25-01-2021 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن
مثّل اتفاق الرياض بين المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة هادي فرصةً حقيقية لكسر حالة التباعد السياسي بين بعض الأطراف السياسية في جنوب اليمن، وخلق تحالفات ضرورة، أيضا، مع قوى معتدلة في شمال اليمن، إذ تمخّض عن هذا الاتفاق- ولأول مرة منذ توقيع اتفاقية الوحدة اليمنية 22 مايو/أيار 1990- تشكيل حكومة "مناصفة" سياسية بين الجنوب والشمال.
أنهى المجلس الانتقالي الجنوبي، الطرف الأقوى في جنوب اليمن، عقوداً من الاحتكار للسلطة والحرمان الذي عانى منه الجنوبيون، من خلال مشاركته في حكومة المناصفة مع الشمال.
بدرجة أساسية، كان الاتفاق بين الانتقالي الجنوبي، الذي يتألّف من الحراك الجنوبي والقوى الوطنية الجنوبية، وبين القوى الأساسية في الحكومة اليمنية السابقة، الإخوان المسلمين والمؤتمر الشعبي العام، وبعض الأحزاب مثل الاشتراكي اليمني، والناصري، وغيرها.
وعلى الرغم من أنّ هذا الاتفاق لم يأتِ إلا بعد معارك طاحنة، ولا تزال تتهدده تحديات ليست بالسهلة، إلا أنّه مثّل حالة نادرة في تقاسم السلطة في التاريخ السياسي اليمني والجنوبي على حد سواء، فاتحاً لأبواب التقارب ولملمة الجراح، والتطلع نحو التعايش والسلام.
التقارب الجنوبي
عكس هذا الاتفاق تقارباً على الصعيد الجنوبي بشكلٍ أكبر، معززاً الآمال بتمتين النسيج الاجتماعي الجنوبي بصورة رئيسية، رغم الاختلافات السياسية وربما الأيدلوجية بين بعض مكوناته.
ظهرت مثل هذه الإشارات منذ الوهلة الأولى، في صورةٍ لـ مدير أمن عدن السابق والقائد العام لألوية المقاومة الجنوبية، اللواء شلال علي شائع، بمعية وزير الداخلية الجديد في حكومة المُناصفة، اللواء إبراهيم حيدان، ووزير الشباب والرياضة، نائف البكري، والأخيران محسوبان على أطراف جمعتها علاقة صراع وتوتر دائم بالمجلس الانتقالي الجنوبي، وذلك قبيل مغادرة الرحلة التي أقلّت حكومة المناصفة من مطار الملك خالد في العاصمة السعودية الرياض إلى مطار عدن، في 31 ديسمبر/كانون الأول 2020.
من اليسار، إبراهيم حيدان وشلال شائع ونائف البكري، السعودية - مطار الرياض الدولي. (نشطاء - فيسبوك)
اعتبر مراقبون ونشطاء الصورة رسالة لتقارب جنوبي حقيقي يمكن أن يحدث، وإشارة لمرحلة جديدة من التفاهمات، انطلاقاً من النقاط التي يشترك بها الجميع.
لاحقاً، وعقب هجوم مطار عدن الإرهابي بالصواريخ، الذي يُتهم الحوثيون بالوقوف وراءه، تداول الجنوبيون على مواقع التواصل الاجتماعي صورة جمعت أمين عام المجلس الانتقالي الجنوبي ومحافظ عدن، أحمد لملس، بصبحة وزير النقل بحكومة المُناصفة ورئيس اللجنة الاقتصادية العليا بالانتقالي الجنوبي، عبد السلام حميد، مع وزير الداخلية بحكومة المناصفة، اللواء إبراهيم حيدان، المقرّب من الرئيس هادي، بعد زيارتهم المطار عقب الهجوم.
الثالث والرابع من اليمين، عبد السلام حميد وإبراهيم حيدان، الثالث من اليسار، أحمد لملس، مطار عدن، 01 يناير 2021. (المكتب الاعلامي لمحافظ عدن - فيسبوك)
توالت تباعاً الصور التي تسعى لإرسال إشارات تقارب جنوبي بين خصوم الأمس القريب، من بينها صورة جمعت أركان ألوية الدعم والإسناد، وقائد اللواء الثالث فيها، العميد نبيل المشوشي، بمعية وزير الشباب والرياضة بحكومة المناصفة، المحسوب على الإخوان المسلمين، نائف البكري.
الانعكاسات
لا شك أن من شأن أي تقارب جنوبي أن ينعكس إيجاباً على عامة الناس في جنوب اليمن، ويعزّز بالتالي من حضور قضيتهم في الساحة اليمنية السياسية والعسكرية. كما يمثّل هذا التقارب - بحسب سياسيين جنوبيين - فرصة لاستمالة الجنوبيين في صفوف القوى والتنظيمات المُعادية للجنوب، وكسب هؤلاء وإعادتهم لصف شعبهم وقضيته العادلة.
من شأن التقارب الجنوبي الجديد، أيضاً، أن يخفّف من وطأة أزمة الثقة المُستعرة بين شركاء اتفاق الرياض، الذين جمعتهم ساحة حرب دامية لأشهر، ويعمل على تهيئة الأجواء الأمنية والعسكرية للحكومة الوليدة التي يُعلّق عليها الجميع آمالٌ كثيرة في انتشال عدن، وبقية المحافظات الجنوبية، وأجزاء الشمال المُحرر، من أوضاعها المُتردية.
مُتعلق: قاربٌ واحدٌ بوجهات مختلفة.. حكومة اتفاق الرياض أمام تحديات كبيرة
كما يعزز هذا التقارب فرص تنمية عدن والجنوب، إذ يضمن التوائم الوظيفي بين وزراء الجنوب في حكومة المُناصفة- وعددهم 13 وزيراً من أصل 24، وهو ما يعني أداءً أكثر كفاءة يعمل على تخفيف معاناة الجنوبيين الكبيرة التي كانت أهم أسباب النزاع السياسي والعسكري، التي أدّت لإسقاط حكومتين يمنيتين سابقتين وطردهما من عدن.
كما أنّ من شأن هذا التقارب أن ينعكس، بصورة إيجابية، على الأداء العام لحكومة المناصفة بين طرفيها الجنوبيين والشماليين.
انفوجرافيك، حصة الجنوب في حكومة المناصفة اليمنية. (حسين الأنعمي، سوث24)
مُتعلّق: حكومة المُناصفة في عدن.. أوضاعٌ متردية وملفات متراكمة دون حلول
تهديدات التقارب
لكنّ مثل هذه المبادرات، لا تلقى قبولاً لدى المتضررين من اتفاق الرياض، والقوى التي تعمل على تقويضه. تلجأ تلك الأطراف بشكل مستمر لاستخدام سلاح "المناطقية" و "الإشاعات" و "استحضار الماضي القريب والبعيد" لأجل تقويض ووأد أي تقارب.
يُصرّ أعداء التقارب الجنوبي على استحضار أحداث 13 يناير/كانون الأول 1986، التي أنهاها مشروع التصالح والتسامح الجنوبي في 2006. ليس ذلك فحسب بل تمتّد جهود تقويض التوافق الجنوبي بالتذكير بالأحداث القريبة التي شهدتها عدن والمحافظات الجنوبية، والعمل على نشر موجات كراهية متبادلة وإشاعة المناطقية بين الجنوبيين.
ظهر فنانون ومسرحيون من جماعة الإخوان المسلمين في شمال اليمن، مؤخراً، وهم يكرّسون من خطاب الكراهية والفرقة بين الأهالي في جنوب اليمن، فضلا عن التطاول على أعراض المواطنين. لاقت مثل تلك الدعوات ردود فعل غاضبة وساخطة في جنوب وشمال اليمن، دفعت منظمات حقوقية لرفع قضايا بشأنها.
مُتعلّق: التصالح والتسامح.. الدوافع والانتكاسة والمصير
لا يمكن إغفال حقيقة التضاد الواسع بين المشاريع السياسية التي يمثّلها المجلس الانتقالي الجنوبي من جهة والأحزاب اليمنية التي تنتمي إليها بعض الشخصيات الجنوبية المٌستهدفة من التقارب الجنوبي الجديد، من جهة أخرى. ومع ذلك يمكن التعويل والاعتماد على النقاط المشتركة والنظرة السياسية المتوافقة للحاضر الجنوبي، والمتضمنة تنمية واستقرار الجنوب، ودرء المخاطر الخارجية، فيما يمكن إرجاء النظرة السياسية المثيرة للجدل، للمستقبل، وربما لمراحل لاحقة تسودها التفاهمات التي من المؤمل أن يصنعها هذا التقارب.
سُبل التعزيز
يمكن تعزيز هذه الجهود عبر التركيز على الحاضر أكثر من المستقبل، وبحث النقاط التي يشترك ويتفق عليها الجميع، والعمل في إطار أوسع يتجاوز الحسابات السياسية ليمتد ليشمل الحسابات الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية في الجنوب، وهو ما سيمهّد لخلق أرضية صلبة يقف عليها أي تقارب سياسي قادم.
لا يزال، ما يمكن تسميته، "التقارب الجنوبي الجديد" في مراحل تخلّقه الأولى، لكنه حتى الآن ليس قائم على استراتيجية أو رؤية تتبناها الأطراف السياسية، بقدر ما هو إشارات فردية أو مجتمعية، تسعى لكسر حواجز الكراهية التي خلقتها الاختلافات السياسية.
سبق للمجلس الانتقالي الجنوبي أن تحدّث عن مشروع حوار جنوبي مع أطراف الحركة الوطنية الجنوبية، وأجرى لقاءات عديدة بقيادات وشخصيات وكيانات مختلفة. لكنّ هذه الجهود الإيجابية، لم تُنتج حتى الآن استراتيجية شاملة يمكن البناء عليها، لتشمل كل قوى الساحة الجنوبية، وبعض الشخصيات المؤثرة والفاعلة في الوسط الاجتماعي والسياسي الجنوبي.
إنّ فتح قنوات تواصل مع هؤلاء، واستثمار طاقاتهم الوطنية والنضالية، من شأنه أن يعزز الأداء الجنوبي العام، في أهم مراحله التاريخية، التي يمر بها، منذ اجتياح دولته في يوليو/تموز 1994.
يعقوب السفياني
محرر وصحفي في مركز سوث24 للأخبار والدراسات
قبل 3 أشهر