التحليلات

المسارات الدولية للحل: هل توقف «الضرورة الإنسانية» الحرب باليمن؟

05-06-2021 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24 | قسم التحليلات


أزمة الصراع في اليمن التي امتدت لـ 6 سنوات دخلت عامها السابع تجّر خلفها أسوأ كارثة إنسانية واقتصادية عرفتها البلاد[1]. قد تؤول الأوضاع للأسوأ، إذا لم تتوقف الأطراف المتصارعة عن القتال. بالمقابل تجتهد منظمات العمل الإنساني الأممية في صد الكارثة من الوقوع على رأس اليمنيين.


مؤخراً حظيت الأزمة اليمنية باهتمام أممي ودولي غير مسبوق، يهدف لإنهاء الحرب وعقد تسوية سياسية شاملة تضم كل الأطراف الفاعلة. إلى جانب مساعي المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن جريفيث، لحل الأزمة اليمنية، هناك مساعٍ دولية تساند جريفيث وتحاول السير باليمن نحو الحل السياسي الشامل.


المسار الأممي لحل الأزمة اليمنية


مطلع العام الحالي تبنّت المنظمة الأممية خيار "الحل السياسي الشامل" للأزمة اليمنية، كان هذا بالتزامن مع انتهاج الإدارة الأمريكية الجديدة أداءا سياسياً مختلفاً عن أداء سابقتها، يسعى إلى تفعيل الدبلوماسية الأمريكية والأممية في اليمن، على حساب إلغاء الدور العسكري للسعودية. انعكس ذلك سلباً على الأزمة اليمنية.


بالمقابل، الأداء الأمريكي ربّط الدور الإيراني بالأزمة اليمنية، في سياق يتصل بسعي واشنطن لحث طهران على العودة إلى مفاوضات برنامجها النووي، الأمر الذي شجّع الحوثيين المدعومين من إيران على الاستمرار في هجومهم العسكري على مدينة مأرب الذي يعرّضها لأكبر كارثة إنسانية، بحسب المنظمات الدولية.


كل هذه التحولات التي حدثت في مسار الأزمة اليمنية، عزّزت آلة الحرب والدمار وأنتجت كارثة إنسانية هي الأسوأ، دفعت المنظمة الأممية والمجتمع الدولي للحديث والتأكيد على ضرورة وقف الحرب والدفع بالحل السياسي الشامل.


في سياق يتصل بالأزمة اليمنية، ليس مبشراً أن تتزامن المخاوف من الكارثة الإنسانية مع شعور المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن جريفيث بالإحباط لعدم توافق أطراف الصراع على الحل السياسي [2]. أواخر مايو الماضي عاود مارتن جريفيث مساعيه لحل الأزمة اليمنية، حيث دشّن جولته الدبلوماسية الأخيرة ابتداءً من الرياض ومروراً بمسقط وانتهاءً بصنعاء، أجرى خلالها سلسلة من اللقاءات مع أطراف الصراع في اليمن.


تجدر الإشارة إلى أنَّ هذا اللقاءات أتت بالتزامن مع عودة طرفي اتفاق الرياض، الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، إلى استئناف المباحثات حول تنفيذ ما تبقى من الاتفاق الذي رعته المملكة [3].


لم يكن لقاء مسقط الذي جمع المبعوث الأممي بوفد الحوثيين كافياً بقدر ما كان مُمهداً لذهاب مارتن جريفيث إلى صنعاء للقاء زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي. قبل هذا اللقاء، كان المبعوث الأممي قد التقى المبعوث الأمريكي لليمن وسفراء الدول الخمس الذين عبرّوا عن دعمهم الكامل لمساعي إحلال السلام الشامل في اليمن [4]. ولم تكن إشارة سفراء الدول الخمس كافية لإقناع عبدالملك الحوثي بوقف الحرب على مأرب. 


فيما بعد، اتضح من حديث المبعوث الأممي في مؤتمر صحفي قبل مغادرته صنعاء، إنَّ الحوثيين كرروا اشتراطهم فصل الجانب الإنساني عن أي اتفاق سياسي [5]. يُفهم من محاولة الحوثيين استحضار الجانب الإنساني في سياق يتصل بالقانون الإنساني الدولي، رفضهم وقف الحرب، الأمر الذي دفع مارتن جريفيث للقول إنَّ الاستجابة لوقف الحرب تُعتبر مبدأ إنساني أيضاً [6].


في نفس الوقت الذي يختلف فيه المبعوث الأممي والحوثيون حول وقف الحرب، يجمع الطرفان من زاوية أخرى على تضرر الجانب الإنساني في اليمن. يشير المبعوث الأممي إلى وقف الحرب من جانب إنساني، بينما الحوثيون يطالبون بوقف الحصار المفروض عليهم من جانب إنساني أيضاً.


هذا التعقيد في الأزمة اليمنية، يستدعي بالضرورة دعم وإسناد المجتمع الدولي لجهود المنظمة الأممية ومبعوثها إلى اليمن، ليس فقط على المستوى النظري بل والعملي أيضا.


المسارات الدولية لحل الأزمة اليمنية


هناك ثلاثة مسارات دولية إلى جانب جهود المنظمة الأممية، تساند مسار المبعوث الأممي في حل الأزمة اليمنية:


1- المسار السويدي


مع تسلم مارتن جريفيث مهمة المبعوث الأممي إلى اليمن في أبريل 2018، شهدت الأزمة اليمنية العديد من الاضطرابات والتحولات. 


في منتصف العام 2018، على صعيد الصراع العسكري الذي احتدم في جبهة الساحل الغربي، تقدّمت قوات ألوية العمالقة التي تتألف من الجنوبيين وقوات المقاومة التهامية وغيرهم، بدعم من التحالف العربي، على القوات الحوثية، باتجاه مدينة الحديدة. كادت القوات المهاجمة أن تنتزع مدينة الحديدة ومينائها البحري من قبضة الحوثيين.


إثر التداعيات الإنسانية التي كانت ستسببها معركة مدينة الحديدة، تم توقيع "اتفاق ستوكهولم" بين الحكومة اليمنية والحوثيين في 13 ديسمبر 2018.


مثّل الاتفاق الذي رعته دولة السويد، نقلة نوعية في مسار الأزمة اليمنية، نقل الاخيرة من الصعيد العسكري إلى صعيد التعاطي السياسي لدواع إنسانية. في محاولة لنفي شرعية الحوثيين، اعتبرت الحكومة اليمنية اتفاق السويد، اتفاقاً إنسانياً.


بالمقابل، إذا ما انتقلنا من الزاوية الغربية في الصراع اليمني (الحديدة) إلى الزاوية الشرقية (مأرب) نجد نفس الاسباب والمآلات ماثلة أمامنا. تشير الحرب بين الحكومة اليمنية والحوثيين في مأرب إلى وقوع كارثة إنسانية، تستوجب انصياع الطرفين لوقف إطلاق النار ومنح مأرب اتفاق سياسي على غرار اتفاق ستوكهولم.


 تجدر الإشارة إلى أنَّه بالتزامن مع أحداث معركة مأرب، كانت الدبلوماسية السويدية قد أجرت سلسلة من اللقاءات مع أطراف الصراع اليمني، لعلها تنجح في إحراز اتفاق سياسي يختص بفض النزاع حول مأرب الذي تترتب عليه تداعيات إنسانية. 


2- المسار السعودي 


العام الأول لعمل مارتن جريفيث في 2018، انتهى بتحوّل سياسي في الأزمة اليمنية برعاية سويدية. العام التالي شهد تحولات عسكرية وسياسية في جنوب اليمن، انتهت بتوقيع اتفاق سياسي في 5 نوفمبر 2019 على غرار اتفاق ستوكهولم، سُمي "اتفاق الرياض"، وقعّته الحكومة اليمنية الموالية للرئيس هادي مع المجلس الانتقالي الجنوبي، برعاية سعودية.


تَظهر رعاية السعودية لاتفاق الرياض ودعوتها الأخيرة لطرفي الاتفاق إلى استئناف المباحثات، جنباً إلى جنب مع الحراك الدبلوماسي الأممي والدولي لحل الأزمة اليمنية، الأمر الذي يجعل المسار السعودي وعملية انجاز اتفاق الرياض، جزء من كل أو خطوة مشابهة للجهود الأممية والدولية للحل السياسي وإحلال السلام.


3- المسار الروسي


تتمتع روسيا بعلاقات جيدة مع كل أطراف الأزمة اليمنية، إذ مكنّها وقوفها على مسافة واحدة من الجميع من لعب دور الوسيط [7]. على خلاف نظيراتها في الدول الخمس، تعترف روسيا بالحكومة اليمنية وفي نفس الوقت لديها علاقة جيدة مع إيران تجعل الجماعة الحوثية في متناولها.


بالمقابل ما زالت لدى روسيا علاقة جيدة بجنوب اليمن، تبرر انفتاحها على المجلس الانتقالي الجنوبي. إضافة إلى ذلك، تعمل الإدارة الروسية الحالية بمنهجية براجماتية في مساحة لا تتواجد فيها قوى دولية أخرى.


من هذا المنطلق ينفْذُ الدور الروسي في حل الازمة اليمنية، كعامل مساعد في صناعة التوازنات على الصعيدين الدولي واليمني. بناءً على ذلك تقترب روسيا من الحل السياسي للأزمة اليمنية أكثر من أي طرف خارجي آخر، وتنشط الدبلوماسية الروسية في لقاء وفود الأطراف الفاعلة في الصراع اليمني، الأمر الذي يجعل لروسيا مساراً سياسياً مميزاً، يسير بشكل منفصل إلى الحل السياسي للأزمة اليمنية. 


وجهة الأزمة اليمنية


وصول أطراف الصراع في اليمن إلى مفاوضات الحل السياسي الشامل، يبدو هدفاً تقصده كل التوجهات والمسارات الدولية لحل الأزمة اليمنية. جزيئات الحلول الأخرى مثل، وقف الحرب وتنفيذ اتفاق الرياض، تذهب إلى كُلية الحل السياسي الشامل. يبدو أنَّ الدور الروسي والسويدي مؤخراً يعزز تنفيذ اتفاق الرياض برعاية سعودية، في سبيل إسناد الدور الأممي لحل الأزمة اليمنية. بالمقابل يجمع الكل على إيقاف الهجوم الحوثي على مأرب لذات الغرض.


السعي الحثيث نحو الحل السياسي الشامل للأزمة اليمنية، قد يؤجل النقاط الخلافية في اتفاق الرياض، بما يُعزّز السير في استكمال تنفيذ مصفوفة الشق السياسي، تهيئةً للدخول في مفاوضات الحل السياسي الشامل. تجدر الإشارة إلى أنَّ اتفاق الرياض أُخضع سابقا لتأجيل تنفيذ الشق العسكري والأمني وتقديم الشق السياسي. قد يتكرر نفس الأمر إذا ما وجدت صعوبة في تنفيذ الشق العسكري والأمني. الأمر الذي يعني أن الحل السياسي يتقدم على الحل العسكري للأزمة اليمنية.


بدر قاسم محمد

زميل في مركز سوث24، باحث في الشؤون السياسية اليمنية


- الصورة: أطفال يمنيون يهربون مع أهلهم من مناطق الحرب (رويترز)


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا