التقارير الخاصة

هل يمكن خفض درجات الحرارة في عدن؟

مدينة عدن - بلال الصبري

03-07-2023 at 2 PM Aden Time

language-symbol

سوث24 | رعد الريمي


تعتبر العاصمة عدن، في جنوب اليمن، من أكثر المدن رطوبة وحرارة في البلاد. وتكتسب المدينة هذه الخصائص نظرًا لموقعها الساحلي المُطل على خليج عدن، ووقوعها في المنطقة المدارية. ويُشكَّل موسم الحر في هذه المدينة هاجسًا مقلقًا للسكان كل عام، لا سيَّما خلال السنوات الأخيرة مع اندلاع الحرب وانهيار المنظومات الخدمية، وفي مقدمتها الكهرباء التي تشكل معضلة مستمرة للسكان حتَّى اليوم.


ومع أنَّ الخصائص الجغرافية لعدن تفسر جزءًا كبيرًا من أسباب الحرارة والرطوبة العالية في المدينة، علاوة على التغيرات المناخية العالمية وظاهرة الاحتباس الحراري، إلا أنَّ خبراء في الطقس والمناخ والبيئة يعتقدون أنَّ التصاعد في مستويات الحرارة والرطوبة في عدن خلال الفترات الأخيرة قد يكون له مُسببات غير طبيعية تتصل بالنشاط البشري الخاطئ وغياب الاهتمام بطقس المدينة.


ويعدَّد الخبراء أبرز هذه المسببات التي تتوزع على جوانب عدة، من التلوث البيئي المتزايد، مرورًا باختلالات التخطيط الحضري المطلوب للمدينة الساحلية تلبية للمعاير العالمية في مدن أخرى مشابهة، وصولًا إلى ما تشهده المدينة من تصاعد كثيف لأعداد السكان والأحياء العشوائية نتيجة موجات النزوح الداخلي وأمواج الهجرة الخارجية. وهي أسباب تسير بشكل موازي إلى جانب الإهمال الحكومي.


ويقترح الخبراء المشاركون في هذا التقرير بعض المعالجات التي قد تسهم في تخفيف وتلطيف طقس عدن، لا سيما في فصل الصيف. 


طقس صعب


كل عام، يصل موسم الحر في عدن إلى ذروته في الأشهر النصفية، وتحديدًا بين أبريل وسبتمبر. وتشكل درجات الحرارة التي قد تتجاوز 40 درجة مئوية في فترة النهار، والرطوبة التي تصل إلى 73%، ثنائيًا مرهقًا للسكان خلال موسم الحر، خصوصًا مع خدمة الكهرباء الضعيفة التي يعتمد عليها سكان المدينة لتبريد المنازل ومواجهة الصيف.


وتستمد عدن هذا الطقس من موقعها الفلكي المُحدد بدائرة عرض 12.47 شمالًا، وهو ما يعني أنَّ عدن تقع ضمن المنطقة المدارية، ما يعرضها إلى أكبر كَمَيَّة من الإشعاع الشمسي على مدار العام تقريبًا. وساعد على ذلك سطحها المكون من صخور بركانية وسطح مكشوف محاط بمسطحة مائية كبيرة في أن يكون له دور فاعل في كميات الإشعاع الشمسي المستلمة والمفقودة.


وتعتبر عدن مدينة قليل الأمطار، حيث إنَّ هطول الأمطار بصورة عامة قليلة وغالبًا ما تكون شتوية ربيعية وتندر في الصيف، ويبلغ المعدل العام لمتوسط الأمطار 50 ملم.


ويؤكد وكيل الهيئة العامة لحماية البيئة في الحكومة اليمنية، عبد السلام الجعبي، على تصاعد درجات الحرارة في عدن خلال العقود الأخيرة نتيجة "التغيرات المناخية العالمية". وأضاف لمركز "سوث24": "السبب الرئيسي لارتفاع درجات الحرارة في عدن هو قربها من خط الاستواء، لكنَّ الزيادة الملحوظة تُعزى للتغيَّرات المناخية".


ويلفت الاستشاري الدُوَليّ للتغيرات المناخية، والرئيس السابق للهيئة العامة لحماية البيئة باليمن، د. عبد القادر الخراز، إلى أنَّ "اليمن من أكثر الدول تعرضًا لآثار التغيرات المناخية العالمية". وأضاف لمركز "سوث24": "لقد شهدت اليمن خلال المدّة الماضية كثيرًا من التغيرات، سواء في ارتفاع درجات الحرارة في الصيف، وكذا تغيرها عن المستويات السابقة، مقارنة بعشرة أعوام".


وأردف: "حدث تغير في معدلات مستويات الأمطار في المناطق الجبلية والصحراوية، فهناك زيادة في المناطق الجبلية، وهناك انخفاض في المناطق الصحراوية، بينما تبدلت مواسم الأمطار في المناطق الساحلية من الصيف إلى الشتاء، وهو ما يعني درجات حرارة أعلى صيفًا في عدن والحديدة وغيرها من المناطق الساحلية في البلاد".


وفي مايو الماضي، حذرت دراسة نشرتها  مجلة Nature Sustainability من تصاعد درجات الحرارة في اليمن وبلدان خليجية خلال الأعوام القادمة. 


ووجدت الدراسة أنه في الشرق الأوسط، فإن 100% من الأرض والسكان في البحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة معرضون لحرارة تهدد الحياة تحت ارتفاع درجات الحرارة العالمية بمقدار 2.7 درجة مئوية.


وأشارت الدراسة إلى أنَّ دولة الإمارات العربية المتحدة معرضة للخطر بشكل خاص، حيث يتعرض أكثر من 80٪ من سكانها للحرارة الشديدة حتى في ظل سيناريو 1.5 درجة مئوية. كما تبين أن الكويت وعمان واليمن معرضة بشدة للاحترار العالمي.



تغيرات درجات الحرارة والطقس في عدن خلال العقود الماضية (Meteoblue)


ويوضح مدير إدارة التكيف بالهيئة العامة لحماية البيئة في اليمن د. عبد الرقيب العكيشي أنَّ موقع عدن الساحلي يجعل منها "جزيرة ساخنة". وقال لمركز "سوث24": "الحرارة عمومًا في المدن الساحلية أعلى من المدن الجبلية. درجة الحرارة في المدينة الساحلية تكون أعلى من المناطق المجاورة لها حتى وإن تشابهت في الموقع الجغرافي والمناخي، حيث يصل الفرق تقريبًا ما بين 5-15 درجة مئوية".


وأضاف: "ليس هناك دراسة خاصة بعدن. إذا توفرت بيانات المناخ في خلال 30 عامًا مضت يمكن تصميم خرائط توضح هذا الأمر. من الناحية الشعورية يمكن أن يقول الناس إن هناك ارتفاعًا في درجة الحرارة عما كان سابقًا. قد يكون هذا الكلام صحيحًا، ولكنه يحتاج إلى دراسة لتأكيد ذلك".


وبالاعتماد على المصادر البيئية المفتوحة، التي اطلع عليها معد التقرير، فإنَّه من المتوقع أن تزيد حدة درجة الحرارة في الأعوام القادمة في العاصمة عدن، إلى درجات أكبر مما هي عليه الآن، كما يظهر الشكل التالي الذي يتوقع تغيرات درجة الحرارة وفق سيناريوهات الانبعاثات الأكثر تشاؤمًا "RCP 2.6". 


وتظهر خرائط هذا السيناريو المتوقع زيادة بدرجات الحرارة في اليمن بمقدار 2 إلى 3 درجات مئوية خلال العشرة الأعوام القادمة.




أسباب محلية


وفقًا للخبير في التخطيط الحضري حسن الحديثي، توجد أسباب محلية خاصة بعدن تفاقم من مشكلة الطقس الحار في المدينة، إلى جانب العوامل الخارجية المرتبطة بموقع عدن الجغرافي والتغيرات المناخية العالمية الناتجة عن الاحتباس الحراري، التي تلقي بظلالها على مختلف الدول والمدن.


وأضاف الخبير: "من الأسباب التي تجعل المدن أقل حرارة هو تصميم المدينة ونوعية البناء، فالمدينة المصممة والمخططة حضريًا بطريقة تساعد على انسياب حركة الهواء وكذلك زيادة المناطق الخضراء تنخفض فيها درجات الحرارة بشكل ملحوظ. هذا النوع من التخطيط يغيب في المدن العشوائية والمزدحمة وهو ما تعاني منه العاصمة عدن".


وأردف: "ومن الأسباب أيضًا طرق البناء ونوعية المواد المستخدمة. هذا يؤثر على درجات الحرارة حيث يتم التركيز في المدن المخططة حضريًا بشكل جيد على اختيار مواد البناء، مثل الأسمنت والطلاء وغيرها، التي خضعت لاختبارات أثبتت أنَّها تساعد على خفض درجات الحرارة لا مفاقمتها". 


وتابع: "توصي منظمة الصحة العالمية على أن يكون لكل شخص في المدينة ما يقارب نصف هكتار إلى هكتار من المناطق الخضراء، وأن يعيش على بعد حوالي 300 متر عن المنطقة الخضراء. تعاني عدن من عدم وجود تخطيط حضري مسبق يراعي موقعها الجغرافي والمناخي، وقلة المناطق الخضراء".


ولفت الخبير إلى "وجود إشكالات أخرى مثل مياه الصرف الصحي المهدرة التي يمكن استثمارها في تعزيز المناطق الخضراء". 


وأضاف: "بالنسبة لأنشطة السكان التي قد تساهم في ارتفاع درجة حرارة المدينة فمن الصعب حسابها؛ ولكن بشكل عام فإن درجة الحرارة تكون أكبر في المناطق الصناعية والمزدحمة. هذا عمومًا لا يعود للأشخاص، ولكن لقرارات التخطيط للمدينة مثل تحديد مكان ونوعية البناء ومنها أبعاد المصانع ومحطات توليد الطاقة عن المناطق السكنية".


ويرى المسؤول البيئي د. عبد الرقيب العكيشي أنَّ أدخنة السيارات والمركبات في عدن تسهم في زيادة درجات الحرارة. ويوجد في المدينة الآلاف من السيارات والمركبات المستخدمة التي تستورد من الخارج بأسعار رخيصة، وتخلف أدخنة ضارة في الهواء. 


تخفيف الحرارة


وفقًا لوكيل الهيئة العامة لحماية البيئة باليمن، عبد السلام الجعبي، "لا يمكن خفض درجات الحرارة في عدن أو بقية المدن بشكل كبير، لكن توجد هناك معالجات قد تساعد المواطنين والسكان وكذلك النظام البيئي على التكيف مع التغيرات في درجة الحرارة، ومن هذه الممارسات التشجير، والتخطيط الحضري الذي يدعم تكيف النظام البيئي في العاصمة عدن".


ويقَّر الجعبي بعدم اهتمام الحكومة بقضايا البيئة، مضيفًا: "قضايا البيئة والمناخ والاحتباس الحراري لا تعد أولوية في الوقت الحالي للحكومة مقارنة بغيرها من القضايا الأخرى كالتعليم والصحة والأزمة الإنسانية. لكن من المهم أن تندرج القضايا البيئية ضمن أولويات الحكومة في الأعوام القادمة، وفي المقدمة العاصمة عدن".


ويؤكد الخبير د. عبد الرقيب العكيشي على أنَّ "قضايا المناخ وتغيره تقع في المقام الأول على عاتق صناع القرار". وأضاف: "هذا الأمر يحتاج إلى قرارات سياسية مثل التحول إلى الطاقة منخفضة الكربون وتشجيع التقنيات ذات الكفاءة العالية في استخدام الطاقة سواء في الإضاءة أو النقل أو غيرها. يمكن الإسهام في حالة إيجابية للمناخ والطقس والحرارة إذا توفرت الإرادة لذلك".




صحفي في مركز سوث24 للأخبار والدراسات


Shared Post
Subscribe

Read also