متحف الضالع الوطني من الخارج، 9 نوفمبر 2025 (مركز سوث24)
Last updated on: 18-11-2025 at 8 PM Aden Time
|
|
"متحف الضالع، يمثّل أكثر من مجرد مبنى يضم قطعاً أثرية؛ فهو سجل مادي وحافظة للذاكرة التاريخية والجماعية للمحافظة والمناطق المجاورة لها.."
مركز سوث24 | خديجة الجسري
في قلب مدينة الضالع، يقف المتحف الوطني شاهداً صامتاً على تاريخٍ طويل من الحضارة والنضال، ومعبّراً عن هوية ثقافية تتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل. فمنذ افتتاحه في فبراير 1983، في عهد دولة اليمن الجنوبي، شكّل المتحف نافذة مطلة على ماضي المحافظة، بما يحمله من آثار ومقتنيات تروي قصص الإنسان الجنوبي عبر العصور، من الحضارات القديمة إلى مراحل الكفاح الوطني ضد الاستعمار.
لكن هذا الصرح الثقافي، الذي يعد الحارس الوحيد لتاريخ الضالع وذاكرة حية لأبناء المحافظة، يعيش اليوم واحدة من أصعب مراحله؛ إذ تآكلت جدرانه، وتضررت مقتنياته، وأُغلقت أبوابه أمام الزوار، في مشهد يعكس حجم التراجع الذي أصاب الاهتمام بالتراث والهوية الثقافية في البلاد.
من خلال هذا التقرير، يسلط مركز سوث24 الضوء على تاريخ متحف الضالع ومقتنياته، ونوثّق واقعه الراهن وما يواجهه من تحديات، كما نستعرض الجهود الرسمية والمجتمعية الساعية لإنقاذه وإعادة الحياة إلى هذا المعلم الذي يمثل جزءاً أصيلاً من الذاكرة الجنوبية.

جانب من الأدوات المنزلية الأثرية المعروضة في متحف الضالع، 9 نوفمبر 2025 (مركز سوث24)
تاريخ المتحف ومقتنياته
خلال زيارة وفد مركز سوث24 لمتحف الضالع الوطني، وجدنا أنفسنا أمام ذاكرة تاريخية تختزل ملامح الماضي العريق للمحافظة. ويضم المتحف خمسة أقسام رئيسية:
1. القسم الأول: الموروث والعادات والتقاليد الشعبية
يعرض الأزياء التقليدية والحلي والأدوات القديمة التي كانت جزءاً من الحياة اليومية لأهالي الضالع.
2. القسم الثاني: الحلي والمقتنيات الأثرية
ويضم قطعاً تمثل التراث المادي للمجتمع المحلي.
3. القسم الثالث: الآثار والنقوش القديمة
وتشمل آثاراً تعود لحضارات عريقة كانت الضالع جزء منها أو محتكة بها مثل مملكتي سبأ وحمير.
4. القسم الرابع: تاريخ النضال الوطني
ويعرض صور الشهداء والمناضلين من الضالع ومحافظات الجنوب الأخرى، إضافة إلى بنادق وخناجر استخدمها الثوار في ثورة 14 أكتوبر ضد الاستعمار البريطاني.

جانب من صور الشخصيات النضالية المعروضة في متحف الضالع، 9 نوفمبر 2025 (مركز سوث24)
5. القسم الخامس: التوثيق والأرشفة
وفيه تُعرض وثائق وصور ومراسلات تحفظ الذاكرة التاريخية والسياسية للمحافظة.
وفي مقابلة لمركز سوث 24 قال فضل محمود، مدير مكتب الآثار بمحافظة الضالع، إن المتحف، الذي يقع في وسط المدينة، يُعد من أبرز المعالم الثقافية في المحافظة. وأوضح أنه يضم قطعاً أثرية نادرة مصنوعة من الأحجار الجيرية والكلسية والرخام، إلى جانب أسلحة قديمة وأدوات منزلية وملابس تقليدية تمثل جانباً من تراث المحافظة العريق.
وأشار فضل محمود إلى أن معظم هذه المقتنيات جُمعت من مناطق تاريخية أبرزها شكع والدمنة وعدد من القرى في مختلف المديريات.
وبشأن أهمية المتحف، قال المؤرخ د. عبدالله أحمد طالب لمركز سوث 24، إن متحف الضالع، يمثّل أكثر من مجرد مبنى يضم قطعاً أثرية؛ فهو سجل مادي وحافظة للذاكرة التاريخية والجماعية للمحافظة والمناطق المجاورة لها.
وأضاف: "كان المتحف مركزاً تعليمياً وثقافياً يرتاده الطلاب والباحثون والرحلات المدرسية، فضلاً عن كونه وجهة لبعثات أجنبية من فرنسا وبريطانيا وروسيا، وهو ما يعكس قيمته العلمية والتاريخية".

لوح حجري منقوش عليه بخط المسند الحميري، يعود للقرن 2 ميلادي، معروض في متحف الضالع، 9 نوفمبر 2025 (مركز سوث24)
ويؤكد علي محسن سنان، مدير مكتب الثقافة والسياحة بمحافظة الضالع، على هذه المكانة للمتحف. مضيفًا لمركز سوث24: "إنشاء متحف الضالع جاء كضرورة لتوثيق وحفظ تاريخ المحافظة وعاداتها وتقاليدها المتنوعة، إلى جانب تخليد تاريخ النضال التحرري والثوري منذ الانتفاضات القبلية وحتى الاستقلال"
وأردف: "المتحف، الذي تأسس بمتابعة الشخصية الوطنية البارزة في دولة الجنوب، علي عنتر ، مثّل نقلة نوعية في الاهتمام بتاريخ الضالع وموروثها الحضاري".
الواقع الحالي والتحديات
بعد أربعة عقود من تأسيسه، يواجه متحف الضالع الوطني واقعاً صعباً يهدد ما تبقى من ذاكرته الثقافية. فقد تآكلت جدرانه وسقفه بفعل الإهمال وغياب أعمال الصيانة، وتعرضت كثير من مقتنياته للتلف أو الفقدان.

جانب من متحف الضالع، 9 نوفمبر 2025 (مركز سوث24)
قال عبدالسلام قاسم مسعد، مدير عام مكتب الإعلام ومدير مكتب محافظ الضالع، في تصريح لمركز سوث24، إن الحرب المستمرة في المحافظة تركت آثاراً سلبية ومدمرة على مختلف القطاعات، بما في ذلك البنية التحتية والمؤسسات والمشاريع الاقتصادية والتنموية والتاريخية.
وأوضح أن استمرار الجبهات على حدود الضالع مع مليشيا الحوثيين لأكثر من عشر سنوات أدى إلى تدهور الاستقرار المجتمعي والنفسي للسكان، إضافة إلى التأثيرات المالية التي أثقلت كاهل الاقتصادين المحلي والمركزي.
وأشار مسعد إلى أن متحف الضالع كان من أبرز المتضررين من هذه الحرب، إذ تضررت محتوياته وبنيته التحتية بشكل كبير نتيجة الأوضاع الأمنية المستمرة على حدود المحافظة.

بندقيات ثوار 14 أكتوبر 1963 ضد الاستعمار البريطاني، 9 نوفمبر 2025 (مركز سوث24)
وأشار مدير مكتب الآثار بالضالع، إلى إن المتحف يمرّ اليوم بمرحلة حرجة نتيجة تدهور بنيته التحتية وغياب الدعم الرسمي، وغياب وأي ميزانية مخصصة لمكتب الآثار الذي يرأسه.
وأضاف أن هناك نقصاً في الحراسة الأمنية للمتحف، وأن مكتب إدارة المتحف بحاجة إلى غرفة مخصصة للحراس مزودة بالخدمات الأساسية مثل دورة مياه، إضافة إلى كاميرات مراقبة لحماية المقتنيات. وبيّن أن مكتب الآثار قد رفع جميع احتياجات المتحف إلى الهيئة العامة للآثار، ومنها إلى منظمة اليونسكو، لكن حتى الآن لم يتلقَّ أي رد أو دعم فعلي.
وأكد فضل محمود أن المتحف بحاجة إلى اهتمام شامل يتضمن الترميم وإعادة ترتيب القطع الأثرية داخل واجهات العرض الزجاجية (فترينات العرض)، مع إضافة شروحات تعريفية لكل قطعة.

جانب من القطع الأثرية المعروضة في متحف الضالع، 9 نوفمبر 2025 (مركز سوث24)
ولفت مدير مكتب الثقافة والسياحة بالمحافظة إلى أن "حرب صيف 1994 ضد الجنوب، وما تلاها من محطات، خصوصاً حرب 2015، أدّت إلى تدمير ونهب كثير من محتويات المتحف".
وأضاف: "المتحف اليوم بحاجة ماسة إلى إعادة تأهيل شاملة وإدخال أساليب عرض وتقنيات حديثة، إلى جانب العمل على استعادة المقتنيات المنهوبة".
وثمّن علي محسن سنان زيارة وفد الترويج السياحي، برئاسة انتصار الهدالي، أواخر أكتوبر الماضي إلى الضالع، للاطلاع على أوضاع المتحف. وأعرب عن أمله في أن تسهم هذه الجهود في إعادة إحياء المتحف كواجهة حضارية وثقافية تعرّف الأجيال والزوار بتاريخ المحافظة العريق.
ولفت المؤرخ د. عبد الله أحمد إلى زاوية مهمة من التحديات والمشكلات التي يعاني منها متحف الضالع، وهي غياب الاهتمام الكفاءات المتخصصة في التاريخ والآثار قبل وزارة الثقافة والسياحة والجهات المختصة الأخرى. فضلًا عن غياب الجمعيات والمبادرات المحلية المعنية بالآثار والتراث.

تمثال رأسي من الحجر الكلسي، يعود إلى القرن 2 - ميلادي، معروض في متحف الضالع، 9 نوفمبر 2025 (مركز سوث24)
مع ذلك، عبر المؤرخ عن أمله أيضًا بنتائج مثمرة لزيارة مجلس الترويج السياحي الأخيرة.
مساعي النهوض بالمتحف
أشار مدير مكتب الآثار فضل محمود إلى اتفاق أبرم مؤخراً بين قيادة محافظة الضالع ووزارة الإعلام والثقافة والسياحة، يهدف إلى دعم المتحف وتأهيله ضمن خطة حماية المواقع الثقافية في المحافظة.

تمثال على هيئة إنسان من الحجر الكلسي، يعود إلى القرن 2 - ميلادي في عهد مملكة حمير، معروض في متحف الضالع، 9 نوفمبر 2025 (مركز سوث24)
وأوضح أن الاتفاق يشمل تخصيص موازنة تشغيلية رمزية ودعماً إعلامياً لتسليط الضوء على أهمية المتحف ومكانته التاريخية، متوقعاً أن يسهم ذلك في تحسين بيئة العمل داخل المتحف ورفع الوعي المجتمعي بأهمية التراث.
وأشار إلى أن الخطة تتضمن أيضاً تدريب كوادر متخصصة لتحسين الأداء والإشراف الفني، إلى جانب تأهيل أفراد الحراسة لحماية المقتنيات والحفاظ عليها. وأكد أن تنفيذ هذه الإجراءات سيشكل خطوة أولى نحو إعادة المتحف إلى دوره الثقافي والسياحي في المحافظة.
من جهتها، قالت انتصار الهدالي، مديرة صندوق الترويج السياحي بوزارة الإعلام والثقافة والسياحة، في تصريح لمركز سوث24، إن مشروع ترميم متحف الضالع والمواقع الأثرية في المحافظة قُدّم قبل عامين إلى مجلس الترويج السياحي، وشمل أيضاً قصور أمراء الضالع ودور الضيافة والمواقع التاريخية في المحافظة.
وأوضحت الهدالي أنه جرى خلال الفترة الماضية عقد عدة لقاءات مع محافظ الضالع اللواء علي مقبل والوزير معمر الإرياني، نتج عنها اتفاق رسمي مع وزارة الإعلام والثقافة والسياحة لتنفيذ المشروع بدءاً من عام 2026.

تمثال رأسي من الحجر الجيري يعود إلى القرن 2 - 3 ميلادي، معروض في متحف الضالع، 9 نوفمبر 2025 (مركز سوث24)
وأضافت أن المرحلة الأولى من المشروع ستشمل ترميم متحف الضالع ودار الضيافة في جحاف وتحويلها إلى منشأة سياحية بهدف إنعاش القطاع السياحي في المحافظة.
وأشارت إلى أن التنفيذ سيتم عبر مناقصة عامة تتولاها المحافظة للتعاقد مع إحدى شركات المقاولات المحلية. كما بيّنت أن الوزارة طلبت من مديريات المحافظة رفع قاعدة بيانات شاملة حول المواقع السياحية والأثرية المحتاجة إلى ترميم، ليتم بناء خطة متكاملة لتنفيذ المشاريع الثقافية والسياحية تدريجياً في الضالع.
وأكد عبدالسلام قاسم مسعد، مدير مكتب محافظ الضالع، أن السلطة المحلية تدرك أهمية الحفاظ على الموروث الثقافي والتاريخي في المحافظة، وفي مقدمته المتحف الوطني. وأشار إلى سعي مستمر من السلطة المحلية للحصول على تمويل حكومي أو خارجي لإعادة تأهيل المتحف والمباني والمعالم التاريخية.
وعلى الرغم من التدهور الذي يعاني منه متحف الضالع الوطني والتحديات المتعددة أمامه، إلا أنه ما يزال يحمل بين جدرانه رائحة التاريخ وصوت الماضي الذي يرفض. فكل قطعة أثرية، وكل صورة مناضل، وكل نقش محفور على الحجر، تمثل جزءاً من هوية الضالع والجنوب، وذاكرة السكان الجمعية،
وبين مشاهد التصدع وبوادر الأمل، تظل مبادرات الترميم ومحاولات الإحياء التي أطلقتها السلطات، بارقة رجاء في طريق طويل لاستعادة مجد هذا الصرح التاريخي. وغيره من أمجاد ومعالم محافظة الضالع التي عرفت بأدوار تاريخية مع امتداد استثنائي إلى الحاضر، والمستقبل.
Previous article