التقارير الخاصة

مشروع الاتصالات الجديد: هل تضرب NX الحوثيين؟

واجهة موقع شركة (NX Telecom) الإماراتية على ويب

16-09-2023 at 4 PM Aden Time

language-symbol

سوث24| يعقوب السفياني، عبد الله الشادلي


في 21 أغسطس الماضي، وافق مجلس الوزراء اليمني على مشروع اتفاقية إنشاء شركة اتصالات مشتركة لتقديم خدمات اتصالات الهاتف النقال والإنترنت في اليمن، موقعة بين المؤسسة اليمنية العامة للاتصالات وشركة (NX Telecom) الإماراتية. وتضمنت الموافقة منح ترخيص تقديم خدمات الهاتف النقال، وتشغيل وترخيص الطيف الترددي، بحسب وكالة سبأ الرسمية.


مشروع شبكة الاتصالات هذا، الذي يعتبر الأول من نوعه في مناطق الحكومة اليمنية بقيمة 700 مليون دولار، مثَّل أكبر تحرك في قطاع الاتصالات بعيدًا عن هيمنة وسيطرة مليشيا الحوثيين المدعومة من إيران التي تدير القطاع بشكل شبه كامل من صنعاء منذ 2015. ومع ذلك، هدَّدت اعتراضات من قبل أطراف داخل معسكر الشرعية المشروع تحت دعاوى قانونية وأمنية، ونادت بإيقافه. 


فتح ذلك معركة سجالات تصدرها رئيس الوزراء اليمني معين عبد الملك من جهة، والبرلمان اليمني منتهي الولاية من جهة أخرى، إثر تقرير من 73 صفحة قدمته "اللجنة البرلمانية" لتقصي الحقائق في 24 أغسطس، تحدث عن "مخالفات جسيمة" في عمل الحكومة ضمن ملفات عدة مثل الكهرباء والنفط والاتصالات. وتبعه خطاب في اليوم التالي لرئيس البرلمان اليمني سلطان البركاني من 5 صفحات موجه إلى معين عبد الملك.


وزعم الخطاب أنَّ مشروع الاتصالات "يخالف الدستور ويوفر الاستيلاء على ممتلكات الدولة وحقوقها ويجردها من ملكيتها وحقوقها السيادية والقانونية والمالية". بالتوازي، وجه كل من عضو مجلس القيادة الرئاسي عثمان مجلي، ووزير الداخلية اليمني إبراهيم حيدان، خطابات مشابهة هاجمت مشروع الاتصالات وطالبت بإيقافه. 


في المقابل، أيد المجلس الانتقالي الجنوبي المشروع. وأشاد رئيس المجلس عيدروس الزبيدي بموافقة الحكومة على المشروع الذي قال إنَّه يمثل خطوة مهمة لتحرير قطاع الاتصالات من سيطرة الحوثيين. كما أصدر عضو مجلس القيادة الرئاسي عبد الرحمن المحرمي بيانا لصالح مشروع الاتصالات، بالتوازي مع تصريحات صحفية لعضو مجلس القيادة الرئاسي طارق صالح أعلن فيها وقوفه إلى جانب أي مشروع ينهي هيمنة الحوثيين على قطاع الاتصالات.


وفي مؤتمر صحفي في 4 سبتمبر الجاري، بقصر معاشيق الحكومي بعدن، تحدث رئيس الوزراء معين عبد الملك قرابة نصف ساعة عمَّا أثير بشأن المشروع. هاجم عبد الملك البرلمان اليمني، وقال إن تقارير البرلمان تأتي ضمن الاستقطاب السياسي. كما فنَّد كثيرًا من الادعاءات الناقدة للمشروع، ولمَّح إلى وجود قوى نافذة تمارس الفساد تحاول إيقاف المشروع. 


وذهبت بعض الوسائل الإعلامية المدعومة من قبل حزب الإصلاح والحوثيين إلى بث شائعات حول ارتباط مشروع الاتصالات بتوسيع النفوذ الإماراتي في اليمن. كما ربط بعضها المشروع بالتطبيع بين الإمارات وإسرائيل، مع مزاعم بتبعية شركة (NX Telecom) لإسرائيل. وزعمت وسائل الإعلام هذه آنذاك وصول فريق إماراتي إسرائيلي مشترك إلى العاصمة عدن لبدء تنفيذ المشروع.


وبينما تبدو أسباب الحوثيين في استهداف المشروع مفهومة، قد لا تكون دوافع البرلمان اليمني والمسؤولين الآخرين بذلك الوضوح. وبترك هذا جانبًا، برزت تساؤلات ملحة حول المشروع نفسه، وخلفيات الاتفاقية بين الحكومة اليمنية والشركة الإماراتية. وامتدت التساؤلات إلى المدى الذي قد يصل إليه هذا المشروع في تحرير قطاع الاتصالات من هيمنة الحوثيين، وما علاقة المشروع بشركة "عدن نت" الحكومية.


المشروع 


وفقًا لرئيس الوزراء اليمني، تبلغ قيمة مشروع الاتصالات الموقع مع شركة (NX Telecom) الإماراتية 700 مليون دولار، وتبلغ حصة الحكومة اليمنية منه 30%. وقد توصل الطرفان إلى اتفاق بشأن هذا المشروع بعد مفاوضات منذ أكثر من عام، طبقًا لوزارة الاتصالات. 


وقالت الوزارة في بيان لها: "نؤكد أنَّ المفاوضات بشأن تأسيس شركة اتصالات مع المستثمرين في الإمارات قد بدأت منذ أكثر من عام. يأتي هذا المشروع الاستثماري ضمن جهود دولة الإمارات الداعم لليمن وقطاع الاتصالات لتحسين مستوى الخدمة والحد من سيطرة المليشيات الانقلابية [الحوثيين] على قطاع الاتصالات وإيجاد مورد جديد لهذا القطاع".


وعن علاقة شركة "عدن نت" بالمشروع، قالت الوزارة: "كما جرى مناقشة مختلف الخيارات ومن ذلك الشراكة وليس البيع [..] بحيث يتم تطوير وتوسعة مشروع عدن نت بحيث يتم الاستثمار في هذا المشروع وفقاً لقانون الاستثمار اليمني والقوانين النافذة في الجمهورية اليمنية، وبأن يتم استكماله في بناء وإنشاء بنية تحتية متطورة ومن أحدث التكنولوجيا، وأن يتم الاستعانة بشكل أساسي بالكوادر اليمنية والبنية التحتية بعدن، ومختلف المحافظات".


وأكدت الوزارة على أن هذه الخطوات ستتم "تحت إدارة وإشراف وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، والوزارات والمؤسسات الحكومية المعنية".


وفي المؤتمر الصحفي، أوضح معين عبد الملك بعضا من ملامح المشروع. وقال إن التفاوض بشأن المشروع "لم يكن سرياً، والاتفاقية نوقشت بنداً بنداً، في كل أعمال مجلس الوزراء، ورفعت بكل وثائقها لمجلس القيادة الرئاسي". وانتقد رئيس الوزراء الأصوات المعارضة للمشروع، ولفت إلى حاجة الحكومة اليمنية إلى 3 مليار دولار للنهوض بقطاع الاتصالات وإنهاء سيطرة الحوثيين عليه. 


وبحسب المستشار الإعلامي لوزير الاتصالات وجدي السعدي، الذي تحدث بشكل خاص لمركز "سوث24"، تهدف اتفاقية مشروع الاتصالات "إلى تعزيز الشراكة والاستثمار بين اليمن والإمارات، بما في ذلك قطاع الاتصالات، وأيضًا إلى تشجيع القطاع الخاص الوطني للانخراط في الاستثمار في مثل هذه المشاريع".


وأضاف: "الاتفاقية تشتمل على تأسيس شركة مشتركة في اليمن تحت اسم عدن تيليكوم، بالتعاون مع دولة الإمارات، لتمويل وتشغيل شبكة اتصالات تقدم خدمات الهاتف المحمول والإنترنت بنظام الجيل الثاني، والثالث، والرابع، والخامس. هذه الخطوة تمثل فرصة فريدة للحكومة الشرعية ووزارة الاتصالات، حيث يمكن أن تُحدث تحسناً في وضع قطاع الاتصالات المتدهور وتوفير بنية تحتية متطورة تستخدم أحدث التكنولوجيا، وتدعم تدريب الكوادر الوطنية".


وتابع: "الاتفاقية التي تم التوقيع عليها ليست مجرد نتيجة فورية، بل هي نتاج لتوجيهات عليا صدرت بناءً على اتفاق ومباركة القادة السياسيين في الجمهورية اليمنية ودولة الإمارات العربية المتحدة".


وأشار السعدي إلى أن "كافة الإجراءات التي قامت بها وزارة الاتصالات قبل توقيع الاتفاقية تمت وفقًا للقوانين اليمنية المعمول بها، بما في ذلك القانون رقم (38) لسنة 1991، المتعلق بقطاع الاتصالات وتعديلاته، والقانون رقم (22) لسنة 1997، المتعلق بالشركات التجارية وتعديلاته، والقانون رقم (15) لسنة 2010، المتعلق بالاستثمار وتعديلاته، ولم نخرج عن لوائح وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات والقوانين اليمنية النافذة مطلقاً".


وأضاف: "تم عرض الاتفاقية على مجلس الوزراء، وتم رفعها للمصادقة وفقًا لاختصاص المجلس، استناداً الى المادة رقم (137/ د) من دستور الجمهورية اليمنية والمواد (12/ د، 26) من القانون رقم (3) لسنة 2004، بشأن مجلس الوزراء، لرفعها – بعد ذلك – للمصادقة بحسب الاختصاص لمجلس القيادة الرئاسي، الذي يُعتبر أعلى سلطة حالية في البلاد".


 ولفت السعدي إلى أنَّه "وفقاً للمشروع المُشترك، سيتم دمج مشروع عدن نت الذي أُنشئ بدعم إماراتي سخي والذي يُعتبر جُزءاً من مساهمة الحكومة اليمنية ضمن مشروع الشركة الجديدة".


من هي NX؟


وخلال البحث عن معلومات تفصيلية عن شركة NX الإماراتية، وجد سوث24 موقعا إلكترونيا يتبع شركة مقرها أبو ظبي متخصصة في مجال تقنية المعلومات والشبكات والاتصال والأمن الرقمي، تدعى (NX Digital Technology).


بحسب الموقع، فإن شركة "NX"، أو "NX Digital Technology" - تُختصر إلى NXDT، هي شركة إماراتية تأسست في العام 2015، مقرها العاصمة أبوظبي، ومديرها التنفيذي هو د. عبد الله النعيمي. تصف الشركة نفسها بأنَّها "من الشركات الرائدة في مجال توفير خدمات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والاتصالات في الشرق الأوسط".


وتقدم الشركة الإماراتية، وفقاً لحسابها على موقع "لينكد إن"، "خدمات اتصالات ديناميكية ومبتكرة، ومجموعة شاملة من خدمات الأمان من الجيل التالي [أحدث تقنيات الحماية الرقمية]. كما تعمل الشركة كشريك أمني استراتيجي للمؤسسات في جميع أنحاء المنطقة، ولديها شركاء بارزون على مستوى العالم، مثل: "مايكروسوفت"، "هواوي"، و"ديل".


وطبقا لموقعها على ويب، حصلت الشركة على شهادات نظام إدارة الجودة "ISO 9001:2015"، ونظام إدارة الصحة والسلامة المهنية "ISO 45001:2018"، ونظام الإدارة البيئية "ISO 14001:2015"، ونظام إدارة أمن المعلومات "ISO 27001: 2013".


وفي يناير المنصرم، شاركت شركة "NX Digital Technology" في معرض إنترسك الدولي 2023 في دبي، وهو معرض تجاري للسلامة والأمن والحماية من الحرائق، بحسب خبر نشرته وكالة الأنباء الإماراتية "وام" قبل انطلاق المعرض. وذكرت الوكالة مشاركة شركات أخرى في الحدث.


ضربة للحوثيين


يبلغ عدد شركات الاتصالات والإنترنت، العاملة حالياً في السوق اليمنية ست شركات؛ (سبأفون، يو [شركة إم تي إن سابقًا]، واي، يمن موبايل، تيليمن، وعدن نت)، تخضع كلها عدا (عدن نت) لـ "ميليشيات الحوثيين". تدر هذه الشركات ملايين الدولارات للحوثيين، بما فيها إيرادات المحافظات الحكومية التي تعتمد بنسبة ساحقة على هذه الشركات.


وفي تقرير سابق لمركز "سوث24"، نشر في نوفمبر 2021، تم الكشف بالتفصيل عن إجراءات الحوثيين للسيطرة على هذه الشركات، وبعض أرقام الإيرادات الضخمة التي تتحصل عليها تلك المليشيات. على سبيل المثال، قامت بعض الشركات بدفع رسوم للحوثيين لتمديد مؤقت لترخيص التشغيل حتى يتسنى لها التفاوض على ترخيص جديد كشركة إم تي إن يمن [يو حاليًا] التي قامت في 2016 بسداد 36.4 مليون دولار لتمديد ترخيصها المنتهي لمدة 29 شهراً.


اقرأ المزيد: شركات الاتصالات: رئات اقتصادية وأمنية للحوثيين في الجنوب


إضافة إلى رسوم الحصول على الترخيص، يُحصَّل الحوثيون من شركات الاتصالات اللاسلكية العامة رسوما سنوية تحت بند تنظيم قطاع الاتصالات. ووفقاً لـ "الجهاز المركزي للإحصاء" التابع للحوثيين في صنعاء، في "كتاب الإحصاء السنوي 2017"، أسهم قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات بحوالي 7% من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي.


ويعتقد خبير اقتصادي يمني تحدث لمركز "سوث24" في التقرير آنذاك أنَّ قطاع الاتصالات "أكثر دخلاً اليوم من قطاع النفط باليمن ". مضيفًا: "لا توجد إحصائية رسمية عن ميزانية هذا القطاع بالذات، بسبب أنَّه كان مٌتقاسماً بين نافذي صنعاء والدولة، لكن مليارات الدولارات ذهبت كلها لخزينة الحوثيين من هذا القطاع".


ومع هذه الإيرادات الهائلة، لا تتوقف امتيازات الحوثيين عند الجانب الاقتصادي، بل تمتد إلى الجانب الأمني والاستخباراتي. وربط خبراء بين قطاع الاتصالات الذي يدار من صنعاء وهجمات صاروخية حوثية استهدفت قادة عسكريين جنوبيين خلال السنوات السابقة، بالإضافة لحملات التعقب والملاحقة للصحفيين والمعارضين في شمال اليمن.


كما استغل الحوثيين شركات الاتصال في الدعاية الإعلامية بشكل كبير جدًا، فضلًا عن حجب مئات المواقع والقنوات الفضائية المحلية والعربية والعالمية المناهضة لهم أو التي تنتقدهم. ويعد مشروع الاتصالات الجديد في عدن أكبر ضربة لقطاع الاتصالات الخاضع للحوثيين، بعد ضربة "عدن نت" المحدودة التأثير والنتائج لتفشي الفساد وحصول شريحة صغيرة من المجتمع في عدن ومدن أخرى فقط على خدماتها.


مُتعلق: «عدن نت» .. تُهم بالفساد ووعود جديدة تنتظر التحقيق


الادعاءات والمخاوف


يرى المهندس اليمني، فهمي الباحث، أنّ "قطاع الاتصالات والإنترنت في اليمن بحد ذاته يحمل مخاطر كبيرة بغض النظر عن أي شركة ومن يقف وراءها". مضيفًا لمركز "سوث24": "جميع شركات الاتصالات تحتفظ ببيانات المواطنين واتصالاتهم ورسائلهم، وسوف يكون لديها بيانات حساسة في النهاية، ولكن هذه الشركات ينبغي أن تلتزم بمبادئ أخلاقية وقانونية بغض النظر عن الشركة أو الجنسية أو أي عامل آخر".


وتابع: "كنا نتمنى أن يُناقش مجلس النواب مستقبل عدن نت، وأسباب فشلها ومصير الاستثمارات والأموال التي تمت فيها، وما هي التوصيات التي يُمكن اتخاذها للنهوض بها، على اعتبار أنّها البوابة الدولية المُفترضة للإنترنت، لكن أيٍّ من ذلك لم يحصل مطلقاً مع الأسف".


ويضع الخبير الاقتصادي والسياسي ماجد الداعري مواقف البرلمان اليمني والأطراف والشخصيات الأخرى المعارضة لمشروع الاتصالات في خانة "الأجندة السياسية". وأضاف لمركز "سوث24": "الرفض يعود لأجندة سياسية وتقاطع مصالح البرلمان. أغلب مسؤولي الشرعية السابقين والحاليين والاحزاب والنافذين ورجال المال اليمنيين مع الحوثيين في استمرار هيمنتهم المطلقة على الاتصالات".


وأردف: "هؤلاء في مأمن من شر الحوثيين وخطر نيران اغتيالاتهم التجسسية عبر الاتصالات التي لا تطال سوى القيادات والمسؤولين الجنوبيين. من حقنا كجنوبيين المطالبة بتحرير قطاع الاتصالات والإنترنت من هيمنة صنعاء كونها تقتلنا. البرلمان انتهت شرعيته في المقام الأول، ولا نصاب له أو مشروعية لأي قرارات يتخذها اليوم عبر تطبيق واتساب أو زووم".


وعلى الرغم من استمرار المواقف الرافضة والمضادة لمشروع الاتصالات، إلا أنه من ناحية حسابية، يقف 4 من أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، على الأقل، هم عيدروس الزبيدي وعبد الرحمن المحرمي وطارق صالح وفرج البحسني إلى جانب المشروع، فضلا عن رمادية مواقف كل من رئيس المجلس رشاد العليمي والعضوين عبد الله العليمي وسلطان العرادة.


وإذا لم يكن لمناهضة المشروع أبعاد إقليمية محتملة، سوف يبدأ العمل فيه على الأرجح خلال الفترة القادمة كما يتوقع الخبراء.




يعقوب السفياني، مدير مكتب مركز سوث24 في عدن وعبد الله الشادلي، صحفي ومحرر لدى مركز سوث24

Shared Post
Subscribe

Read also