح أن يتجة أي طرف إلى وقف إطلاق النار فى ظل التشابكات الإقليمية والمحلية، فضلا عن إشكالية ضبابية حسم معادلات موازين القوى بشكل يراعي الكافة ودون أن يخل بالطموحات اليمنية القومية. فعلى سبيل المثال: لم تعد المعادلة الإيرانية في اليمن تتوقف عند حد توظيف الحوثيين كأداة في الصراع الإقليمي، خاصة في ظل النضوج النسبي للمشروع الحوثي الطائفي والهندسة الجيوسياسية له التي تخدم المصالح الإيرانية. بينما الرياض، فتسعى بتحركاتها الأخيرة نحو إنهاء هذا التهديد الاستراتيجي الذي تشكله جماعة الحوثي وتقويض فرص خلق قوة طائفية في شمال البلاد متاخمة لحدودها على غرار قوة "حزب الله" في جنوب لبنان.


ومن ثم، فمن المُرجّح - أمميا وإقليميا - أن يعاد إختبار التحرك مرة أخرى لإعادة إنتاج "مسارات التسوية السياسية"، وذلك عبر إحداث "إختراق نوعي" لمعادلات الوضع الحالي "ميدانيا/ وسياسيا"، فضلا عن احتمالات خلق استحقاقات سياسية تضمن الحد المقبول من التوافق الضمنى بين مختلف الأطراف ووكلائهم المنخرطين بالمسألة اليمنية، تمهيداً لإنجاح الجهود المتباينة لمسارات "التسوية السياسية" فى اليمن.


د. إيمان زهران
متخصصة في العلاقات الدولية والأمن الإقليمي

- الآراء الواردة في هذه الورقة، تعكس رأي المؤلفة (لتحميل الورقة إلكترونيا من هنا)
- الصورة: للمبعوثين الأمميين إلى اليمن، (تجميع سوث24)


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا