التحليلات

العروض العسكرية الحوثية: غطاء للضعف أم فائض قوة

وحدة بشرية حوثية في صنعاء تمر من فوق العلم الأمريكي، 11 أغسطس 2022 (إعلام حوثي)

31-08-2022 at 9 PM Aden Time

language-symbol

 "الاستعراضات العسكرية هي نوع من أنواع الرقص، شيء يشبه الباليه، إنها تعبير عن امتلاك القوة. بكلمات أخرى، هي شيء يقول: أنا قبيح ولا أحد يجرؤ أن يضحك عليّ بسبب ذلك". الروائي والصحفي البريطاني المشهور جورج أورويل


سوث24 | وضاح العوبلي


في وضع الدولة المثالي، يكون الهدف من العرض العسكري هو التفاخر أمام دول العالم الأخرى ورفع معنويات الشعب، وفي حالات الحروب الباردة يعتبر الاستعراض العسكري رسالة سياسية للخصم بطريقة استعراضية.


نظّم الحوثيون عدة عروض عسكرية في صنعاء خلال الأسابيع الماضية، تضمنت إبراز وحدات بشرية وأسلحة متوسطة وثقيلة وعتاد عسكري متنوع. يزعم الحوثيون، المدعومون من إيران، بقدرتهم على إنتاج الأسلحة محليا لإبراز قوتهم التصنيعية، والادعاء بأنّ هذه أحد منجزاتهم، مستغلين الهدنة الأممية التي أعلن عنها في أبريل الماضي.


لكنّ حقيقة الأمر، أنّ الحوثيين كانوا قد استولوا بالفعل على ترسانة عسكرية ضخمة وهائلة تمثل بُنية تحتية ومخزون استراتيجي لجيش الجمهورية اليمنية. وهو مخزون عسكري تراكمي يمثل في أساسه سلاح جيوش دولتي الجمهورية العربية اليمنية، وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية الذي تم نقله وإعادة توزيعة وتخزينه بعد حرب 1994، في مخازن عسكرية استراتيجية تركزت معظمها حول العاصمة صنعاء. إضافة إلى صفقات كبيرة من التسليح النوعي الشرقي المستورد للجيش اليمني وقوات الأمن من عدد من الدول وعلى رأسها روسيا والصين.


ربما لا يدرك البعض أنّه لا يزال لدى الحوثيين مخزون استراتيجي كبير من التسليح، رغم خسارتهم لجانب كبير خلال فترة الحرب الممتدة منذ 2015، خصوصا بغارات طيران التحالف الذي تقوده السعودية. بيد أن هذا لا يعني استنزاف المخزون العسكري للحوثيين إلى أدنى مدى. إذ لا تزال صفقات تهريب الأسلحة التي تقدمها إيران للجماعة مستمرة. ولا تقتصر تلك الشحنات المهربة على البنادق الآلية والأسلحة المتوسطة، بل يتجاوزها إلى محركات الصواريخ الباليستية، وصواريخ الكورنيت الحرارية الدقيقة والفتاكة، والطائرات المسيرة، وهذه أسلحة لم تكن موجودة في ترسانة الجيش اليمني سابقًا. لقد تم إدخالها بالتهريب بعد "انقلاب" الحوثيين في 21سبتمبر 2014. وفي سبعة يوليو الماضي صادرت بريطانيا، بالفعل، شحنة أسلحة ايرانية اعترضتها سفينة تابعة لسلاح البحرية الملكية البريطانية كانت في طريقها إلى الحوثيين. إنّ ذلك يُعدّ دليلا دامغا على دعم طهران لوكلائها في اليمن. وقد تضمنت تلك الشحنة صواريخ أرض - جو ومحركات لصواريخ "كروز" للهجوم الأرضي".[1]


ومع ذلك يجب الإشارة إلى أنّ الحوثيين سيطروا على بنية تحتية متكاملة للجيش، لا تقتصر على الأسلحة والمعدات، بل تتجاوزها إلى معامل وورش خاصة بالتصنيع العسكري كانت تتركز بشكل رئيسي في دائرة التأمين الفني في معسكرات ما يسمى "معسكر الصيانة، ومعسكر قاعدة الإصلاح المركزية المجاور له، وكذلك مجمع 22 مايو للتصنيع العسكري". وهذه المجمعات تحوي عدد من الورش ومعامل التصنيع العسكرية. كما استولى الحوثيون على مصنع ذخائر اوتوماتيكي متطور "رقمي" صيني الصنع، كان قد تم التعاقد عليه مع الصين في أواخر فترة الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، وتم توريد أجزاءه في فترة الرئيس هادي. وقد تأخرت عملية تركيب المصنع حينها متأثرة بصراع خفي بين الرئيس هادي، الذي كان يرى ضرورة إقامة المصنع على أنقاض مصنع 10 أكتوبر الذي تم تفجيره وتدميره في الحرب ضد القاعدة بمحافظة ابين عام 2011، فيما رأت قوى نفوذ شمالية محيطة بهادي أن يُقام المصنع فيما كان يسمى سابقًا "معسكر صبرا وشاتيلا" جنوب صنعاء. وهذا الصراع الخفي أدى لتأخر تركيب المصنع وتدشين العمل به لإنتاج الذخائر. فيما بعد استولى الحوثيون على المصنع، عقب انقلابهم على السلطة الشرعية ونقلوه إلى أحد مخابئهم في جبال صعدة وعملوا على تدشين الإنتاج منه لتغطية حاجة جبهاتهم من الذخائر. [2] لقد كان هذا المشروع سري ولم يتم تناوله إعلاميًا، ولا يعرف عنه إلا عدد محدود من ضباط الجيش الذين كانوا في صنعاء قبل 2014.


وحتى تتضح الصورة بشكل أكبر حول مستوى ترسانة الجيش اليمني التي استولى عليها الحوثيون، ينبغي العودة إلى مشاهد الاستعراضات العسكرية التي أقيمت قبل 2014، في عدد من الفعاليات الوطنية، وحجم ترسانة السلاح الظاهر فيها. على الرغم من أنّ ما كان يتم استعراضه حينها هو عبارة عن عينات وطرازات رمزية لمخزون استراتيجي عسكري كبير. هذا السلاح بكامله سيطر عليه الحوثيون بعد سيطرتهم على الدولة في صنعاء.


تأثير الحرب على قوة الحوثي 


لقد أثّرت الحرب بشكل فعلي وكبير على القوة البشرية للحوثي، لكن هذا لا يعني وصوله إلى حد الاستنزاف الحاد، وهذا يعود لأسباب اهمها أنّ الحوثيين يسيطرون على مناطق الثقل السكاني. ورغم أن تلك المناطق لا تمثل سوى 30 بالمئة من مساحة اليمن الجغرافية، إلا أنها محافظات التركز السكاني الكثيف ذو الطابع القبلي المتأثر سلبًا وايجابًا بطبيعة المصالح التي ترتبط بصنعاء. ذلك أتاح للحوثيين تعويض الفاقد الكبير في قواتهم البشرية من قوام هذه الكتلة السكانية الكبيرة، والتي تحولت إلى وقود للحرب. إضافة إلى تراخي أطراف الشرعية عن مهمة التحرير وإخفاقاتهم المتتالية أو انضمام البعض للجماعة الحوثية.


تحليل العروض الحوثية الأخيرة 


أقام الحوثيون ستة عروض عسكرية خلال الأسابيع الماضية. دشنوا ذلك بعرض عسكري "تخرج دفعات عسكرية" لمجنديين قبيل انتهاء الهدنة الأممية الثانية 28 يوليو 2022. أعقب ذلك خمسة عروض عسكرية توزعت في الفترة الممتدة من 15-1 أغسطس، وهي الفترة نفسها التي تزامنت معها مفاوضات أممية مكثفة لتمديد الهدنة لـستة أشهر قادمة أو ما سمي بـ "اتفاق الهدنة الموسّع". يدرك الحوثيون أهمية هذه الاستعراضات العسكرية لصالح تحقيق ضغط على المفاوضين وانتزاع مزيد من التنازلات.


وفي الحديث أعمق بهذه العروض العسكرية، يمكن تناولها بالمحاور التالية:


أولًا: القوة البشرية


لقد ظهرت سرايا العرض التابعة للكليات العسكرية التابعة للحوثي بمظهر عسكري مقبول، من الهندام إلى توحيد الحركات العسكرية خلال الاستعراض، وهذا يعود بدرجة رئيسية إلى تركز البنية التحتية للمنشآت التعليمية العسكرية من معاهد وكليات عسكرية بكامل تجهيزاتها ومناهجها وكوادرها ومعاملها في صنعاء. لقد ساعد ذلك الحوثيين على استدعاء من تبقى من كادر الضباط العاملين فيها، وتوظيفهم لتأهيل من يتم تسجيلهم من أنصار الجماعة في الكليات والمعاهد العسكرية، بصورة تتجاوز شروط القبول التي كانت مُعتمدة سابقًا. كما يتم توظيف تلك المنشآت العسكرية الرسمية كعامل جذب لخريجي الثانوية العامة، باسم الانتساب إلى الكليات العسكرية، بينما تم تقليص الدراسة فيها من ثلاث سنوات إلى ستة أشهر في الغالب، كما يتضح من توقيت تخرج تلك الدفعات.  


ومع ذلك، لم يظهر ما يشير إلى أنّ تلك السرايا بالمستوى الذي يمكن اعتبارها جيشًا نظاميًا. إذ اكتفى الحوثيون بعرض مشاهد محدودة خضعت للمونتاج بهدف إخفاء جوانب القصور التي رافقتها، ولا يبدو أنّ القوى البشرية خضعت للبروفات اللازمة.


أراد الحوثيون من خلال الحشد البشري الكثيف إيصال رسالة مفادها: أنهم ما زالوا يمتلكون قوة بشرية كافية، وأن ّهناك إقبالا كثيفا على التجنيد في صفوفهم، ويعتقدون أن هذا يعني لخصومهم بأنهم -الحوثيين- ما زالوا يحظون بشعبية وقبول كبيرين في مناطق سيطرتهم. وبذلك، يعتقد الحوثيون أنهم أسقطوا رهانات خصومهم في التحالف والأطراف الأخرى، التي كانت تراهن على استنزاف القوة البشرية أو إنهاك قواهم وقدراتهم خلال أعوام الحرب السبعة.


وعلى عكس الروايات الحوثية، قالت مصادر عسكرية، متواجدة في صنعاء، رفضت إظهار هويتها، بأنّ القوة الفعلية "العقائدية" للحوثيين تنتشر حاليا في الجبهات. في حين أنّ بعض المشاركين بتلك العروض عسكر متقاعدون، وآخرون شاركوا مقابل أجر يومي ووعود بتسجيل أسمائهم ضمن كشوفات المستحقين للرواتب، التي يقول الحوثيون أنّ الأمم المتحدة وعدت بصرفها. 


أكثر السرايا عددا شاركت في عرض ما أسماه الحوثيون "المنطقة العسكرية السادسة"، الذي أقيم بمحافظة عمران بتاريخ 15 أغسطس 2022، وبلغت نحو 19 سرية عرض، بينما تأرجح عدد تلك السرايا في العروض الأخرى.


ثانيًا: التسليح


أما فيما يتعلق بنوعية الأسلحة التي استعرضها الحوثيون، فيمكن القول أنّ الحوثيين لم يستعرضوا الأسلحة الاستراتيجية التي يدعون امتلاكهم لها كالصواريخ المجنحة والصواريخ الباليستية طويلة المدى، كما لم تظهر فيها طرازات جديدة، وتم الاكتفاء بعرض طائرات "رجوم" المسيرة ذات الخمس المراوح. وهذا النوع من الطائرات يعتمد عليها الحوثيون بشكل رئيسي في الجبهات الداخلية. كما أنّ كثير من نُسخ وطرازات الأسلحة التي استخدمها الحوثيون في مسرح عملياتهم العسكرية، غابت عن العروض العسكرية التي أقاموها مؤخرًا، ومنها طائرات راصد وقاصف وصماد3، وهذا بدوره يعزز من فرضية أنّ عروضهم هذه كانت لهدف إظهار القوة البشرية أكثر منها عرضًا للقدرات التسليحية.


كما يعزز هذا المشهد أيضًا فرضية أخرى تفيد بأنّ الأسلحة النوعية كالصواريخ طويلة المدى والمجنحة، ليست تحت تصرفهم، وإنما تخضع لسيطرة وتصرف ضباط وخبراء من الحرس الثوري الإيراني. لذا، في أحسن الأحوال، قد يشكّل عدم عرض تلك الأسلحة رسالة تتضمن حسن نوايا "إيرانية" تجاه السعودية، بهدف إنجاح المحادثات بين البلدين. خصوصا وأنّ معظم تلك الأسلحة استهدفت بصورة خاصة أراضي المملكة.


التأثير على موازين القوى 


من وجهة نظر عسكرية، لا يبدو أنّ ما عرضه الحوثيون، قد يؤثر على موازين القوى مع الأطراف الأخرى، التي دشنت هي الأخرى مرحلة تجنيد فعلية وواسعة في عدد من الألوية التي جرى تشكيلها مؤخرًا، باسم "قوات اليمن السعيد". وبالتالي لا تبدو هناك مؤشرات بأنّ القوى العسكرية المحسوبة على الأطراف المنضوية ضمن مجلس القيادة الرئاسي تعاني من نقص في القوات البشرية. كما لا يبدو أنّ تلك القوات التي استعرضتها الجماعة الحوثية أخذت، بالفعل، حيزًا في اهتمامات خصوم الجماعة.


العقيد وضاح العوبلي

خبير عسكري وباحث غير مقيم لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات، ضابط في القوات الجوية اليمنية

مراجع:
[1] أسوشيتد برس، سفينة بريطانية تصادر صواريخ إيرانية متجهة إلى اليمن (روسيا اليوم)
[2] معلومات من مصادر عسكرية خاصة
Shared Post
Subscribe

Read also