نادي نجوم عدن للمكفوفين - اقتصاص بواسطة مركز سوث24
Last updated on: 24-08-2025 at 3 PM Aden Time
|
"إذا كانت الرياضة قد أثبتت أنها ساحة لإعادة الاعتبار لذوي الإعاقة وكسر الصور النمطية، فإن الاستثمار فيها، مؤسسيًا ومجتمعيًا، يعني فتح نوافذ جديدة للأمل.."
مركز سوث24 | فاطمة باوزير، أحمد فراره
في بلد يتقاطع فيه صخب الحرب مع صمت الإهمال، تظل الرياضة بالنسبة لكثير من الأشخاص ذوي الإعاقة أكثر من مجرد نشاط بدني؛ إنها فعل مقاومة، ولغة إثبات وجود، ومساحة أمل وسط واقع مثقل بالعوائق.
ورغم ندرة الإمكانيات وغياب الدعم المؤسسي الكافي، تخرج من الظل قصص ملهمة لأفراد جعلوا من قيودهم منطلقًا، ومن تحدياتهم حافزًا، ليعيدوا تعريف حدود الممكن.
هنا، تتحول الملاعب إلى منصات كسر الصور النمطية، وتغدو البطولات رسائل صريحة بأن الإعاقة ليست نهاية الطريق، بل بداية مسار جديد، تُصنع فيه الإنجازات بالعزيمة قبل الإمكانيات.
هذا التقرير يأخذ القارئ في رحلة بين الحلم والعمل، بين الأمل والإنجاز، ليرصد واقع رياضة ذوي الإعاقة في جنوب اليمن، ويكشف كيف يمكن للإرادة أن تنتصر حتى في أكثر الظروف قسوة.
نماذج رائدة
رشا المبصرة بعين العقل
في مدينة المكلا، برزت فتاة استطاعت أن تبصر طريقها في الحياة رغم أن الضوء قد غادر عينيها مبكرًا.
ولدت رشا خالد الرباكي مثل أي طفلة عادية، تركض وتلهو وتحلم، لكن مرضًا نادرًا أصاب بشرتها أفقدها بصرها تدريجيًا حتى دخلت عالم المكفوفين وهي ما تزال صغيرة.
بعد انقطاع عن الدراسة بسبب حالتها الصحية، التحقت بجمعية الضياء لرعاية وتأهيل المكفوفين، وهناك وجدت بيئة تمنحها الأمل، لتكتشف لاحقًا في الصف السابع لعبة ستغير مسار حياتها: الشطرنج.
قالت لمركز سوث24: بدأت ألعب الشطرنج وأنا في الصف السابع، لم أكن أعرف أنني سأقع في حب هذه اللعبة… لكني وجدت فيها عالمي الخاص."
منذ أول بطولة للمبتدئين، وحتى مواجهتها المبصرين في بطولات المحافظة، أثبتت رشا أن الإنجاز لا يحتاج عينين تبصران، بل عقل وقلب يعرفان أين توضع القطعة الصحيحة. وعند انتقالها إلى الجامعة، استمرت في حصد المراكز الأولى في ثلاث بطولات متتالية على مستوى جامعة حضرموت، لترى نفسها أكثر انفتاحًا على الحياة والمجتمع.
وهب علي عبدالله خميس.. إرادة تتحدى الصمت
شقّ لاعب كرة القدم من فئة الصم في عدن، وهب علي عبدالله خميس، طريقه نحو الملعب بإرادة لا تعرف المستحيل. بدأ رحلته وهو لا يعرف الكثير من الصم المهتمين بالرياضة، فاختار أن يلعب مع المتحدثين، متجاوزًا حاجز التفاهم معهم.
"أنا عندي رغبة في اللعب."
بهذه الكلمات، تحدث لمركز سوث24، ومع كل محاولة، كان يصقل موهبته ويتحدى الصعوبات. واجه وهب تمييزًا، لكنه كان – كما يصفه – تمييزًا مناطقيًا أكثر من كونه بسبب إعاقته. كان يُرشح للمشاركة مع لاعبي الصم في عدن، لكن عند السفر إلى صنعاء كان يُستبعد، بينما يُختار آخرون للمشاركة في البطولات الدولية.
رغم ذلك، لم تثنه العقبات عن أهدافه. إرادته كانت أقوى من أي عائق، واستمر في مسيرته الرياضية رغم محدودية الدعم، الذي اقتصر على المشاركات الخارجية فقط.
قال: "نحن قلة ونحتاج إلى تشجيع مستمر لمواصلة الإنجازات."
محمد عبدالقادر الكاف.. بطل كرة الهدف
في مدينة تريم، بحضرموت، بزغت قصة شاب كفيف رفض أن تستسلم أحلامه لظلام فقدان البصر. محمد، وبعد سلسلة من العمليات الجراحية التي لم تُعد له بصره، عاش لحظة عزلة في السابعة عشرة من عمره، لكنه وجد في قلبه إصرارًا أكبر من أن يُهزم.
التحق بجمعية المكفوفين في سيئون عام 2007، وهناك اكتشف لعبة كرة الهدف، ليتحول سريعًا من متفرج إلى لاعب أساسي.
"أنت لاعب أساسي"، كانت كلمات المدرب بعد أن جرب رمية واحدة فقط.
شارك في بطولة صنعاء عام 2008 وسط تحديات كبيرة: نقص الكرات، وغياب الشباك، وضعف الدعم للسفر. وفي 2009، سافر إلى الأردن للمشاركة في دوري كرة الهدف، وعاد بفكرة كبرى: أن ينشئ بطولة مماثلة في حضرموت.
بإمكانيات بسيطة، صنع مع زملائه مرمى كرة الهدف، ونظم أنشطة جمعت المبصرين والمكفوفين. حافظوا على مراكز متقدمة في بطولة صنعاء 2014، ثم شارك في بطولات عربية في عُمان ومصر والبحرين، وكل رحلة كانت تذكّره بفجوة الإمكانيات.
"سنصنع فرقنا بأنفسنا"، قال لمركز سوث24. مضيفًا: "الرياضة سحرٌ يُعيد للمعاق ثقته بنفسه… فنحن لسنا أقلّ من الآخرين، الظروف فقط هي من تقف قزمًا أمام إرادتنا."
وفي عام 2020، وبعد إقناع السلطة المحلية، نظم أول بطولة رسمية لكرة الهدف في حضرموت. توقف النشاط مؤقتًا مع جائحة كورونا، لكنه لم يتوقف عن الحلم. اليوم، يطمح محمد لتأسيس اتحاد رياضي لذوي الإعاقة في وادي حضرموت، مؤمنًا أن النصر الأكبر حققه بالفعل: إثبات أن الإرادة يمكن أن تُضيء حتى في العتمة.
سليمان المرشدي.. عندما تصبح الكراسي المتحركة أجنحة للطيران
وسط ملعب صغير في حضرموت، يتقدم سليمان المرشدي بخطى واثقة على كرسيه المتحرك، وهو يحمل إيمانًا عميقًا بأن الرياضة يمكن أن تكون بابًا واسعًا للحياة وليست مجرد نشاطًا جانبيًا.
وُلد سلمان عام 1980 بإعاقة في الجزء السفلي من جسده، وكان منذ صغره مولعًا بالرياضة، من السباحة إلى كرة القدم في الحارة.
قال لمركز سوث24: "والله أحب الرياضة... كنت أمارس السباحة من قبل، ولعبت كرة القدم في الصغر مع الأطفال... لكل إنسان ميول رياضية، تُصقل بالممارسة."
لم يكن يعلم أن لرياضة ذوي الإعاقة بطولات رسمية، حتى جاء الدعم من اللجنة الدولية للصليب الأحمر لرياضة كرة السلة على الكراسي المتحركة، وهي رياضة عالمية.
شارك مع فريق حضرموت في بطولات محلية، وحققوا مراكز متقدمة، لكنه يقر بصعوبة التمويل للمشاركات الخارجية.
"حتى نشارك خارجيًا لازم تموّل نفسك... وهذا صعب جدًا." يستعيد سليمان كيف تغيّرت نظرة المجتمع: "كانوا يسخرون من المعاق الذي يمارس الرياضة... الآن تغيّرت النظرة لدى البعض، بعدما رأوا الإنجازات."
يرى سليمان في الرياضة وسيلة للدمج وكسر الصور النمطية، مستشهدًا بنجاحات رياضيين معاقين آخرين. وقد نظّم مع فريقه فعاليات كسباقات الكراسي المتحركة ومباريات للبنات ذوات الإعاقة، بدعم من مكتب وزارة الشباب والرياضة بحضرموت.
سهير مقبل حسن علي.. من الكرسي إلى القمة
في زاوية صامتة من حياتها، كان "الفراغ" أول ما تحدّى سهير، لكنه لم يكن صوتًا محبطًا، بل كان الهمسة التي دفعتها لاكتشاف ذاتها.
تبلغ الشابة من العمر 28 عامًا، وهي من العاصمة عدن، متزوجة، ومنذ البداية كان الصراع مع الشعور بالعجز حقيقيًا، لكن التشجيع من زوجها كان شرارة البداية نحو رياضة تنس الكراسي.
قالت لمركز سوث24: "الفراغ هو من ألهمني إني أنضم للعبة تنس الكراسي... كنت أحب الرياضة، وزوجي شجعني، وقلت: ليش لا؟"
تعلّمت الإمساك بالمضرب والتأقلم مع الكرسي المتحرك في ساحة التنس، متجاوزة التحديات بالتدريب اليومي. في عام 2023، حصدت المركز الثالث، وفي 2024 ارتقت إلى الثاني، حتى تُوجت عام 2025 بالمركز الأول في بطولة تنس الكراسي.
وحول هذا، قالت: "لحظة تكريمي كانت من أكثر اللحظات تأثيرًا في حياتي... شعرت أني أخيرًا وصلت، أني موجودة، أني أقدر. كنت أشوف نفسي عاجزة، ما أقدر أسوي شي. الآن؟ أنا لاعبة محترفة، وأفتخر بنفسي."
هاني عمر عبيد بكير.. الإرادة تكسر الإعاقة
منذ طفولته، كان هاني المنحدر من حضرموت شغوفًا بالرياضة، يبدأ أيامه في حارة الحي لاعبًا لكرة القدم في مركز حارس المرمى.
مع مرور الوقت، وجد نفسه أكثر انجذابًا نحو ألعاب القوى، فبدأ يمارس التمارين بمفرده، رغم إعاقته الحركية، معتمدًا على عزيمته وإرادته القوية، رغم غياب الأندية المخصصة للمعاقين في اليمن، ونقص الدعم المجتمعي، وصعوبة الظروف الاقتصادية التي شكلت تحديًا كبيرًا أمام طموحاته.
تجربته في معسكر اليابان مطلع العام الحالي كانت نقطة التحول الأبرز، حيث احتك باللاعبين الكبار وتعلم مهارات جديدة، فعاد إلى اليمن بروح جديدة وثقة أكبر بنفسه.
الجانب المؤسسي والتنظيمي
يُعد الاتحاد العام لرياضة المعاقين الذراع التنفيذية الأهم لرياضة ذوي الإعاقة في الداخل اليمني، ويشرف على البطولات المحلية، والتأهيل الفني، والمشاركات الخارجية.
في حديثه لمركز سوث24، أوضح حسن صالح مسجدي، مدير مكتب الشباب والرياضة بساحل حضرموت، أن وزارة الشباب والرياضة بعدن تشرف على أكثر من 25 اتحادًا، من بينها الاتحاد الرياضي لذوي الإعاقة الذي يخدم جميع الفئات: الحركية، البصرية، السمعية، والذهنية، ومن الجنسين.
بطولة سباحة للمكفوفين - نادي نجوم عدن، 22 يونيو 2025 (صفحة النادي على فيسبوك)
وقد شهد عام 2024 تشكيل قيادة جديدة للاتحاد في المكلا برئاسة خالد المعلّم (من ذوي الإعاقة البصرية)، الذي أطلق فعاليات شملت مختلف الإعاقات، ومنها نشاط لفئة الصم ضمن أسبوع المعاق العربي، وسط حضور رسمي وإعلامي واسع.
أيضًا، تأسست اللجنة البارالمبية اليمنية رسميًا عام 2012، وحصلت على اعتراف اللجنة الدولية للبارالمبيك في نوفمبر 2015، لتصبح الممثل الرسمي لرياضة ذوي الإعاقة في اليمن.
توضح أمل هزاع، الأمين العام المساعد للجنة، أن الأنشطة والمشاركات الخارجية محدودة جدًا. وقالت لمركز سوث24: "أحيانًا لا يتجاوز النشاط الواحد في العام، بسبب غياب الدعم والحوافز".
رغم التهميش الداخلي، تمكنت اللجنة من تأسيس فرق كرة سلة على الكراسي المتحركة في صنعاء والمكلا، بفضل دعم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، كما حققت إنجازات دولية مثل برونزية الجودو في ألعاب آسيا 2022 عبر اللاعب الكفيف شجاع نشوان.
لعبة الدومينو- نادي نجوم عدن للمكفوفين، 2 أغسطس 2025 (صفحة النادي على فيسبوك)
ويشير فرحان المنتصر، مدير الاتحادات والأندية بوزارة الشباب والرياضة اليمنية، إلى أن الرياضة في اليمن تواجه التحديات ذاتها التي تواجه المجتمع، خاصة رياضة ذوي الإعاقة.
وأضاف لمركز سوث24 أن وزارة الشباب والرياضة أصدرت خلال هذا العام قرارًا وزاريًا بتشكيل الاتحاد اليمني لكرة القدم لذوي البتر، في خطوة مهمة نحو الاعتراف الرسمي بهذه الرياضة ودعم حضورها داخليًا.
وفي إطار التعاون الدولي، أشار إلى أن الوزارة بدأت في بناء شراكة مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أثمرت عن إنشاء فريق تنس ميدان (كرة المضرب) للأشخاص ذوي الإعاقة في العاصمة عدن.
وتقوم الوزارة بتوفير الصالة المغلقة لتدريبات الفريق، فيما يتكفّل الصليب الأحمر بتغطية نفقات المدربين والمعدات. ويضم الفريق ما بين 12 إلى 18 لاعبًا يمارسون تدريباتهم بشكل منتظم.
وأضاف المنتصر: "حرصنا على أن يكون الفريق ثمرة تعاون مشترك بين الوزارة ومنظمات المجتمع المدني العاملة في مجال الإعاقة، بالتنسيق مع الصليب الأحمر، لضمان استدامة التدريب والدعم الفني."
وأكد أن الوزارة تسعى جديًّا إلى دعم رياضة ذوي الإعاقة على مستوى الأندية المتخصصة، مثل نادي المكفوفين، ونادي الصم، ونادي المعاقين حركيًا، ونادي ذوي البتر.
وإلى جانب وزارة الشباب والرياضة والاتحاد العام، برزت هيئة التعليم والشباب والرياضة في المجلس الانتقالي الجنوبي كفاعل مؤثر في تعزيز رياضة ذوي الإعاقة، خصوصًا في محافظتي حضرموت وعدن. وتبنت الهيئة خلال الفترة الماضية رعاية وتنظيم فعاليات مخصصة، مثل دوري "أبطال الإرادة لذوي الهمم"، وتكريم الفائزين فيها، إلى جانب دعم أندية متخصصة مثل نادي "نجوم عدن" الرياضي للمكفوفين.
من تدريبات فريق تنس الكراسي في عدن - الاتحاد اليمني للتنس، 24 أكتوبر 2024 (صفحة الاتحاد على الفيسبوك)
في النهاية، تكشف قصص رشا ووهب ومحمد وسليمان وسهير وهاني وغيرهم أن الإعاقة في جنوب اليمن لم تكن يومًا عائقًا أمام الطموح، بل دافعًا لمضاعفة الجهد وتحويل الحرمان إلى إنجازات ملموسة. هذه النماذج تضع أمام المجتمع والدولة مسؤولية أخلاقية وقانونية لمساندتهم، لا باعتبارهم استثناءً، بل كجزء أصيل من النسيج الوطني.
وإذا كانت الرياضة قد أثبتت أنها ساحة لإعادة الاعتبار لذوي الإعاقة وكسر الصور النمطية، فإن الاستثمار فيها، مؤسسيًا ومجتمعيًا، يعني فتح نوافذ جديدة للأمل في بلد مثقل بالحرب والأزمات. فهؤلاء الأبطال لا يطالبون بالمستحيل، بل بفرصة عادلة ليواصلوا ما بدأوه: كتابة تاريخ مختلف، يُثبت أن الإرادة تسبق الإمكانيات دائمًا.
- فاطمة باوزير
صحفية متخصصة بقضايا المرأة وكتابة القصص الإنسانية
- أحمد خميس فراره
صحفي مهتم بالتثقيف والإعلام الصحي والرياضي
يأتي هذا التقرير ضمن مشروع ممول من "صندوق العمل العاجل" (Urgent Action Fund)، بهدف تسليط الضوء على القضايا المناخية والبيئية وقضايا المرأة وذوي الإعاقة.
Previous article