التحليلات

معركة مأرب: ميزان النهاية لحرب اليمن.. لمن تُرجّح الكفّة؟

24-05-2021 الساعة 4 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24| قسم التحليلات


من السهل بدء الحرب وقرع طبولها لكن من الصعب إنهائها، ويبدو أنّ المعركة المرتقبة في مأرب ستشكّل الخاتمة المفصلية للحرب الدامية في اليمن المستمرة لأكثر من 6 سنوات. ففيما تصر جماعة الحوثيين على التصعيد باتجاه حدود مدينة مأرب الغنية بالنفط، تتجه الأنظار إلى القدرات العسكرية التي يمتلكها كل طرف، سواء الجيش الوطني التابع للشرعية أو الحوثيين المدعومين إيرانيًا. وتعد محافظة مأرب الواقعة في شمال شرق اليمن هي آخر معقل للقوات الشرعية في شمال اليمن، بينما يسيطر الحوثيون على بقية الأراضي في الشمال باستثناء أجزاء من الساحل الغربي التي تسيطر عليها ما تسمى القوات المشتركة.


مركز الثقل الحوثي تحوّل باتجاه التصعيد نحو مأرب، التي تضم مقرات وزارة الدفاع والمنطقتين العسكريتين الثالثة والسابعة للجيش الوطني، وتضم أيضًا القاعدة العسكرية الأولى لقوات التحالف العربي بقيادة السعودية، إضافة إلى حقول ومصفاة صافر في الشرق.


تحوّل هذا الثقل لأسباب عديدة من بينها تشتت الجيش الوطني وضعف الإرادة العسكرية التي لم يُنجز من خلالها ما يستحق الذكر خلال ست سنوات، بسبب ما يصفه منتقدو الجيش الوطني من فساد وسوء أداء قياداته العسكرية. ورغم الدعم البري والإسناد الجوي من التحالف العربي، إلا أنّ الجيش الوطني الذي يسيطر على حركته ومفاصله حزب الإصلاح اليمني المنتمي أيديولوجيًا لجماعة الإخوان المسلمين، خسر أجزاءاً واسعة من المناطق التي سبق وسيطر عليها باتجاه صنعاء خلال عامي 2015 و2016م، منها مديرية نهم الاستراتيجية شرقي صنعاء، وأجزاء واسعة من محافظة الجوف بما فيها مدينة الحزم مركز المحافظة، التي سيطر عليها الحوثيون قبل عام. ولم يثبت الجيش أي نوايا لاستعدادات تفوق حجم التهديدات الحوثية الخطيرة، رغم معرفة قياداته بأنّ الخطوة القادمة بعد الجوف هي مدينة مأرب.


النهج المتخبّط للشرعية على المستويات العسكرية والسياسية، أتاح للحوثيين فرصة أكبر للتوسع والتمدد خلال الأشهر الأخيرة. ورغم المفاوضات والجهود الدبلوماسية للمبعوثين الأممي والأمريكي التي شهدتها العاصمة العمانية مسقط مؤخرًا، بغرض التوصل لتسويات مرضية لبعض الملفات في الأزمة اليمنية وفي مقدمتها ملف مأرب، إلا أنّ المفاوضات، على ما يبدو، باءت بالفشل من خلال ما صرح به ناطق الحوثيين الرسمي، حين أوضح بأنّ "الحديث عن معركة جزئية واختزال صراع اليمن فيها، لا يعالج المشكلة بل يفاقمها ويطيل أمد الحرب". وكأنّ ذلك يمنح الحوثيين التبرير لاستمرار عملياتهم العسكرية باتجاه مأرب.


إقرأ أيضا : مبعوثو الأمم المتحدة إلى اليمن: مسلسل من ثلاثة مواسم، هل الرابع هو الأخير؟


وفي ضوء هذا الواقع، يعتبر الحوثيون أنّ شنهم لهجمات على مأرب بغرض إحكام السيطرة عليها عسكريًا، من شأنه أن يعزز من فرص نقاط قوتهم التفاوضية ويرفع من سقف شروطهم، إذا ما باشر المبعوثين الأممي والأمريكي عملية مفاوضات سلام جديدة من أجل التمهيد للحل الشامل في اليمن، الذي يُتوقع أن يستأنف التحضير لها بتعيين مبعوث أممي جديد خلفا للبريطاني مارتن غريفيث، في النصف الثاني من هذا العام.


حسابات الربح والخسارة بين الطرفين


يتوقع خبراء عسكريون أن تكون بداية المعركة المفصلية باتجاه مركز مدينة مأرب، عن طريق إشعال جبهات ثانوية تضليلية، من جبهة الكسارة في شمال غرب المحافظة، ومن جبهة الزور في جنوبها كنوع من التشتيت لقوات الجيش الوطني، أما الانطلاقة الرئيسية للقوات الحوثية يتوقع أن تنطلق من المشجح وحتى منطقتي ذات الراء والذحلة، ومن ثم السيطرة على تبة السلفيين، ثم الوصول أخيرًا إلى مدينة مأرب. [1] خاصة إذا لم تصمد قوات الشرعية في منطقتي ذات الراء والذحلة التي تمتلك فيها قوات الشرعية أقوى دفاعاتها، بالإضافة إلى الإسناد المدفعي البري والجوي.


واقع الحال يشير إلى أنه مقابل الانكسارات والإخفاقات التي كان يتكبّدها الجيش الوطني لأكثر من ست سنوات، دون محاسبة أو تقييم للخروقات الأمنية والاستخباراتية وراء الهزائم المتكررة، ومقتل العديد من أهم القادة العسكريين دون معرفة دقيقة لظروف وملابسات مقتلهم، وعدم دلالة سير المعارك وحيثياتها على أنّ هناك أهدافًا عسكرية محددة يسعى لإنجازها، أو استراتيجية يريد تحقيقها مع ضبابية الإرادة السياسية في الوصول إلى صنعاء، كان من شأنه أن يخل بقوام الجيش الوطني والمسالك العسكرية التي يقودها على أكثر من جبهة، خاصة وهو يفقد عشرات الجنود بشكل شبه يومي بحيث لا يتيح الوقت لاستبدالهم في نفس المدة، فخيارات نقص المقاتلين أو ربما عزوف الكثير من الشباب عن الانضمام إلى الجبهات، يضع الشرعية وجيشها في موقع صعب وحرج.


إذًا، من يتحمل تبعات هذه الإخفاقات المتكررة إذا لم يتحملها من يمتلك قرارات الجيش من أعلى رأس الهرم متمثلًا بالرئيس عبدربه منصور هادي ونائبه علي محسن الأحمر ووزير الدفاع محمد المقدشي ورئيس هيئة الأركان صغير بن عزيز، وغيرهم من القادة والمسؤولين العسكريين الذين يقودون المعارك بشكل مباشر؟ 


يمكن القول أن أداة القياس المبنية على تقييم الأضرار ومعرفة مكامن أخطاء سير العمليات العسكرية، عبر تقارير يفترض أن تكون أسبوعية على أقل تقدير، مهملة من قاموس قادة الجيش الوطني، وهذا ما أثبتته السنوات الأخيرة من خلال التراجع والاسترخاء العسكري للكثير من الجبهات في مواجهة الحوثيين.


شيء آخر لا يقل أهمية عن الحسابات العسكرية غير الدقيقة التي واجهت الجيش الوطني، هو الانعكاس السلبي لإنجازات عمليات شق وفتح طرق وممرات في جبال وتباب نهم وصرواح وغيرها، للاستفادة منها في نقل المعدات العسكرية وإمداد قوات الجيش المتقدمة في الخطوط الأمامية، والتي تحولت من إنجاز للجيش الوطني إلى ميزة لوجستية مهمة للحوثيين إثر الانسحابات المفاجئة للجيش الوطني من نهم، إذ وفرت للحوثيين خطوط طرق فرعية عديدة تمنحهم إمكانية المناورة بالقوات من أكثر من محور، وتمويه طرق إمداداتهم بعيدًا عن نيران المدفعية والضربات الجوية، وهو ما وفر وقتًا وجهدًا كبيرًا على الحوثيين في عملياتهم الهجومية باتجاه مأرب.


ورغم الضغوط الكبيرة التي تواجهها القوات المدافعة عن مأرب نتيجة استخدام الحوثيين لتكتيكات "الأنساق البشرية" كأحد التكتيكات الشائعة في العسكرية الإيرانية، إلا أنّ العرض المعلن من العميد طارق صالح قائد قوات ما يُسمى بحراس الجمهورية، لم ينفذ، إذ كان قد قدم عرضا بمشاركة قواته في نوفمبر 2020، إلى جانب الجيش الوطني للدفاع عن مأرب ضد الحوثيين، بعد الجولة الأولى من الهجوم الحوثي على مأرب نحو معسكر ماس وصرواح باتجاه الصحراء، إلا أنه برر عدم المشاركة بأن الرد على عرضه لم يكن إيجابيًا، وأن الوضع في تصور قيادة الشرعية لا يتطلب المشاركة أو التدخل. [2] فيما تُرجع مصادر أخرى تعذر مشاركة قوات طارق صالح في معارك مأرب إلى رفض قيادة الشرعية اشتراطه عدم دمج قواته المشاركة ضمن عمليات الجيش الوطني، وتخصيص محاور قتالية محددة تقاتل فيها قواته منفردة دون مشاركة من بقية قوات الجيش الوطني، وقد يعود ذلك إلى خشيته من تشتيت الكتائب المحدودة التي سيشارك بها على جبهات عديدة، يفقد معها السيطرة لاحقا على مجموع الأفراد المشاركين من قواته في القتال، كما قد يعود ذلك إلى رغبته في أن تحسب الانتصارات التي قد تتحقق في المحاور القتالية التي تشارك فيها قواته، تحسب في رصيده، وهذا لن يتحقق عمليا إلا إن ظلت هذه القوات تحت قيادته المباشرة.


صعود محتمل لدور القاعدة في مأرب


النشاط الملحوظ لتنظيم القاعدة في عدد من المحافظات الجنوبية التي تسيطر عليها قوات موالية للشرعية في أبين وشبوة ممثلة بحزب الإصلاح اليمني، والذي كثف فيها التنظيم هجماته الإرهابية مؤخرًا على نقاط تفتيش لقوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي في محافظة أبين، أثار العديد من التساؤلات إذا ما كان دور القاعدة في محافظة مأرب سينشط أيضًا في المعركة الحالية بين قوات الشرعية والحوثيين.


ارتباط تنظيم القاعدة بحزب الإصلاح اليمني الذي ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، المصنّفة من قبل الرياض وأبوظبي كجماعة "إرهابية"، قد يهيئ لهذا الصعود في مأرب، خاصة وأن من سيخوض المعركة بشكل أساسي هو حزب الإصلاح الذي يمسك بزمام المفاتيح العسكرية لقوام الجيش الوطني. هذه المعركة بالنسبة لحزب الإصلاح اليمني معركة مصير وبقاء سياسي وعسكري واقتصادي، ما يفرض عليه القتال فيها بكل ما يملك من إمكانيات، لكون مأرب هي معقله الحصين والأخير في الشمال كحزب له مركزه ومصالحه في المحافظة، وهو ما دفع مراقبين إلى توقع أنه لن يمانع من أن "يعقد صفقة حتى مع الشيطان إن تطلب الأمر" حسب توصيفهم، ليحافظ على وزنه وثقله في مأرب وبقية المحافظات التي يتمركز فيها نفوذه. ذلك ما جعل خيار إشراكه لتنظيمات "إرهابية" كالقاعدة وداعش في معارك مأرب أمرًا محتملًا، بناء على طبيعة علاقتهما في مواجهة تحدياتهما المشتركة في الجنوب، خاصة وأن حزب الإصلاح من الممكن أن يسقط بسهولة في محافظات الجنوب التي يسيطر فيها على مواقع في أبين وشبوة وحضرموت عبر مواليين محليين، إذا ما تصاعدت حدة المواجهات بينه والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يعتمد في هذه المناطق على حاضنة شعبية.


هذه الخسارة مرجّحة إذا فقد حزب الإصلاح مأرب وانكشف ظهره وانطبق في كماشة غير مخططة بوقوعه بين قوات الانتقالي وقوات الحوثيين؛ وهي تشبه إلى حد ما بالكماشة التي تنبأ محللون عسكريون أنّ الحوثيين والإخوان المسلمين يخططون لتطبيقها على قوات الانتقالي الجنوبي في عدن والقوات المشتركة في باب المندب والمخا، وهو ما يفسّر توافق الأهداف العسكرية والمنهجية العملياتية للإخوان (الإصلاح) والحوثيين في جبهات تعز ولحج، وحروبهم ضد بعضهم البعض في جبهات أخرى كمأرب. كما أنّ ذلك يفسر أيضًا بقاء عدد من الألوية والكتائب التابعة للمنطقة العسكرية الثالثة في محافظات الجنوب خارجة عن نطاقها العملياتي المحدد بمحافظة مأرب، ورفض عودتها إلى مراكزها السابقة في مأرب وفق ما نص عليه اتفاق الرياض، خاصة في الظروف العسكرية شديدة الصعوبة التي تمر بها في مواجهة الحوثيين.


إقرأ أيضا: عودة صاخبة: لماذا يكثّف تنظيم القاعدة عملياته في جنوب اليمن؟


إنّ احتمال وقوع المجلس الانتقالي الجنوبي بين كماشة حوثية-إخوانية تستهدف مركزه في عدن عبر الإخوان من جهة أبين وتعز والحوثيين من جهة الضالع، تضعه أمام تحديات كبيرة، خاصة إذا ما خسر الجيش الوطني ومحركه الرئيس حزب الإصلاح اليمني المعركة في مأرب، التي قد تدفعه إلى تعويض خسارته بالتصعيد نحو عدن، أو ربما فتح الطريق أمام الحوثيين باتجاه شبوة كخطوة انتقامية لاحقة، في ظل إطلاقه أوصافًا على الانتقالي الجنوبي تقترب من توصيفه للحوثيين من حيث اعتبارهم جميعا انقلابيين على السلطة الشرعية التي يسيطر عليها. وهذا يجعل مفاضلته بين تنازله بالأرض للحوثيين أو الانتقالي أقرب لمصلحة الحوثيين باعتبار مشروع الانتقالي الاستراتيجي يتمثل بفك الارتباط عن الشمال، بينما القاسم المشترك الحوثي-الإخواني يتمثل بتقديم أنفسهم كمدافعين عن الوحدة.


لذا قد تتحول مسارات المعركة إلى حرب طائفية صريحة، إذا ما دخل طرف حليف وحدوي ثالث في المعركة كالقاعدة على خط المواجهة، إلى جانب حزب الإصلاح اليمني الذي يقود مفاصل الجيش الوطني. وهذه نقطة قد يستغلها الحوثيون أمام المجتمع الدولي لمبرر الهجوم على مأرب، ولاحقا على شبوة ووادي حضرموت (إن استطاعوا تجاوز مأرب) بحجة مكافحة الإرهاب، إلى جانب أهدافهم الاستراتيجية الأخرى. وهي نقطة ضعف سياسية كبيرة تواجه الإخوان المسلمين والشرعية المفترضة التي يتوغلون فيها، رغم أنها قد تشكل لهم نقطة قوة عسكرية نوعية نظرًا للعقيدة القتالية لعناصر التنظيمات الإرهابية الموالية لهم.


بالنسبة للمملكة العربية السعودية، قد يبدو حزب الإصلاح اليمني حليف غير مرضي عنه، لكنه اضطراري لا مفر من التحالف معه في معركة مأرب، لكونه يسيطر على قوام الجيش الوطني وهو الأساس المحرك له، وهذا ما جعلها ربما تبحث عن كيانات أخرى تتسق معها في سياستها الخارجية ومواقفها من بعض دول الإقليم كإيران وتركيا، وتساهم معها في تحقيق الأهداف الاستراتيجية المشتركة في حربها ضد الحوثيين، كالمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي دعمته بوساطتها لاتفاق الرياض في 5 نوفمبر 2019م. 


انتكاسات مقابل صمود للقبائل


كانت قبائل مأرب أوّل من شكل ما يُعرف بالمطارح للدفاع عن الجمهورية في 19 سبتمبر 2014م، وذلك قبل سقوط صنعاء بيد الحوثيين، في الوقت الذي كانت فيه أطراف النزاع اليمنية "الحوثيين وحزب الإصلاح اليمني ونظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح"، في أوج صراعها على السلطة في العاصمة صنعاء. هذه المطارح التي امتدت من واديي نخلا والسحيل شمال محافظة مأرب، بقبائلها العتيدة وسلاحها البسيط كانت قد شكّلت صخرة منيعة لبقاء مأرب المحافظة الشمالية الوحيدة التي لم تسقط بيد الحوثيين، حتى بعد سيطرتهم على صنعاء ووصولهم إلى عدن، وكسرت هذه المطارح القبلية تقدم الحوثيين باتجاه مأرب ما هيأها لاحقا لتشكّل مركز حماية وانطلاقة للعمليات العسكرية لاستعادة صنعاء من الحوثيين، وقد مهدت المطارح القبلية بحمايتها مأرب إلى التركيز على أهمية هذه المحافظة عسكريًا عند قيام عاصفة الحزم في 2015.


قد يبدو غريبًا أنّ المناطق التي كانت تحت سيطرة أبناء قبائل مأرب قبل الحرب، توالت بالسقوط بعد أن كانت تشهد استقرارا نسبيا منذ 2015م وحتى 2020، والذي يعد انتكاسها أمرًا غير منطقيًا وغير مفهوما، إذ كيف تسقط مناطق ومديريات وهي تمتلك ترسانات من الأسلحة والمعدات الثقيلة ولديها دفاعات أرضية وجوية، مقابل صمودها قبل ذلك بأسلحة خفيفة قبل تشكيل الجيش الوطني في مأرب؟


اتجاه آخر أيضًا يتعلق بالعلاقة المتوترة مع بعض قبائل مأرب، خاصة قبائل الأشراف الهاشمية جنوبي مدينة مأرب، التي شن عليها حزب الإصلاح اليمني حملة قتل وتهجير ونهب للممتلكات في مطلع يونيو 2019، بذريعة البحث عن خارجين عن القانون. فيما وجهت قبائل أشراف مأرب نداء استغاثة [3] إلى مختلف القبائل اليمنية، للانتفاض معها ضد الانتهاكات التي ارتكبت بحقها. أضف لذلك أن قبائل مأرب تتهم السلطات المحلية بما فيها محافظ مأرب "سلطان العرادة" بأنه مقرب أكثر من اللازم لحزب الإصلاح، مما أتاح لهم الهيمنة على سلطة المحافظة وهو ما أدى بدوره لزيادة الاحتقان فيها، وخلق توتر غير مسبوق في علاقة الحزب بالقبائل بما فيها قبيلة الأشراف.


وهذا ربما يقود لسيناريو إضافي آخر في المعركة والسؤال عن مدى إمكانية التسهيلات التي يمكن أن تقدّمها قبائل الأشراف للحوثيين، نكايةً منها بما ارتكبته السلطات التي تحكم مأرب في حقها، خاصة وأنه لم ترشح أي أنباء عن قيام السلطات هناك بجبر ضرر لما لحقها. فمضاعفة استعداء القبائل والتصادم معها في وقت يفترض أن تتحد فيه القبائل مع القوى السياسية والعسكرية، ربما يسهم في النهاية إلى سقوط مريع للقوى المسيطرة في المحافظة، بما فيها السلطة المحلية التي هي أساسًا تنتمي إلى مأرب.


إضافة إلى ذلك، الخفوت الملحوظ لصوت فروع بقية الأحزاب السياسية في المحافظة، والذي يرجعه البعض إلى السيطرة المطلقة لحزب الإصلاح على القرار، وتجنب الأطراف السياسية المأربية الأخرى الدخول في معارضة حزب الإصلاح، الذي يضع المحافظ العرادة في واجهة المشهد الذي يديره من الخلف. ويرجع سبب تجنب سياسيو مأرب الصدام مع حزب الإصلاح إلى تجنبهم الصدام مع المحافظ العرادة الذي قد يتحوّل بدوره إلى احتقان قبلي.


هذا يدفع للاستنتاج، بأنّ مناشدات رجال قبائل مأرب المتكررة خاصة من الجدعان ومراد وغيرها، بالدعم والإسناد من قبل قادة الجيش الوطني لمواجهة الحوثيين، تقابل بالتجاهل واللامبالاة لكون بعض هذه القبائل خارجة عن الحسابات السياسية والعسكرية، وترفض الرضوخ لأي جهة. وبالتالي حمايتها ليس من صميم اهتمامات الطرف الفاعل في مأرب، وهو ما يفسّر سقوط الكثير من المناطق والمديريات وتركها مكشوفة الغطاء في المحافظة.


إنّ احتمالات ترتب صراع قبلي مأربي بيني مستقبلا نتيجة السياسة المتبعة في هذه المحافظة الحساسة، أمر وارد لاعتبارات عدة، ويحتاج إلى دراسة أعمق في هذا الشأن.


رئة اقتصادية جديدة للحوثيين


تعدّ مأرب من أهم المحافظات المنتجة للنفط والغاز المسال، وتتواجد فيها شركات دولية كـ Exxon Mobil Corp وTotal SA. كما تعتبر محطة إمداد اقتصادي لباقي المحافظات اليمنية، خاصة بالغاز المنزلي الذي يعتمد عليه 30 مليون يمني، بما فيها المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين. كما أنّ مدينة مأرب تحوي محطة توليد كهرباء توفّر 40٪ من كهرباء اليمن،[4] ما يشكل أهمية أخرى بالنسبة للحوثيين.


الرغبة الجامحة للحوثيين بالسيطرة على محافظة مأرب، إضافة لكونها رمزية سياسية وعسكرية بالنسبة للحكومة اليمنية والجيش، هي أيضًا تشكّل أهمية اقتصادية، إذ لا توجد تحت سيطرة الحوثيين أي منطقة نفطية. فمأرب بحقولها الغازية والنفطية تنتج ما يقارب العشرين ألف برميل يوميًا نصفها للإنتاج المحلي، إضافة لوجود مصفاة صافر، إحدى مصفاتَي النفط المهمة في اليمن، إضافة إلى أن السيطرة على حقول صافر النفطية قد يتيح للحوثيين تصدير النفط المستخرج من مأرب للخارج، أو على الأقل تهريبه من منافذ البحر الأحمر عبر خط الأنابيب النفطي الذي يربط صافر بميناء رأس عيسى بمحافظة الحديدة، وقد يكون هذا واحدًا من الأسباب التي تدفع الحوثيين إلى تعطيل حل مشكلة خزان النفط صافر في ميناء رأس عيسى، وتأجيل إنهاء هذه الأزمة إلى ما بعد اجتياحهم مأرب بحسب ما يأملون.


ووفق ذلك، مأرب ستتيح للحوثيين التنفس عبر رئة أخرى إلى جانب رئة الحديدة وإيراداتها، التي يتم استغلالها لتمويل عملياتهم وأنشطتهم العسكرية. وبالنسبة لهم الحصول على مبيعات نفط خام وغاز منزلي لا تودع عائداته في البنك المركزي، هو بمثابة كنز اقتصادي جديد وتعزيز حيوي لمصالحهم، ما يتيح لهم الضغط سياسيًا من خلاله. خاصة إذا ما تم منع وصول الغاز المنزلي إلى باقي المحافظات المحررة في الجنوب، وقد يشكل أزمة غاز يمكن أن تترتب عليها تبعات خطيرة، ستطال المواطنين والمخابز، ما يفاقم من الأزمة الإنسانية. إذ يتوقع انعدام الغذاء حتى للفئات ذات القدرة الشرائية، بسبب ما يُتوقع من أزمة غاز منزلي في حال السيطرة على مأرب.


تبعًا لكل ذلك، ستكون الكلفة البشرية هي الأعلى منذ بدء الحرب في 2015، إذا ما دخل الحوثيون إلى مركز مدينة مأرب والمديريات المحيطة بها، في ظل الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يشهدها عدد كبير من محافظات شمال اليمن، وتشكل فيها محافظة مأرب قبلة النزوح الأولى للكثير من الأسر الهاربة من مناطق الحوثيين، وهو الذي سينعكس بدوره على الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في بقية المحافظات الأخرى، بما فيها محافظات الجنوب وخاصة شبوة وحضرموت.


حاصل القول، إنّ المعركة المرتقبة في مأرب لن يكون ما بعدها كما قبلها حتمًا، إن لم تعرف القوى السياسية والعسكرية في الشرعية مكامن الخلل والإخفاقات الفادحة بالنسبة لها وللتحالف، وإن لم تضع كافة الاحتمالات الواردة ووضع الحلول اللازمة لمعالجتها. وهو الحال نفسه بالنسبة للجنوبيين وعن مدى استدراكهم لأي تغييرات مفاجئة قد تحدث في نطاق العمليات العسكرية المتعلقة بمأرب.


فريدة أحمد

زميلة مقيمة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات، باحثة في الشؤون السياسية


- الصورة (مقاتل حكومي يمني يطلق النار من على مركبة في موقع على خط المواجهة أثناء القتال ضد مقاتلي الحوثي في مأرب، اليمن، 9 مارس 2021 - رويترز)


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا