دولي

دول الخليج تعيد النظر في تدخلها في القرن الأفريقي

01-06-2021 الساعة 11 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24| قسم الترجمات


على مدى العقد الماضي، كانت دول الخليج نشطة جدا واستثمرت بشكل كبير في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي. إنّ ازدهار الأسواق الاستهلاكية والموارد الطبيعية، ولكن أيضا الموقع الاستراتيجي على طول أحد أكثر الطرق البحرية ازدحاما في العالم، يجعل المنطقة تبدو ناضجة للاستثمار. والأهم من ذلك، أنّ البحر الأحمر قد عاد مؤخرا إلى الظهور كمساحة جيوستراتيجية سعت فيها الجهات الفاعلة العالمية والإقليمية المتنافسة إلى إبراز نفوذها.


وفي هذا السياق، سعت دول الخليج إلى إعادة تأكيد مصالحها على جناحها الغربي، وشرعت في سلسلة من الارتباطات السياسية والاستثمارات الاقتصادية مع بلدان القرن الأفريقي. فقد تنافست المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من جهة، وقطر وتركيا من جهة أخرى، بشدة لمواجهة نفوذ كل منهما، مما أبرز خصوماتهما على سياسة القرن الأفريقي. في يناير 2020، أسست المملكة العربية السعودية مجلس دول البحر الأحمر وخليج عدن، ولكن وجود هذا المنبر المتعدد الأطراف لم يساعد بعد في التغلب على الانقسامات السياسية وحسابات المحصلة الصفرية قصيرة الأجل التي شكلت في كثير من الأحيان الديناميكيات الإقليمية.


ولكن بعد سنوات من المنافسة الشرسة، قد تتمكن دول الخليج من إعادة معايرة دورها بحذر. إن أزمة كوفيد19 تفرض ضغوطا كبيرة على مواردها المالية. ويقلل الانسحاب من اليمن من الحاجة الفورية إلى موطئ قدم عسكري في القرن الأفريقي، وقد بدأت الإمارات بالفعل في خفض مستوى وجودها في قاعدة عصب في إريتريا. كما حرصت دول مجلس التعاون الخليجي على الظهور كشركاء بنّاءين وموثوقين للإدارة الأمريكية الجديدة، حيث تبنت نهجا أكثر واقعية بشأن القضايا الإقليمية، مع وجود علامات ملحوظة مع قطر وتركيا.


دول مجلس التعاون تزن تكاليف تدخلاتها


كانت مشاريع دول مجلس التعاون الخليجي في القرن العربي بعيدة كل البعد عن الوضوح. وكان العديد من مشاريع البنية التحتية التي أعلن عنها في السنوات الأخيرة بطيئا في تحقيقها. خفّضت دولة الإمارات العربية المتحدة من طموحاتها لإنشاء قاعدة عسكرية في بربرة، أرض الصومال، إلى تجديد الميناء والمطار. تم تعليق مشروع تطوير الموانئ في بوساسو، بونتلاند، منذ اغتيال الرئيس التنفيذي للشركة المملوكة لدبي في ظروف غامضة في يناير 2019. لم يُسفر تطوير ميناء هوبيو في غالمودوغ، الذي اضطلعت به قطر في عام 2019 ثم تركيا في وقت لاحق، إلا عن نتائج ملموسة قليلة. لا تزال خطة إنشاء قاعدة عسكرية سعودية في جيبوتي في مراحلها الأولى، بعد خمس سنوات من إعلانها.


وفي الوقت نفسه، حققت محاولات الخليج للتدخل في سياسات القرن نتائج متباينة. وبشكل عام، لم تحقق الاستثمارات المالية والسياسية الكبيرة التي قامت بها دول الخليج في المنطقة سوى القليل لإعادة تشكيل الحسابات الاستراتيجية لصانعي السياسات في القرن. وفي جميع أنحاء المنطقة، يميل السكان المحليون إلى أن تكون لديهم آراء سلبية حول التدخلات الخليجية في شؤونهم. ولم يقبل صناع السياسات سوى الدعم المالي الخليجي لتحقيق أهدافهم بشكل أفضل. إنّ مثل هذه الانتكاسات، فضلاً عن حرصها على الظهور كشركاء بناءين لواشنطن، يدفعان دول الخليج إلى التفكير في نهج أكثر حذرا.


إقرأ أيضا : باب المندب والساحل الغربي لليمن.. ديناميكيات النفوذ المتغيّرة


بعد منافسة شديدة داخل الخليج للتأثير على الانتخابات الصومالية في 2012 و2017، اتخذت القوى الخليجية موقفا أكثر انتظارا وترقبا بشأن انتخابات البلاد لعام 2021. في فبراير/شباط، عندما غرقت الصومال في أزمة سياسية بعد تأجيل الانتخابات، اختارت قطر وتركيا، الداعمان الأكثر ولاء للرئيس محمد عبد الله محمد فرماجو، النأي بأنفسهما عنه. وقد أظهرت اتصالات الدوحة بزعماء المعارضة الصومالية وأرض الصومال في أيار/مايو 2021 هذا النهج الأكثر حذرا. وعلى الرغم من ذلك، ظل تأثير قطر في حل الأزمة السياسية الصومالية محدودا، وانتهت جهودها في الشهر نفسه للتوسط في نزاع بحري بين الصومال وكينيا بالفشل. وفي حين تشير بعض التقارير إلى أن فارماجو ربما حاول التواصل مع الإمارات العربية المتحدة للحصول على الدعم، إلا أنّ أبوظبي ظلت مترددة أيضا.


وفي السودان، أدت الجهود السعودية والإماراتية لتشكيل عملية الانتقال السياسي بعد الإطاحة بعمر البشير في نيسان/أبريل 2019 إلى نجاحات جزئية، لكنها أدت أيضا إلى صعوبات كبيرة. وفي حين نجحوا مؤقتا في تهميش منافسيهم قطر وتركيا، خضع نفوذهم لتدقيق كبير من قبل كل من الشعب السوداني والمجتمع الدولي. ترتب على مذابح يونيو/حزيران 2019 التي وقعت بعد أيام قليلة من زيارة اللواء محمد حمدان داغالو أو "حميدتي"، نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي، الرياض والقاهرة وأبو ظبي تكلفة سمعة قاسية بشكل خاص لدول الخليج. وفي نيسان/أبريل 2021، أعادت الخرطوم علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، على الرغم من الضغوط الإماراتية والسعودية بعدم القيام بذلك.


وفي إثيوبيا، يواجه رئيس الوزراء أبي أحمد، الذي ألقت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية دعمهما وراءه، أزمة سياسية وأمنية كبيرة. بعد الإدانة الدولية لتدخل أحمد في تيغراي، بدأت الإمارات العربية المتحدة، التي يزعم أنها زودت إثيوبيا بطائرات بدون طيار مسلحة، تظهر عليها علامات التردد في دعمها لأبي أحمد، مدفوعا جزئيا بالخوف من تكاليف السمعة المرتبطة بجرائم الحرب. كما أنّ الطرود المالية الهامة من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لم تمنع أديس أبابا من التعامل مع أنقرة في أوائل عام 2021.


وأخيراً، فإنّ المأزق الذي يواجه بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير يضع دول الخليج في موقف صعب في محاولة لتحقيق التوازن في علاقاتها مع الأطراف الثلاثة المعنية: مصر حليف رئيسي، ولكن لديها مصالح كبيرة، لا سيما الاستثمارات الزراعية، في السودان وإثيوبيا. أدى افتقار الإمارات المتصور إلى الدعم لمصر في النزاع حول سد النهضة إلى توتر العلاقات مع القاهرة بشكل كبير خلال الأشهر الأخيرة. وقد عرضت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وتركيا، من بين دول أخرى، على استحياء القيام بدور الوسيط في كل من قضية الحدود بين السودان وإثيوبيا والنزاع حول سد النهضة. ولم يلقَ سوى اقتراح الوساطة الإماراتي للنزاع الحدودي بين السودان وإثيوبيا، الذي قيل إنه تم تحليته بحزمة مالية سخية، موافقة حذرة من السودان. لكن بعد شهرين، أشارت تقارير مايو/أيار 2021 إلى أن الإمارات انسحبت من جهود الوساطة لأسباب غير واضحة.


هل يمكن أن تلعب دول مجلس التعاون الخليجي في القرن الأفريقي دور المصالح الغربية؟


يمر التدخل الخليجي في القرن الأفريقي بمنحنى تعليمي حاد. يمكن للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن ينظرا إلى دول مجلس التعاون الخليجي على أنها شريك مفيد في القرن الأفريقي، شريطة أن تكون الظروف مناسبة. لديهم رأس المال للاستثمار الذي تفتقر إليه القوى الغربية، فضلا عن الشبكات الشخصية الجيدة. كما يرى اللاعبون الغربيون دول الخليج كشركاء محتملين لمواجهة نفوذ الصين وروسيا في البحر الأحمر.


حاول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تكثيف مشاركتهما بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في القرن الأفريقي في السنوات الأخيرة. وشجعوا دول الخليج على تقديم حزم استثمارية كبيرة في البنية التحتية للمياه والكهرباء لمصر والسودان وإثيوبيا كحافز لتسوية النزاع حول مسألة تنمية الموارد المائية. في أوائل أبريل 2021، زار وزير الخارجية الفنلندي بيكا هافستو والممثل الخاص للاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي ألكسندر روندوس الرياض وأبو ظبي للحصول على دعم الخليج في أزمات القرن الأفريقي. وعلى الرغم من تصريحات حسن النية، اعترف المحاورون الخليجيون أيضا بافتقارهم إلى النفوذ مع قادة القرن.


ومع إعادة دول الخليج تقويم مشاركتها في القرن الأفريقي، قد تجد القوى الغربية فرصة للدفع نحو مزيد من التنسيق والمشاركة البناءة مع جهودها لتحقيق الاستقرار. لكنّ الأهداف الخليجية في القرن الأفريقي لا تزال مختلفة تماما عن الفهم الغربي للاستقرار والتنمية المستدامة في المنطقة.


كاميل لونز

باحثة مشاركة في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية


- المصدر بالإنجليزية: المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS)

- نقّحه للعربية: سوث24 للأخبار والدراسات

- الصورة: (Credit: FAYEZ NURELDINE/AFP via Getty Images)


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا