التقارير الخاصة

تحليل|| بين أوباما وبايدن.. هل تحوّل الربيع العربي إلى كابوس لداعميه؟

12-11-2020 الساعة 11 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24| قسم التحليل


لم تتغير الخارطة السياسية كثيراً في منطقة الشرق الأوسط منذ تركها الرئيس الأمريكي الديمقراطي "باراك أوباما" بعهدة خليفته الجمهوري، "دونالد ترامب".


عقب ولايتين رئاسيتين، غادر الرئيس أوباما البيت الأبيض مطلع العام 2016، تاركاً خارطة سياسية شرق أوسطية مشتعلة أمنياً وعسكرياً وأيدلوجياً، وحرائق من الخلافات التي لم تنطفئ حتى اللحظة.


كان ذلك، بشكلٍ مركّز، في المنطقة العربية، التي شهدت حدثين مفصليين، الأول مع ثورات إسقاط الأنظمة التقليدية مطلع العام 2011 والثانية مع ثورات إسقاط الأنظمة الثورية التي أسقطت الأولى. كلا الحدثين توزّعا طيلة فترة ولايتي الرئيس أوباما 2008 - 2016.


ساهمت السياسة الأمريكية تحت إدارة الرجل بصورة مباشرة في تشكيل هذه الأحداث والتخطيط والتمويل، في بعضها. لم يتّضح ذلك وحسب من البيانات المؤيّدة للرئيس ذو الأصل الإفريقي، لـ "إرادات الشعوب" في المنطقة العربية وذهوله منها، بل أيضاً عززته مؤخراً، آلاف المراسلات الإلكترونية المسرّبة من حساب وزيرة خارجيته آنذاك هيلاري كلينتون.


"غادر أوباما البيت الأبيض تاركاً خارطة سياسية شرق أوسطية مشتعلة أمنياً وعسكرياً وأيدلوجياً"


باستثناء سوريا، استقرّ نصاب الحدث المصري والتونسي على هيئته الحالية المستقرة سياسياً في عموم البلاد عدا تخلل بعض أطرافها وأوقاتها اضطرابات أمنية عسكرية، رغم محدوديتها، إلا أنها ترتبط بصورة أو بأخرى بإرث الرئيس السابق أوباما.


الأزمتان اليمنية والليبية ظلّتا معلقتين، على الأقل حتى اللحظة، في وضع نصف الغلبة، فلا الثورة الأولى انتصرت ولا الثورة المضادة حسمت النهاية.


هذه الخارطة السياسية والعسكرية، استمرت بذات الصورة إلى حدٍ كبير، حتى بعد مجيء الرئيس الجمهوري المثير للجدل دونالد ترامب. والأخير لم يُحدث في هذه المناطق تغييراً يُذكر أو يساهم بصورة مباشرة في التأثير على مصيرها.


من الوهلة الأولى أدار ترامب ما يتصل بهذه المناطق المشتعلة، بعقلية تجارية مُطلقة، ضمن روزنامة برنامجه الرئاسي الذي أنصب على عملية النهوض بالاقتصاد الأمريكي واستخدام النفوذ الأمريكي في ابتزاز العديد من دول العالم، وعلى رأسها دول الخليج العربي.


من هذا المنطلق، فضّلت إدارة ترامب، تَرْك الخارطة السياسية والعسكرية العربية في متناول حلفائها الأغنياء، واكتفت بالمشاهدة مع تقديم دعم لوجستي محدود، تزامن معه حسم صفقات السلاح الكبرى لصالح التحالف الجديد المتشكّل في منطقة الخليج العربي وخليج عدن.



الرئيس دونالد ترامب والسيدة الأولى ميلانيا ترامب إلى جانب الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في 21 مايو 2017، خلال المشاركة في الحفل الافتتاحي للمركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف. (الصورة: البيت الأبيض)

حتى القمة العربية الشهيرة في السعودية، التي كان ضيفها الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، في أول زيارة خارجية له في مايو أيار 2017، تمخّض عنها قراران بارزان وكلاهما ذو صبغة اقتصادية بحتة تتوافق وعقلية الرجل:


الأول: توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صفقة أسلحة بقيمة 400 مليار دولار مع المملكة العربية السعودية. وكانت الصفقة الأكبر في تاريخ العالم. 


الثاني: توقيع دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة مذكّرة تفاهم لتأسيس مركز لتجفيف منابع تمويل الإرهاب.


وإلى جانب الخارطة السياسية والعسكرية ثمة خارطة اقتصادية سيتركها الرئيس ترامب بعده، – في حال حُسمت نتائج الطعون القانونية للانتخابات لصالح بايدن -، تقف تأثيراتها إلى جانب التداعيات الاقتصادية بسبب انتشار فيروس كوفيد19، على حافة تجربة شبيهة تهدد دول لم تصلها ثورات الربيع العربي بعد، كقطر وتركيا وإيران، وربما الحزب الديمقراطي في أمريكا نفسه.


قد لا تخلو صفقة اتفاقيات السلام الأخيرة لإسرائيل مع الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين والسودان بمباركة سعودية، من تفاهمات لتعزيز هذا "التجربة الشبيهة" في تلك البلدان. بالطبع هذا تحوّل مثالي في عهد ترامب. لكنه اقتصر على دول لم تطالها تبعات الربيع العربي.


الخارطة الاقتصادية للأزمتين العربيتين العالقتين "اليمنية والليبية"، والممتدة إقليميا إلى كلّ من إيران وتركيا وقطر، ألقت بظلالها سريعاً على الواقع الاقتصادي في هذه البلدان، تزامناً مع حصار عربي لقطر، و"طوفان" من العقوبات الأمريكية لا يزال مستمراً على إيران، وانهيار متواصل للعملة التركية؟


ليس بوسع الاقتصاد التركي والإيراني وكذلك القطري تحمّل الأعباء المالية لدعم الأطراف والجماعات العقائدية المتسببة في تعليق الحل السياسي للأزمتين العربيتين "اليمنية والليبية"، إلى مالا نهاية، ناهيك عن ذهاب هذه الدول لدعم حركات المعارضة في باقي الدول العربية والأوروبية، كما يفعل أردوغان في "كاراباخ".


"في حال قبل ترامب بترك منصبه، سيرث بايدن الشرق الأوسط وهناك اضطراب اقتصادي واسع يعصف بتركيا وإيران وقطر".


من المرجّح أنّ آخر زيارة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى قطر بصحبة وزير ماليته لم تنجح في اقناع قطر بتقديم الدعم المالي لإنقاذ انهيار العملة التركية. عقب هذه الزيارة استقال وزير المالية التركي وتعيش منظومة العمل المالي والاقتصادي مجموعة من الاختلالات غير المسبوقة.


لقد تزامن ذلك مع حملة مقاطعة واسعة للمنتجات التركية داخل الشارع السعودي، عقب تصريحات أردوغان ضد الرياض وقيادة المملكة. يعتقد مراقبون أنّ هذه الحملة لم تكن بمعزل عن القرار الرسمي السعودي.


تبدو تهنئة أمير قطر وتعليق نائب الرئيس التركي، ورد الرئيس الإيراني حسن روحاني، وكذلك بيان جماعة الإخوان المسلمين متفائلة جداً في الرهان على سياسة المرشح الديمقراطي المنتخب جو بايدن، للعودة بقوة إلى مسرح الأحداث، التي ساهموا في تشكيلها مطلع العام 2011.


لكنّ خيبة الأمل قد تكون منتظرة، فبايدن ظهر منذ الوهلة الأولى منشغلاً بالخروج من الأزمات الخانقة التي سببها فيروس كورونا المستجد، وتداعياته المستمرة على الوضع الصحي والاقتصادي للولايات المتحدة، فضلاً من أنّ منصبه كرئيس لا يزال قيد جدل قانوني في المحاكم الأمريكية، ويواجه تهديدات جادة من الجمهوري دونالد ترامب.


ترامب لم يغيّر في الخارطة السياسية التي تركها أوباما، خصوصا في الدول التي ارتبطت بشكل مباشرة بأحداث الربيع العربي، ومن المرجّح أنها قد تنتقل لبايدن. لكنه - أي ترامب - غيّر في الخارطة الاقتصادية لدول طالما أظهرت دعمها لتلك الأحداث السياسية والعسكرية، واستطاع إلى جانب حلفائه في الخليج العربي من تجفيف بعض "منابعها" السالفة الذكر.


- بدر قاسم محمد و إياد قاسم

- مركز سوث24 للأخبار والدراسات


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا