التقارير الخاصة

أدوار اللاعب الخارجي في دعم الجماعات المتطرّفة في اليمن

05-12-2020 الساعة 12 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24| قسم التحليل                                                                                     (English version)


في منتصف القرن الماضي برزت ثورات الشعوب العربية ضد المستعمر الأجنبي يتصدرها التيار القومي العربي بزعامة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر. كان الوقت والمناخ السياسي، حينها، مناسبين لتشكيل نواة جماعة الإخوان المسلمين في مصر، لمواجهة ثورات التيار القومي كمحور عربي تشكّل لتوه بقيادة عبد الناصر.


مطلع القرن الحالي والعام 2011، شهد العالم العربي ما عُرف بـ «ثورات الربيع العربي» التي تصدّرتها أحزاب وجماعات الإخوان المسلمين في البلدان العربية ضد الأنظمة التقليدية - ترِكة المحور العربي السابق ذكره -. وفي وقت ومناخ سياسي مناسبين أعاد التاريخ نفسه من جديد في صورة محور إسلامي يحاول التوغّل في المنطقة العربية عبر الأدوات ذاتها، ومحور عربي مقاوم أنتجته ثورات شعبية مضادة استطاعت في وقت قصير من إسقاط حكم الجماعات الإسلامية، من منطلق الحفاظ على أمنها القومي العربي.



متظاهرون من جماعة الإخوان المسلمين في "تركيا" دعما لإخوان مصر، يرفعون شعار "رابعة" وصور مرسي (الصورة: رويترز) 

الليلةُ العربيةُ ليست طبق الأصل من البارحة، ثمّة متغيّر «س» في المعادلة السياسية تتلخّص في:

أولاً: من ناحية التموضع والمواقف من عملية تشكّل محورين عربي واسلامي سابقاً وحالياً، يظهر تبادل الأدوار بين السعودية وقطر. حيث تتموضع قطر حالياً مع المحور الإسلامي حيث تموضعت السعودية سابقاً. لذلك يتضح دوران المواقف الأمريكية والإسرائيلية مع السعودية حيث دارت.


ثانياً: من نافذة اليمن التاريخية، يحلُّ دور المملكة العربية السعودية كقائدة للتحالف العربي، صاحبة التدخل السياسي والعسكري في الأزمة والحرب اليمنية حالياً، مكان الدور المصري سابقاً، وهو الاختلاف الذي لم يختلف في السيرة والمآل، وفقاً لمقارنة سريعة مع التاريخ، فمصر بقيادة عبد الناصر هزمها المحور الإسلامي في اليمن وتكبّدت خسائر مادية وبشرية أدت إلى إعلانها سحب قواتها العسكرية من اليمن مكتفيةً بدولة في اليمن الشمالي، وصف المؤرخون نظامها بـ «الجمهوري الملكي». الآن، تقف السعودية في مواجهة نفس المصير المصري مخلّفة وراءها دولة يمنية بنظام جمهوري ملكي تتصدره السلالة الملكية «جماعة الحوثيين الإسلامية»، على غرار حليفتها طهران، لإقامة جمهورية إسلامية مماثلة.


فما الجديد الذي أنتجته كل هذه الأحداث العسكرية والأزمات السياسية التي عصفت بالمنطقة العربية حالياً؟ لا يمكن فصل هذه الأحداث عن الهدف الدولي الذي يركز على مكافحة الإرهاب والقضاء عليه، وبالتالي برزت دورات العنف والصراع العسكري والسياسي في المنطقة العربية في محاولة للقضاء على المنظومة المعقّدة للجماعات الإسلامية المتطرفة على مصراعين:


- مصراع عسكري مباشر ضد التنظيمات الإرهابية (الإرهاب الظاهرة)، تزعّمت قيادته الولايات المتحدة الأمريكية.


- مصراع سياسي غير مباشر ضد الجماعات الإسلام السياسي المتطرفة (الإرهاب الفكرة)، تتزعم حالياً أوروبا القضاء عليه.


والأخير تم من خلال إثبات فشل هذه الجماعات سياسياً وتفكيك منظومتها الفكرية والعقائدية ونسف دعائمها المالية والاقتصادية، كمنظومة شبكية كانت يوماً ممثل حصري للدين الإسلامي في المجتمع الغربي خصوصاً، حينما تستخدم هذه الجماعات كأداة بيد الغرب لضرب الاتحاد السوفيتي والمحور الشرقي سابقاً، وفي دول العالم أجمع كحليف للنظام الرأسمالي ضد النظام الاشتراكي.

ذات صلة: هل بدأت الحرب العالمية للقضاء على الإخوان المسلمين؟

بدائل اللاعب الدولي


لطالما مثّلت اليمن محمية الجذر العقائدي لهذه المنظومة عندما جفت على أسوارها طلائع الجيش المصري في ستينيات القرن الماضي التي عادت إلى مصر، وخلّفت ورائها البلد الذي بقي أكبر مستودع لتخريج المجاهدين العرب ورفد تنظيم القاعدة بالعديد من العناصر التي قاتلت الاتحاد السوفيتي في افغانستان وشرق آسيا، حتى أصبح فرع تنظيم القاعدة في اليمن، الأخطر، وفقاً لباحثين ومسؤولين غربيين.


يعتقد اللاعب الدولي أنّ ليس هناك أنسب من جماعة الحوثيين الشيعية كجذر عقائدي بدائي يلائم طبيعة إنسان المحمية اليمنية البدائية ويحل محلّ جماعة الإخوان السنية ويقضي على معتقدها المتطرف. ينكشف ذلك، على سبيل المثال، من خلال الدعوات الأوروبية الحثيثة للاعتراف بالجماعة، ودور أوروبا السياسي الضاغط، لمنع توسيع المعارك باتجاه مناطق سيطرة الجماعة. كان ذلك عاملاً في فشل التحالف العربي بقيادة السعودية في تحقيق أي انتصارات تُذكر في شمال اليمن.


ذات صلة: المجلس الأوروبي يدعو للاعتراف بالحوثيين وإجراء مفاوضات مع الجنوب

يقف العالم الخارجي مراقباً للوضع اليمني على أمل أن يكون قد نجح في تمكين جماعة عقائدية كالحوثيين من تحقيق تطلعاته في محاربة التطرف و «الإرهاب» المنسوب للإخوان السنّة. 


يرى هذا الرأي أيضاً بإمكانية التساهل مع نهج الجماعة البديلة للنموذج الشيعي في التطرف وعداء المحور الغربي "أمريكا وإسرائيل وحلفائهم". حيث يعتمد تطرف هذه الجماعة في امتلاكها تقنية تسليح جديد ونوعي قائم على القتال الشريف، وفقا لرعاتها الدوليين، على عكس نهج سابقتها جماعة الإخوان المسلمين في «القتال الإرهابي».



متظاهرات إيرانيات يرفعن شعار "الموت لأمريكا"، ذات الشعار التي ترفعه جماعة الحوثي في اليمن (وكالات)

قرار ترامب.. وموجة تطرّف 


يتفق الكثير من الباحثين من أنّ النسخ العقائدية وحتى السياسية اليمنية أكثرها تطرفاً. تنظيم القاعدة في اليمن وجماعة الإخوان المسلمين «حزب التجمع اليمني للإصلاح» مثالان على ذلك.


النسخة الحوثية عن جماعات الإسلام السياسي الشيعي، لن تبتعد عن ذلك، سيكتشف العالم أنها الأشد تطرّفاً على الإطلاق، لاعتبارات كثيرة أهمها، تماهيها السياسي والأيدولوجي مع جماعة الإخوان والتنظيمات المتطرفة، ذات المرجعيات الدينية. لا تُخفي الجماعة هذا السر. فهي في الوقت الذي ترفع فيه شعار «الموت لأمريكا واللعنة على اليهود»، تتساقط صواريخها القادمة من إيران، على مدن السعودية، انتصاراً لقضية الفلسطينيين، وفقاً للخبير والصحفي الفلسطيني الشهير، عبد الباري عطوان. 


في ضوء كل هذه المعطيات، برز الدور الأمريكي، مؤخراً، لإقرار خطط جدية وعملية، نحو تصنيف الجماعة، كـ "منظمّة إرهابية"، وفرض عقوبات مالية وقضائية على زعمائها. لا يمكن الجزم إذا ما كان القرار الأمريكي المحتمل و "الوشيك"، انطلق من مخاوف حقيقية، من موجة تطرّف قادمة لا يمكن التكهّن بنتائجها، يقودها الحوثيون، أم أنّ قرار التصنيف المحتمل ليس سوى خطوة جمهورية خاصة للرئيس الأمريكي ترامب، لتعقيد المشهد على خلفه الديمقراطي جو بايدن، تجاه الملف الإيراني، بعيد عن الحسابات الواردة في هذا التحليل.


بدر محمد

باحث وزميل في مركز سوث24 للأخبار والدراسات، متخصص في الشؤون السياسية اليمنية

- مركز سوث24 للأخبار والدراسات


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا