التقارير الخاصة

الضربات تضعف موانئ الحديدة وعدن تتهيأ للريادة

محطة الحاويات في ميناء عدن وإجراءات التفريغ والمناولة عبر أرصفة الميناء وساحات التخزين للحاويات، 8 فبراير 2024 (مؤسسة موانئ خليج عدن اليمنية على فيسبوك - ميناء عدن)

Last updated on: 14-04-2025 at 9 PM Aden Time

 "مستقبل عدن كميناء محوري لا يرتبط فقط بانكماش دور الحديدة، بل أيضًا بمدى قدرة الأطراف المعنية على تجاوز العوائق الأمنية والمؤسسية والاقتصادية.."

مركز سوث24 | عبد الله الشادلي


استهدفت سلسلة من الغارات الجوية الإسرائيلية في 10 يناير الماضي موانئ الحديدة التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن، ردا على هجمات بطائرات بدون طيار وصاروخ شنتها الجماعة المتحالفة مع إيران ضد إسرائيل.  كانت تلك الضربات هي الأحدث ضمن سلسلة هجمات إسرائيلية عنيفة استهدفت موانئ الحديدة، بدأت في يوليو 2024 وتكررت في ديسمبر أيضًا.



غارات إسرائيلية على ميناء الحديدة في 20 يوليو 2024. الصورة: مركز الحوثيين الإعلامي عبر وكالة فرانس برس


بعد أقل من ثلاثة أشهر، في 4 أبريل، فرضت الولايات المتحدة حظرا على واردات الوقود عبر ميناء الحديدة – مما يمثل فصلا جديدا في حملة الضغط ضد الحوثيين، الذين صنفتهم واشنطن رسميا الآن كمنظمة إرهابية أجنبية. هذا الإجراء سبقته منذ 15 مارس هذا العام حملة ضربات أمريكية غير مسبوقة على مواقع مرتبطة بالحوثيين في صنعاء والحديدة ومحافظات أخرى في شمال اليمن على خلفية هجمات الحوثيين ضد الملاحة الدولية في البحر الأحمر.


وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيانها حول حظر واردات الوقود عبر ميناء الحديدة إن "الولايات المتحدة ملتزمة بتعطيل نشاط الحوثيين واستعادة حرية الملاحة في البحر الأحمر". وحذر المسؤولون الأمريكيون من أن أي شكل من أشكال الدعم المادي للجماعة - بما في ذلك شحنات النفط - سيعتبر انتهاكا للقانون الأمريكي.


ومع ذلك، كان التنفيذ متفاوتا. في 7 أبريل، بعد ثلاثة أيام فقط من دخول الحظر حيز التنفيذ، سمحت آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش في جيبوتي بناقلة وقود بالرسو في رأس عيسى. وأثارت هذه الخطوة شكوكا بين المحللين بشأن فعالية العقوبات على المدى القصير. كما أثيرت الأسئلة حول الفرص التي تقدمها هذه التطورات لإنعاش ميناء عدن الاستراتيجي في جنوب اليمن، الذي تتحكم به الحكومة المعترف بها دوليًا.


تداعيات الضربات


تضم محافظة الحديدة على ساحل البحر الأحمر ثلاثة موانئ رئيسية، تلعب أدوارًا متكاملة في تأمين الإمدادات لشمال اليمن، وهي: ميناء الحديدة الرئيسي، وميناء رأس عيسى، وميناء الصليف.



ميناء الحديدة الرئيسي (خرائط جوجل - استقطاع بواسطة مركز سوث24)


يُعد ميناء الحديدة الرئيسي الأهم من بين هذه الموانئ، إذ يقع وسط المدينة ويُستخدم لاستقبال السفن التجارية المحمّلة بالمواد الغذائية والدوائية والبضائع العامة، إلى جانب الوقود. يشكل هذا الميناء شريانًا حيويًا للمناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، ويخضع لرقابة آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش (UNVIM).


أما ميناء رأس عيسى النفطي فيقع شمال الحديدة، ويُخصص بشكل رئيسي لاستيراد وتخزين المشتقات النفطية. كان يُستخدم في السابق كميناء تصدير للنفط الخام من حقول مأرب عبر شركة صافر، ويحتوي على خزانات ضخمة، إلا أنه بات حاليًا محطة رئيسية لتفريغ الوقود القادم إلى مناطق الحوثيين.


في المقابل، يُستخدم ميناء الصليف، الواقع شمال غرب الحديدة، لاستيراد البضائع السائبة مثل القمح والحبوب والملح. يتميز الميناء بأرصفته العميقة التي تتيح استقبال السفن الكبيرة، كما يُستخدم أحيانًا لاستيراد مواد البناء كالإسمنت والحديد، ويُعد ميناء رديفًا لميناء الحديدة لتخفيف الضغط عليه.




كان ميناء الحديدة يشكل شريانًا حيويًا لشمال اليمن، لكنه الآن في حالة انهيار تشغيلي. فقد تسببت الضربات الجوية المتكررة وارتفاع تكاليف التأمين في تقليص قدرته على مناولة البضائع بنسبة تصل إلى 70%، وفقًا للبيانات التي نشرها موقع Reliefweb في 18 يناير 2025. أي قبل الضربات الأمريكية والعقوبات الأمريكية الأخيرة، وهو ما يعني أن الحال الآن قد يكون أسوأ.


وفقًا لمصادر مطلعة لمركز سوث24، ألحقت الضربات الإسرائيلية بالتحديد أضرارًا مباشرة بالرافعات والمستودعات والممرات اللوجستية، مما شلّ مكونات أساسية من البنية التحتية لميناء الحديدة. لكن الأضرار غير المباشرة قد تكون أكثر خطورة: إذ أصبحت شركات الشحن العالمية تتردد بشكل متزايد في الرسو بالحديدة بسبب ارتفاع مخاطر التأمين وسمعتها المتدهورة.


كما أن الضرر طال أيضًا ميناءي رأس عيسى والصليف جراء الغارات الإسرائيلية في ديسمبر 2024. وفي السابق، اتهمت الحكومة اليمنية الحوثيين باستخدام ميناء الحديدة لاستقبال شحنات الأسلحة من إيران، وهو على الأرجح السبب الذي أدى لحملات القصف الإسرائيلية والأمريكية.


إمكانات ميناء عدن 


يُعد ميناء عدن أحد أهم الموانئ الاستراتيجية في المنطقة وعلى مستوى البحر العربي، لما يتمتع به من موقع جغرافي متميز على مفترق طرق التجارة العالمية بين آسيا، وأفريقيا، وأوروبا. 


يشكّل الميناء نقطة عبور رئيسية للسفن العابرة نحو قناة السويس والقرن الأفريقي، ويتميز بوجود منطقة حرة ومحطة حاويات حديثة، إضافة إلى أرصفة متعددة تُستخدم لاستقبال البضائع العامة، والوقود، والحاويات. وقد كان الميناء في فترات سابقة من بين أكثر الموانئ نشاطًا في المنطقة، بفضل قدراته الفنية واتصاله بشبكة النقل البحري الدولية.



محطة الحاويات - ميناء عدن (خرائط جوجل - استقطاع بواسطة مركز سوث24)


ورغم تصاعد المخاطر الأمنية في الممرات البحرية اليمنية، يظل ميناء عدن بديلاً محتملًا وواقعيًا لميناء الحديدة – وإن كان ذلك مشروطًا. وقال عبدالرّب الخلاقي، نائب المدير التنفيذي لمؤسسة موانئ خليج عدن، لمركز سوث24 إن "الموانئ تحتاج إلى استثمارات ضخمة وطويلة الأجل في الأصول الثابتة والبنية التحتية"، ما يجعلها بطيئة في التكيّف مع التحولات الجيوسياسية السريع".


ومع ذلك، يظل الخلاقي متفائلًا بشأن الطاقة الاستيعابية الحالية لميناء عدن. وأضاف: "الميناء قادر تمامًا على استيعاب أحجام التجارة المحوّلة من الحديدة، كما فعل لسنوات سابقة."


ويشارك قادة الأعمال هذا التفاؤل، لكنهم يشددون على ضرورة أن يكون إحياء ميناء عدن مبنيًا على تخطيط منظم وشراكات دولية. واعتبر أبوبكر باعبيد، نائب رئيس اتحاد الغرف التجارية اليمنية ورئيس غرفة عدن، أن "الميناء هو قاطرة اقتصاد المدينة، كما تؤكد جميع الدراسات الاقتصادية السابقة."


وفي تصريحاته لمركز سوث24، شدد باعبيد على ضرورة وجود خطة رئيسية شاملة تشرك القطاع الخاص وتحدد شركاء تطوير موثوقين. وقال: "بدون شراكة دولية، ستبقى هذه الجهود محدودة."


وأكد الخلاقي أن مؤسسة الموانئ بدأت بالفعل التواصل مع مستثمرين، بما يشمل تحديث البنية التحتية، وتطوير أنظمة المعلومات، وإعادة تأهيل الأصول بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP).


لكن جذب الشركات العالمية لا يزال صعبًا في ظل الأزمة الاقتصادية اليمنية. وقال الخلاقي: "ندرك التحديات التي تواجه الشركات الأجنبية، لكننا نعمل على تهيئة بيئة استثمارية مواتية. ومع تحسن الظروف السياسية والاقتصادية، يمكن لعدن أن تصبح مركزًا تجاريًا إقليميًا."


ويتفق الخبراء الذين تحدثوا لمركز سوث24 على أن عدم التحرك الحاسم قد يؤدي إلى تهميش الميناء. كما أن نجاح ميناء عدن قد يمتد إلى بقية موانئ الجنوب مثل ميناء المكلا في حضرموت والموانئ في شبوة والمهرة. وقد كشفت تقارير سابقة لمركز سوث24 عن تراجع أداء ميناء عدن وميناء المكلا بالفعل لصالح ميناء الحديدة خلال الأعوام السابقة. بعد أن سمحت السعودية للحوثيين باستئناف الاستيراد الى ميناء الحديدة بدون قيود رقابية.



ميناء المكلا بحضرموت (خرائط جوجل - استقطاع بواسطة مركز سوث24)


متعلق: كيف تراجع نشاط ميناء المكلا بعد فتح ميناء الحديدة؟
متعلق: بين عدن والحديدة: ما هو واقع الرحلات التجارية البحرية؟


التحديات 


لكن هذا التحول الاستراتيجي لا يخلو من العراقيل. فبحسب د. إيان رالبي، الرئيس التنفيذي لمؤسسة IR Consilium وخبير القانون البحري، هناك ثلاث عقبات رئيسية تعيق قدرة عدن على استيعاب الحركة البحرية المحولة.


قال رالبي لـ "سوث24": "أولاً، البنية التحتية الداخلية التي تربط عدن بالمناطق الشمالية والساحلية في اليمن إما غير متطورة أو مجزأة سياسيًا. فمجرد وصول الشحنة إلى عدن لا يضمن وصولها إلى وجهتها النهائية."


وثانيًا، تستمر التهديدات الأمنية في الارتفاع. وأضاف: "مع زيادة حركة السفن في خليج عدن، هناك خطر متزايد من هجمات انتقامية من الحوثيين، ما قد ينقل مركز التهديدات البحرية من البحر الأحمر إلى الخليج، ويقوض مكانة عدن كبديل آمن."


وثالثًا، أشار رالبي إلى تفوق الحوثيين في حرب المعلومات. "لقد أتقنوا التلاعب الإعلامي، ويصورون خصومهم كمعتدين. وإذا استهدفوا حركة السفن المتجهة إلى عدن، فقد يعرضون سمعة شركات الشحن العالمية للخطر."


تشير هذه التحديات إلى أن عدن، رغم تمتعها بموقع جغرافي وسياسي مميز، تحتاج إلى دعم لوجستي ودبلوماسي وأمني منسق كي تحقق مكانة تشغيلية فاعلة.


فتح الاضطراب الجيوسياسي في البحر الأحمر نافذة نادرة أمام عدن لإعادة التموضع كمركز لوجستي. وبالنسبة لباعبيد، فإن هذه الفرصة لم تعد طموحًا بل ضرورة وطنية كما يقول باعبيد. مضيفًا: "إحياء عدن لم يعد مسألة طموح، بل واجب وطني في ظل التدهور الاقتصادي في اليمن."


ووصف باعبيد التحديات اليومية للقطاع الخاص قائلًا: "الرسوم غير القانونية، وانهيار قيمة العملة المحلية، وتراجع القدرة الشرائية، كلها تشل النشاط التجاري."


ومع ذلك، يرى في الأزمة فرصة: "رغم قسوة الظروف، فإنها أوجدت فرصة ضيقة لكنها حيوية لعدن لاستعادة موقعها في طرق التجارة العالمية – إذا تصرفنا بحسم."


وأشار أيضًا إلى ضعف أداء المؤسسات وغياب المسؤولين الحكوميين، معتبرًا أن "الفراغ الإداري دفع بالشركات الخاصة إلى تقليص أعمالها أو مغادرة البلاد، وهو مؤشر خطير على مناخ الاستثمار."


وسلط باعبيد الضوء على ارتفاع تكاليف التأمين البحري نتيجة تصنيف اليمن كمنطقة حرب، قائلاً إن "ذلك يرفع بشكل كبير من تكلفة الاستيراد والتصدير ويثني السفن عن التفكير في عدن كميناء مناسب."


ومن التحديات الرئيسية أيضًا، الجمارك التي يفرضها الحوثيون في المنافذ البرية بين مناطق سيطرتهم ومناطق الحكومة على البضائع المستوردة عبر ميناء عدن. وهو ما يضاعف سعرها، وجعل التجار خلال الفترة الماضية يفضلون الاستيراد عبر ميناء الحديدة للهروب من جبايات الحوثيين. نظرًا لأن المناطق الخاضعة للمليشيا تشكل النسبة الكبرى من السوق الاستهلاكية حيث تقطن الكتلة السكانية الرئيسية.


إحياء ميناء عدن 


للاستفادة من النافذة الاستراتيجية الحالية، كشفت مؤسسة موانئ خليج عدن عن خطة عمل شاملة تهدف إلى تحويل عدن إلى مركز لوجستي إقليمي. 


وقال عبد الرب الخلاقي إن أولويات الميناء تشمل شراء قاطرة بحرية جديدة، وتحديث معدات مناولة الحاويات، وإعادة تأهيل مداخل ميناء المعلا والمحطة الحاوياتية – وهي مشاريع تتطلب تمويلًا كبيرًا وتستغرق 12 إلى 18 شهرًا لتنفيذها.


وقد صيغت هذه الخطة في مايو 2024 بطلب من مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، وهي تحدد خارطة طريق لتبسيط التجارة، وتخفيف الأعباء عن القطاع الخاص، وتحسين صمود البنية التحتية.


تتضمن الخطة مصفوفة من أكثر من 30 توصية لتنفيذها من قبل وزارات الدولة، والمؤسسات المالية، والهيئات التنظيمية. وتشمل أبرز التدابير:


• إعادة فتح ممرات النقل الحيوية (مثل طريق الضالع–تعز) لربط الموانئ الجنوبية بالأسواق المركزية والشمالية.

• إزالة النقاط الأمنية غير القانونية والرسوم غير المصرح بها من قبل وحدات عسكرية وسلطات محلية.

• توحيد الهياكل الأمنية تحت سلطة الحكومة.

• الحد من تقلبات العملة عبر تمكين البنك المركزي ووزارة المالية من تثبيت سعر الريال ودعم المستوردين بالعملات الصعبة.

• تحديث عمليات خفر السواحل وإعادة تشغيل خدمات مصفاة النفط في عدن.

• تشجيع الاستثمار الأجنبي من خلال تسهيل السياسات الجمركية وتقديم حوافز وتوقيع شراكات مع شركات لوجستية عالمية.


تشمل البنود الأخرى توحيد رسوم الموانئ في المحافظات تحت سيطرة الحكومة، وتعزيز الأنظمة الرقمية (نافذة الميناء)، وإعادة تشغيل أصول متوقفة مثل حوض بناء السفن ومحطات توزيع النفط.



الموانئ الرئيسية في اليمن (موقع  Scribble maps - بواسطة مركز سوث24)


ومن المقترحات اللافتة، إيداع 50 مليون دولار في صندوق تأمين لتقليل تكاليف الشحن البحري المرتبطة بتصنيف اليمن كمنطقة حرب.


وتركز تدابير إضافية على إحياء الصناعات المحلية والصادرات من خلال الحوافز المالية، والضغط على الأمم المتحدة لنقل عملياتها في اليمن من صنعاء إلى عدن، لتعزيز مكانة المدينة دوليًا.


وشدد الخلاقي على أن الإصلاحات تتطلب أكثر من مجرد تخطيط، بل إرادة سياسية وتنسيقًا متعدد الأطراف. وقال: "لقد أنجزنا التشخيص، وما تبقى هو التنفيذ – ونعمل ضمن وقت ضيق."


,وكخلاصة، يمكن القول إنه في ضوء الانهيار التشغيلي لموانئ الحديدة وتزايد الضغط الدولي على الحوثيين، يجد ميناء عدن نفسه أمام لحظة مفصلية يمكن أن تعيد تموضعه كمحور لوجستي بديل يخدم البلد والمنطقة. غير أن تحويل هذه الفرصة إلى واقع يتطلب أكثر من الترقب؛ إذ لا بد من تنسيق متعدد المستويات يشمل إصلاحات حكومية جادة، وتحفيزًا فعّالًا للقطاع الخاص، ودعمًا إقليميًا ودوليًا يعيد الثقة بالميناء كمركز آمن ومستدام للتجارة.


كما إن مستقبل عدن كميناء محوري لا يرتبط فقط بانكماش دور الحديدة، بل أيضًا بمدى قدرة الأطراف المعنية على تجاوز العوائق الأمنية والمؤسسية والاقتصادية. وإذا ما أُحسن استغلال اللحظة، يمكن لعدن أن يتحول إلى نقطة توازن في بحر مضطرب، تعيد رسم خريطة الملاحة والإمداد في اليمن، وتفتح أفقًا أوسع للتنمية والاستقرار للجنوب بشكل خاص واليمن بشكل عام.


صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات



Shared Post
Subscribe

Read also