مقاتل موالي للحكومة اليمنية في جبهة ضد الحوثيين بمأرب، 19 يونيو 2021 (AP)
28-03-2024 at 9 PM Aden Time
سوث24 | عبد الله الشادلي
على الرغم من أن الحرب في اليمن بدأت قبل 26 مارس 2015 بأسابيع، إلا أن الحوثيين يؤرخون للحرب من هذا اليوم الذي استقبلت فيه صنعاء ومدن يمنية أخرى موجة من الضربات الجوية التي شنتها مقاتلات التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات تحت اسم (عاصفة الحزم).
ويوم الثلاثاء 26 مارس الجاري، مرت 9 أعوام على هذا التدخل العسكري العربي الذي تم بطلب من الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا آنذاك، وأسهم بشكل محوري في صد قوات الحوثيين وحليفهم صالح وطردهم من مدينة عدن الساحلية الاستراتيجية ومدن الجنوب الأخرى.
وعلى الرغم من الهدنة الإنسانية الأممية التي أبرمت بين الأطراف في الفترة بين أبريل – أكتوبر 2022، وما تلاها من مرحلة خفض تصعيد، لم تصمت أصوات البندقية في الجبهات تمامًا. بل أنها تصاعدت مؤخرًا، مما دفع المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ للتحذير من عودة الحرب خلال إحاطتين لمجلس الأمن الدولي.
ونظرا للتطورات الأخيرة، وطبقة العنف الجديدة التي أضفاها الحوثيون على المشهد عبر حملتهم العسكرية غير المسبوقة ضد الشحن الدولي، يبدو أن احتمالية عودة الحرب في اليمن أصبحت مقلقة أكثر من أي وقت مضى. يعزز ذلك حالة الموت السريري التي تمر بها خارطة الطريق للحل السياسي التي كانت قرب قوسين أو أدنى للتوقيع رسميًا، على الأقل بين السعودية والحوثيين.
مُتعلق: بين المسارات البرية والبحرية تزداد الأزمة في اليمن تعقيداً
دفعت التعقيدات والمعطيات الجديدة إلى التفكير جديًا بسيناريوهات القادم الذي حظي بفترة لا بأس بها من الوضوح خلال الفترة الماضية نتيجة التقدم الذي تم إحرازه على المسار السياسي. وخصوصًا مع الحديث عن فرص تلوح أمام خصوم الحوثيين لاكتساح الساحل الغربي للبلاد والسيطرة على ميناء الحديدة بدعم غربي، أو ضوء أخضر غربي على الأقل تم حجبه منذ 2018 عندما تم توقيع اتفاقية ستوكهولم.
فهل تعود الحرب في اليمن؟
خيار الحوثيين
يعتقد الخبير الأمريكي والعضو السابق في فريق خبراء مجلس الأمن الدولي بشأن اليمن فرناندو كارفاخال أن عودة الحرب قد تكون خيارًا حوثيًا. لافتًا إلى أنّه "رغم استمرار تجنيد المقاتلين وتدريبهم في مناطق الحكومة المعترف بها، يتردد خصوم الحوثيين حاليًا في الدخول في مواجهة مباشرة معهم على أي جبهة قتال لأسباب عديدة".
وأضاف لمركز سوث24: "لا توجد ضمانات لأي طرف بأن التحالف بقيادة السعودية سيقدم الأسلحة اللازمة ويستمر في إمداد الوحدات التي تقاتل الحوثيين بالذخيرة. لهذا السبب أدلى عدد من القادة اليمنيين بتعليقات تحاول الضغط على الولايات المتحدة لتوثيق العلاقات".
وأردف: "لكن من غير الممكن أن تنضم إدارة بايدن إلى الحرب أو تقيم علاقات مباشرة مع أي طرف يتجاوز التحالف".
وأشار إلى أنّه "من الناحية الاستراتيجية العسكرية، سيكون من المنطقي أن يقوم طرف بتحدي الحوثيين، ومحاولة استنزافهم عسكرياً في الوقت الذي تركز فيه الجماعة مخزونها من الصواريخ والطائرات المسيرة على استهداف السفن". مستدركًا: "لكن يفتقر خصوم الحوثيين إلى الوسائل للقيام بذلك، كما أنهم يعطون الأولوية للتنافس السياسي المحلي الذي يهدد سيطرتهم على أراضيهم".
وأضاف: "لا يزال تهديد الحوثيين على مأرب قائمًا، ويمكننا أن نرى كيف يمكنهم اختبار القوات الحكومية في مأرب، والقوات الجنوبية في غرب شبوة أو الضالع".
ويرى الخبير أنه "كتكتيك حوثي شائع، تتوقع الجماعة بناء نفوذ من كل عملية عسكرية تخوضها". مضيفًا: "تعتمد الضربات على السفن على سمعتها داخل محور المقاومة الإيراني، لكنها لا تعزز مصالح الحوثيين على المستوى اليمني. والآن سيحاولون الضغط على السعودية للتوصل لصفقة في المحادثات حول الضربات ضد السفن".
وتابع: "ونظرًا لأنه من غير المرجح أن يحصلوا على الكثير من التنازلات من السعودية أو الإمارات، يمكننا أن نتوقع أن يعاود الحوثيون الاشتباك على الأرض في وقت لا يمكن فيه للسعودية أن تتحمل فيه رؤية القوات الحكومية تخسر أمام الحوثيين".
دوافع مستمرة
يشير الخبير العسكري الجنوبي، العميد ثابت حسين صالح، إلى أن "الدوافع الجوهرية التي أشعلت الحرب في اليمن عام 2015 لا تزال قائمة". وأضاف لمركز سوث24: "سيطرة الحوثيين بالقوة على شمال اليمن تُشكل تهديدًا مستمرًا، مع سعيهم الدؤوب للتوسع والسيطرة على ما تبقى من أراض خارج نطاق سيطرتهم، مثل مأرب وتعز".
وأردف: "تُواصل مليشيا الحوثيين أيضًا اعتداءاتها على الجنوب، علاوة على الجبهة الجديدة التي فتحتها في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن مما أدى إلى عسكرة هذا الممرّ الحيوي الاستراتيجي".
في المقابل، يرى المحلل السياسي نبيل الصوفي أنه "في الأصل، انتهت حرب التحالف شمالا في 2019، مع إيقاف حرب الحديدة، وبعد تحرير شبوة في الجنوب". وأضاف لمركز سوث24: "من المحتمل أن تبقى الحرب هكذا لعشرات السنين، ما لم يتم كسر الحوثيين. توقف الحرب مرهون بكسر جماعة الحوثيين. ليس هناك خيار غير ذلك".
وعن مدى احتمالية عودة الوضع إلى نقطة الصفر وفشل المسار السياسي الحالي، قال الصوفي: "مازلنا بالفعل في منطقة الصفر".
الحرب مُستبعدة
المحلل السياسي المقيم في صنعاء رشيد الحدّاد قال إن "كل الدلائل في الوقت الراهن تُشير إلى وجود رغبة دولية قوية في إنجاح مسار السلام في اليمن".
وأضاف لمركز سوث24: "ذلك تجلى من خلال التحركات الدبلوماسية المكثفة التي تقوم بها السعودية ودول الخليج والاتحاد الأوروبي التي تُركز على دعم السلام ومساندة جهود التوصل إلى اتفاق شامل ينهي الصراع الدائر في البلاد".
وتابع: "تُعد السعودية، قائدة التحالف العربي في اليمن، من أهم الدول الداعمة لمسار السلام، حيث أكدت التزامها باتفاقها مع صنعاء حول إنجاح هذا المسار، وتواصل مساعيها الدبلوماسية لتحقيق ذلك. تُشارك روسيا أيضاً في دعم مسار السلام، حيث تسعى إلى لعب دور إيجابي في تقريب وجهات نظر الأطراف اليمنية المتنازعة".
مع ذلك، يعتقد الحداد أن الولايات المتحدة تسعى لإعادة إشعال الحرب في اليمن. مضيفًا: "تعمل صنعاء على تفويت الفرصة على واشنطن من خلال تعزيز قدراتها العسكرية والاستعداد لأي مواجهة عسكرية محتملة." ويرى الحداد أن تفوق الحوثيين على مستوى القدرات العسكرية الجوية "يُعزز موقفهم في المفاوضات ويُقلل من احتمالية عودة الحرب بشكل شامل".
وتقترب وجهة نظر الكاتب السياسي السعودي مبارك آل عاتي من طرح رشيد الحداد بشأن استبعاد عودة الحرب في اليمن. وقال آل عاتي لمركز سوث24: "من المؤكد أنَّ التدخل الأمريكي البريطاني في جنوب البحر الأحمر تحت ما يسمى بعملية حارس الازدهار أدَّى إلى تداخل بعض الأوراق، لكن الرفض السعودي والإماراتي المشاركة في العملية عمّق الثقة بين التحالف والمكون الحوثي".
وأردف: "على ضوء هذه المعطيات استبعد حدوث أي اندلاع مفاجئ للنزاع في اليمن وخصوصا بين المكون الحوثي والتحالف العربي، بسبب التمسك الواضح بهدنة غير معلنة".
وتطرَّق الكاتب آل عاتي إلى اللقاءات التي أجرتها وتجريها الدبلوماسية السعودية مع إيران وواشنطن وكذلك الأطراف اليمنية، وقال: "لقد رسخت الثقة في الموقف السعودي وأكدت أهمية استمرار الالتزام السعودي بدعم خيارات السلام وترك المسائل اليمنية–اليمنية للشعب اليمني ليقرر لاحقا مستقبله طبقًا لما يراه".
جاهزية خصوم الحوثيين
أظهرت هجمات الحوثيين البحرية الأخيرة تفوق المليشيا في الأسلحة النوعية مثل الصواريخ الباليستية والصواريخ المجنحة، بالإضافة للطائرات المسيرة. على الطرف المقابل، لا يبدو أن خصوم الحوثيين يتمتعون بذات القدر من التسليح، ولا حتى الدفاعات اللازمة للتصدي لتلك القدرات الحوثية التي أوقفت بالقوة تصدير النفط منذ نوفمبر 2022. وهو ما يطرح تساؤلًا عن جاهزية هذه الأطراف.
مُتعلق: ماذا يمكن للحوثيين فعله عسكريا أمام الولايات المتحدة؟
وفي هذا الصدد، قال العميد ثابت حسين: "ليس هناك مؤشرات ميدانية تدلّ على استعداد الحكومة اليمنية ومجلس القيادة الرئاسي لمواجهة الحوثيين، سواء في الشمال أو في الجنوب". مضيفًا: "لقد بدى اتفاق ستوكهولم وكأنه قد وفَّر للحكومة والمقاومة في الشمال مبرراً كافيا للتملص من مواجهة الحوثيين. بينما تُواصل القوات الجنوبية خوض حرب دفاعية مستمرة منذ عام 2015، ليس فقط ضد الحوثيين، بل ضد تنظيم القاعدة، وحروب الفوضى والخدمات".
وأردف: "من الضروري أن يدعم التحالف القوات الجنوبية وأيّ قوات مناهضة للحوثيين، لسدّ الفجوة الخطيرة في القدرات العسكرية". لافتًا إلى أنه "من حيث المبدأ، فإن الحروب لا تحسمها الصواريخ والطيران، بل تحسمها الإرادات والقوات البرية والإسناد الشعبي وعوامل أخرى".
ويعتقد الخبير كارفاخال أنه "لا يمكن للولايات المتحدة أن تدعم خصوم الحوثيين إلا سياسياً ودبلوماسياً". مضيفًا: يواجه بايدن قيودا داخلية حيث يعارض حزبه زيادة المبيعات العسكرية للسعودية أو الإمارات العربية المتحدة قبل انتخابات نوفمبر. كما أنّ بايدن لا يستطيع تجاوز السعودية أو الإمارات لتمويل معارضي الحوثيين بشكل مباشر أو تقديم مساعدات عسكرية".
وقال إنَّ "الولايات المتحدة تعلم جيداً أنَّ ضربات الحوثيين ستستمر بغض النظر عما يحدث في غزة. هذا تهديد دائم بأيدي إيران والحوثيين. تركز الولايات المتحدة بشكل أساسي على عمليات مكافحة التهريب عبر خليج عمان والبحر العربي وخليج عدن. بينما تركز الضربات الجوية ضد الحوثيين على مواقع الإطلاق والمصانع وترسانة الطائرات والصواريخ".
سيناريوهات متوقعة
على المستوى السياسي، يرى الخبير كارفاخال أنه "من المرجح أن يواصل الحوثيون رفض محادثات السلام برعاية الأمم المتحدة حتى تلتزم السعودية وتفي بعدد من المطالب التي قدمها الحوثيون". مضيفًا: "ليس لدى الأمم المتحدة ما تقدمه للحوثيين في الوقت الحالي لأنَّ الحوثيين يعلمون أن المانحين لن يقدموا أموالاً لخطة الإغاثة التابعة للأمم المتحدة، فالسعودية وحدها هي القادرة على تقديم سيولة نقدية للعمليات الإنسانية".
وأردف: "إذا التزمت السعودية بتمويل عمليات الأمم المتحدة في الشمال، فقد يكون ذلك حافزًا للحوثيين للتعامل مع المبعوث غروندبرغ، لكن ذلك لن يكون سوى ستار من الدخان على المدى القصير. الحوثيون غير مهتمين، كما يبدو برفع الحصار عن تعز، ولا بإعطاء مساحة للأمم المتحدة في الحديدة أو رأس عيسى".
ولفت كارفاخال إلى أنه "من المرجح أن يفشل أي تبادل جديد للأسرى في تسليم المعتقلين ذوي القيمة العالية على قائمة الحكومة".
وعلى الصعيد العسكري، يعتقد الخبير الأمريكي أنَّ الحوثيين سيحاولون تقسيم أطراف مجلس القيادة الرئاسي عن طريق توزيع التهديد بمأرب وشبوة، والضالع، ويافع. مضيفًا: "سيؤدي هذا إلى الضغط على السعودية والإمارات مرّة أخرى وسيقدم صورة ضعف بين خصوم الحوثيين، مما يخدم الحوثيين خلال المحادثات مع كل من السعودية ومبعوث الأمم المتحدة".
المحلل السياسي نبيل الصوفي يرى أن القادم في اليمن لا ينفصل عن التطورات الدولية المؤثرة. وقال: "فيما يتعلق بالمجتمع الدولي نحن في سنة انتخابات في بريطانيا وكذلك في أمريكا. بالتالي، هذه الانتخابات ستلقي بظلالها على العلاقات الحوثية والإيرانية من جهة، والأمريكية والأوروبية من جهة أخرى. بالتالي لن يحصل شيء خلال هذه السنة. الفائزون في الانتخابات القادمة هم الذين سيقررون كيف سيكون مصير هذه العلاقات".
يحتفظ المحلل رشيد الحداد بأمله وتفاؤله بشأن المسار السياسي للأزمة في اليمن. وقال إنه "هناك توقعات قوية بحدوث انفراجة سياسية خلال الأسابيع القادمة". مضيفًا: "تُظهر السعودية حرصاً كبيراً على إنجاح مسار السلام، حيث استدعت رئيس حكومة عدن [أحمد بن مبارك]، إلى الرياض، كما عقد مجلس التعاون الخليجي اجتماعات مع أحزاب سياسية".
ومع ذلك، يبدو أن الحديث عن المسار السياسي للأزمة في اليمن يجب ألا يخلو من التحذير من الحلول المشوهة التي ترحَل المشكلات والأزمات إلى فترات لاحقة وتؤسس لدورات صراع وعنف قادمة تتحقق معها المخاوف من الحرب مجددا في البلاد. وهو ما حذرت منه أطراف في اليمن في مقدمتها المجلس الانتقالي الجنوبي الذي رفض الترحيب بخارطة الطريق التي أعلن عنها المبعوث الأممي في ديسمبر الماضي.
وقال المجلس الانتقالي في بيان آنذاك: "لقد تابعنا البيان الذي أصدره المبعوث الأممي بشأن خارطة الطريق، وبينما نرحب بأي جهود للسلام بعد استكمال المشاورات مع كافة الأطراف الفاعلة لضمان تحقيق عملية سياسية شاملة وناجحة، فإننا نؤكد على ضرورة وجود عملية سياسية لحل قضية الجنوب من خلال إدراجها في المسار التفاوضي الذي ترعاه الأمم المتحدة".