التحليلات

جهود السعودية في «مكافحة الإرهاب» في اليمن: ثغرات قاتلة

القبض على أمير داعش في اليمن (أبو أسامة المهاجر)، 25 يونيو 2019 - قناة العربية

18-02-2023 at 3 PM Aden Time

language-symbol

سوث24 | إبراهيم علي*


قبل الإعلان عن عملية عسكرية ضد "مليشيا الحوثي" في اليمن في العام 2015، لعبت المملكة العربية السعودية دورا محوريا في مجال "مكافحة الإرهاب". يمكن إرجاع جزء كبير من النجاح العسكري والأمني الأمريكي ضد الفرع اليمني لتنظيم القاعدة، إلى المعلومة التي وفرتها الاستخبارات السعودية. نجحت السعودية بشكل كبير في اختراق التنظيم من الداخل، ما جعل عملية استهداف أبرز قادته بالطائرات الأمريكية من دون طيار، أمرا سهلا. في معظم الإصدارات المرئية للتنظيم، اعترف جل من قال إنهم جواسيس، بأنه تم تجنيدهم في المملكة. آخر هذه الإصدارات وأكبرها كان من خمسة أجزاء وحمل اسم "هدم الجاسوسية". [1]


إلى جانب ذلك، أنشأت الولايات المتحدة في السعودية أكبر مطار سري على مستوى الشرق الأوسط للطائرات من دون طيار (درونز)، وفق تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" [2] عام 2011. كانت الطائرات الأمريكية تنطلق قبل ذلك من قواعد في جيبوتي. ولم يقتصر الأمر على تقديم على هذا النوع من الدعم بل تجاوزه إلى المشاركة المباشرة في العمليات العسكرية ضد التنظيم، فبين العامين 2011\2012، شاركت المقاتلات السعودية في استهداف مواقع القاعدة بمحافظتي أبين وشبوة. كان يمكن ملاحظة قوة التعاون بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب من خلال لهجة التنظيم عند الحديث عن السعودية، والتي خفّت حدتها بعد عملية "عاصفة الحزم"، لأسباب سنأتي على ذكرها. أما عمليا، فقد نفذ التنظيم عمليات انتقامية داخل الأراضي السعودية، كعمليات شرورة عام 2014، وغيرها. [3]

 

وعلى رغم أنه توعد بتنفيذ المزيد من العمليات، إلا أنه لم يفعل. من المهم الإشارة إلى أن التنظيم كان عام 2009 قد حاول اغتيال الأمير محمد بن نائف داخل قصره بجده، من خلال انتحاري يدعى "عبدالله طالع عسيري". كان بن نائف حينها نائبا لوزير الداخلية السعودية، ومسؤولا عن "ملف الإرهاب" في الشرق الأوسط.


يمكن القول إنّ جهود السعودية في مجال حرب "الإرهاب" باليمن قبل "عاصفة الحزم" كانت منظمة وفاعلة، كما كانت هذه الحرب أولوية بالنسبة إلى المملكة. في مقابل ذلك، كان تركيز تنظيم القاعدة على استهداف السعودية كبيرا، لكن الأمر تراجع بشكل كبير بعد العملية المذكورة، ومن الطرفين.


بعد عاصفة الحزم


على رغم أن الطائرات الأمريكية نجحت في الوصول إلى أبرز قادة التنظيم خلال الأشهر الأولى التي تلت العملية السعودية ضد الحوثيين في اليمن، إلا أنّ المعلومات التي قادت إلى الأهداف، والتي كان مصدرها السعودية، وفق اعتراف من قدمهم التنظيم كجواسيس [4]، كانت من نتائج جهود المرحلة السابقة. وبحسب بعض التحليلات، قدمت السعودية معلوماتها الثمينة، لتثبت بشكل عملي أن الحرب على الحوثيين لن تؤثر على عمليات مكافحة الإرهاب. غير أنّ السعودية ركزت بعد ذلك على حرب الحوثيين، وغضت الطرف عن القاعدة بل وحتى عن وجودها في بعض الجبهات التابعة للحكومة الشرعية. فوق ذلك، نفى بشكل صريح المتحدث السابق باسم التحالف، أحمد عسيري في 2015، عدم وجود أي أهداف أو مهام لعملية عاصفة الحزم ضد تنظيم القاعدة أو داعش [5]. مع أنّ هذا لا يعني أنّ القاعدة في اليمن ليست هدفا للسعودية بشكل عام، لكنها بالفعل لم تكن هدفا رئيسيا بعد ذلك. وبالنسبة إلى تنظيم القاعدة الذي توعّد أواخر العام 2014 بتصعيد عملياته داخل الأراضي السعودية، فقد تعامل بالمثل هو الآخر، ولم ينفذ أية عمليات جديدة داخل أراضي المملكة أو ضد قواتها في اليمن. 


وفق مصادر خاصة، استنكر القاعدة عمليات تنظيم داعش ضد قوات التحالف في اليمن، واعتبر ذلك من الجهل بالسياسة الشرعية التي تقتضي توحيد الجهود للحرب ضد الحوثي، على حد تعبيرها. لاحقا، بدأ التنظيم بمهاجمة الإمارات من خلال إصداراته وبياناته، دون أن يتطرق لذكر السعودية، إلا في الآونة الأخيرة من العام 2022. فعلى رغم أن عملية طرده من المكلا تمت باسم التحالف الذي تقوده السعودية وبدعم منه، إلا أن بيان التنظيم حولها هاجم وتوعد الإمارات فقط. [6]


وفيما يمكن اعتباره مؤشرا على أنّ الحرب على تنظيم القاعدة تراجعت في قائمة أولويات السعودية خلال تلك الفترة، أفرج التنظيم عن نائب القنصل السعودي في عدن، عبد الله الخالدي، بعد ثلاثة أعوام من الاختطاف. تنازل التنظيم عن الشرط الرئيسي المتمثل في الإفراج عن سجينات داخل المملكة، وقبل بفدية مالية كبيرة، وفق مصادر خاصة [7]. غير أن ذلك لا يعني، بشكل عام، أن السعودية جمدت نشاطها في جانب الحرب على "الإرهاب"، لكنه تراجع مقارنة بما كان عليه قبل عمليتها ضد الحوثيين.


وفي حين لم تسجّل أي عمليات خاصة بالقوات السعودية ضد تنظيم القاعدة في اليمن بعد 2015، بالمقابل أعلن التحالف عن عمليات شاركت بها السعودية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" داعش. 


ففي يونيو 2009 أعلن العقيد السعودي تركي المالكي، أنّ القوات الخاصة السعودية ونظيرتها اليمنية، تمكنت من اعتقال أمير تنظيم داعش في اليمن، "الملقب بأبو أسامة المهاجر والمسؤول المالي للتنظيم وعدد من أعضاء التنظيم المرافقين له.." في مطلع الشهر نفسه، بمحافظة المهرة، شرقي عدن.


ثغرات


إضافة إلى ذلك، فتحت الحرب على الحوثيين ثغرات في جدار جهود مكافحة "الإرهاب" ما كان لها أن تُفتح لولا بعض الحسابات. من بين تلك الثغرات، استمرار تقديم الدعم لحزب الإصلاح على الرغم من أنّ تنظيم القاعدة يتواجد في مناطق سيطرته، وشارك في جبهات القتال التابعة له. في العام 2017، أكّد زعيم التنظيم السابق، قاسم الريمي، بمشاركة عناصره في قتال الحوثيين إلى جانب الإخوان المسلمين [8]. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل شارك التنظيم إلى جانب القوات المحسوبة على الإصلاح في محافظتي أبين وشبوة ابتداء من العام 2019. قبل ذلك كان القائد الميداني للتنظيم، جلال بلعيدي المرقشي قد أكد أنهم يتواجدون في 11 جبهة قتال [9]. يقصد جبهات الإصلاح، حسب تفسير الريمي.


في الإصدار قبل الأخير لتنظيم القاعدة في اليمن، هاجم القيادي أبو علي الحضرمي التحالف، وخاصة دولة الإمارات، على خلفية أحداث مدينة عتق في محافظة شبوة، والتي انتهت بطرد القوات المحسوبة على الإصلاح من المدينة. كما استنكر التنظيم إقالة محافظ شبوة السابق، محمد صالح بن عديو، وذكره بالاسم لأول مرة [10]. كانت مدينة عتق وباقي مناطق محافظة شبوة قد شكلت معاقل مهمة للتنظيم منذ العام 2019، أي منذ سيطرة قوات تابعة للإصلاح عليها، ولم ينفذ التنظيم فيها أية عمليات، لكنها مثلت منطلقا لعملياته في أبين وعدن ولحج وغيرها.  لهذا يعتقد التنظيم أنه تعرض لضربة قوية بطرد قوات الإصلاح من شبوة ومن محافظة أبين لاحقا. 


ومع ذلك، فإنّ استمرار جهود توفير الحماية للقوات الموالية للإصلاح حتى اليوم في بعض مناطق حضرموت، كالمنطقة العسكرية الأولى، يمثّل، وإن بشكل غير مباشر، حماية لتنظيم القاعدة، إذ يشكّل الوادي آخر معاقله الرئيسية في الجنوب. من شأن هذه الخطوات أن تقضي على الجهود الأخيرة الناجحة في مجال محاربة الإرهاب، التي تقودها القوات الجنوبية، والتي وصل التنظيم بسببها إلى مرحلة متقدمة من الضعف. وقد أقر بذلك الزعيم الحالي للتنظيم، سعودي الجنسية، خالد باطرفي، في آخر خطاب مرئي له. إذ أكد باطرفي أن التنظيم يعاني من ضعف وشحة في الإمكانات، واستنكر مواقف بعض الشخصيات القبلية من الحرب عليه، ودعا إلى تقديم الدعم لتنظيمه. ربما كانت المرة الأولى التي يدعو فيها التنظيم القبائل إلى تقديم الدعم له.


وفي هذا التسجيل، هاجم باطرفي، قيادة المملكة إلى جانب قيادة دولة الإمارات.


واتهم زعيم تنظيم القاعدة بجزيرة العرب المملكة العربية السعودية بشرعنة تدخلها الى جانب امريكا في اليمن من خلال إنشاء المجلس الرئاسي، قائلاً: "إنَّ السعودية أنشأت مجلس القيادة الرئاسي لتمرير مخططاتها في اليمن وشرعنة تدخلها الى جانب واشنطن في البلاد."


تحذيرات أمريكية


ومع انشغال السعودية في ترتيب أوراقها مع الحوثيين في الشمال، لجأت السعودية إلى إعادة تسليح قوات تمثّل فصيلا من السلفيين، تابع لها في الجنوب، قد تعقّد إلى حد كبير جهود مكافحة الإرهاب المستمرة هناك، وفقا لخبراء غربيين. وقد بدأت، بالفعل، أصوات أمريكية متخصصة، ترتفع ضد الإجراءات السعودية في جنوب اليمن. [11]

 

وفي هذا السياق، حذّر معهدان أمريكيان بارزان من تبعات إنشاء المملكة لجماعات مسلّحة جديدة في جنوب اليمن على عملية "مكافحة الإرهاب" الجارية هناك، وجهود المجلس الانتقالي الجنوبي ضد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في مناطق محافظة أبين. واعتبرا أنّ أي "صراع داخلي من شأنه أن يعطّل الضغط على تنظيم القاعدة في جنوب اليمن."، وأنّ القاعدة في شبه الجزيرة العربية قد تستفيد من سيناريو الصراع لزيادة قدرتها على شن هجمات كبيرة، بما في ذلك ضد عدن.


بالمحصلة، يمكن القول إن الإجراءات السعودية السابقة واللاحقة أثرت بشكل مباشر على جهود "مكافحة الإرهاب"، وأن المملكة تقوم حاليا بالدور النقيض للدور الذي لعبته قبل انطلاق عملية عاصفة الحزم، وأن استمرار مثل هذه الإجراءات يمثّل طوق نجاة تنظيم القاعدة وينقذه من نهاية كادت أن تكون وشيكة.




إبراهيم علي
هو اسم مستعار لباحث متخصص في شؤون الجماعات المسلّحة، طلب إخفاء هويته لأسباب شخصية

المراجع:

[1] سلسلة إصدارات مرئية نشرها تنظيم القاعدة بين عامي 2018 و 2020.

[2] ترشيح برينان يكشف الانتقادات بشأن عمليات القتل المستهدف والقاعدة السعودية السرية - واشنطن بوست

[3] أصدر التنظيم بيانا ناريا حول العمليات حينها، وتعهد بتنفيذ المزيد.

[4] الجزء الأول من إصدار هدم الجاسوسية لمؤسسة الملاحم التابعة للتنظيم.

[5] عسيري: استهداف تنظيم القاعدة ليست من مهام عاصفة الحزم - YouTube

[6] أصدر التنظيم بيانا رسميا بعد العملية بأسبوع.

[7] مصادر خاصة تحدثت إلى الكاتب.

[8] كلمة مرئية للريمي تعليقا على عملية الإنزال الأمريكية في محافظة البيضاء.

[9] كلمة مرئية علق فيها المرقشي على اجتياح الحوثيين للبيضاء.

[10] قراءة في تسجيل «تنظيم القاعدة» حول أحداث محافظة شبوة الأخيرة (south24.net)

[11] تحذيرات أمريكية من إضعاف جهود مكافحة الإرهاب في جنوب اليمن (south24.net)


Shared Post
Subscribe

Read also