التقارير الخاصة

محطة الطاقة الشمسية في شبوة تقترب من الإنجاز النهائي

محطة الطاقة الشمسية في شبوة، 18 يونيو 2025 (مركز سوث24)

Last updated on: 24-06-2025 at 10 PM Aden Time

مركز سوث24 | عبد الله الشادلي


تقترب محافظة شبوة في جنوب اليمن، من تحقيق إنجاز تنموي طال انتظاره، يتمثل في مشروع محطة الطاقة الشمسية الذي يدخل مراحله النهائية حاليًا، ليشكّل خطوة مفصلية في مسار تحوّل المحافظة نحو الطاقة النظيفة، وتوفير احتياجات الطاقة في ظل أزمة كهرباء غير مسبوقة منذ سنوات.


ووسط تفاقم أزمة الكهرباء وتراجع قدرة الدولة على تلبية الطلب المتزايد، يبرز مشروع محطة الطاقة الشمسية في شبوة كمبادرة استراتيجية تمثل نموذجًا عمليًا للطاقة المستدامة، بتصميمه الهندسي المتكامل، وتمويله الإماراتي، وارتكازه على توجيهات السلطة المحلية. وتكمن أهمية هذا المشروع في كونه يواكب التحول العالمي في أنظمة الطاقة.


وبينما تشير التصريحات الرسمية إلى أن المشروع قد أنجز بنسبة تقارب 85%، فإن الترقب يتصاعد بشأن الأثر الفعلي المتوقع بعد تشغيل المحطة، وقدرتها على تقليص العجز، وتوفير حلول أكثر ديمومة واستقرارًا لمئات الآلاف من السكان في شبوة.



محطة الطاقة الشمسية في شبوة، 18 يونيو 2025 (مركز سوث24) 


وضع الكهرباء في شبوة


على الرغم من ثرواتها الطبيعية وموقعها الاستراتيجي، عانت محافظة شبوة لفترة طويلة من تدهور في خدمة الكهرباء، الأمر الذي انعكس سلبًا على حياة المواطنين اليومية والأنشطة الاقتصادية. ويعتمد النظام الكهربائي في المحافظة بشكل شبه كلي على مولدات الديزل، وهو ما جعلها عرضة لتقلبات الإمدادات وارتفاع تكاليف التشغيل، إلى جانب الأعطال المتكررة.


وفي حديث لمركز سوث24، أوضح المهندس أحمد أبوبكر الرباش، مدير محطة التوليد في عتق، أن إجمالي القدرة التوليدية للكهرباء في المحافظة يبلغ حاليًا نحو 51.5 ميجاوات، موزعة على أربع محطات رئيسية. وتتصدر محطة عتق القائمة بقدرة تبلغ 40 ميجاوات، منها 15 ميجاوات تابعة للمؤسسة العامة للكهرباء و25 ميجاوات طاقة مشتراة. وتليها محطة بيحان بقدرة 8 ميجاوات، ثم محطة النقوب-عسيلان بـ 2.5 ميجاوات، وأخيرًا محطة عرماء بـ 1 ميجاوات فقط.


غير أن هذه القدرات تبدو محدودة جدًا مقارنة بالطلب الفعلي. يوضح الرباش أن محطة عتق وحدها، التي تخدم ثماني مديريات من بينها عاصمة المحافظة، تحتاج إلى ما بين 65 إلى 70 ميجاوات لتغطية الاحتياج، بينما لا توفر أكثر من 40 ميجاوات في الوقت الحالي. وبالمثل، تحتاج محطة بيحان إلى 10 ميجاوات، ومحطة النقوب-عسيلان إلى 3.5 ميجاوات. وبناءً على هذه الأرقام، يقدّر الرباش العجز الحالي في الطاقة الكهربائية بالمحافظة بنحو 33 ميجاوات، أي ما يمثل حوالي 60% من إجمالي القدرة المتاحة.


أمام هذا الواقع، برزت الحاجة إلى مشروع بديل ومستدام يمكنه تخفيف العبء عن المحطات التقليدية، وتوفير مصدر طاقة أكثر استقرارًا وأقل تكلفة على المدى الطويل. وهنا، جاءت محطة الطاقة الشمسية كاستجابة استراتيجية لهذه الأزمة البنيوية.


تفاصيل المشروع ومكوناته الفنية


يشكّل مشروع محطة الطاقة الشمسية، الذي انطلق في مايو 2024 بدعم إماراتي، نقلة نوعية في البنية التحتية الكهربائية للمحافظة، إذ صُمم ليكون أحد أكبر المشاريع من نوعه في جنوب اليمن بعد محطة عدن الشمسية. ويتمتع المشروع بتكامل هندسي وتقني يُعزز كفاءته التشغيلية وقدرته على توفير الطاقة بشكل مستقر وفعّال.


وفقًا للجنة القائمة عليه التي تحدثت لمركز سوث24، تتكون البنية الأساسية للمشروع من 85806 لوح شمسي، و159 محولًا (Inverter) لتحويل التيار، مع بطاريات خزن ليلي، بالإضافة إلى ست محطات تحويل فرعية. ويشمل المشروع أيضًا خط نقل هوائي بطول 15 كيلومترًا يرتكز على 51 برجًا معدنيًا، يربط بين المحطة والشبكة العامة. هذا التصميم يُسهِم في تقليل الفاقد الكهربائي إلى أدنى حد، ويضمن انتقال الطاقة المنتجة بكفاءة عالية.


زيارة ميدانية لمركز سوث24 إلى موقع المشروع واللقاء باللجنة والقائمين بتنفيذه، شاهد على قناتنا في يوتيوب:


وتبلغ القدرة الإنتاجية الكاملة للمحطة 53 ميجاواط، وهي قدرة تعتبر جيدة مقارنة بحجم الطلب الحالي في المحافظة. ووفقًا للمسؤولين في المشروع، فإن هذه القدرة كفيلة بتغطية نسبة كبيرة من العجز القائم في الطاقة، خاصة خلال ساعات النهار التي تكون فيها أشعة الشمس متوفرة بأقصى طاقتها.


وفي قراءة فنية للمشروع، وصف المهندس صالح السليماني، الخبير في شؤون الطاقة، المحطة بأنها "نقطة تحول نوعية ونموذج يُحتذى به في قطاع الطاقة اليمني". وأوضح أن المشروع "يتجاوز كونه مجرد حل خدمي، ليمثل تطبيقًا عمليًا ناجعًا يجمع بين الحجم الكبير، والتكنولوجيا الفعالة، والجدوى المؤكدة". 


وأضاف لمركز سوث24 أن ما يميز هذا المشروع هو كونه محطة مركزية متكاملة مزودة بخط نقل مخصص، وتقنيات حديثة تزيد من كفاءته التشغيلية، بما يجعله متفوقًا على العديد من الحلول المجتزأة الأخرى.


مراحل التنفيذ ونسبة الإنجاز


يسير العمل في محطة الطاقة الشمسية بشبوة بوتيرة متسارعة، وسط إشراف دقيق من الجهات المنفذة والسلطة المحلية، مع اقتراب المشروع من بلوغ خط النهاية. وبحسب المهندس وليد أحمد، مدير شركة "يوفك" الاستشارية المشرفة على تنفيذ المشروع، فإن نسبة الإنجاز الفعلية بلغت حوالي 85%، وهو ما يعكس تقدمًا كبيرًا مقارنة بالإطار الزمني المتوقع.


وقد دشّن عبدربه هشلة، الأمين العام للمجلس المحلي في شبوة، المرحلة الحاسمة من التنفيذ في 27 أبريل الماضي، من خلال إطلاق أعمال تركيب الألواح الشمسية، وهو ما مثّل نقطة الانطلاق الفعلية للمرحلة الفنية من المشروع.


كان من المقرر أن يكتمل التنفيذ الكامل في 30 مايو، لكن المشروع واجه تأخرًا في وصول أبراج نقل الطاقة، وهو ما عزا مدير المشروع ماهر المؤذن إلى "أسباب خارجة عن إرادة المقاول". غير أن هذه العقبة لم تعرقل المسار العام، حيث أكد المؤذن لمركز سوث24 أنه "تم التغلب على هذه الصعوبات، ونتوقع وصول الأبراج خلال ما تبقى من شهر يونيو، على أمل أن تكون المحطة جاهزة بالكامل خلال شهر يوليو أو أغسطس المقبل".


وبالفعل، وصلت اليوم الثلاثاء (24 يونيو)، إلى ميناء عدن شحنة أبراج نقل الطاقة الكهربائية الخاصة بمشروع محطة الطاقة الشمسية الإمارتية بشبوة. وقد بدأت عمليات تحميل الأبراج على متن قواطر، من المقرر أن تنطلق باتجاه مدينة عتق، يوم الخميس القادم بحسب  مصدر خاص لمركز سوث24.


وعلى الجانب الفني، تجري حاليًا أعمال الإعداد الأخيرة قبيل التشغيل التجريبي، حيث أوضح صلاح قريع، مدير التشغيل في المحطة والخبير الأردني، أن الفرق الفنية تقوم بتنفيذ أعمال التأريض، وهي المرحلة الأخيرة في منظومة الأمان الكهربائي، وتهدف إلى حماية الأجهزة من التيارات الزائدة أو الأعطال. وقال قريع: "نحن الآن في المراحل النهائية. المحطة ستكون جاهزة للتشغيل في أقل من شهرين بإذن الله".



محطة الطاقة الشمسية في شبوة، 18 يونيو 2025 (مركز سوث24)


ولم يواجه المشروع، وفق القائمين عليه، تحديات تُذكر على الصعيد المحلي. فقد أشاد قريع بتعاون سكان شبوة مع فرق العمل، وتوفير اليد العاملة المطلوبة، ما ساهم في تسريع الإنجاز مقارنة بمشاريع مماثلة في مناطق أخرى.


الأثر الاقتصادي والاجتماعي المتوقع


من المرتقب أن تُحدث محطة الطاقة الشمسية في شبوة تحوّلًا ملموسًا في واقع الكهرباء بالمحافظة، خصوصًا خلال ساعات النهار. فبحسب المهندس وليد أحمد، فإن المشروع "سيغطي حوالي 80% من احتياج الكهرباء في محافظة شبوة خلال ساعات النهار"، وهي النسبة التي تمثل انفراجة كبيرة لآلاف السكان الذين عانوا لسنوات من الانقطاعات المزمنة.


ولا يقتصر أثر المشروع على الجانب الخدمي فقط، بل يمتد ليشمل البعد الاقتصادي، حيث يشير وليد أحمد إلى أن المحطة "ستُقلل من العجز المالي الناتج عن استهلاك الوقود لتوليد الكهرباء"، وهو ما يعني تقليص الاعتماد على الوقود المكلف مثل الديزل، وتخفيف الضغط على الميزانية العامة، لا سيما في ظل غياب دعم مستدام للوقود من الدولة أو الشركاء الدوليين.


بالإضافة إلى ذلك، فإن توفر الكهرباء بشكل منتظم سيسهم في تحسين بيئة الأعمال والخدمات، ويشجع على الاستقرار المجتمعي، كما سيخفف العبء على سكان الريف والمناطق النائية الذين طالما لجأوا لحلول مكلفة مثل المولدات الخاصة.


ومن زاوية أشمل، يرى الخبير صالح السليماني أن "الأهمية الحقيقية للمشروع تكمن في كونه إثباتًا للمفهوم (Proof of Concept)"، بما يعني أن نجاحه قد يكون دافعًا رئيسيًا للمستثمرين المحليين والدوليين لتكرار التجربة في محافظات يمنية أخرى، مشيرًا إلى أن "هذا المشروع يثبت أن مشاريع الطاقة المتجددة الكبرى ممكنة وقابلة للتنفيذ في اليمن رغم كل التحديات".


بهذا الشكل، يتجاوز المشروع كونه محطة إنتاج كهرباء، ليتحوّل إلى رافعة اقتصادية واستراتيجية تعزز الثقة في البنية التحتية للطاقة المتجددة، وتفتح الباب أمام نماذج شراكة مبتكرة بين القطاعين العام والخاص.


جدوى، تحديات، وشروط النجاح


رغم ما تحمله محطة الطاقة الشمسية في شبوة من وعود بتحسين الواقع الكهربائي، إلا أن خبراء الطاقة يحذرون من تحديات تقنية وتنظيمية قد تعيق تحقيق الفائدة القصوى من المشروع، ما لم يتم التعامل معها بجدية.


يرى المهندس صالح السليماني أن المشروع يمثل نجاحًا كبيرًا على مستوى التصميم والتنفيذ، لكنه يؤكد أن "نجاح توليد الكهرباء هو نصف المعادلة، والنصف الآخر يكمن في قدرة الشبكة العامة على استيعابها". وأوضح أن ربط مصدر طاقة متقطع مثل الطاقة الشمسية بشبكة "متهالكة وغير مستقرة" قد يؤدي إلى تذبذبات في الجهد، وهو ما يؤثر سلبًا على الأجهزة الحساسة داخل المحطة نفسها، وعلى جودة واستقرار الخدمة المقدمة للمواطنين.



محطة الطاقة الشمسية في شبوة، 18 يونيو 2025 (مركز سوث24)


من جهته، شدد المهندس أحمد الرباش على أن المحطة الجديدة قد "تلبي احتياجات المحافظة من الكهرباء ولو بالحد المرضي"، لكنه ربط ذلك بتحقق شرطين أساسيين. الأول، تشغيل المحطة بكامل طاقتها المتعاقد عليها. والثاني، وربما الأهم، هو "توفر الوقود اللازم لتشغيل محطات الديزل بالتوازي معها". وأضاف: "الطاقة الشمسية لا تعمل بمفردها، بل يجب أن يكون هناك تشغيل موازٍ بالديزل لضمان استقرار الشبكة. ما لم يتحقق هذا التكامل، فإننا سنعاني أيضاً من استمرار العجز في الطاقة".


أما فيما يتعلق بإمكانية أن يكون المشروع نواة لتحول وطني نحو الطاقة المتجددة، فقد حدد السليماني ثلاثة شروط أساسية لضمان النجاح على هذا المستوى:


1. وجود إرادة سياسية حقيقية تُترجم إلى استراتيجية وطنية واضحة للطاقة المتجددة.

2. توفير بيئة تشريعية محفزة تسمح للقطاع الخاص بالدخول كمستثمر في إنتاج الكهرباء وبيعها، عبر ما يُعرف بنموذج منتج الطاقة المستقل (IPP).

3. الاستثمار الجاد في تحديث الشبكة الوطنية وتأهيل الكوادر البشرية القادرة على تشغيل وإدارة هذه التكنولوجيا المتقدمة بكفاءة واستدامة.


تشير هذه الملاحظات إلى أن المشروع رغم جدواه العالية، لا يمكن أن ينجح في معزل عن إصلاح شامل للبنية المؤسسية لقطاع الكهرباء في اليمن، وخاصة في المحافظات المحررة التي تعاني من نقص التمويل وانعدام الخطط الوطنية الواضحة للطاقة.


الاستدامة والحماية المجتمعية


مع اقتراب تشغيل محطة الطاقة الشمسية في شبوة، يتصاعد النقاش حول قدرة المشروع على الاستمرار بكفاءة عالية في ظل التحديات البيئية والإدارية والأمنية التي تواجه مشروعات البنية التحتية في اليمن. ويرى المهندس صالح السليماني أن التحدي الأكبر لا يكمن في إطلاق المشروع، بل في ضمان استمراريته، محذرًا من أن "العدو الصامت الذي يهدد استدامة هذا الإنجاز هو ثقافة الإهمال وغياب خطط الصيانة الدورية".


ويوضح السليماني أن الألواح الشمسية، رغم عمرها الطويل، قد تفقد كفاءتها سريعًا إذا تراكم عليها الغبار، مشيرًا إلى أن "الأنظمة الإلكترونية تحتاج إلى صيانة وقائية دورية، وبدون ميزانية مخصصة وخطة واضحة، قد يتدهور أداء المحطة تدريجيًا حتى تتوقف". هذا التحذير يكتسب أهمية خاصة في بيئة صحراوية مثل شبوة، حيث تؤثر الظروف المناخية بشكل مباشر على البنية التقنية للمحطة.


ولم يغفل السليماني المخاطر الأمنية التي تهدد المشروع، لا سيما البنية التحتية المكشوفة كأبراج نقل الطاقة. وأشار إلى أن هذه الأبراج يمكن أن تتعرض لعمليات تقطع قبلي أو ضغوط اجتماعية على السلطة المحلية، الأمر الذي قد يتسبب في شل المحطة بشكل كامل إذا لم يتم وضع خطة حماية متكاملة.


ولتجاوز هذه التحديات، يقترح السليماني ما سماه بـ "الشراكة الحقيقية بين السلطة والمجتمع". ودعا إلى تأسيس صندوق استدامة يُموّل من الوفر المالي الذي سيحققه المشروع من تقليل استخدام الوقود، على أن يُخصص هذا الصندوق حصريًا لصيانة وتشغيل المحطة، دون الاعتماد على الميزانيات الحكومية غير المستقرة. كما شدد على ضرورة وضع خطة أمنية تشاركية تعتمد على إشراك المجتمعات المحلية في حماية خطوط النقل والمنشآت المحيطة بها.


وأضاف: "يجب أن يشعر المواطن أن هذه المحطة هي ملك له. هذا الوعي، المقرون بالمساءلة والمتابعة، هو أقوى درع حماية لضمان ألا يتحول هذا الحلم إلى سراب بعد سنوات قليلة من إدخاله الخدمة".


في ظل هذه التوصيات، يبدو أن نجاح المشروع لا يتوقف عند إنجازه الفني، بل يتطلب تحولًا في الثقافة المؤسسية والاجتماعية نحو نموذج مستدام تشاركي، يكون فيه المواطن جزءًا من الحل لا مجرد متلقي للخدمة.


وعليه، فإن محطة شبوة ليست مجرد محطة، بل فرصة استراتيجية لإعادة بناء ثقة السكان في المشاريع الكبيرة، ولبناء نموذج يمكن تعميمه في محافظات أخرى تعاني من التهميش الخدمي. ومع دخول المشروع مراحله الأخيرة، تقع المسؤولية الآن على السلطات المحلية، والوزارات المعنية، والمجتمع المدني، لضمان أن لا تكون هذه التجربة استثناءً مؤقتًا، بل نواة لتحول طويل الأمد نحو أمن طاقي مستدام وسيادة تنموية حقيقية.


عبد الله الشادلي

صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات



Shared Post
Subscribe

Read also