التحليلات

دلالات وتداعيات العملية العسكرية التركية شمالي سوريا والعراق

سوريون يتفقدون آثار هجوم صاروخي تركي على أعزاز، شمالي سوريا (وكالة الصحافة الفرنسية / غيتي إيماجز)

13-12-2022 at 10 AM Aden Time

language-symbol

سوث24 | د. إيمان زهران


ساهمت السياقات الإقليمية والدولية الراهنة في إعادة أنقرة لتحركاتها الخارجية حول هيكلة "حزام أمني من الغرب إلى الشرق" على طول حدودها الجنوبية مع كل من سوريا والعراق. وهو ما تم اختباره بِرهان تركيا على عملية "المخلب – السيف" لاستكمال أهداف سبق وأعلنت عنها عبر تحركات عسكرية متتالية خلال الفترة (2016 – 2020)، تتمثل في سد الفجوات الجغرافية بين مناطق نفوذها، لتُعلن بالعملية الراهنة على عدد من الأهداف تركز فيها على محاور عدة، أبرزها: عين العرب (كوباني)، وتل رفعت، ومنبج بمحافظة حلب. ليدفعنا ذلك إلى التساؤل حول دوافع العملية العسكرية القائمة بالشمال السوري، وحجم التغيرات الإقليمية والدولية الداعمة للتحركات التركية، فضلاً عن مآلات تلك التحركات وتداعياتها بالمستقبل.


دوافع تركية


في 20 نوفمبر 2022، شنت القوات التركية عملية جوية شمال العراق وسوريا أطلقت عليها (المخلب – السيف)، لتتباين الرؤى السياسية والأمنية حول دوافع العملية العسكرية التركية في شمال سوريا والعراق، خاصة وأن "السياق الزمني" يتجانس مع جُملة من التفاعلات الإقليمية والدولية، فضلاً عن جُملة التفاعلات بالداخل التركي، حيث:


- أهداف داخلية: ثمة عدد من الأهداف الداخلية التي دفعت الرئيس "رجب طيب أردوغان"، إلى القيام بعميلة "المخلب – السيف"، أبرزها: أولاً، الرد على تفجيرات ميدان تقسيم في اسطنبول[1]، وذلك في 13 نوفمبر الماضي، حيث الترويج للعملية العسكرية في شمال سوريا والعراق بكونها تأتي في إطار حماية الأمن القومي ودرء الخطر الكردي، بعدما حمّلت حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية المسؤولية عن الهجوم بعمق اسطنبول. وثانياً، تعزيز شعبية حزب العدالة والتنمية، حيث لا يمكن فصل سلوك السياسة الخارجية التركية خلال المرحلة الراهنة عن المتغير المحلي المتعلق بالاستحقاقات الانتخابية المقررة في غضون نحو 6 أشهر، والتي تُمثل اختبارًا حقيقيًا لأردوغان وحزب العدالة والتنمية بعدما انحسرت شعبيتهما بشكل كبير. حيث تمثل القضية الكردية أحد أبرز أوراق المقايضة بالداخل المحلي. 


- أهداف جيوسياسية: تنعكس على استكمال مخططات أنقرة في إقامة ما يُعرف بـ "المنطقة الآمنة شمال سوريا"، لتكون فاصل جيوسياسي ما بين حزب العمال الكردستاني في تركيا وقوات سوريا الديموقراطية. وهو ما دفع أردوغان للقيام بعدد من العمليات العسكرية بالشمال السوري، الأولى: عملية درع الفرات في 2017، والثانية: عملية غصن الزيتون في 2018، والثالثة عملية نبع السلام في 2019، بينما الرابعة، والتي تأتى استكمالاً للنهج الجيوسياسي، حيث تتمثل في عملية "المخلب – السيف". فضلاً عن العملية "درع الربيع"، وذلك في عام 2020 حيث تم توجيهها ضد النظام السوري رداً على استهدافه جنود أتراك في محافظة إدلب.


سياقات داعمة


انتزعت أنقرة قبول مرن من جانب كلٍ من روسيا والولايات المتحدة، أو على أقل تقدير عدم المعارضة الصريحة، فضلاً عن غض الطرف من النظام الإيراني، وهو ما يعرف بـ "توازنات المصالح"، حيث أسس لتلك الفرضية عدد من السياقات الداعمة للتحركات التركية في شمال سوريا والعراق، أبرزها:


- سياقات واشنطن: ثمّة عدد من السياقات التي دفعت البيت الأبيض بتوجيه صياغات مرنة تجاه العملية التركية في شمال سوريا والعراق، أبرزها: أولاً، تعزيز سياسات حلف الناتو نحو التمدد بالجناح الشرقي للكتلة الأوروبية، وبصفة خاصة عبر إنهاء إجراءات الضم لكل من فنلندا والسويد[2]، وهو ما يستلزم معه موافقة البرلمان التركي لإنجاز ذلك التوجه. وثانياً، انشغال الولايات المتحدة الأمريكية بتوفير الطاقة لحلفائها من الدول الأوروبية، فضلاً عن متابعة تطورات الحرب الروسية الأوكرانية القائمة ومسارات التسوية السياسية. وثالثاً: انتهاج الإدارة الديموقراطية نهج "الخروج المرن" من منطقة الشرق الأوسط، والتعاون فقط بمجالات مكافحة الإرهاب عبر التشبيك مع قوى التحالف الدولي لمحاصرة ووأد تلك الظاهرة. 


- سياقات موسكو: عدد من المحددات الروسية شكّلت بمحتواها "عدم المعارضة الصريحة" للتحركات التركية في شمال سوريا والعراق، أبرزها: أولاً، انخراط موسكو جيوسياسياً بالحرب القائمة مع أوكرانيا. ثانياً، إنهاك موسكو بالحزم العقابية الأوروبية والأمريكية المتتالية وانعكاساتها المباشرة على هشاشة معدلات النمو للاقتصاد الروسي. ثالثاً، سحب موسكو العديد من قواتها البرية والجوية من الأراضي السورية وتوجيهها للمجال الأوكراني. رابعاً، رغبة موسكو في "موازنة المصالح" مع الجانب التركي لإنجاز أجنداتها في ملف الأزمة الأوكرانية، مثل التعاون الروسي التركي في اتفاق تصدير الحبوب[3].  


- سياقات طهران: تتمثّل في انشغال الحكومة الإيرانية بعدد من الملفات ذات الأولوية، أبرزها، أولاً: الاحتجاجات المحلية بالداخل في ظل انحسار شعبية النظام الحاكم، وهو ما يدفعها لغض الطرف عما يحدث في الدول ذات التمدد الجغرافي وفقاً لوثيقتها العشرينية "إيران 2025". ثانياً: استهداف مجموعات المعارضة الكردية الإيرانية داخل إقليم كردستان العراق، وهو ما يمثل نقطة لصالح أنقرة قد يُحسن استغلالها لدفع طهران لتجاوز معارضتها للعملية العسكرية التركية.


"ثمّة عدد من التداعيات السياسية والأمنية المُحتملة جراء العملية العسكرية التركية "المخلب- السيف"، التي قد تتجاوز في حجم انعكاساتها الأراضي السورية إلى العمق الإقليمي."


تداعيات مُحتملة


ثمّة عدد من التداعيات السياسية والأمنية المُحتملة جراء العملية العسكرية التركية "المخلب- السيف"، والتي قد تتجاوز في حجم انعكاساتها لما بعد الأراضي السورية إلى العمق الإقليمي، فضلاً عن تهدئة الأطر الأمنية للنظام الدولي، منها:


- إعادة إنتاج "تنظيم داعش":  تُبنى تلك الفرضية على ما أعلنته قوات سوريا الديمقراطية رسمياً في أعقاب الضربات التركية تعليق عملياتها مع التحالف الدولي ضد خلايا داعش[4]، الأمر الذي من شأنه تقويض عمليات مكافحة الإرهاب المشتركة بين الولايات المتحدة الأمريكية وقوات قسد، خاصة وأن التحركات التركية قد تؤدي إلى فرار العناصر الإرهابية من داخل المعتقلات التي قد يتم استهدافها إلى مناطق ووجهات أخرى ذات طبيعة "اضطرابيه"، مثل دول وسط وغرب إفريقيا والتي أصبحت واجهة لإعادة التكوينات الإرهابية مستغلين في ذلك الأوضاع السياسية المضطربة داخلياً، وهشاشة نظامها الأمني. 


- تزايد احتمالات "الفراغ الأمني": قد تدفع الضربات العسكرية التركية في الشمال السوري قوات سوريا الديمقراطية إلى خفض قواتها المخصصة لحراسة السجون والمخيمات التي توجد بها عناصر داعش[5]، فضلًا عن توجيه أولوية العمليات التي تنفذها تلك القوات للرد على الضربات التركية بدلاً من توجيهها ضد خلايا داعش، وهو ما قد يخلق حالة من الفراغ الأمني ستتشكل في ظلها بيئة مواتية للتنظيم، لتعزيز صفوفه ولملمة شتاته وتصعيد هجماته سواء داخل الجغرافيا السورية أو خارجها. بالمقابل، قد تدعم تركيا "الجيش الوطني السوري" مقابل تراجع قوات سوريا الديموقراطية، وهو ما قد يدفع بعدد من التداعيات، أبرزها، استمرار الأولى في مواصلة أعمالها غير المشروعة كالتهجير القسري، فضلاً عن تبعيتها للأجندة التركية دون امتلاك مشروع سياسي وطني مثل قوات سوريا الديموقراطية[6]، بالإضافة إلى هشاشة قواتها وافتقارها لقيادة مركزية موحدة، وهو ما قد يُنذر بفراغٍ أمني. 


- تراجع فرص "التسوية السياسية": حيث إن التحركات التركية في شمال سوريا، والمتمثلة في العملية "المخلب - السيف"، في مضمونها تضرب بمخرجات "مباحثات الأستانة" والتي ضمت كل من روسيا وتركيا وإيران بجانب القوى الوطنية السورية. إذ أن العملية العسكرية القائمة تخل بالتعهدات التركية المتفق عليها حول أهمية الحفاظ على سيادة الدولة السورية، وسلامة أراضيها، ومجابهة الأجندات الانفصالية الداعمة لتقويض الوحدة السورية وتهديد أمن دول الجوار بالمنطقة. وهو ما قد يدفع بضعف احتمالات انعقاد أي مباحثات مستقبلية لإنجاز متطلبات التسوية السياسية للمسألة السورية. 


- إعادة ترسيم "الخرائط الديموغرافية": وذلك بالنظر إلى استمرار سياسات أنقرة نحو "تتريك" المناطق الواقعة تحت سيطرتها بالشمال السوري، وربطها بالمؤسسات التركية[7]. فعلى سبيل المثال: تم افتتاح مؤسسات تعليمية مختلفة لكل المستويات تستهدف دراسة المناهج التركية. بالإضافة إلى فرض التعامل بالليرة التركية بدلاً من العملة الوطنية السورية وذلك بمناطق التمدد وبسط النفوذ بالشمال السوري. بالإضافة لعدد من الإصلاحات السياسية والهيكلية لربط مناطق شمال سوريا إدارياً واستراتيجياً بتركيا تمهيداً لاستخدامهم كإحدى الأوراق الداعمة للانتخابات المُقبلة في ظل تراجع شعبية الرئيس "رجب طيب أردوغان" وحزبه العدالة والتنمية. 


- خلق "مساحة جديدة" للتنافس الأمريكي الروسي: تتعلق تلك الفرضية بالتواجد العسكري الروسي والأمريكي بشمال سوريا، مقابل انخراط كلا الدولتين في مسارات الحرب القائمة في أوكرانيا وانعكاساتها المباشرة على كافة المجالات السياسية، والأمنية، والاقتصادية، والتجارية. وهو ما قد يؤدي إلى إضعاف وإنهاك قوات كل منهم، أو إحداهما دون الأخرى، وذلك وفقاً لخرائط التشبيك مع القوى التركية والأطراف المحلية بالداخل السوري. وهو ما قد ينعكس بالتبعية على مستقبل المفاوضات المُحتملة بين موسكو والقوى الغربية حول مُجمل القضايا محل النزاع والتي في مقدمتها مآلات الأزمة الأوكرانية.


تأسيساً على ما سبق، وبالنظر لمجمل الأهداف التركية من العملية العسكرية "المخلب – السيف"، التي تتماهى مع السياقات الإقليمية والدولية القائمة، فإنّ ثمّة ترجيحات تدفع بسيناريو "العملية المحدودة" بالمناطق المتاخمة لغرب الفرات، وذلك بالنظر إلى ضبابية ردود الأفعال من القوى الفاعلة بالملف السوري على نحو ما قد يُنذر بتغير في الصياغات المرنة المُعلنة. فضلاً عن رغبة تركيا في عدم التصادم المباشر مع الوجود الأمريكي والروسي في شرق الفرات، حفاظاً على مصالحها الحيوية سواء بالداخل، أو بالمحيط الإقليمي والتموضع بالدائرة الأوروبية عبر دائرة "الإتحاد"، وذلك في ظل الوقوف على مسافة واحدة من كل من روسيا والكتلة الغربية + الولايات المتحدة الأمريكية.




د. إيمان زهران
متخصصة في العلاقات الدولية والأمن الإقليمي، باحثة غير مقيمة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات

مراجع:

[1] ) انفجار تقسيم .. 6 أسباب وراء استهداف "قلب إسطنبول النابض"،sky news  عربية، 13 نوفمبر2022، bit.ly
[2] ) إيمان زهران، انعكاسات توسع حلف شمال الأطلسي "الناتو" على الترتيبات الأمنية للكتلة الأوروبية، السياسة الدولية، 22/5/2022، bit.ly
[3] ) وسط ترحيب دولي.. تمديد اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية أربعة أشهر، فرانس 24، 17/11/2022، bit.ly
[4] ) منى قشطة، تأجيج المخاطر… هل تُصعّد العملية العسكرية التركية في شمال سوريا نشاط داعش؟، المرصد المصرى، 29/11/2022، bit.ly
[5] ) المرجع السابق.
[6] ) Navvar Saban , The Past, Present, and Future of the Syrian National Army, Al Sharq Strategic Research,  31 August 2021 , bit.ly
[7] ) أحمد محمد فهمى ، تداعيات التهديد التركى بشن عملية برية بشمال سوريا، مركز شاف للدراسات المستقبلية وتحليل الأزمات والصراعات (الشرق الأوسط وإفريقيا)، 5/12/2022، bit.ly
Shared Post
Subscribe

Read also