المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ في مطار عدن الدولي، 1 يوليو 2025 (صفحة المبعوث - استقطاع بواسطة مركز سوث24)
Last updated on: 06-07-2025 at 9 PM Aden Time
|
"تقف الأزمة اليمنية اليوم عند تقاطع حساس، بين فرصة إقليمية سانحة يُمكن أن تفتح الباب أمام حل سياسي، وبين معطيات داخلية متشابكة قد تُجهض أي تقدم.."
مركز سوث24 | عبد الله الشادلي
في الوقت الذي يشهد فيه الإقليم جهود حثيثة لوقف إطلاق النار في غزة، بعد أيام من توقف النزاع الإسرائيلي الإيراني غير المسبوق، تتجه الأنظار مجددًا نحو الأزمة اليمنية التي طال أمدها، وسط تساؤلات عن مدى إمكانية أن تسهم هذه التهدئة النسبية في كسر الجمود السياسي الذي يخيم على المشهد منذ قرابة عامين.
لقد شكل التصعيد الحوثي في البحر الأحمر ضد الملاحة الدولية، والهجمات المتبادلة بين المليشيا اليمنية المدعومة من إيران من جهة، والولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل من جهة أخرى، عامل تعطيل مباشر للمفاوضات السياسية التي كانت الأمم المتحدة قد قطعت شوطًا كبيرًا في بلورتها، عبر خارطة طريق كانت في طور التوافق نهاية عام 2023. إلا أن انفجار الأوضاع في غزة، وما تبعه من تصعيد إقليمي، أطاح بمعظم جهود الوساطة وأعاد ترتيب أولويات الفاعلين الإقليميين والدوليين، ليغيب الملف اليمني عن طاولة التحركات الفاعلة.
غير أن الأشهر الأخيرة شهدت تغيّرًا نسبيًا في معادلة التصعيد. فقد توقفت الهجمات البحرية الحوثية ضد السفن التجارية التي تعبر البحر الأحمر وتوقفت منذ بداية العام الحالي، بالتزامن مع وقف شبه كامل للضربات الجوية الغربية منذ مطلع مايو الماضي. فيما تنشط جهود وساطة تقودها مصر وقطر لبلورة اتفاق تهدئة في غزة، بدعم أمريكي واضح.
هذا المناخ السياسي، يُعيد طرح الأسئلة الجوهرية بشأن مستقبل المسار السياسي في اليمن: هل تمثل هذه التهدئة الإقليمية فرصة واقعية لإحياء العملية السياسية؟ أم أنها مجرد هدنة مؤقتة ستُستنزف دون أن تُستثمر؟
في الداخل اليمني، لا تزال الأطراف الرئيسية تحاول توظيف هذه المستجدات وفق حساباتها الخاصة. فالمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ استأنف زياراته للمنطقة، فيما كثّف المجلس الانتقالي الجنوبي من تحركاته الدبلوماسية من الرياض. بالمقابل، اتجهت جماعة الحوثي نحو التصعيد الدبلوماسي، مطالبة بمقعد اليمن في الأمم المتحدة، ومهاجمة الدور الأمريكي في (عرقلة) خارطة الطريق .
مؤشرات استئناف النشاط السياسي
في ظل الأجواء الإقليمية الهادئة نسبيًا، بدأت تظهر بوادر تحرّك سياسي داخل اليمن، تعكس سعي بعض الأطراف إلى إعادة تحريك العملية التفاوضية المتوقفة، وإن بقيت تلك التحركات حذرة وغير مكتملة الأركان.
من أبرز هذه المؤشرات زيارة المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، إلى العاصمة عدن في 1- 2 يوليو. وقد شدد غروندبرغ خلال اللقاء برئيس الوزراء اليمني على ضرورة تشكيل وفد تفاوضي شامل للأطراف اليمنية للمشاركة في المفاوضات القادمة. وشدد على أولوية الإجراءات الاقتصادية العاجلة لمعالجة التدهور المعيشي.
وفي موازاة ذلك، برزت تحركات دبلوماسية مكثفة من قبل عيدروس الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي ونائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، من مقر إقامته في العاصمة السعودية الرياض، حيث التقى خلال الأسبوعين الماضيين بعدد من سفراء وممثلي القوى الدولية، من بينها الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، الهند، أستراليا، كوريا الجنوبية، الاتحاد الأوروبي، والأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي.
وخلال هذه اللقاءات، ركّز الزبيدي على ثلاثة محاور رئيسية: دعم جهود السلام، تعزيز الاستقرار الاقتصادي، وتنفيذ إصلاحات شاملة في مؤسسات الدولة. كما أعاد التأكيد على موقف المجلس الانتقالي "الرافض للانخراط في أي مفاوضات مع جماعات مصنفة إرهابيًا"، في إشارة واضحة إلى الحوثيين، وهو ما يعكس موقفًا ثابتًا لكنه يفتح تساؤلات حول إمكانية بناء صيغة تفاوضية شاملة تراعي هذه الخطوط الحمراء.
التوازي في التحركات الدبلوماسية لم يقتصر على الجانب الحكومي أو الجنوبي فقط، بل شمل كذلك جماعة الحوثي التي سعت إلى تصعيد دبلوماسي مفاجئ. ففي 2 يوليو، بعثت وزارة خارجية الجماعة رسالة رسمية إلى رئيس مجلس الأمن الدولي تطالب فيها بمنحها مقعد اليمن في الأمم المتحدة، وبدعوة ممثليها للمشاركة في الإحاطات الشهرية للمبعوث الأممي الخاصة بالملف اليمني.
واتهمت الرسالة واشنطن بممارسة ضغوط على السعودية لمنع التوقيع على خارطة الطريق، مؤكدة ضرورة أن يكون الحل السياسي "خالياً من الإملاءات".
ولكن فيما يحمل البعض مرحلة التصعيد الإقليمي التي بدأت منذ أكتوبر 2023 مسؤولية تجميد المسار السياسي للأزمة اليمنية، يرى آخرون أنها ربما قد وفرت فرصًا لهذا المسار اليوم. من بين هؤلاء الخبير البريطاني أندرو هاموند الذي برى أن تأثير الضربات الأمريكية على الحوثيين لم يكن عابرًا، بل أسهم في "إضعاف موقف الحوثيين وجعلهم أكثر عرضة للضغوط السياسية".
مضيفًا لمركز سوث24: "الوضع مهيأ للضغط عليهم للدخول في مفاوضات جدية، مقابل الاعتراف السياسي الذي يسعون إليه من قبل الرياض".
خارطة الطريق الأممية
مع تصاعد الحديث عن استئناف العملية السياسية في اليمن، عاد الجدل مجددًا حول خارطة الطريق الأممية التي كانت مطروحة أواخر عام 2023، والتي توقفت بفعل التصعيد الإقليمي. وبين من يرى أن هذه الخارطة لا تزال تمثل أساسًا صالحًا للبناء عليه، ومن يعتبر أنها تجاوزها الواقع الجديد، تظهر الحاجة لتقييم شامل لجدوى الوثيقة وقدرتها على الاستجابة للمتغيرات.
من بين الأصوات المدافعة عن الخارطة، المحلل السياسي المقيم في صنعاء رشيد الحداد، أن الوثيقة "لا تزال صالحة وقابلة للتطبيق، بل وتُعتبر أحد أهم المكاسب التي تحققت نتيجة مشاورات طويلة". وأكد الحداد، في حديثه لمركز سوث24، أن "أولويتها لمعالجة الملفات الإنسانية العاجلة هي المدخل لتعزيز وبناء الثقة بين الأطراف المحلية"، مشيرًا إلى أن البناء على الجوانب الإنسانية يمكن أن يُمهّد لحلول سياسية أوسع.
وفي المقابل، يقدم عبدالعزيز العقاب، رئيس منظمة "فكر للحوار والحريات"، طرحًا وسطًا، إذ يقرّ بأن الخارطة "لا تزال تشكل أرضية تفاهم يمكن البناء عليها"، لكنه يؤكد أنها باتت بحاجة "ماسة إلى تجديد وتطوير لتشمل إطارًا واضحًا وآليات حاكمة وتنفيذية وضامنة".
وحذر العقاب في حديثه لمركز سوث24 من أن "سقف مطالب الحوثيين مرشح للارتفاع"، في ظل غياب الإطار الحاكم.
ويضيف العقاب أن تجاوز هذا التحدي يتطلب من رعاة عملية السلام معالجة أوجه الخلل في الآليات السابقة، وتقديم دعم حقيقي لمفاوضات يمنية قائمة على أسس صحيحة، مشددًا على أن أي تسوية لن تنجح دون أن تقترن بتدابير ملموسة على مستوى الخدمات وصرف المرتبات وبناء الثقة بين الأطراف.
لكن وجهة نظر نصر العيسائي، المحلل السياسي الجنوبي، بدت أكثر تشكيكًا في صلاحية خارطة الطريق، إذ يرى أنها "صيغت في سياق لم يعد قائمًا، والواقع الجديد بتعقيداته يفرض صياغة مقاربة سياسية مختلفة وأكثر واقعية".
وحذّر العيسائي من "تكرار أخطاء الماضي"، مشيرًا لمركز سوث24 إلى أن "التجربة اليمنية الحديثة تؤكد أن كل حوار أو اتفاق كان يتحول إلى تمهيد لحرب جديدة"، نظرًا لأن الحوارات السابقة – حسب تعبيره – "اكتفت بتدوير السلطة دون معالجة جذور الصراع العميقة، والتي تتمثل في إشكالية الوحدة اليمنية الفاشلة".
وشدد العيسائي على أن أي اختراق سياسي حقيقي يتطلب "واقعية وشمولية، والاعتراف بالتحولات التي فرضها الميدان"، معتبرًا أن "تجاهل الفاعلين الأساسيين تحت مبررات شكلية يُضعف فرص الوصول إلى اتفاق مستدام".
أما أندرو هاموند، فقد ربط نجاح أي خارطة طريق بمدى فاعلية الضغط السعودي على الحوثيين، مشيرًا إلى أن "الرياض تريد دفعهم إلى المحادثات، وإذا أصبحت إيران أقل قدرة على دعمهم بالأسلحة، فإن ذلك يمنح الرياض نفوذاً أكبر عليهم".
ورغم تفاؤله الحذر، حذر هاموند من تراجع الاهتمام الدولي بالملف اليمني: "اليمن يتراجع على سلم الأولويات الدولية؛ كل ما يريده المجتمع الدولي هو أن يكف اليمن عن كونه مشكلة أمنية إقليمية". وأضاف: "الكثير يعتمد على اجتماع نتنياهو مع ترامب. يسعى نتنياهو إلى جذب ترامب للمزيد من الهجمات على إيران، وهذا هو أولويته القصوى. اليمن والحوثيون يأتيان في المرتبة الثانية البعيدة عن ذلك".
وعلى الرغم من حالة التهدئة الإقليمية والآمال بشأن وقف حرب غزة، التي شكلت نواة التصعيد في المنطقة، إلا أن ذلك لم يُترجم بعد إلى واقع ميداني مستقر بشكل كامل في اليمن، إذ استمرت بعض الأعمال العدائية رغم تراجع التصعيد العام.
ففي 3 يوليو، أعلنت القوات الموالية للحكومة اليمنية عن صدّها لهجوم حوثي شرق مدينة تعز، كما اتهم محور تعز الحوثيين بشن هجوم بطائرة مسيّرة استهدفت محطة وقود في المدينة، أسفر عن مقتل مدني وإصابة 22 آخرين.
واليوم الأحد (10 يوليو)، تعرضت السفينة التجارية "Magic Seas" لهجوم مسلح أثناء إبحارها في البحر الأحمر، في حادثة تمثل أول استهداف من نوعه منذ مطلع عام 2025. ووفقًا لتقارير أمنية بحرية وشهادات متداولة على منصات مراقبة الملاحة، فقد أصيبت السفينة بمقذوفات مجهولة تسببت في اندلاع حريق على متنها، فيما لم تتضح حتى الآن طبيعة الأضرار الكاملة أو الجهة المسؤولة عن الهجوم.
وتشير مصادر إلى أن الهجوم وقع في منطقة جنوب غرب ميناء الحديدة، قرب مضيق باب المندب، وهي منطقة معروفة بتكرار الاستهدافات المرتبطة بجماعة الحوثيين. واتهم وزير الإعلام في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا معمر الإرياني بالوقوف خلف الهجوم. ولم يعلق الحوثيون رسميًا حتى الآن.
وبالتزامن، أعلن الحوثيون في اليوم نفسه، تنفيذ هجوم بصاروخ باليستي فرط صوتي من طراز "فلسطين 2" استهدف مطار بن غوريون الإسرائيلي. وكانت الجماعة قد أعلنت في 1 يوليو تنفيذ أربع عمليات عسكرية، استُخدم في إحداها صاروخ "فلسطين 2" لاستهداف مطار بن غوريون، فيما نُفذت العمليات الثلاث الأخرى باستخدام طائرات مسيّرة لاستهداف ما وصفت بمواقع إسرائيلية حساسة.
وفي ضوء هذه التطورات، يمكن القول إن التهدئة الراهنة تبرز كفرصة مهددة لإعادة تفعيل المسار السياسي للأزمة اليمنية. ومع ذلك، فإن مؤشرات الواقع الداخلي ، وإصرار الحوثيين على الانخراط في التصعيد الإقليمي، إضافة إلى تحفظات الجنوبيين بشأن خارطة الطريق بين الحوثيين والسعودية، تطرح تحديات جدية قد تحول دون تحويل هذه اللحظة إلى نقطة انطلاق حقيقية نحو تسوية مستدامة.
وتقف الأزمة اليمنية اليوم عند تقاطع حساس، بين فرصة إقليمية سانحة يُمكن أن تفتح الباب أمام حل سياسي، وبين معطيات داخلية متشابكة قد تُجهض أي تقدم.
Previous article