دولي

البنك الدولي: أربع ركائز لتحقيق تعاف قادر على الصمود للجميع

17-10-2020 at 8 PM Aden Time

language-symbol

سوث24| ماري إلكا بانجستو


حتى هذا الشهر، فقد أكثر من مليون شخص حياتهم بسبب جائحة فيروس كورونا (كوفيد ــ 19)، وأصيب بالعدوى أكثر من 35 مليون شخص. وفي كل بقعة من العالم، يعاني أشد الناس فقراً أيما معاناة، وتشير التقديرات الواردة في تقرير البنك الدولي الصادر مؤخراً بعنوان: الفقر والرخاء المشترك إلى أن معدلات الفقر المدقع في العالم ستزيد هذه السنة للمرة الأولى خلال جيل واحد.


ففي عام 2020 وحده، من الممكن أن تؤدي هذه الجائحة إلى زيادة كبيرة في عدد الفقراء المدقعين بين 88 مليونا و115 مليون شخص. وهذه أسوأ انتكاسة على الإطلاق نواجهها في سعينا إلى إنهاء الفقر.  وعلاوة على ذلك، لم تؤثر كورونا على الفقراء المدقعين فحسب، لكن عمليات الإغلاق والتوقف المفاجئة لمختلف الأنشطة الاقتصادية وتقييد الانتقال والحركة كان لها تأثير واسع النطاق على الجميع. ومن الأرجح أن يكون "الفقراء الجدد" من سكان المناطق الحضرية ومتعلمين، ويعملون في الخدمات غير الرسمية والصناعات التحويلية، بدلا من الزراعة، وستتأثر البلدان متوسطة الدخل تأثرا كبيرا. كما أن النساء أكثر تأثراً وتضررًا حيث إن نسبة فقدانهن للعمل تبلغ ضعف نسبة الرجال، ويتحملن أعباء رعاية الأسرة في حالة الإغلاق، فضلا عن تقليل عدد الوجبات الغذائية اليومية بسبب انخفاض الدخل.


"في عام 2020 وحده، من الممكن أن تؤدي جائحة كورونا إلى زيادة كبيرة في عدد الفقراء المدقعين بين 88 مليونا و115 مليون شخص"


ويتناول هذا التقرير ثالوث جائحة كورونا والصراعات وتغير المناخ، وهذه المشكلات مجتمعة تؤدي إلى هذه الانتكاسة. فإذا كانت جائحة كورونا هي التهديد الأحدث عهدًا، فإن الصراعات وتغير المناخ كانا سببًا في تباطؤ تقليص الفقر لسنوات، وما لم يتم التعامل معها على نحو حاسم، فإنها ستؤثر على القدرة على تحقيق هدفنا لعام 2030.  فعلى سبيل المثال، تضاعفت معدلات الفقر المدقع تقريباً بين عامي 2013 و2015 في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومرة أخرى بين عامي 2015 و2018 بسبب الصراعات الدائرة في سوريا واليمن. وفي حين أن 37 دولة من الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات تمثل 10% من سكان العالم، فإنها تمثل 40% من فقراء العالم. وإذا لم يتم التصدي لتغير المناخ، فقد يدفع ما بين 68 و132 مليون شخص إلى السقوط في براثن الفقر بحلول عام 2030، مما يشكل تهديداً خطيراً بشكل خاص لبلدان منطقة أفريقيا جنوب الصحراء ومنطقة جنوب آسيا حيث يتركز معظم فقراء العالم.


وهذه تقييمات خطيرة تستند إلى أدلة وشواهد وتبرز التحديات، فضلا عن المجالات التي يتعين علينا إيلاء أولوية لها لاتخاذ الإجراءات السريعة والمهمة لمساعدة مئات الملايين من الناس الأشد احتياجا. دعونا نضع أنفسنا مكان شونا بانو بيغوم من بنغلاديش، التي تبلغ من العمر 55 عاماً، وتعيش مع ابنها وزوجة ابنها وحفيدين. وقد عملت في إحدى قمائن الطوب، غير أن ابنها لا يستطيع أداء العمل الشاق بسبب مرض في القلب. لكن جائحة كورونا والإعصار الأخير أفقداها فرص العمل، مما أجبر الأسرة على المعاناة لتغطية نفقاتها وتوفير أسباب الحياة.


وثمة مثال آخر هو مبالو تاكر وهي طالبة تبلغ من العمر 17 عاماً من قرية في سيراليون التي خرجت مؤخرًا من دائرة الصراعات. وتشارك تاكر في برنامج استشاري تموله مؤسسة التمويل الدولية يقوم بتعليم الفتيات كيفية صنع الصابون، كأحد سبل كسب العيش، وحماية المجتمعات المحلية من فيروس كورونا. وتقول تاكر "عندما أكبر، أريد العمل في أحد البنوك ومساعدة أفراد أسرتي، والعمل على تدفق الأموال إلى بلدي ومساعدة شعبي". وعلينا جميعاً أن نعمل معاً حتى يتمكن الطلاب من أمثالها من إطلاق طاقاتهم الكامنة ومساعدة مجتمعاتهم على التعافي.


ومن ثم، علينا في هذا اليوم الذي يصادف يوم إنهاء الفقر، أن نلتزم بمضاعفة جهودنا، فضلا عن اتخاذ إجراءات لمعالجة هذه الأزمة وتسريع وتيرة إنجاز أجندة التنمية التي لم تُنجز بعد. 

وسيكون للطريقة التي يتصدى بها العالم لهذه الأزمة أثر مباشر على حياة الناس مثل شونا وعائلتها، ومبالو وملايين آخرين. وعلى الرغم من أن هذه الجائحة تشكل تحديات فريدة من نوعها، فإن التاريخ يبين أن العالم قادر على التغلب على الأزمات التي تبدو مستعصية على الحل عندما تتعاون البلدان وتتضافر الجهود.


ويُعد الانخفاض المطرد في معدلات الفقر المدقع على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية مثالًا قويًا على ما يمكن للمجتمع الدولي أن يحققه من خلال تضافر الجهود.


وفي إطار تصدينا لهذا الثالوث الخطير (كورونا والصراعات وتغير المناخ)، ينبغي أن تكون الأولوية الأولى إنقاذ الأرواح واستعادة سبل كسب العيش. وقد تم بالفعل تنفيذ بعض السياسات اللازمة لتحقيق ذلك، مثل أنظمة الحماية الاجتماعية: فقد تحرك حتى الآن أكثر من 55 بلداً، مثل البرازيل وإندونيسيا، بوتيرة سريعة لتوسيع نطاق برامج التحويلات النقدية من الحكومة إلى الأفراد. وفي حالات أخرى، يمكننا مساعدة البلدان على تصميم جهود التصدي وفقًا لاحتياجاتها الفريدة: ففي هايتي، على سبيل المثال، قدم البنك الدولي تمويلًا لتحسين أعمال الفحص والاختبارات والعلاج، فضلا عن الوقاية من انعدام الأمن الغذائي من خلال الحفاظ على الإنتاج الزراعي.


وحتى يتسنى تحقيق تعاف يساعد الجميع على الصمود في وجه الصدمات، على العالم أيضا مواصلة التغلب على التحديات التي تواجه منظومة التنمية.  ولما كانت التحديات القادمة تجعلنا نستشعر مدى تواضع إمكاناتنا، ونواجه العديد من أوجه عدم اليقين والغموض، علينا المضي قدماً والإقرار بحاجتنا إلى المرونة وتعديل نُهجنا، وتصحيح أنفسنا. وهذا ما نفعله في البنك الدولي.


"تضاعفت معدلات الفقر المدقع بين عامي 2013 و2015 في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومرة أخرى بين عامي 2015 و2018 بسبب الصراعات الدائرة في سوريا واليمن."


ويقدم تقرير الفقر والرخاء المشترك تقييمات تستند إلى أدلة وشواهد حسب المنطقة والبلد المعني فيما يتعلق بمجالات الأولويات التي ستختلف من بلد لآخر ومن منطقة لأخرى. وقد اتسمت استجابة البنك الدولي بالسرعة والجرأة، كما قدم التمويل والمعارف التي تسترشد بها استجابات البلدان المتعاملة معه على مستوى السياسات، وتفعيل برامج الإغاثة الصحية والاقتصادية في حالات الطوارئ في هذه البلدان. وهناك أربعة عوامل مترابطة نأمل أن تؤدي إلى تحسين المعلومات وتسريع وتيرة عملنا الجماعي - البنك الدولي والحكومات والشركاء وأصحاب المصلحة – في المرحلة المقبلة.


1. تعزيز التعلّم وتحسين البيانات: في خضم حالة عدم اليقين وضبابية المشهد بسبب جائحة كورونا، يتعين على الحكومات وشركائها تحديد الاستجابات الفعالة وتوسيع نطاقها بوتيرة سريعة. وعلى البلدان التعلم في إطار جهود التصدي التي تبذلها، وتبادل النتائج عند تحقيقها من خلال جمع البيانات وتنظيمها وتبادلها على نحو مفتوح. وهذا يبني الثقة بين الجمهور ويدعم الابتكار وتنفيذ السياسات السليمة. ومن الأهمية بمكان في جميع الأوقات إتاحة بيانات عالية الجودة للجمهور، لا سيما خلال الأزمات. ويؤدي ذلك إلى تحديد المستفيدين على نحو أفضل، وأنواع البرامج اللازمة لضمان مراعاة الفئات الأولى بالرعاية مثل النساء، وما إذا كانت البرامج فعالة.


2. سد الفجوة بين تطلعات السياسات وتنفيذها على أرض الواقع: في كثير من الأحيان، توجد فجوة واسعة بين السياسات كما تتوخاها الحكومات من جهة، وتنفيذها في الواقع العملي من جهة أخرى، وبالتالي بين ما يتوقعه المواطنون وما يواجهونه يوميا. ولا بد من إيلاء الاهتمام ليس فقط لوضع السياسات الصحيحة ولكن أيضا لبناء قدرات الأنظمة الإدارية المكلفة بتنفيذها. على سبيل المثال، مع برامج الحماية الاجتماعية، نجد فرصة لتقوية نظام الحماية الاجتماعية وتكييفه لتوقع الأزمة المقبلة، وليس فقط للتعامل مع هذه الأزمة الحالية، وتحسين أنظمة تقديم الخدمات وإنجاز البرامج، مثل استخدام المدفوعات الرقمية.


3. الاستثمار في التأهب والوقاية: يؤكد ثالوث جائحة كورونا والصراعات وتغير المناخ على الحاجة إلى الاستثمار في التأهب والوقاية على نحو شامل في البلدان المعنية وعبر الحدود. ومن الأمثلة على التعاون الدولي الناجح نظام الإنذار بأمواج تسونامي في المحيط الهندي والتخفيف من آثارها، الذي ينسق الآن بين مراكز الإنذار التي أنشأتها، بصورة منفصلة في البداية، خمسة بلدان هي أستراليا والهند وإندونيسيا وماليزيا وتايلند بعد زلزال وتسونامي 2004. وتواجه أفريقيا الآن جائحة كورونا وهي في موقف أقوى بفضل الدروس المستفادة من حالات تفشي الإيبولا، والتعاون الذي تقوده الوكالات الإقليمية، مثل برنامج تعزيز الأنظمة الإقليمية لمراقبة الأمراض (في منطقة غرب ووسط أفريقيا) ومشروع شبكة مختبرات الصحة العامة في شرق أفريقيا.


4. توسيع نطاق التعاون والتنسيق: في أثناء الأزمات، يكون التعاون والتنسيق غاية في الأهمية لتعزيز التضامن في المناطق المتضررة وضمان أن تكون قرارات الحكومات موثوقة وجديرة بالثقة. وبحسب اختلاف ردود فعل البلدان المختلفة فيما يتعلق بالتصدي لجائحة كورونا على نحو لافت للنظر، فللتركيز على التعاون والتنسيق أهمية خاصة لضمان اتخاذ إجراءات جماعية حاسمة منذ بداية الأزمة. وينبغي أن يحدث التنسيق والتعاون بين شركاء التنمية والبلد المعني؛ وداخل الحكومة بجميع أجهزتها وعلى جميع مستوياتها على مستوى الدولة والأقاليم وأجهزة الحكم المحلي؛ والمجتمع بأسره، والحكومات والقطاع غير الحكومي - القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات المجتمعية والجمعيات الأهلية.


وإذا نظرنا إلى شانو ومبالو وغيرهما من الملايين بعين الاعتبار، فإننا ملتزمون بالعمل بوتيرة سريعة وجرأة لمساعدة البلدان على إنقاذ الأرواح، وحماية سبل كسب العيش، وتعزيز الجهود الرامية إلى تحقيق تعاف قادر على الصمود في وجه الصدمات، ومساعدة البلدان على استئناف مسار أجندة التنمية.


ماري إلكا بانجستو

المديرة المنتدبة لشؤون سياسات التنمية والشراكات بالبنك الدولي.

- المصدر: موقع البنك الدولي


Shared Post
Subscribe

Read also